Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا يضطر عدد متزايد من الهنود إلى العمل في مناطق الحرب؟

مع أن الاقتصاد الهندي يعد من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم لا تزال معدلات البطالة ونوعية الوظائف المعروضة تشكل مصدر قلق كبير للملايين من الناس

تظهر هذه اللقطة المأخوذة في 22 فبراير 2024 صورة مطبوعة للمواطن الهندي محمد أصفان، الذي يبدو مرتدياً الزي العسكري الروسي، وكانت آخر مرة اتصل فيها بعائلته من المدينة الواقعة جنوب روسيا قبل تجنيده، وسط احتدام المعارك في حرب أوكرانيا (أ ف ب عبر غيتي)

ملخص

رغم الانتعاش الاقتصادي الهندي يذهب عديد من الهنود إلى مناطق خطر للعمل وكسب الأموال

رحل بات نيبين ماكسويل عن الهند وانتقل للعيش في إسرائيل في ذروة حرب غزة في ديسمبر (كانون الأول) من السنة الماضية، تاركاً زوجته الحامل وابنته البالغ عمرها أربع سنوات. ولا شك في أن قرار انتقاله إلى بلد آخر، بحثاً عن العمل، لم يكن سهلاً، لا سيما أنه قرر أن يحط رحاله في منطقة فيها هذا القدر من عدم الاستقرار.

وفي حوار مع "اندبندنت"، روى قريبه جوزيه دنيس أن ماكسويل اتخذ قراره "لأسباب مادية"، وانضم إلى مئات الهنود الشبان الذين قبلوا بوظائف مخصصة للفئة العاملة (وظائف الياقة الزرقاء) في مواقع خطرة [من العالم]، بما يشمل الجبهة الروسية [في الحرب] مع أوكرانيا، وقد دفعهم إلى ذلك ما اعتبره أحد خبراء الاقتصاد "يأساً شديداً" بسبب قلة الوظائف التي توفر دخلاً جيداً في الهند.

وفي الرابع من مارس (آذار) الماضي، تلقى أفراد عائلة ماكسويل اتصالاً هاتفياً، علموا خلاله بأن الشاب البالغ عمره 31 سنة تعرض لإصابة بالغة، نتيجة هجوم بالصواريخ المضادة للدبابات على مزرعة دواجن في شمال إسرائيل. وروى دنيس قائلاً: "نقلوه إلى المستشفى مع هنديين آخرين"، قبل أن يضيف "عرفنا لاحقاً أنه فارق الحياة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا شك في أن قرار العمل في مناطق حرب يكون محفوفاً بأخطار كبيرة، حتى لو كان مدعوماً من الحكومة في بعض الأحيان. ومن ثم، فإن حكومة ناريندرا مودي أبرمت اتفاقاً مع إسرائيل، يأذن لـ40 ألف هندي بالعمل في مجالي البناء والرعاية في هذا البلد الشرق أوسطي، للتعويض عن العمال الفلسطينيين الذين خسرهم القطاعان جراء حرب غزة.

ومن ثم، فإن هذه الخطوة الحكومية تبعتها انتقادات في بعض الأوساط، حيث تساءل معترضون على هذا المخطط عن سبب عدم توفير فرص عمل أكثر أماناً [للهنود]، في أماكن تكون أقرب من أرض الوطن.

وعندما أعلنت الحكومة عن مخططها، أكدت أن الهند تلتزم ضمان حماية عامليها المهاجرين. وفي هذا الإطار، قال راندير جايسوال، المتحدث باسم وزارة الخارجية الهندية: "من خلال هذا الاتفاق، نريد أن نضمن أن تكون الهجرة منظمة، وأن حقوق الأشخاص الذاهبين إلى ذلك المكان محفوظة".

استطراداً، وبعد تأكيد خبر وفاة ماكسويل وإصابة هنديين اثنين آخرين جراء "هجوم إرهابي جبان" شنه "حزب الله"، أصدرت السفارة الإسرائيلية في الهند منشوراً على منصة "إكس"، كتبت فيه أنها تشعر "ببالغ الصدمة والأسى".

وورد في المنشور: "بطبيعة الحال، تتجه صلواتنا وأفكارنا إلى أسر الثكالى وعائلات المصابين. وتضع المؤسسات الطبية الإسرائيلية كامل إمكاناتها في خدمة المصابين الذين يتلقون العلاج على أيدي أفضل كوادرنا الطبية. ومن ثم، فإن إسرائيل تنظر بعين المساواة إلى جميع المواطنين، إسرائيليين كانوا أم أجانب، ممن أصيبوا أو قتلوا بسبب الإرهاب".

وفي كولام، تجد عائلة ماكسويل صعوبة في التأقلم مع الفاجعة. وبحسب أقاربه، فقد ترك هذا الأخير، إلى جانب زوجته وابنته الصغيرة، والدين مسنين وشقيقين. ويقول قريبه في هذا الصدد "إنه وقت عصيب للغاية بالنسبة إلينا. فنحن نركض [ذهاباً وإياباً] ونقوم بالترتيبات اللازمة لتسلم جثمانه".

