ملخص
تسعة قتلى في انفجار أسطوانات غاز في أحد مطاعم بيروت، وهي كارثة تفتح الباب أمام التساؤلات حول معايير السلامة العامة في المؤسسات السياحية مع اقتراب موسم الصيف.
صدمة كبيرة عاشها الرأي العام اللبناني على أثر مقتل تسعة أشخاص جراء تسرب مادة الغاز في مطعم "غير مرخص" للوجبات السريعة في بيروت، الأمر الذي طرح علامات استفهام على أبواب موسم الصيف حول تقيد المؤسسات السياحية بشروط السلامة العامة، كما سلط الضوء على مدى قيام المؤسسات الرسمية بواجباتها لناحية قمع المخالفات والرقابة في تطبيق الشروط والقانونية ومعايير السلامة العامة.
التحقيقات مستمرة
وبدأت تتكشف حقيقة الانفجار في منطقة بشارة الخوري – بيروت، وتشير المعلومات إلى استكمال المحامي العام الاستئنافي في بيروت القاضي زاهر حمادة تحقيقاته في الملف، واستمع، في هذا السياق، إلى مالك المطعم وهو لبناني الجنسية، ومدير المطعم وهو من الجالية السورية، ومدير شركة الغاز التي تورد هذه المادة إلى المطعم، ومهندسين توليا تجهيز تمديدات الغاز، فضلاً عن موظفين في بلدية بيروت. واتضح أن المطعم باشر عمله قبل الحصول على الترخيص بصورة رسمية، وهذا ما أكده محافظ بيروت مروان عبود الذي جزم أن "المطعم الذي وقع فيه الانفجار غير مرخص"، إلى جانب عدم تأمين الوسائل الكافية للحفاظ على السلامة العامة ووسائل مكافحة الحريق.
وهنا تتوزع المسؤوليات باتجاهات عدة، فمالك المطعم وشركة الغاز لم يلتزما تدابير السلامة العامة، كما لم تتول وزارة الداخلية وبلدية بيروت والمحافظة قمع المخالفة لجهة عدم حصوله على التراخيص القانونية لمباشرة عمله.
ما هي قواعد السلامة العامة؟
فتحت الحوادث المتكررة داخل المؤسسات السياحية والمهنية الباب واسعاً أمام مقاربة موضوع السلامة العامة، فهو موضوع مركب ولا يمكن النظر إليه من زاوية واحدة، إذ يتصل بمكان العمل وسلامته وسلامة العمال، ومن ناحية أخرى، في الخطر الذي قد ينشأ عنه تجاه الغير.
وتدفعنا حادثة المقهى في لبنان إلى السؤال التالي: ما هي شروط السلامة العامة، ومن يحددها؟
لا قواعد محددة وموضوعة بشكل واضح تبرز أساسات السلامة العامة في أمكان العمل في لبنان، إنما المتعارف عليه ضمن القواعد العامة هو أن تتوفر المعدات اللازمة للوقاية مثل أدوات الإطفاء، وجود باب طوارئ للخروج منه عند حدوث أي طارئ، الحرص على سلامة جميع الأجهزة والماكينات في أماكن العمل، وعمل كشف دوري عليها وصيانتها على الفور، ناهيك بالحفاظ على قواعد التخزين والسلامة للحفاظ على المنتجات، وتدريب الموظفين للتعامل مع ما قد يحدث بشكل غير متوقع.
مقاربة قانونية
أما في التشريع اللبناني، فتمت مقاربة المسألة في نصوص متعددة، منها ما يتعلق بموجبات صاحب العمل تأمين الوقاية والسلامة العامة للعاملين، ومسؤوليتهم عن حوادث وطوارئ العمل. وبحسب المادة 647 قانون الموجبات والعقود على صاحب العمل أن "يسهر على توفير ما يلزم من شروط السلامة العامة أو الصحة في المصانع والغرف"، كما أن "يسهر على العدد والآلات والأدوات، وبالإجمال جميع الأشياء التي يقدمها للعمال حتى لا ينجم عنها أي خطر على صحتهم وحياتهم".
فيما أولت المادة 62 منه الحكومة سلطة إصدار المراسيم لتحديد الأصول التطبيقية، لناحية كل ما يتعلق بالسلامة والإنارة والتهوية وتجديد الهواء وتأمين المياه الصالحة للشرب والمراحيض وإخراج الغبار والدخان وتأمين الاحتياطات ضد الحرائق، والمسائل الأخرى المتصلة بالسلامة المهنية.
وفي هذا السياق يمكن الاستئناس بما ورد في المرسوم6341 الصادر في 1951، حيث ألزم صاحب العمل بوضع حاجز أو "سياج محكم حول الأماكن الخطرة" وحول جميع المولدات والمحركات، إضافة إلى تعليق لوحة إرشادية من أجل القيام بالعمل بصورة صحيحة، واحتياطات الوقاية الواجب اتباعها. وكذلك تحقق صاحب العمل دورياً أو بواسطة اختصاصيين، من أن الآلات والمعدات أو المواد المستعملة لا ترتب أخطاراً على صحتهم".
تخفيف الخسائر
وتحدث رئيس وحدة الخدمة والعمليات في الدفاع المدني وليد حشاش عن الملابسات التي رافقت عمليات الإطفاء في انفجار المطعم في بيروت، مؤكداً "عدم وجود صاحب المطعم أو أحد المسؤولين عنه في المكان لدى وصولهم، وهذا أمر أساس في تخفيف الخسائر، لأن الفرق الفنية تحاول جمع المعلومات وتكوين تصور عن المكان عند حدوث أي كارثة لمعرفة كيفية التعامل معها"، وقد كان عدد العاملين الموجود داخل المحل مفاجئاً نظراً إلى ضيق المساحة، مشيراً، في الوقت عينه، إلى تكليف خبير من الدفاع المدني للمشاركة في التحقيقات ومعرفة الحقيقة والقناعة التي يعمل عليها القضاء.
