يترقّب الشارع المصري خلال الساعات المقبلة من يوم الجمعة ما قد تسفر عنه نتائج "حرب الهاشتاغات" المتواصلة منذ أكثر من أسبوعين التي تصاعدت حدتُها خلال الأيام الأخيرة بين الموالين والمعارضين، مع دعوة المقاول والفنان محمد علي في سلسلة فيديوهاته التي لاقت تفاعلاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي للتظاهر والخروج في الشارع، محدداً غداً (الجمعة) لتلبية الدعوة.
ورغم نفي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اتهامات الفساد التي أثارها المقاول المصري، معتبراً إياها محاولة "لضرب الثقة التي تجمع الشعب بمؤسسات الدولة"، فإن فيديوهات محمد علي خلقت حالة من الجدل بالشارع، ما جعلت الأخير يواصل انتقاداته للحكومة والنظام، ودعا الاثنين الماضي إلى إطلاق هاشتاغ #كفاية_بقى_ياسيسي، الذي تصدَّر وسائل التواصل محتلاً مرتبة عالمية، في المقابل أطلق مؤيدون دعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تتمسّك بالرئيس وتتحدث عن إنجازاته، عبر هاشتاغ #معاك_ ياسيسي.
وبينما لم يكتفِ محمد علي (40 عاماً) بهشتاغه #كفاية_بقى_ياسيسي، الذي اعتبره خطوة أولى في خطة قال إنها تهدف إلى "رحيل السيسي"، تعددت الهاشتاغات المؤيدة الحكومة والرئيس المصري، جاء أبرزها #شعبك_مصدقك_يا_سيسي، كما خرج الفنانون وعدد من المشاهير المصريين في سلسلة فيديوهات بُثت هي الأخرى عبر مواقع التواصل ليعلنوا تأييدهم ووقوفهم خلف القيادة السياسية والمؤسسة العسكرية والشرطية، متحدثين عن أن الرئيس المصري "قدَّم إنجازات للبلاد، ويواجه مؤامرة"، داعين إلى دعمه، ورفضهم عودة مصر إلى ما يسمونه "فوضى" مرة أخرى.
أجواء تغيير أم زوبعة فنجان؟
فيما تستعر حرب الهاشتاغات على مواقع التواصل، ويترقب الشارع ما أعلنه محمد علي وتفاعل معه مغردون ومرتادو وسائل التواصل بموعد للخروج في تمام السابعة مساء غد (الجمعة)، عبّر مراقبون من أطياف سياسية مختلفة لـ"اندبندنت عربية" عن عدم اعتقادهم أن تقود الموجة الراهنة إلى تغير كبير في مصر، أو تنعكس دعوات السوشيال ميديا على أرض الواقع، إلا أنهم في الوقت ذاته اعتبروا أن ما يجري الآن "يمثل إشارات مهمة، على الحكومة أن تأخذها في حساباتها، وتعيد تقييمها لبعض الأمور".
ووفق هاني سليمان، المدير التنفيذي للمركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية، في تصريحات خاصة، فإن فكرة استدعاء سيناريوهات لتظاهرات سابقة هو "إدراك خاطئ، لا سيما وهناك دراية واسعة في الأوساط الرسمية وغير الرسمية بالدولة للتكلفة العالية التي قد تنتج من انتهاج مسار غير معروف وغير محدد الآليات والنتائج، ومن ثم فالأمور شبه عشوائية، وتوجد ضبابية في المشهد".
وحسب سليمان، "قد يكون هناك بعض المشكلات الاقتصادية التي تعانيها قطاعات واسعة من المواطنين، وبعض الملاحظات السياسية على النهج السياسي للحكومة، إلا أن حالة الاضطراب التي تشهدها البلدان المحيطة بنا تضع في الحسبان دوماً لدى المواطن المصري إعادة التفكير في العودة إلى إنتاج الفوضى إلى المشهد المصري".
ويضيف، "دعوات السوشيال ميديا لن يتجاوز تأثيرها الفضاء الإلكتروني، لكن لا يمكن نسيان في الوقت ذاته ما تمثله تلك الوسائط من ساحات لتفريغ طاقات الغضب لدى قطاعات من الشعب المصري". مشدداً على أن "آلية الثورة لا تتناسب وأوضاع الدولة المصرية في الوقت الحالي".