وكان ماكسويل يمتلك شهادة تدريب صناعي، ويعمل مع شركة توريد قوى عاملة في الإمارات العربية المتحدة، قبل أن يستقيل في ديسمبر الماضي وينتقل للعيش في إسرائيل. وقال والده، أنتوني ماكسويل، لصحيفة "إنديان إكسبريس" Indian Express: "لقد حصل على وظيفته بمساعدة صهر نيبين، الذي يعمل كمقدم رعاية في إسرائيل".

وأضاف الوالد "بعد أسبوع من مغادرة نيبين إلى إسرائيل، لحق به شقيقه نيفين. والحال أن نيفين، الذي كان يشغل وظيفة في شركة خاصة في بنغالورو، يعمل أيضاً في القطاع الزراعي في إسرائيل. وقد انتقل الاثنان للعيش في إسرائيل، بالنظر إلى وجود فرص عمل أفضل هناك".

استطراداً، ونتيجة تعليق إسرائيل لتصاريح عمل عشرات الآلاف من الفلسطينيين عقب هجمات "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، ظهرت فجوة عمالية هائلة في البلاد، فظهرت فرص عمل جديدة لذوي الياقات الزرقاء القادمين من بلدان كالهند مثلاً. وبدأت إسرائيل تقدم تأشيرات للراغبين في العمل في قطاعي البناء والزراعة، مما سمح بانتقال نحو 800 هندي إلى البلاد في ديسمبر.

وبحلول فبراير (شباط)، كان عشرات الآلاف من العمال يملؤون مراكز التوظيف في جميع أنحاء الهند، باحثين عن فرص عمل، وسط نقص فادح وحاد في اليد العاملة.

وهكذا، أعلم أنوب سينغ، وهو خريج جامعي وعامل بناء، بأنه سيحصل على نحو 1200 جنيه استرليني (1530 دولاراً) شهرياً إن اختير للذهاب إلى إسرائيل، وهو مبلغ يزيد بكثير عن مبلغ 282 (360 دولاراً) إلى 330 جنيهاً استرلينياً (420 دولاراً) الذي قد يجنيه شهرياً، مقابل العمل نفسه، في الهند.

وقد قال لوكالة "أسوشيتد برس" الأميركية، بينما كان ينتظر موعد مقابلة عمل في المركز في لكناو، عاصمة مقاطعة أوتار براديش الأكثر اكتظاظاً بالسكان في الهند: "هذا ما دفعني للتقدم بطلب هجرة إلى إسرائيل".

بيد أن إسرائيل ليست الوجهة الوحيدة للعمال الهنود الباحثين عن عمل، بغض النظر عن الأخطار، إذ تتزايد التقارير الإعلامية عن تجنيد مواطنين هنود، من دون سابق معرفة لهم بالموضوع، وانضمامهم إلى الجيش الروسي في غزوه لأوكرانيا، بعد انتقالهم إلى بلدان أخرى استجابة لإعلانات وظائف يطلب فيها "مساعدون في الجيش".

والأربعاء الماضي، ذكرت السفارة الهندية في روسيا أنها "علمت بوفاة المواطن الهندي شري محمد أصفان بطريقة مأسوية". وكان أصفان، وهو بائع ملابس من حيدر آباد، قد سافر إلى روسيا عبر دبي في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بحثاً عن عمل. وتقول أسرته إن وسيطاً في الشرق الأوسط "خدعه"، مؤكداً أن أصفان لم يكن يعرف مسبقاً بأنه سيجبر على القتال على الجبهة، حيث قتل.

وفي منشور على موقع "يوتيوب"، وتحديداً على صفحة "بابافلوغز" BabaVLogs التي يديرها فيصل خان، وهو وسيط يقيم في دبي ويبحث عن "مساعدين" هنود من هذا النوع، ورد كلام قال فيه "ليس عليك أن تقاتل"، مضيفاً أن "كل ما عليك فعله هو إزالة المباني المهدمة، والاعتناء بمستودعات الأسلحة. وبعد عام من الخدمة، ستكون مؤهلاً للحصول على الإقامة الدائمة".

ويقال إنه عند وصول المجندين إلى البلاد، يتضح لهم أنهم أمام واقع مختلف تماماً، حيث يرسلون سريعاً إلى جبهة القتال.

وفي تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية، قال أحد مجندي خان، وهو خريج جامعي عاطل عن العمل من أوتار براديش، إنه أرسل إلى منطقة دونيتسك في شرق أوكرانيا، بعد تلقيه تدريباً أساسياً على استخدام السلاح. وقال للوكالة: "أصبت في القتال ونقلت إلى المستشفى، لكنني نجوت بطريقة أو بأخرى".

وقال خان إنه لم يكن على علم بأن بعض "المساعدين" يجري استغلالهم على هذا النحو.

ومن جهتها، أصدرت الحكومة الهندية بياناً، الأسبوع الماضي، أقرت فيه بأنها "على علم بأن عدداً قليلاً من المواطنين الهنود" قد التحقوا بـ"وظائف دعم" مع الجيش الروسي، مؤكدة أنها طالبتهم بـ"الابتعاد" عن الحرب الروسية - الأوكرانية.

