ملخص
كتاب كيتي غي سالزبيري "ليست دميتك الصينية" يدور حول الممثلة الأميركية الآسيوية آنا ماي ونغ، وهي نجمة شهيرة كثيراً ما قيل لها إنها صينية أكثر من اللازم أو ليست صينية بما يكفي
كانت آنا ماي ونغ أول نجمة أميركية - صينية في هوليوود، وممثلة موهوبة رفضت السماح للعنصرية والتمييز على أساس الجنس بعرقلة مسيرتها المهنية. كانت واحدة من أبرز المشاهير في عصر السينما الصامتة، لكنها غالباً ما كانت تؤدي أدواراً مهينة: نساء ضئيلات وغريبات، أو محكوم عليهن بالفشل، وماكرات ومخادعات. تميزت ونغ بروعتها ولطفها ولا مبالاتها (من حيث شكل الجسم والمواقف، يمكن اعتبار زيندايا المعادل المعاصر لونغ). لكن رؤساء استوديوهات هوليوود كانوا مصابين "بالعمى بسبب أحكامهم المسبقة"، كما تقول كيتي غي سالزبيري، مؤلفة السيرة الذاتية الجديدة للنجمة. يشرح كتابها بالتفصيل كيف انطلقت ونغ إلى برلين، ثم إلى لندن لاحقاً، بحثاً عن أدوار أكثر تعقيداً.
أتى الرهان ثماره، وكانت الأفلام الأوروبية التي شاركت فيها ونغ في أواخر العشرينيات - مثل "أغنية" Song و"فراشة الرصيف" Pavement Butterfly و"بيكاديللي" Piccadilly - جريئة سياسياً ومضاءة بصورة جميلة، ووضعتها جميعاً في الصدارة. في اللقطات القريبة، بدت عيناها المتألمتان في كثير من الأحيان مثل كرتي مثلجات ذائبتين. وقد فهمت هوليوود، التي كانت تنتج في تلك المرحلة أفلاماً ناطقة، الرسالة. عند عودة ونغ إلى الولايات المتحدة، عرضت عليها أدوار أفضل (ولو على مضض). في الفيلم الكلاسيكي "قطار شنغهاي السريع" Shanghai Express الصادر عام 1932، لعبت ونغ دور عاملة في الجنس ساخرة وشجاعة تستمتع بصحبة فتاة شهوانية، جسدتها مارلين ديتريش. كانت الكيمياء بين الممثلتين أسطورية.
لكن إشاعات ارتباط المرأتين بعلاقة غرامية، هي واحدة فقط من الروايات المحيطة بونغ كما تقول سالزبيري التي أرادت أن تتحداها في سيرتها الذاتية التي تحمل عنوان "ليست دميتك الصينية" Not Your China Doll. عبر مكالمة مصورة من شقتها في بروكلين، نيويورك، تخبرني سالزبيري أن السير الذاتية العديدة الموجود بالفعل للنجمة تفشل في رسم صورة حقيقية لونغ. بادئ ذي بدء، جميعها كتب ألفها رجال، وكلها تطرح نظرية "تبدو بالنسبة لي أشبه بخيال ذكوري أكثر من كونها حقيقة"، كما تقول سالزبيري.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولا تشعر كيتي غي سالزبيري بالراحة عندما تحاول وضع الأمور في نصابها الصحيح في شأن ميول آنا ماي ونغ الجنسية. تقول ضاحكة: "أعتقد أنه من المدهش كيف احتضنتها أوساط مجتمع الميم وأكره أن أكون الشخص الذي يقول لا أعتقد أنها كانت كذلك! لكن لا يوجد هناك دليل مؤكد يدعم هذا الادعاء".
هذا ما يجعل سالزبيري تختلف مع غراهام راسل هادجز ويانتي هوانغ، اللذين سبق لهما تأليف سيرة ذاتية لونغ. وتقول: "إنهما يثيران إشاعات حول وجود علاقة غرامية بين ونغ ومارلين ديتريش، (إنهم يسألان هل كانت لآنا ماي ونغ علاقات مع نساء أخريات؟ بصفتي امرأة، ينتابني شيء من الشك تجاه الأشخاص الذين يسلطون الضوء على مثل هذه الأفكار المتعلقة بالعلاقات، استناداً إلى صورة واحدة تجمع ونغ وديتريش وليني ريفنستال. وبناءً على تلك الصورة، يقرر الجميع أوه، ربما يمارسن جميعهن الجنس معاً!)".
