Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"درس الأسماك" في مصر... هل فشلت الرقابة ونجحت المقاطعة؟

قوبلت الحملة بدعم شعبي وانحياز حكومي واختلفت الآراء حول مدى فاعليتها في ضبط الأسعار ومتخصصون: ما حدث استثناء

حظيت حملة مقاطعة الأسماك في مصر بتفاعل شعبي واسع ودعم حكومي (رويترز)

ملخص

"هذه السلع تقف خلفها مؤسسات ضخمة ورجال أعمال تشتري كميات فائقة، وتمتلك القدرة على تخزينها في ثلاجات لأوقات طويلة"... بعدما نجحت مقاطعة الأسماك في مصر، هل يأتي الدور على اللحوم والدواجن؟

لم يتخيل وسام الصفتي، وهو أحد أبناء مدينة بورسعيد (شمال شرقي مصر)، المعروفة بحرفة صيد الأسماك، أن يجد نفسه عاجزاً عن توفير الوجبة التقليدية، التي كانت تشمل أصنافاً متنوعة من المأكولات البحرية. مستذكراً كيف كانت هذه المائدة حاضرة في وجبات العشاء قبل الغداء، قبل أن تصل إلى قائمة الممنوعات نتيجة الغلاء.

يشرح وسام، الذي أطلق لاحقاً حملة لمقاطعة الأسماك، حظيت بانتشار واسع، بعد انتقالها بسرعة فائقة من بورسعيد إلى المحافظات المصرية الأخرى، أسباب تدشين المبادرة التي لاقت استجابة واستحساناً من المصريين، "عندما وجدت نفسي عاجزاً عن شراء وجبة سمك كغيري من أبناء الطبقة الوسطى، وكوني من محافظة ساحلية أشهر وجباتها الأسماك، بدأت أدرس تدشين مبادرة لمقاطعة الأسماك بعد الفشل في إقناع تجار الأسواق بتخفيض الأسعار".

ويوضح الصفتي في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أنه "يحتاج إلى 500 جنيه (10 دولارات أميركية) كلفة وجبة سمك بعد زيارة الأسعار في العامين الأخيرين، إذ كانت لا تزيد على 150 جنيهاً (3 دولارات أميركية)"، مؤكداً أنه استثمر عدد المتابعين الكبير على صفحاته بمواقع التواصل، للترويج لحملة المقاطعة، التي يعتقد أنها "تمثل إنذاراً لجميع محتكري السلع في مصر، ولن تقف على الأسماك فقط".

وتوصل اجتماع عقد الأحد الماضي، بحضور ممثلين عن حملة المقاطعة وأصحاب مراكب صيد، ومسؤولين عن الغرف التجارية والتموين وحماية المستهلك، إلى وقف مقاطعة الأسماك اعتباراً من اليوم بعد تعهدات قدمها متحكمون في هذه الصناعة بتخفيض الأسعار بنسب تراوح ما بين 15 و30 في المئة كأول رد فعل إيجابي، بعد أن شهدت القاهرة وبقية المحافظات في الأيام الماضية تدشين حملات مقاطعة جديدة لمواجهة غلاء أسعار اللحوم والفراخ.

دعم رسمي

واعتبر مراقبون تحدثوا إلى "اندبندنت عربية" أن أسباب التفاعل الواسع مع هذه الحملات "جديتها واتخاذها الطابع الشعبي"، بعد تجارب سابقة قادتها الحكومة استهدفت ضبط أسعار بعض السلع "لم تجن ثمارها"، فيما اختلفت الآراء حول فاعلية المقاطعة بين فريق يرى أنها قادرة على تحقيق أهدافها المعلنة مثلما حدث في الأسماك، وآخر يعتبر أن ما تحقق من نتائج إيجابية من حملة مقاطعة الأسماك "غير قابل للتطبيق الفعلي في سلع أخرى".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يقول المنسق العام لحملة مقاطعة الأسماك في بورسعيد، "الموقف الداعم من الجهات المعنية في الدولة جاء رد فعل طبيعياً لما أحدثته هذه المبادرة من انتشار، بحيث يستحيل أن تتجاهل الأصوات التي أبدت غضبها من الغلاء".

وبحسب ما ذكره وسام فإنه تلقى اتصالات من مسؤولين، تكشف عن وجود ضوء أخضر وتوجيهات سياسية لحل هذه الأزمة، وتسهيلات ودعم من الدولة والأجهزة المعنية لإنجاح الحملة. مضيفاً "مبادرتي كانت استجابة لتوجيهات الرئيس السيسي، الذي دعا إلى مقاطعة السلع التي أصابها الغلاء". مشيراً إلى أن رسالة المقاطعة وصلت إلى الأجهزة المعنية بوجود حالة غضب واستياء من جميع محافظات مصر.

وقبل خمسة أعوام، وجه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي دعوة إلى المواطنين بمقاطعة السلع التي ترتفع أسعارها في محاولة لضبط السوق.

وبدت المواقف الصادرة عن الجهات الرسمية في مصر داعمة ومؤيدة لحملات المقاطعة الأخيرة، ما ظهر في تصريحات عدد من المسؤولين، منهم رفض محافظ بورسعيد عادل الغضبان زيارة سوق الأسماك تضامناً مع مبادرة المقاطعة لحين خفض الأسعار. وما أبداه مساعد وزير التموين المصري إبراهيم عشماوي، في تصريحات متلفزة، من دعم حملة المقاطعة، وإعلان تضامنه معها.

إخفاق الرقابة

يرى رئيس جمعية "مواطنون ضد الغلاء"، محمود العسقلاني أن سلاح المقاطعة الشعبية "أظهر فعاليته، بخلاف تجارب سابقة قادتها الحكومة لضبط أسعار بعض السلع، مثل الرز والسكر، وكانت النتيجة اختفاء هذه السلع من السوق وكذلك أصابها الغلاء". معتبراً أن محاولات التدخل الحكومي للسيطرة على السوق وتسعير السلع "قوبلت بمعارضة وممانعة من التجار".

"التجارب السابقة تقول إن ظهور الحكومة في الصورة يضعف هذه الحملات ويفقدها قوتها"، يؤكد العسقلاني في حديثه إلى "اندبندنت عربية". موضحاً أنها (الحكومة) حين قررت التدخل "فشلت في ضبط الأسعار"، لأسباب متعددة أهمها "العدد المحدود للمسؤولين عن رقابة الأسواق، والمقدر بنحو 1500 شخص، يمتلك نحو 60 موظفاً فقط ضبطية قضائية بحماية المستهلك"، وفق حديثه.

وشدد رئيس جمعية "مواطنون ضد الغلاء" على أن سلاح المقاطعة ذو حدين، ينبغي استخدامه بعقلانية واتزان، وعدم الإدارة الجيدة لحملات المقاطعة في مصر يؤدي إلى عدم تحقيق نتائج ملموسة في كثير من الأحيان.

 

ويتفق شيخ ونقيب الصيادين بالسويس بكري أبو الحسن مع الآراء السابقة. موضحاً أن الحكومة "تواجه صعوبة في اتخاذ إجراءات تستهدف خفض الأسعار، لذا ابتعدت عن الصورة لدرايتها بكلفة الإنتاج والأزمات المتعددة التي أدت إلى ارتفاع أسعار عديد من الأصناف". معتبراً أن الحكومة "اتخذت أخيراً القرار الأمثل، ويجب أن يكون دورها مقتصراً على الرقابة".

