ملخص
أعلن رئيس مجلس السيادة، القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، أن الجيش استطاع استعادة جزء كبير من صناعاته الدفاعية وأسطوله الجوي ومنظومات المدفعية والطيران، وسيتم حسم المعركة قريباً.
تشهد جبهة وسط السودان مواجهات عنيفة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" في صراعهما على ولاية الجزيرة، فبينما بدأ الجيش تحركاً مكثفاً من عدة محاور بقوات برية كبيرة معززة بالمدفعية وسلاح الطيران لتحرير الولاية من قبضة "الدعم السريع"، تستميت الأخيرة في الدفاع عن مواقعها التي اكتسبتها في الولاية، وتدور معارك شرسة بين الجانبين على مشارف مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، بحسب مصادر عسكرية ميدانية.
حصار وشيك
وكشفت مصادر ميدانية أن متحركات الجيش توشك أن تطبق حصارها على قوات "الدعم السريع" داخل ولاية الجزيرة عبر أكثر من ثلاثة محاور من الشرق والجنوب والغرب، وتحرز كلها تقدماً في اتجاه مدينة ود مدني، بحيث بات بعضها على بعد نحو 10 كيلومترات من المدينة، فيما تمكن الجيش في المحور الغربي من السيطرة على بلدة المدينة عرب، نحو 15 كيلومتراً غرب ود مدني، في وقت يشهد المحور الشرقي على الطريق الرابط بين الولاية والقضارف اشتباكات ومواجهات ضارية بتغطية فعالة من سلاح الطيران.
وأوضحت المصادر أن قوات الجيش أحرزت مزيداً من التقدم على جبهة ولاية القضارف الشرقية بالسيطرة على منطقة أم فقشة وحفيرة في عمق ولاية الجزيرة، وقرية القلعة البيضاء بمحلية أم القرى، 30 كيلومتراً شرق ود مدني، كما بث جنود يتبعون للجيش في محور سنار مقاطع تظهر عربات مدمرة وأسلحة مدفعية تتبع "الدعم السريع" مؤكدين تقدمهم واقترابهم من تحرير الجزيرة.
البرهان يتوعد
وأعلن البرهان أن الجيش استطاع استعادة جزء كبير من صناعاته الدفاعية وأسطوله الجوي ومنظومات المدفعية والطيران، وسيتم حسم المعركة قريباً.
وأضاف البرهان لدى مخاطبته هذا الأسبوع ضباط وجنود منطقة أم درمان العسكرية، "طالما أن الحرب مستمرة فلن نتفاوض، وطالما أن هناك احتلالاً لمنازل المواطنين ومدن الجنينة ونيالا وزالنجي والخرطوم والضعين والجزيرة فلن نتفاوض إلا إذا أخرج المتمردون قواتهم خارج هذه المدن وتم تجميعها في مناطق محددة"، مجدداً ثقته في قدرة الجيش على سحق التمرد واستئصاله.
وقال بيان للجان مقاومة ود مدني، إن الاشتباكات بين الجيش وقوات "الدعم السريع" في المحور الشرقي للمدينة أدت إلى سقوط اثنين من المدنيين في قرية الشريف يعقوب، مطالبة المواطنين بالابتعاد عن مناطق الاشتباكات الدائرة الآن قدر الإمكان، وعدم اتخاذها للفرجة والمشاهدة حفاظاً على حياتهم.
فعالية الطيران
وأوضحت المصادر أن المقاتلات الحربية تتابع غاراتها الجوية على جميع المحاور ضد مواقع ومتحركات العدو بوسط البلاد، حيث هاجم الطيران الحربي تجمعات لـ"الدعم السريع" في مناطق الشكابة وود الحداد والحاج عبدالله بجانب منطقة غرب سكر سنار، وطاولت الغارات الجوية منطقة الشبارقة شرق مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، والمدينة عرب غربها، بينما تتواصل المواجهات والاشتباكات العنيفة بين الجانبين في مناطق عدة بغرب سنار وجنوب ولاية الجزيرة، ودارت اشتباكات برية تخللها قصف مدفعي في مناطق عمارة الشيخ هجو، علاوة على مصنع سكر سنار، بجانب القرية 50 وحلة إبراهيم.
إلى ذلك، قالت لجان مقاومة منطقة الشبارقة، 20 كيلومتراً شمال شرقي ود مدني، إن ميليشيات "الدعم السريع" حشدت قواتها بكامل عتادها الحربي داخل أحياء وسوق البلدة منذ نهاية الأسبوع الأول من أبريل (نيسان) الجاري وسط ذعر وهلع وموجة نزوح بين المدنيين، مطالبة في بيان لها، الميليشيات بسحب قواتها من المنطقة وحدودها، إذ لا توجد فيها حامية عسكرية أو أية قوة نظامية أخرى تستدعي كل هذه الحشود.
على نحو متصل كشفت لجان مقاومة ود مدني عن سقوط مدنيين في قرية الشريف يعقوب نتيجة الاشتباكات بين الجيش و"الدعم السريع" في المنطقة، كما وقعت مواجهات أيضاً في منطقة المدينة عرب جنوب الجزيرة، وسط تأكيدات من اللواء ركن عوض الكريم سعيد، قائد الفرقة الأولى مشاة بولاية الجزيرة، أن القوات المسلحة تتقدم بمهنية وثبات لتحرير الولاية من الميليشيات المتمردة، وبشريات النصر اقتربت كثيراً.
"الدعم" يهدد
في المقابل، هدد اللواء أبو عاقلة كيكل، قائد قوات "الدعم السريع" بولاية الجزيرة على موقعها الرسمي بمنصة "إكس"، باحتلال منطقة جديدة كمفاجأة بمناسبة عيد الفطر، نافياً أن تكون قوات الجيش قد حققت أي تقدم على الأرض في ولاية الجزيرة، كما بث الموقع مقاطع فيديو لمواجهات قال إنها جرت على تخوم منطقة الفاو بولاية القضارف، وأكد فيها تكبيد الجيش والحركات المسلحة المتحالفة معه خسائر جسيمة، كما نشر صوراً قال إنها لأسرى وقتلى وآلية ثقيلة (دبابة) غنمها من متحرك الفاو.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد الفريق أول شمس الدين كباشي، عضو مجلس السيادة الانتقالي، نائب القائد العام للجيش، أن قوات الجيش تتقدم بثبات في كل محاور العمليات، وأن هنالك انتصارات كبيرة تتحقق في الميدان، مبشراً باقتراب ساعة النصر.
ولفت كباشي لدى تفقده القوات المرابطة في ارتكاز منطقة حماري على الطريق بين ولايتي النيل الأبيض وسنار، بحضور والي ولاية النيل الأبيض وقادة العمليات العسكرية، إلى ضربات وهزائم متتالية تتلقاها الميليشيات المتمردة في أرض المعركة.
وبدوره بشّر الطاهر إبراهيم الخير، والي ولاية الجزيرة المكلف، كل السودانيين ومواطني الولاية بصفة خاصة بقرب الانتصار والتحرير، مشيراً إلى أن العمليات الحربية تجرى وفق الخطة الموضوعة من قبل الجيش وجهاز الاستخبارات العامة والشرطة.
المهمة الشاقة
في السياق، رجح المحلل العسكري ضو البيت دسوقي، أن يتحقق تحرير مدينة ود مدني في غضون الأسابيع المقبلة، لكن ستكون المعارك أشد ضراوة من ذي قبل نتيجة الترتيبات والخطط والاستعدادات المسبقة والمبكرة من قبل القوتين، مبيناً أن مهمة الجيش ستكون صعبة في ظل الانتشار الكثيف لقوات "الدعم السريع" في معظم المواقع والنقاط الاستراتيجية، بما فيها المداخل والكباري وحتى المنافذ الصغيرة لدخول مدينة ود مدني، وهو ما يتحسب له الجيش بحشد قوة مشاة ضاربة وكثافة نيران المدفعية المتحركة والمحمولة.
وأشار دسوقي إلى أن طبيعة أرض الجزيرة الطينية وانتشار قنوات الري الرئيسة (الترع) والقرى وسط مساحات واسعة من المزارع، أتاحت لسلاح الطيران فعالية ونجاعة ممتازة في تعقب وشل تحركات قوات "الدعم السريع"، كما نجح في تأمين التغطية المطلوبة لتحركات الجيش، مما جعله بالفعل على مشارف مدينة ود مدني بغرض إحكام حصارها.
ولم يستبعد الباحث الأمني أن تسعى قوات "الدعم السريع" لفتح جبهة جديدة وسط السودان بالتوغل نحو شرق سنار عبر عمليات تسلل منظمة، وإعادة تنظيم صفوفها لإسقاط عاصمة ولاية سنار استباقاً لدخول الجيش إلى ود مدني وقطع الطريق عليه من تلك الجهة.
الكلفة العالية
على الصعيد نفسه، توقع أستاذ العلوم السياسية عبدالرحيم محمود، أن تنجح خطة الجيش في تحرير ولاية الجزيرة في وقت قريب، لكن ستكون الكلفة عالية بشرياً ومادياً نتيجة حدة المعارك والمواجهات الشرسة الجارية لتحرير ولاية الجزيرة، مما يعني أن القتال سيستمر وتتوسع دائرة الحرب وتبعاتها من موت ودمار وتشريد للمواطنين لزمن أطول، خصوصاً أن إرادة الحرب ما زالت أقوى من إرادة السلام.
وأوضح محمود أن كلا الطرفين المتقاتلين ظلا يؤكدان على مدار عام كامل من القتال على اقتراب ساعة الحسم والنصر من دون أن يتحقق ذلك لأي منهما. موضحاً أنها كانت فترة كافية لاقتناع الجانبين باستحالة الحسم العسكري والذهاب إلى الحل التفاوضي السياسي فهو أقرب الأبواب إلى وقف الحرب.
ولفت إلى أنه على رغم التقدم العسكري لقوات "الدعم السريع"، فإنها أخفقت وخسرت سياسياً في توصيل أية رسالة في شأن مزاعمها باستعادة الديمقراطية والحكم المدني، لا سيما بعد الانتهاكات الجسيمة من قتل ونهب وغيرها في الجزيرة، وهو ما لا يمكن التملص منه أو نسبه لمنفلتين بينما تسيطر الميليشيات على الولاية.
الحصاد المتعثر
في الأثناء، انطلقت عمليات حصاد القمح على امتداد المناقل في مشروع الجزيرة بمساحة نحو 220 ألف فدان فقط من إجمالي 600 ألف فدان، منها 6 آلاف فدان مخصصة لإنتاج تقاوى القمح للمشروع في الأجزاء الذي تقع تحت سيطرة الجيش.
ودشن والي الجزيرة المكلف برفقة محافظ المشروع بدء عمليات حصاد القمح بقسم المنسي الزراعي بمحلية المناقل عقب تأمين المنطقة بقوات من الجيش وقوات أمنية أخرى بجانب المستنفرين.
غير أن مزارعين في قطاع المسلمية والنديانة أشاروا إلى عدم إمكانية الحصاد نتيجة فرار معظم أهالي القرى والمزارعين من تلك المناطق التي تسيطر عليها "الدعم السريع"، وهي المساحة الأكبر من المشروع وتعادل أكثر من نصف المساحة المزروعة (نحو 600 ألف فدان من محصول القمح، و400 ألف فدان من المحاصيل الشتوية الأخرى كالفول المصري والكبكابية والفاصوليا والعدس)، مشيرين إلى أن تحرير الولاية في هذا التوقيت من شأنه أن يفك الحصار عن حصاد القمح المتعطل في أكثر من نصف المساحة المزروعة بالمشروع.
مخاوف التلف
وأوضح المزارع حسين يوسف أن غياب تحضيرات الحصاد من حاصدات وجازولين، فضلاً عن الواقع الأمني، يجعل من المستحيل حصاد القمح في تلك المناطق على رغم النمو الجيد للمحصول، كونه يعتمد بشكل كلي على توافر الحاصدات والوقود. مشيراً إلى أن القمح بات مهدداً بالتلف وهو في سنابله بعد أن توقف المزارعون عن متابعة زراعتهم ولم يعودوا قادرين على الوصول إلى الحقول بسبب انتشار ارتكازات قوات "الدعم السريع" وسط مخاوف من تلف عديد من المحاصيل الأخرى.
وتسيطر قوات "الدعم السريع" على أجزاء واسعة من ولاية الجزيرة منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حيث ظلت الاتهامات تلاحقها بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق شملت القتل والنهب.
وكانت قوات "الدعم السريع" سيطرت على أجزاء واسعة من ولاية الجزيرة في ديسمبر، وتمددت حتى تخوم ولاية سنار جنوباً، لكنها لم تتمكن من السيطرة على محليتي المناقل والقرشي غرب الولاية.