تصف سالزبيري كتاب هادجز الصادر عام 2004 بعنوان "آنا ماي ونغ: من ابنة عامل مصبغة إلى أسطورة هوليوودية" Anna May Wong: From Laundrymans Daughter to Hollywood Legend بأنه "جاف جداً" وتشير إلى أن هادجز "أميركي أبيض - لم يترعرع في الثقافة الآسيوية، بالتالي فهو يرى الموضوع بعيني الدخيل". وتضيف أنه على رغم كون هوانغ - الذي نشر كتابه "ابنة التنين" Daughter of the Dragon قبل تسعة أشهر - " صينياً، لكنه أيضاً مهاجر إلى هذا البلد، إلى الولايات المتحدة. فهمه لما يعنيه أن تكون أميركياً - آسيوياً، وأن تكون موجوداً هنا لعدة أجيال، مختلف قليلاً. إنه لا يمتلك ذلك المنظور".
ولدت سالزبيري في كاليفورنيا ونشأت على يد أم صينية أميركية، وهو ما تقول إنه يوفر لها نظرة ثاقبة خاصة حول الهوية الصينية - الأميركية والأبوة. تقول بفخر: "أنا أتناول الموضوع بصفتي شخصاً من داخل الأوساط الآسيوية الأميركية". ينعكس هذا في كتابها، الذي يركز باستمرار على هوية ونغ المزدوجة. كانت آنا ماي ونغ تحمل اسم ونغ ليو تسونغ عند ولادتها سنة 1905، وأطلقت على نفسها اسم "آنا" لما كانت في الـ11 من عمرها. ولد والدا النجمة في كاليفورنيا، وتوقعا أن تكبر ابنتهما لتصبح زوجة وأماً صينية مطيعة، لكنها كانت مصممة على بناء مستقبلها بنفسها. كتبت ونغ ذات مرة: "لا تظنوا أنني انحرفت عن تراثي بسهولة... إنه أمر أفكر فيه كثيراً. هل أنا على الطريق الصحيحة؟" فتن عدم اليقين هذا سالزبيري التي تقول: "كانت تعلم أن هذا شيء عليها القيام به - سواء كان شيئاً يريده والداها أم لا".
عرضت ونغ عائلتها لفضيحة، خصوصاً عام 1930، عندما تغيبت عن حضور جنازة والدتها واختارت مواصلة العمل في إحدى مسرحيات برودواي - لو عادت إلى المنزل، لتم استبدالها في العرض. ومن المؤثر أن والدها احتفظ بجثة والدتها في قبو إلى أن تمكنت ونغ من السفر إلى لوس أنجليس. وفي وقت لاحق، عام 1936، وضع الثنائي خلافاتهما جانباً وذهبا في جولة في تشانغآن، قرية أجداد والدها في الصين. تبعهما طاقم فيلم وثائقي، استأجرته ونغ البارعة في الترويج الإعلامي.
أثناء الحديث عن هذه الزيارة، توقفت سالزبيري فجأة وبدا عليها الانزعاج وأراحت يدها على موضع قلبها، وقالت: "ستريهما يسيران إلى جانب بعضهما في الريف وكان والدها سعيداً للغاية... إنه مؤثر جداً. تذكرني صراعات ونغ مع والدها كثيراً بعلاقتي مع والدتي الأميركية الصينية. الحديث عن الآباء الآسيويين وتوقعاتهم يثير جوارحي قليلاً... أشعر أنني أعرف شخصياً بعض الأحاسيس التي انتابت آنا ماي. من الصعب أن تشرحي للناس كيف يمكن أن تكونين في صراع مع والديك، ولكنك لا تزالين تحبينهما". تتابع وعيناها مغرورقتان بالدموع: "إنه أمر يثير العواطف بشدة لأنك تعلمين أنهم يريدون ما هو أفضل لك، لكن تعريفك لما هو الأفضل مختلف تماماً".