وقال جايسوال "لقد تناولت السفارة الهندية هذه المسألة بانتظام مع السلطات الروسية المعنية، بهدف تسريحهم بأسرع ما يمكن".

أما خبراء الاقتصاد، فيقولون إن حملات توظيف ذوي الياقات الزرقاء في إسرائيل وروسيا تلقي الضوء على التصدعات في مسيرة نمو الهند. فمن ناحية، تتمثل الرسالة التي يتبناها رئيس الوزراء ناريندرا مودي في أن الاقتصاد الهندي هو الأسرع نمواً في العالم، فيما يشكل بارقة أمل وسط التوقعات العالمية القاتمة، حيث تستثمر الحكومة في مشاريع البنية التحتية الضخمة لجذب الشركات والمستثمرين الأجانب.

ومع ذلك، تحجم الحكومة عن نشر الأرقام الرسمية للبطالة، وتقول المعارضة إن ارتفاع معدلات البطالة، ونوعية الوظائف المعروضة في البلاد، تشكل مصدر قلق حقيقي وكبير، في وقت أصبحت فيه الهند الدولة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم.

واستطراداً، يقول أ. كالاياراسان، وهو خبير اقتصاد وأستاذ مشارك في "معهد مدارس للدراسات الإنمائية" Madras Institute of Development Studies: "بالطبع، علينا أن نفهم [أن] الهند كثيراً ما شهدت حركة هجرة إلى الخارج"، مضيفاً "في الماضي، لوحظت ظاهرة هجرة إلى الخليج، حيث كان مواطنون من جنوب الهند يتجهون إلى دول الخليج، أو يقرر أشخاص من البنجاب الرحيل إلى كندا. إلى ذلك، هناك البعض من منطقة تاميل نادو، اتجهوا إلى سنغافورة".

بيد أن هؤلاء المهاجرين يبحثون عن فرص عمل لفترات أطول، وبشروط أفضل مما يجدونه في أوطانهم [فيتوقون] إلى بلدان يتوقعون فيها إما الاستقرار نهائياً أو العودة بعد بضع سنوات، لكن بعد أن يكونوا قد جنوا أموالاً طائلة، وفق ما أكده لـ"اندبندنت". لكنه من الواضح أن الوضع يختلف تماماً بالنسبة إلى الأشخاص الذين يقصدون روسيا أو إسرائيل.

وتساءل قائلاً "من يذهب اليوم باندفاع إلى مناطق الحرب هذه لا يبحث فقط عن فرص أفضل، بل يحركه شعور شديد باليأس. وهذا مما يجعل هذه الهجرة الدولية مختلفة عن غيرها".

في سياق متصل، جاء في تقرير "وضع العمالة في الهند" State of Working India، الصادر عن "جامعة عظيم بريمجي" Azim Premji University، أنه بعد تسجيل ارتفاع في عدد الوظائف براتب في العقدين الماضيين، شهدت وتيرة التوظيف برواتب منتظمة حالة جمود منذ عام 2019، بسبب جائحة كورونا وتباطؤ النمو عموماً. وأشار التقرير أيضاً إلى أنه على رغم خفض معدلات البطالة، فإنها لا تزال مرتفعة، حيث تزيد على نسبة 15 في المئة لدى خريجي الجامعات من جميع الأعمار، وتقارب 42 في المئة لدى الخريجين الذين تقل أعمارهم عن 25 سنة.

ومن ثم، ينطوي هذا الخفض في معدلات البطالة أيضاً على محاذير. وتأكيداً على ذلك، يسلط المتخصص الاقتصادي كالاياراسان الضوء على عجز الاقتصاد الهندي عن خلق وظائف لائقة، بأعداد مماثلة لما كانت عليه في الماضي.

"بالتالي، وحتى عندما يقول أحدهم إنه موظف، فما هو نوع عمله، وهل هو سعيد حقاً بما يفعله، وهل هذا حقاً ما يريده؟"، يطرح هذه الأسئلة، وهو يعطي مثالاً على أولئك الذين يعملون في اقتصاد الوظائف الموقتة. فوفق بعض التقديرات، يوظف هذا الاقتصاد ما بين 10 ملايين و15 مليون نسمة في الهند، على أن يتزايد هذا العدد إلى 23.5 مليون نسمة بحلول عام 2030، وفق تقرير صادر عن شركة "ناسكوم" Nasscom.

ويتابع "يكفي مثلاً طرح السؤال على العاملين في شركتي التوصيل "سويغي" Swiggy و"زوماتو" Zomato. فالقسم الأكبر منا يعتبر ما يفعله عملاً، علماً أن عدداً كبيراً ممن تخرجوا من الجامعات وأصبحوا مهندسين، اختاروا وظائف من هذا القبيل بعد نيلهم شهاداتهم. ولو سألتهم عن سبب قيامهم بذلك، لأخبروك بأنهم في طور البحث عن فرص [عمل] أفضل"، لافتاً "إلا أن الوظائف الأفضل وفرص العمل اللائقة أصبحت الآن بالغة السوء ونادرة جداً جداً، على رغم الانتعاش الاقتصادي الذي نشهده".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير