Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحصار وسيلة حربية قديمة لا تزال فعالة

تستهدف إسرائيل تجويع سكان غزة وإغلاق معابر القطاع دفع الدول إلى رمي المساعدات من الجو

لجأ بعض الدول إلى إسقاط المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة  (أ ف ب)

ملخص

تأتي القدس في أعلى قائمة المدن التي تعرضت للحصار عبر التاريخ بإجمالي بلغ 27 مرة بينهم المقدونيون والرومان والصليبيون والتتار وغيرهم

فرضت إسرائيل منذ عام 2005 حصاراً خانقاً على قطاع غزة في فلسطين، وطاول حركة الأفراد والبضائع براً وبحراً وجواً. وفي 2007 أحكم الحصار على القطاع ذي الكثافة السكانية الأعلى في العالم عدا عن أن معظم سكانه هم من اللاجئين الفلسطينيين الذين يقيمون في مخيمات تديرها منظمة "الأونروا". كما منعت إسرائيل دخول عدد كبير من البضائع والمنتجات، وقننت دخول بعضها الآخر مثل المحروقات والكهرباء والدواجن واللحوم، وأغلق معبر رفح المنفذ الوحيد للقطاع إلى العالم الخارجي من جانب مصر.

ومنذ ذلك العام، أي قبل ما يقارب العقدين، يصف الناشطون والباحثون والمتضامنون مع سكان قطاع غزة القطاع بأنه "سجن واسع في الهواء الطلق". أما بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة والنتائج الدموية الهائلة الناتجة منها بات الحصار السلمي السابق حصاراً عنيفاً حالياً. وقد أشار عدد من المنظمات الدولية إلى قصد تجويع سكان القطاع بعد تهجيرهم، مما اضطر عدداً من الدول إلى رمي المساعدات من الطائرات. وأشار عدد من المسؤولين الأممين إلى أن إعادة القطاع إلى ما كان عليه قبل الحرب سيحتاج إلى عشرات السنوات ومئات مليارات الدولارات لإعادة الإعمار ووضع عجلة الاقتصاد على السكة الصحيحة.

يمكن القول إن حصار قطاع غزة الحالي وبالطريقة التي يتبعها الجيش الإسرائيلي لتكريسه عبر منع فتح المعابر ودفع الدول إلى رمي المساعدات عبر الجو، هو من أحدث أنواع الحصارات التي فرضت على المدن المأهولة بالمدنيين.

وكانت الحصارات لا تزال تفرض على دول بعينها أو على مدن محددة حتى السنوات الأخيرة. فالحصار الاقتصادي ما زال مفروضاً على إيران وكوريا الشمالية منذ عقود طويلة، أما الحصار العسكري فقد طاول مدينة حلب السورية في العقد الماضي من قبل القوات الحكومية والميليشيات المتعاونة لها من أجل طرد المقاتلين الأجانب والميليشيات الكردية والمقاتلين التابعين للأحزاب المعارضة المتحصنين في جميع أنحاء المدينة. وانتهى حصار مدينة حلب بمقتل 300 من المسلحين من كل جانب، ومصرع ما يزيد على 500 مدني.

الحصار من أجل التجويع

يؤكد بحث منشور في موقع "التاريخ العسكري" أن فكرة تطويق العدو وتجويعه لدفعه إلى الاستسلام بدلاً من هزيمته في معركة مفتوحة كانت سمة مشتركة لمعظم الحروب الحالية والقديمة التي نشبت بين المستوطنات المسورة والتلال المحصنة في العصر البرونزي.

يعود تاريخ أول حصار مسجل إلى القرن الـ15 قبل الميلاد عندما أنهك جيش مصري بقيادة تحتمس الثالث المدافعين الكنعانيين عن مدينة مجدو التي تقع في فلسطين الحالية. ومنذ ذلك الحين سجل ما يقارب 500 حصار في التاريخ العسكري.

"قواعد" الحصار

تطورت قواعد حصار المدن والقلاع عبر الزمن، وكان كل حصار يقدم معلومات جديدة لتحديث الحصارات التالية، وفي القرن الـ17 جمع المهندس العسكري الفرنسي ماركيز دي فوبان قواعد الحصار التي كانت الجيوش قد توصلت لها في كتاب.

وانطلقت مجمل خطط الحصار من معرفة مدى قدرة الطرف المحاصر على تحمل الحصار قبل أن يستسلم، فبناءً على هذه المعلومة تحدد متطلبات الحصار الباقية، وكان الهدف المعلن إسقاط المدينة أو القلعة المحاصرة من دون إراقة دماء، على رغم أن معظم الحصارات تمت بسبب صعوبة اقتحام المكان المحاصر. وكانت قوانين الحصارات القديمة تجيز للفريق الذي يتمكن من عبور الدفاعات بعد انتهاء المدة المحددة للحصار بنهب المكان وذبح سكانه دون رحمة بسبب استنفاذ المحاصرين مدة الحصار من دون الاستسلام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب العلوم العسكرية المتعلقة بالحصار فإن هذا النوع من الحرب يقوم على مبدأ الصبر أو الانتظار والاستنزاف. وقد يكون الهدف تجويع المدنيين كي يضغطوا على المدافعين من أجل فك الحصار.