وتشير سالزبيري إلى أنه خلال الرحلة عينها إلى الصين، تعرضت ونغ أيضاً لضغوط شديدة من الصحافة الصينية. في أحد فصول الكتاب الأكثر إثارة للاهتمام، تصل ونغ على متن السفينة "إس أس بريزيدنت غرانت" SS President Grant لتجد نفسها في مواجهة غامضة ومربكة مع أحد الركاب. ونتيجة لذلك، فشلت ونغ في التعامل مع الصحافة والمعجبين، مما أدى إلى استيائهم لدرجة اندلاع اشتباك بسيط (صرخ أحدهم قائلاً: "فلتسقط ونغ ليو تسونغ - العميلة التي جلبت العار للصين"). كانت ونغ مرهقة. تمكن جميع الحاضرين من رؤية نجمة أفلام هوليوود التي تبدو عادة متوازنة وهي مغطاة بـ"الدموع والمخاط".
تقول سالزبيري: "يجعلك هذا تشعرين بثقل التوقعات المستحيلة الملقاة على عاتقك... شعر الناس أنها تمثل الصين بأكملها. كان من المفترض أن تتواضع وتعترف بالفضل لتراثها. كما أن الصحافة كانت قاسية للغاية خلال هذه الزيارة. قالت أشياء من قبيل السؤال المطروح هو ما إذا كان ما زال ممكناً اعتبار آنا ماي ونغ صينية لقد أرادوا تمزيقها!".
وللتوضيح فحسب، كانت أميركا دائماً بيئة معادية لونغ. حتى بعد عودتها من أوروبا، استمرت هوليوود في تهميشها وتجاوزها في أدوار ذهبت إلى ممثلات بيضاوات يضعن مكياجاً يجعلهن يبدون آسيويات. كما منعت من مشاهد التقبيل مع نجوم بيض. وبعيداً من الشاشة، كان يجري تذكيرها كلما أتيحت الفرصة بخياراتها المسموحة والممنوعة للزواج. تشير سالزبيري إلى أن "تمازج الأجناس والزواج بين الأعراق، لم يصبح قانونياً في كاليفورنيا إلا في عام 1948". القيام بذلك ممكناً، لكن شهرة ونغ جعلت الخيار صعباً. تضيف سالزبيري: "كان من شأن زواج ونغ من شخص من عرق آخر إثارة جنون إعلامي".
وكانت ونغ على دراية بكل هذه التوترات الثقافية وكثيراً ما كانت تدمجها في عملها. كجزء من عرض كباريه قدمته في جميع أنحاء أوروبا عام 1933، غنت ونغ أغنية امرأة نصف طبقية. تقول سالزبيري: "تدور تلك الأغنية حول امرأة نصف آسيوية ونصف بيضاء تعيش في مدينة آسيوية فقيرة والشيء الوحيد الذي تجيده هو أن تمارس الدعارة مع الرجال الأجانب الوافدين. أعتقد أن ونغ كانت ترى نفسها بهذه الطريقة، لقد كانت آسيوية وبيضاء في الوقت نفسه ولم تقبل بالكامل في أي من المجتمعين".
وفي عام 1940، توفيت ماري شقيقة ونغ الصغرى، والتي كانت أيضاً ممثلة، منتحرة. لأسباب مختلفة، بما فيها المخاوف في شأن العمل والمال، سرعان ما أخذت ونغ تفرط في شرب الكحول، وفي عام 1953، شخصت إصابتها بمرض التليف الكبدي. تقول سالزبيري إن البحث من أجل هذا الجزء من الكتاب كان "مؤلماً". ولفترة من الوقت، كانت تأمل حتى في العثور على دليل على أن ونغ لم تكن مدمنة كحول - "وأن الأطباء أخطأوا في تشخيصهم"، لكن الأمر لم يكن كذلك. تقول سالزبيري: "كان الدليل القاطع رسالة تتحدث عن لقاء كارثي مع أصدقاء في نيويورك... حدث ذلك عام 1955، عندما كان عمرها نحو 50 عاماً. وصلت في حالة سكر شديد واضطروا إلى حملها خارج المطعم". توفيت ونغ بنوبة قلبية عام 1961 وهي في الـ56 من عمرها.