وفي المقابل، أوضحت المتخصصة الاقتصادية هدى الملاح، في حديثها إلى "اندبندنت عربية"، أن الدولة اتخذت مجموعة من الإجراءات لخفض الأسعار، "لم تجن ثمارها، بسبب مضاربة التجار في الأسعار، ومن الأهمية تفعيل الرقابة على السلع الغذائية، ونجاح حملات المقاطعة وجديتها يرتبط بمدى قدرة الحكومة على استثمار هذه الحملات بتفعيل الرقابة على الأسواق".

ويستعيد المتخصص الاقتصادي رشاد عبده موقف الرئيس المصري الراحل أنور السادات، الذي قاد حملة مقاطعة بصفة شخصية، بعقد اجتماعات مع المسؤولين المعنيين، بعد أن وجد أسعار اللحوم تخرج عن السيطرة، موجهاً بوقف الذبح شهراً، مما أدى إلى نجاح تجربة المقاطعة في مواجهة غلاء الأسعار. ومشيراً إلى أن "مواقع التواصل أصبحت حالياً أكثر تأثيراً من الحكومة"، حسب تعبيره.

وكانت تظاهرات حاشدة قد عرفت طريقها إلى شوارع مصر في السبعينيات، احتجاجاً على وصول أسعار كيلو اللحوم من 68 قرشاً إلى 100 قرش، مما دفع الرئيس السادات إلى اتخاذ قرار عاجل بعدم رفع الدعم عن السلع، وعدم ذبح اللحوم شهراً كاملاً، ودعوة المواطنين إلى مقاطعة اللحوم.

حول الأسباب المتعلقة بتأثر أسعار الأسماك بحملة المقاطعة مقارنة بغيرها من السلع قال نقيب الصيادين بالسويس لـ"اندبندنت عربية"، "الأسماك سلعة قابلة للتلف، لا يمكن تخزينها فترات طويلة، مما يزيد فرص نجاح المقاطعة، على عكس السلع الغذائية القابلة للتخزين مدداً أطول، وبعض تجار الأسماك كانوا وراء غلاء الأسعار، بسبب سعيهم إلى تحقيق أرباح زائدة على الحد".

وفي المقابل قال نائب رئيس شعبة الأسماك بغرفة القاهرة التجارية، عبده عثمان، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "من الطبيعي أن تنخفض أسعار الأسماك في هذه الفترات، والمقاطعة أثرت في الأسعار، وحققت نتائج جيدة"، مشدداً على ضرورة أن تقتصر مثل هذه الحملات على "الضغط لضبط أسعار السلع المغالى فيها".

عشوائية المقاطعة

وينتقد رئيس جمعية "مواطنون ضد الغلاء" ما وصفه بـ"عشوائية المقاطعة"، لافتاً إلى أن حملات المقاطعة "يجب أن تكون مدروسة، عبر الاكتفاء بمقاطعة سلعة الأسماك لجدية هذه الحملة في الطرح". ومنتقداً المبادرات الأخيرة التي انطلقت عبر مواقع التواصل من دون دراسة وافية (وفق تعبيره)، وإضافة "سلع جديدة تمثل سلة البروتين التي لا يمكن الاستغناء عنها".

وأوضح العسقلاني، "ليس منطقياً مقاطعة اللحوم والدواجن والبيض والأسماك في توقيت واحد، الأهم تحقيق نتائج إيجابية في حملة مقاطعة السمك، التي بدورها ستنعكس تلقائياً على أسعار السلع الأخرى".

 

والرأي ذاته تشاركه هدى الملاح موضحة "الأسماك من السلع البديلة التي تحقق معها المقاطعة نتائج ملموسة، وتعد من منتجات البروتين التي يمكن تعويضها بسلع أخرى، لكن من غير المجدي أن تتوسع المقاطعة، لتشمل جميع السلع الغذائية، ولا جدية من الدعوة لمقاطعة شاملة فاللحوم تتغذى على الأعلاف المستوردة من الخارج، التي كانت متراكمة في الميناء، وتخفيض أسعارها يعني خسارة للتجار".