كانت آثار حصار مدينة لينينغراد السوفياتية في الحرب العالمية الثانية من قبل الألمان وحصار فيكسبيرغ خلال الحرب الأهلية الأميركية قاسية جداً على السكان المدنيين في المدينتين، وأدى إلى آلاف من الوفيات بسبب الجوع. ومع ذلك في عديد من عمليات الحصار الأخرى كان لدى المدافعين الإمدادات الدائمة التي مكنتهم من الصمود وقتاً طويلاً. مثلاً في حروب الورد التي استمرت لسبعة أعوام حوصرت قلعة هارليتش طوال فترة الحرب من 1461 إلى 1468، وكان من أطول الحصارات في التاريخ البريطاني. وكان موقع القلعة على الماء قد سمح بإمدادها بالمؤن والسلاح.

حصار قرطاجة 

قبل ذلك بقرون كثيرة حاصر الرومان قرطاجة ومعاقلها في جزيرة صقلية لمدة ثماني سنوات بين 249 و241 قبل الميلاد. وكان الاستيلاء عليها بمثابة نهاية الحرب البونيقية الأولى، ولم ينجح الحصار إلا بعد محاصرة المدينة والجزيرة من جهة البحر.

بين عامي 1648 و1669 احتجز الجيش العثماني سكان مدينة كانديا في جزيرة كريت وكانوا من أهالي البندقية. وبلغ عدد الجيش العثماني 80 ألف جندي بينهم 20 ألف مهندس. امتد الحصار على 19 عاماً، أي عقدين من الزمن، وحاول الأتراك تفجير أسوار المدينة بالمدفعية، ولكن دون جدوى، ثم ردت إمارة البندقية بحصار مضيق الدردنيل الذي تسيطر عليه تركيا، وفشلت المحاولة. وبعد عقدين من الحصار تسبب الجوع والإحباط بتخلي قائد البندقية والمدافعين المتبقين البالغ عددهم 3600 عن المدينة وسمح للسكان بالمغادرة بحياتهم.

 

كانت مدينة روما عاصمة للعالم القديم على مدى قرون، مما أدى بها إلى الوقوع تحت الحصار لمرات عديدة سقطت على أثرها رغم حمايتها بصورة كبيرة من قبل الجيش الروماني وأسوارها العالية. وطاولت روما سبعة حصارات بين القرنين الخامس والـ19. في عام 410 حاصرها ثم نهبها القوط تحت قيادة ألاريك. بعد 45 عاماً جاء دور الفاندال لتطويق الرومان وتجويعهم. وبين عامي 530 و550 ستقع على المدينة ثلاثة حصارات إضافية، مرة أخرى على أيدي القوط. وجاء الحصار التالي لروما من قبل الفرنسيين في عام 1849.

أما مدينة جبل طارق التي تعمل كبوابة بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي فقد عانت 14 حصاراً على مر القرون، 9 منها وقعت خلال إعادة الفتح في القرنين الـ14 و15 عندما قاتلت الجيوش الإسبانية لطرد المسلمين من شبه الجزيرة، ثم في عام 1540 حاصر القراصنة تحت قيادة بربروسا جبل طارق واقتحموه.

في عام 1704 استولى هجوم إنجليزي وهولندي مشترك على المدينة ووضع الميناء الاستراتيجي وقيادة الصخور في أيدي البريطانيين. أما الحصار الأهم الذي طال هذه النقطة المفصلية فكان في عام 1782 عندما حاولت إسبانيا وفرنسا انتزاع السيطرة من البريطانيين دعماً لحرب الاستقلال الأميركية عن سلطة الملك الإنجليزي.

ونتيجة لموقعها الاستراتيجي الفاصل بين الشرق والغرب وبين قارتي آسيا وأوروبا وبين حضارتين وقعت مدينة القسطنطينية أو إسطنبول الحالية تحت 17 حصاراً في تاريخها، وكان آخرها لمدة شهر، والذي فرضه الأتراك عام 1453 ليؤدي سقوط المدينة إلى سقوط الإمبراطورية البيزنطية مرة واحدة وإلى الأبد.

وتأتي مدينة القدس في أعلى قائمة المدن التي تعرضت للحصار عبر التاريخ، وقد بلغ عددها 27 مرة، بدءاً من عام 1443 قبل الميلاد. على مدى السنوات الـ2600 التالية، ستتم السيطرة على المدينة المقدسة من قبل الملك داوود والمصريين والفلسطينيين والإثيوبيين والسوريين والآشوريين والبابليين والمقدونيين والرومان والعرب والصليبيين والتتار، مروراً بحصارات مختلفة ما زالت مستمرة بصورة أو بأخرى حتى اليوم.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير