ملخص
دخل الرئيس التونسي قيس سعيد معترك الحياة السياسية من خارج المنظومة الحزبية وهي سابقة في تاريخ العمل السياسي في البلاد. اليوم وقبل أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية هل يحتاج الرئيس إلى حزب سياسي يترجم توجهاته وأفكاره وبرامجه ويجسدها على أرض الواقع؟
أزاحت إجراءات 25 يوليو (تموز) 2021 المنظومة الحزبية في تونس من المشهد السياسي، بعدما تحكّمت فيه لفترة تزيد على 10 سنوات بعد عام 2011، وبلغ عدد الأحزاب حينها 220 حزباً، إلا أنها انشغلت بالصراعات السياسية والمحاصصة الحزبية، على حساب خدمة التونسيين وتحقيق مطالبهم في التنمية والرفاه الاجتماعي، وهو ما عمق الهوة بين تلك الأحزاب وعموم التونسيين.
واستفاد الرئيس التونسي قيس سعيد، من اهتزاز صورة الأحزاب، وتدهور أدائها، وتبنى فكرة أن الشعب يريد إصلاح المؤسسات، ومكافحة الفساد، وضرب المنظومة الحزبية التي خربت الحياة السياسية، وتصحيح مسار ثورة 2011.
وبعيداً عن أي "شبهة حزبية سياسية"، اقتحم سعيّد العمل السياسي من خارج المنظومة الحزبية وهي سابقة في تونس، وتكشف استطلاعات الرأي اليوم عن تقدم لافت له، قبل أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية التي ستُجرى في آخر العام الحالي.
وأظهرت نتائج آخر استطلاع للرأي في شأن نوايا التصويت، تقدم الرئيس الحالي، قيس سعيد بـ23.9 في المئة من الأصوات، يليه المرشح المستقل لانتخابات الرئاسة في عام 2019، صافي سعيد بـ11.2 في المئة، ثم الوزير في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، منذر الزنادي، بـ7.1 في المئة من المستطلَعين.
ويؤمن قسم كبير من التونسيين بمشروع قيس سعيد السياسي وبأفكاره وتوجهاته، وبخاصة ما يتعلق منها بمكافحة الفساد وتفكيك منظومات المضاربة والاحتكار، ورغم ما عرفته البلاد من أزمات اجتماعية وركود اقتصادي غير مسبوق، يحظى رئيس الجمهورية بثقة التونسيين من دون أن تكون له منظومة سياسية داعمة لبرامجه.
الأحزاب خسرت مكانتها
فهل يحتاج سعيد اليوم إلى حزب سياسي يكون وسيطاً بينه وبين الشعب التونسي لإدارة الشأن العام في المرحلة المقبلة؟
يعتقد شق من التونسيين أن قيس سعيّد في تناغم مباشر، وتواصل دائم، مع الشعب من خلال زياراته التفقدية والتحامه مع عموم التونسيين، وأيضاً من خلال ما يطرحه من أفكار ورؤى في إدارة الشأن العام. ويستثمر سعيد في الهوة التي نشأت بين التونسيين والنخب السياسية، لذلك يعوّل التونسيون على الخلاص من تلك المنظومة السياسية من خلال رجل قادم من خارج شبكات السياسة والأحزاب.
وخسرت الأحزاب في تونس مكانتها في صنع القرار السياسي في ظل ترسخ صورة لدى الرأي العام بأنها طبقة سياسية انتهازية تحقق المكاسب السياسية لنفسها مقابل تدهور الوضع الاقتصادي العام بالبلاد.
ويتبنى الرئيس سعيد، خيار "الديمقراطية القاعدية" (مستندة إلى القواعد الشعبية) وهو ملتزم حتى الآن بما طرحه في خريطة الطريق بعد 25 يوليو 2021، من خلال سن دستور جديد وعرضه على الاستفتاء، ثم انتخابات برلمانية تشكل على أثرها برلمان جديد فانتخابات محلية ستؤدي إلى تركيز الغرفة البرلمانية الثانية.
ويرى سعيد أن "الديمقراطية القاعدية" هي السبيل الأفضل ليشارك الشعب التونسي في إدارة شؤون البلاد من خلال مجالس محلية منتخبة ثم مجالس جهوية ومجالس أقاليم، من خلال انتخابات مباشرة على الأفراد من دون أحزاب سياسية التي لطالما اعتبر أنها "إلى زوال".
