ملخص
يعود تكون "جبل تروبيكو" للعصر الطباشيري ويحوي تركيز معادن أكبر 50 ألف مرة من أي موقع أرضي، وتتحدث التقديرات الأولية عن مخزون أكثر من 10 في المئة من الاحتياطي العالمي من التريليوم وأكثر من 54 مرة مما تملكه كل دول العالم من الكوبالت.
على رغم أن إسبانيا تعتبر الشريك التجاري الرئيس للمغرب وتجمعهما ملفات مشتركة منها قضايا الهجرة ومكافحة التطرف، إلا أن تقارير إعلامية تتحدث بطريقة متواترة عن معركة التسابق الحاصلة بين الدولتين بسبب "جبل تروبيك" (تروبيكو) الممتد تحت مياه المحيط الأطلسي والذي يحوي ثروات ضخمة واحتياطات هائلة من المعادن والغاز والثروات الطبيعية.
جبل تروبيك
الجبل البركاني الخامد موجود على عمق 1000 متر، وكان نشطاً قبل 119 مليون عام قبالة السواحل الجنوبية للمغرب ويبعد من جزيرة إل هييرو أصغر جزر الكناري التابعة لإسبانيا بنحو 500 كيلومتر، وأكدت الدراسات أن "تروبيك" غني بالمعادن المهمة، إذ يحوي على 10 في المئة من الاحتياط العالمي من التيلوريوم المستعمل في صناعة ألواح الطاقة الشمسية والإلكترونيات، إلى جانب الكوبالت المستخدم في صناعة السيارات والصناعات العسكرية.
وكشفت الدراسات بخصوص الجبل النفيس عن أرقام تقريبية لكميات المعادن التي يزخر بها، يأتي في مقدمتها الكوبالت بكمية تناهز 7.1 كيلوغرام عن كل متر مكعب، ثم الباريوم بنحو 5.6 كيلوغرام، والفاناديوم 3.6 كيلوغرام، وكذلك النيكل 2.9 كيلوغرام والرصاص 2.1 كيلوغرام عن كل متر مكعب.
ويعود تكوّن "جبل تروبيكو" للعصر الطباشيري ويحوي تركيز معادن أكبر 50 ألف مرة من أي موقع أرضي، وتشكّل الجبل كما تشكلت جزر الكناري نتيجة سلسلة من العمليات البركانية التي حدثت منذ ملايين السنين.
اقتصاد المستقبل
من شأن استغلال ثروات الجبل البركاني من طرف المغرب أن تكون له تأثيرات اقتصادية كبيرة في التطور الاقتصادي وفي التنمية ومعدل النمو كذلك، وفق الخبير الاقتصادي علي الغنبوري الذي يلفت إلى أن التقديرات الأولية تتحدث عن أكثر من 10 في المئة من الاحتياط العالمي من التريليوم وأكثر من 54 مرة مما تملكه كل دول العالم من الكوبالت، إضافة إلى معادن أخرى تدخل في إطار الصناعات الدقيقة وصناعات المستقبل من صناعة السيارات الكهربائية والبطاريات وغيرها.
وأكد الغنبوري أن استغلال المغرب لثروات هذا الجبل النفيس سيكون له انعكاس اقتصادي إيجابي على مستويين، يتجلى أولهما في قدرة المغرب على تصدير هذه المعادن النادرة وتحكمه في السوق الداخلية، مما سيوفر عائدات مالية قوية للبلاد تمكنها من تطوير صناعات المستقبل والدفع نحو تطوير مخططاتها الصناعية، إضافة إلى جلب استثمارات جديدة أجنبية متعلقة بهذا النوع من الصناعات المستقبلية، وخلق شروط التحول الصناعي وتوفير فرص الشغل وتطوير البنية التحتية الصناعية المتمركزة حول الصناعات المستقبلية وعالية الدقة.
ترسيم الحدود
وبات ملف الثروات القابعة تحت مياه الأطلسي ما بين سواحل الأقاليم الجنوبية المغربية وجزر الكناري التابعة للسلطات الإسبانية والتداخل الحاصل بين المياه الإقليمية المغربية والإسبانية، يؤرق السياسيين والإعلاميين الإسبان كما المغاربة، خصوصاً أن القانون الدولي يتيح استغلال المنطقة الاقتصادية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتحدد المنطقة الاقتصادية بـ200 ميل بحري من الشاطئ (370 كيلومتراً)، فيما تؤكد "اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار" أن "لكل دولة ساحلية الحق في أن تكون لها مياه إقليمية تبسط عليها سيادتها الكاملة"، ولعل هذه المعطيات مجتمعة هي ما دفعت المغرب إلى ترسيم حدوده البحرية.
وفي الـ22 من يناير (كانون الثاني) 2020، صادق مجلس النواب المغربي (الغرفة الأولى للبرلمان) على مشروع قانون لترسيم الحدود البحرية بما فيها المجاوِة لجزر الكناري في المحيط الأطلسي، مما رفضته مدريد آنذاك، معتبرة أنه ينبغي إتمام ذلك في إطار اتفاق مشترك.
تعليقاً على خطوة المغرب، يرى المتخصص في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بكلية العلوم القانونية والاجتماعية بمدينة طنجة محمد العمراني بوخبزة أن الرباط لم تتخذ خطوات لترسيم حدود البلاد البحرية فقط لمجرد أن الأمر يتعلق بوجود ثروات في مناجم "جبل تروبيك"، بل لاعتبارات مرتبطة بسيادة المغرب على أراضيه.
وتابع الخبير أن المغرب فعّل المسطرة القانونية على المستوى الداخلي وعلى مستوى الأمم المتحدة قصد ترسيم حدوده، وحين نتتبع تصريح وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، نجده يؤكد مراراً أن جميع القضايا التي لها علاقة بالجار الإسباني سيتم التعامل معها بالمنطق نفسه الذي تخضع له العلاقات الحالية القائمة على الوضوح وعدم اتخاذ أي خطوة انفرادية من هذا الجانب أو ذاك.
انطلاقة جديدة
وأوضح العمراني أن المملكتين المغربية والإسبانية اتفقتا على إعطاء انطلاقة جديدة لعلاقتهما الثنائية، قائمة على الوضوح وعدم اتخاذ قرارات أحادية الجانب في جميع القضايا التي تهم الطرفين، وإلا فإن مستقبل هذه العلاقة لن يكون كما يُراد له.
في غضون ذلك، يعمل خبراء على دراسة أبعاد إنشاء مشروع مصنع ضخم في مجال خلايا البطاريات بالمغرب، سيسخر له استثمار بقيمة 65 مليار درهم (6.48 مليار دولار) من قبل العملاق الصيني "غوشن هاي تيك"، ويرى الخبراء المتخصصون في مجال خلايا البطاريات أنه سيكون من أعظم 13 مصنعاً للبطاريات في العالم وأول مصنع جيغاوات في أفريقيا.
وفي هذا السياق يعلق الغنبوري أنه في حال استغل المغرب المعادن النفيسة والمهمة في تكنولوجيا المستقبل التي لها علاقة بالصناعات الدقيقة والمستقبلية، سيكون في مصاف الدول الصاعدة في أفق 2035، ومتمكناً من فرض ظروف وشروط انتقال صناعي حقيقي داخل التراب المغربي، بخاصة في الأقاليم الجنوبية للبلاد لما تتوافر عليه من إمكانات وفرص استثمارية واعدة تدفع في إطار تحسين وإنجاح المخططات المغربية.