من جانبه، يرى إبراهيم المنشاوي مدرس العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن "ما يحدث مجرد زوبعة فنجان، لا سيما أن الحركة الراهنة مفرغة من أي قيادة سياسية أو خطة للتغيير أو دعم شعبي واسع".
المنشاوي أوضح وفق اعتقاده، أن "غداً الجمعة (الموعد المقترح للتظاهر) سيمر أهدأ من أيام الجمعة السابقة"، متسائلاً "منذ متى ووسائل التواصل تخلق حالة حقيقية على الأرض؟ المزاج الحقيقي للمواطنين تعكسه مؤشرات وآليات أخرى".
ما المختلف عن أجواء يناير ويونيو؟
وفيما يتفاعل البعض على وسائل التواصل مع الدعوات للتظاهر مستذكرين أجواء ثورة الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني) 2011، التي أطاحت حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وبين من يتفاعل معها على أنها استعادة لأجواء يونيو (حزيران) 2013 وإطاحة حكم جماعة الإخوان والرئيس المنتمي إليهم محمد مرسي، متمسكين بمئات الصور والفيديوهات التي التقطت في تلك الآونة.
يقول عمرو الشوبكي الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، "السياق والأجواء وحتى المعنى مختلف تماماً عما كان قبل 8 و6 سنوات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحسب الشوبكي، "في يناير (كانون الثاني) وما سبقها كان هناك ميراث وتراكمات سياسية، حيث تاريخ طويل لحركات احتجاجية مثل كفاية (تأسست عام 2004 لوقف توريث الحكم من مبارك إلى نجله)، و6 أبريل (معارضة لحكم مبارك)، حيث كانت مثل تلك الكيانات معروفة ومرصودة في المجتمع المصري، وتعمل تحت أعين الحكومة المصرية حينها، لكن ما يحدث الآن هو تعبئة سياسية غير معروفة الأهداف ولا التوجهات".
ويضيف، "الوضع الحالي هو بشكل أساسي نتاج تفاعلات غير مرئية أو ما يسمى (الصراعات المخفية)"، موضحاً "انتشار فيديوهات المقاول والفنان المصري المغمور وإثارتها الكبيرة للرأي العام في مصر، والقادمة عبر البحار من خارج البلاد تلقي مزيداً من الريبة حول أسبابها الحقيقية".
وبينما لم يقلل من تأثير تلك الفيديوهات على الرأي العام المصري، إلا أن الشوبكي أرجع الأمر، وفق تعبيره، إلى أنه "نتاج القيود المفروضة على القنوات السياسية الرسمية، وهو ما جعل الجزء الأكبر من التفاعلات التي تحدث في المجتمع والرأي العام غير مرئية، وبالتالي من الممكن أن يكون تأثيرها المفاجئ وغير المتوقع كبيراً جداً، لا سيما أنها مقادة من قِبل أناس خارج القنوات السياسية الطبيعية وغير معروف توجهاتهم، ولا أهدافهم ونواياهم".
وعلى الرغم من توقعه عدم التأثير الكبير لدعوات الخروج والتظاهر بالسوشيال ميديا على أرض الواقع، فإنه ووفق الشوبكي، "هذه إشارات مهمة للغاية في خطورتها حال عدم تداركها، ومن المرجح أن يكون لها تداعيات كبيرة، ومن ثم على الحكومة المصرية عدم تغافلها وإدراك أهمية الإصلاح وإعادة المسار السياسي".
وبينما لم تعلق السلطات المصرية حتى الآن على ما ذكره "علي" من دعوات لرحيل السيسي، غير أن وسائل الإعلام والمحطات التلفزيونية الموالية الحكومة اعتبرت الأحداث "دعوات تخريبية، هدفها استهداف مؤسسات الدولة، وضرب ثقة الشعب بالإصلاحات الحكومية".
ومحمد علي (40 عاما) ممثل متوسط الشهرة، غادر مصر واستقر بإسبانيا، ولاقت فيديوهاته المنتقدة النظام رواجاً واهتماماً واسعين في بلاده. وهذه الحالة هي الأولى البارزة لشخص دون خلفية سياسية منذ وصول السيسي إلى الحكم في 2014، التي تثير ضجة واسعة عدة أيام، دفعت رئيس البلاد إلى الرد على ما أثاره "علي"، وذلك خلال المؤتمر الوطني الثامن للشباب السبت الماضي الذي عُقِدَ برعاية الرئيس المصري.