وشدد حشاش على ضرورة التزام معايير السلامة العامة بصورة استباقية، وتدريب الموظفين لمواجهة الحرائق، علماً أن ثمة "احتمالاً دائماً لوقوع خلل وخطأ ما يؤدي إلى كارثة، لذلك يجب التنبه في الأماكن ذات الخطورة المرتفعة".
وإذ لفت إلى وجود تأثير مباشر للأزمة الاقتصادية على منظومة السلامة العامة في لبنان قال حشاش "نحن ننتمي إلى جهاز يلبي أي طلب لمكافحة الحرائق أو الحوادث، ومهمتنا وضع تقارير لتحسين التدابير ووجوب التزامها، وعلى البلديات أن تتحرك لتطبيق معايير السلامة العامة، وعلى الوزارات مراقبة التراخيص، وكذلك ضرورة قيام المواطن في تحسس الأخطار وتحليلها وتقييمها"، وشدد على ضرورة "تدريب الناس للتعامل مع الأخطار والكوارث، ونشر برامج تثقيفية عن مكامن الخطر في المنازل والمؤسسات".
وتحدث حشاش عن "امتلاك جهاز الدفاع المدني المهارات البشرية الكافية لمواجهة الكوارث، وهو يعمل وفق الإمكانات المتاحة، ولكن في المقابل، لا بد من تجهيزه بالأدوات الكافية والمتطورة، وكذلك تجهيز المؤسسات للتعاطي مع الحوادث الطارئة، وهذا الأمر لم يكن متوافراً حيث كان الحريق، فلم يتمكن الموظفون من الهرب، وكانوا بين خيارين إما الخروج في لهيب النار أو الارتداد إلى الخلف، وهو ما يفسر وفاة عدد منهم اختناقاً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مخالفات بالجملة
ومن المؤكد أن هذا المطعم ليس الوحيد المخالف في بيروت، مما يشكل خطراً على العاملين والزبائن، ويهدد، أيضاً، سمعة قطاع المأكولات والسياحة بصورة عامة.
رئيس اتحاد المؤسسات السياحية في لبنان بيار الأشقر قال بدوره إن المؤسسة التي حدثت فيها هذه الكارثة غير مرخصة، لافتاً إلى أن 90 في المئة من المؤسسات شرعية، وتلتزم أقصى درجات السلامة العامة والخدمة، ولا تتجاوز نسبة المؤسسات المخالفة 10 في المئة، مشيراً إلى أن الدولة أمام اختبار قمعها بعيداً من منطق الحمايات والخروج على القانون "هناك آلاف المؤسسات لا يمكن مراقبتها في آن واحد، ولا بد لأصحاب المؤسسات من تفعيل ضميرهم، واتخاذ أعلى معايير الوقاية".
وعن إجراءات النقابة في ما خص المؤسسات غير النظامية، قال الأشقر "لا نمتلك آليات تنفيذية لكبح المخالفين، لأن المسؤولية في عهدة البلدية، ووزارة السياحة، والقوى الأمنية لمنع من يعمل من دون ترخيص"، مستغرباً "استنفار القوى الأمنية أحياناً لكبح مخالفة بسيطة، فيما يتم التغاضي عن بناء منشآت مخالفة بالمطلق بسبب المحسوبيات".
من جهته أكد النائب عن دائرة بيروت الثانية إبراهيم منيمنة وجوب التحرك لمنع تكرار كارثة المطعم، مشيراً إلى أن الخلل يكمن في منح وزارة السياحة موافقة أولية، "ولا يقوم بعدها صاحب المؤسسة بمتابعة الإجراءات للحصول على باقي التراخيص من البلدية للتأكد من شروط السلامة العامة"، وطالب منيمنة بتطوير معايير السلامة العامة وفرض الاستئناس برأي الدفاع المدني لمعرفة مدى مطابقة هندسة المؤسسة مع شروط مكافحة الكوارث، وتابع منيمنة "وهنا تكمن مسؤولية وزارة الداخلية في قمع المؤسسات غير النظامية التي لا تلتزم معايير السلامة العامة"، جازماً أنه "سيتابع الملف والتحقيقات التي يتولاها القضاء، ولن يتأخر عن إقرار التشريعات الواجبة لتحسين شروط السلامة العامة في المؤسسات".
الملف قيد النظر
وأكد رئيس بلدية بيروت عبدالله درويش أن البلدية، بالتعاون مع محافظ بيروت والشرطة، يعملون من أجل جلاء الحقيقة متحدثاً عن "اتخاذ خطوات جديدة لتجنب تكرار الكارثة، وفرض إجراءات استباقية بالتعاون مع شرطة بيروت". واعتبر أن "مهمة التحقق من تراخيص المؤسسات من صلاحية المحافظة، والمحافظ سيتجه إلى اتخاذ إجراءات في هذا السياق"، وعلق درويش على ما يثار حول التحقيق مع موظفين من بلدية بيروت موضحاً أن "هناك ضرورة للتحقيق مع أي موظف في موقع المسؤولية وصولاً لجلاء الحقيقة واكتشاف مكمن الخلل بغض النظر عن المؤسسة أو الوزارة التي ينتمي إليها".