خارطة طريق ونظام سياسي جديد
ويرى الكاتب الصحافي المختص في الشأن السياسي، أيمن زمّال، أن "من أسباب صعود أسهم الرئيس سعيّد في عام 2019، أنه لم يكن مرشحاً لأحد الأحزاب أو التيارات السياسية التقليدية في تونس. ويضيف زمّال أن "عدداً كبيراً من الناخبين لم ينتبهوا لبرنامج سعيّد، بقدر ما كانت نظافة اليد، والطبقة المتوسطة التي نشأ فيها، من أهم نقاط قوته، حيث صوت التونسيون ضد الأحزاب ومرشحيها في الانتخابات الرئاسية، وحملوا الأحزاب مسؤولية الفشل الاقتصادي والمالي وتفشي الفساد في تونس".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشير إلى أن "رئيس الجمهورية لا ينوي تأسيس حزب، بقدر تعويله على خريطة الطريق التي يقترب من الانتهاء من تركيزها، وفق نظام سياسي جديد ومنظومة سياسية جديدة، تنتهي بتركيز الغرفة البرلمانية الثانية الممثلة للهامش والجهات وهي المجلس الوطني للجهات والأقاليم".
ويعتقد أيمن زمال أن "المنظومة الحزبية في أغلبها لم تجرِ نقداً ذاتياً جريئاً، لتشخيص أسباب فشلها في إدارة الشأن العام خلال العشرية السابقة، ولم تغير في خطابها، ولم تندمج في المنظومة السياسية الجديدة، وفقدت حاضنتها الشعبية بمختلف توجهاتها إسلامية أو علمانية، وازدادت بعداً عن المواطن وتطلعاته من السلطة التي تمسك بالحكم في البلاد".
جبهة وطنية
في المقابل، هناك من يرى ضرورة في تحصين المشروع السياسي الذي بدأه الرئيس في تونس، من خلال حزب سياسي قوي، ذي بعد اجتماعي، قادر على تأطير التونسيين وتجميعهم حول مسار 25 يوليو، من أجل تعزيز مكاسب هذا المسار وترسيخ أركانه.
ويستبعد أستاذ القانون العام، رابح الخرايفي، أن "يكون رئيس الجمهورية في حاجة إلى حزب بالمفهوم التقليدي للأحزاب التي عرفتها الساحة السياسية التونسية بل يحتاج إلى جبهة وطنية تُبنى على توجهات تلخص المفاهيم الكبرى التي يعمل عليها وهي، التحرر الوطني والسيادة والتنمية الداخلية ومقاومة الفساد وتفكيك اللوبيات المتحكمة في عدد من القطاعات. ويمكن لرئيس الجمهورية أن يكون قاطرة لهذا المشروع".
ويعتقد الخرايفي أن "إدارة البلاد في السنوات الخمس المقبلة تتطلب رؤية سياسية تتبنى أفكار سعيد من خلال جبهة سياسية قوية تتشكل من مختلف الأطياف الفكرية والسياسية التي تتبنى مشروعه".
ويؤكد أستاذ القانون أن "التفكير الجماعي مهم لتجسيد رؤية وخيارات رئيس الجمهورية على أرض الواقع من خلال سياسات عامة يتم التداول في شأنها في الفضاء العام من خلال التنظيمات السياسية والمدنية المساندة لمسار 25 يوليو 2021".
ونصح الخرايفي "بوضع مشروع الجبهة الوطنية ضمن برنامج سعيد في حملته الانتخابية الرئاسية المقبلة".
وبينما يؤكد الرئيس التونسي أنه لا يمثل أي حزب سياسي سارعت أحزاب عدة إلى إعلان ولائها لمساره على غرار حزب "مسار 25 جويلية (يوليو)"، و"حركة الشعب"، و"التيار الشعبي"، و"حركة تونس إلى الأمام"، و"الائتلاف من أجل تونس"، وهي أحزاب تدفع نحو تشكيل خريطة حزبية جديدة وطبقة سياسية مختلفة عن سابقاتها.
في المقابل، تراهن الأحزاب الرافضة لمسار 25 يوليو على فشل هذا المسار وعدم استكمال مراحله، وشككت في استمراريته، في ظل غياب قاعدة حزبية وسياسية حول رئيس الجمهورية، على غرار "حركة النهضة"، و"الحزب الجمهوري" وغيرهما من الأحزاب المعارضة.