على أي حال، لا تريد سالزبيري الخوض في الحديث عن سلبيات حياة ونغ. إنها تفضل التركيز على إنجازات النجمة. في أواخر الثلاثينيات، أصرت ونغ على لعب دور البطولة في عدد من أفلام الإثارة والجريمة، من بينها "ابنة شنغهاي" Daughter of Shanghai الذي شاركها بطولته الممثل الكوري الأميركي، فيليب آهن (صديق طفولتها مثلي الجنس). تقول سالزبيري بتعجب: "بطلان أميركيان آسيويان!... لقد قلبت الواقع حقاً. لا أعرف إذا كان أي شخص في ذلك الوقت قد أدرك كم كان القيام بذلك ثورياً". كما تأمل سالزبيري أن يغرم القراء بسعة الاطلاع لدى ونغ (كانت تكتب مقالات رائعة)، واهتمامها بالشؤون الراهنة (كانت صديقة لبول روبسون الفنان الذي تحول إلى ناشط سياسي)، فضلاً عن ذكائها. وضعت ونغ ذات مرة توقيعها على صورة دعائية مرفقاً بعبارة "فتاتكم الشرقية بإخلاص".
هناك خطط لإنتاج فيلم سيرة ذاتية عن ونغ ستلعب دورها فيه جيما تشان، لكن سالزبيري تقول إنها غير متأكدة من إمكانية تمثيل حياة النجمة بدقة في فيلم تقليدي، متابعة: "لا أعرف كيف سيفعلون ذلك... جيما تشان أكبر بالسن قليلاً. بدأت آنا ماي ونغ وهي مراهقة، لذلك لا يبدو واقعياً أن تلعب جيما تلك الفترات من حياتها... لا أعرف ما إذا كانوا سيستعينون بممثلة مختلفة لتجسيد السنوات الأولى". تعبر سالزبيري عن سعادتها لأن ديفيد هنري هوانغ، الذي كتب المسرحية الشهيرة "إم. فراشة" M. Butterfly، يعد السيناريو. تقول: "إنه أبرز كاتب مسرحي أميركي - آسيوي تقريباً، ولا أستطيع التفكير في شخص أفضل منه لكتابة السيناريو".
مع ذلك، فهي لا تحسده على مهمته، وتقول: "سيكون من الصعب جداً تكثيف حياتها في فيلم مدته ساعتان أو ثلاث ساعات. أنا أعرف ذلك لأنني واجهت صعوبة في تلخيصها في كتاب!".
لم تضع سالزبيري خطة لمستقبلها بعد (تقول "ربما أرغب في الكتابة عن الهوية العرقية المختلطة في الولايات المتحدة"). في حال كنتم تتساءلون، فإن والد سالزبيري أميركي من أصل إيرلندي، الأمر الذي يخلق مشكلاته الخاصة. اتضح أنها لا ترى نفسها منتمية حقاً لمجتمع الأميركيين الآسيويين، وتقول إنها "تستعد" للأسئلة المحرجة عندما تواجه الصحافة وجهاً لوجه. تضيف: "ببساطة أنتظر أن يسألني أحدهم: لماذا قررت تأليف هذا الكتاب طالما أنك لست صينية؟".
ويدور كتاب سالزبيري حول امرأة كثيراً ما قيل لها إنها صينية أكثر من اللازم أو ليست صينية بما يكفي، لكن وعلى رغم كل الصعوبات التي واجهتها، وجدت ونغ دائماً طريقة لاحتضان مكانتها باعتبارها خليطاً. بعد قراءة "ليست دميتك الصينية" أنصحكم بمشاهدة أفلامها. كانت شخصية ونغ ليو تسونغ التي حملت اسمها الأصلي أفضل ما ابتكرت، وحتى في أفلامها الصامتة، كانت الكلمة الأخيرة لها دائماً بطريقة ما.
كتاب "ليست دميتك الصينية" لكيتي غي سالزبيري صدر عن منشورات "بنغوين بتنام".
© The Independent