وتواصلت "اندبندنت عربية" مع رئيس شعبة القصابين باتحاد الغرف التجارية، مصطفى وهبة، الذي يرى أن مقاطعة اللحوم تظهر الأسباب الحقيقية وراء ارتفاع أسعارهاً. موضحاً "الغلاء لم يقتصر على اللحوم، بل طاول جميع السلع من دون استثناء، وهوامش الربح وفي عمليات البيع منخفضة، ومن غير المعقول مقاطعة جميع المنتجات". مسلطاً الضوء على "ارتفاع كلف النقل والأجور والمياه والكهرباء".

وتشهد أسعار اللحوم في الأسواق المصرية استقراراً على رغم حملات المقاطعة، إذ سجلت اللحوم الكندوز 350 - 380 جنيهاً، والضأن 370 - 450 جنيهاً، والجملي 270 - 340 جنيهاً للكيلو، بينما تراوح سعر كيلو اللحم البرازيلي البقري بين 210 و250 جنيهاً، ولم يختلف الوضع في أسعار الفراخ التي عادت للاستقرار بعد انخفاض نسبي في الأيام الماضية ليتخطى سعر الكيلو حاجز الـ80 جنيهاً، بينما انخفضت أسعار البيض بنسبة تصل 31 في المئة.

مقاطعة اللحوم والدواجن

بحسب المتخصص الاقتصادي رشاد عبده فإن فكرة المقاطعة "لا يمكن أن تطبق على اللحوم والدواجن، هذه السلع تقف خلفها مؤسسات ضخمة ورجال أعمال تشتري كميات فائقة، وتمتلك القدرة على تخزينها في ثلاجات لأوقات طويلة مقارنة بالأسماك. وتجارها يعلمون أن حملات المقاطعة في مصر تفقد جديتها بعد فترة من الزمن، ولذا لا يمكن أن تحظى بنجاح كبير، عكس الأسماك التي انخفضت إلى حدود تصل 50 في المئة في بعض المناطق".

تواصلنا أيضاً مع رئيس شعبة الدواجن باتحاد الغرف التجارية عبدالعزيز السيد الذي استبعد أن تؤثر حملات المقاطعة في أسعار الدواجن، قائلاً "من حق المواطن مقاطعة أي سلعة لا يستفيد منها أو يعتقد أنه يتعرض لاستغلال نتيجة غلائها، وصناعة الدواجن توفر 75 في المئة من البروتين الحيواني للمواطن".

 

وحول الأزمات التي تمنع تأثر الدواجن بحملات المقاطعة يوضح السيد "في العامين الأخيرين خرج 40 في المئة من منظومة الدواجن، ولدينا عجز يصل إلى 50 في المئة في أمهات التسمين، وكذلك ارتفاع أسعار العلف والأدوية البيطرية، زيادة كلفة رعاية الكتكوت من سبعة جنيهات إلى 15 جنيهاً، وكذلك شح الإنتاج يجعل هذه الحملة غير مجدية".

ووفق حديث رئيس شعبة الدواجن فإن المواطن المصري "بطبعه مقاطع للحوم، والقوة الشرائية للدواجن انخفضت من دون ارتباط بدعوة لمقاطعة خلال الفترة الماضية، ولا يمكن لهذه الحملات أن تؤثر في الأسعار، والمقاطعة إذا كانت تستهدف الغلاء فإنها تعني عدم تناول الطعام نهائياً" وفق تعبيره.

وفي ما يتعلق بالحلول المتاحة أشار عبدالعزيز إلى ضرورة وضع أسس ومبادئ عامة للوصول لسعر عادل للمستهلك، وتفعيل دور الرقابة الشاملة من خلال لجنة متخصصة تنظر في المصاريف وكلف الإنتاج، وتخصيص بورصة متخصصة تحدد الكلفة الفعلية للسلع وهوامش الربح، مؤكداً أن ارتفاع أو انخفاض أسعار الدواجن يرتبط بحجم الإنتاج لا المقاطعة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات