حدث صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو في بريطانيا، مشيراً إلى انخفاض التضخم بصورة أسرع من المتوقع وضع الاقتصاد على المسار الصحيح نحو "الهبوط الناعم"، مما يدعم بنك إنجلترا في تنفيذ ثلاثة خفوضات في أسعار الفائدة هذا العام.
وفي تقرير الصندوق الدولي السنوي حول الاقتصاد البريطاني قال إن "النمو الاقتصادي سيتسارع بنسبة 0.7 في المئة هذا العام، مقارنة بتوقعات الشهر الماضي البالغة 0.5 في المئة"، مرجعاً تعديل توقعاته إلى الأداء الأفضل من المتوقع في الأشهر الثلاثة الأولى من العام، عندما توسع اقتصاد لندن بأسرع وتيرة له منذ عام 2022.
أضاف الصندوق الدولي الذي يتخذ من واشنطن مقراً، أنه "بعد الانزلاق إلى الركود الفني في نهاية العام الماضي، يتجه الاقتصاد البريطاني نحو الهبوط الناعم"، وتابع "يتجه التضخم في بريطانيا إلى الانخفاض بصورة مطردة من دون ارتفاع كبير في معدل البطالة"، متوقعاً أن يقترب معدل التضخم من ما يستهدفه بنك إنجلترا عند أثنين في المئة.
وارتكز وزير الخزانة البريطاني جيريمي هانت، إلى بيانات صندوق النقد الدولي لبث حالة من التفاؤل بين البريطانيين، قائلاً إن "اقتصاد بلاده تجاوز مرحلة صعبة"، مستشهداً بتحديث صندوق النقد الدولي بيانات نمو اقتصاد بلاده هذا العام، بل إنه يتوقع أن نمو الاقتصاد البريطاني أسرع من أي دولة أوروبية كبيرة أخرى على مدى السنوات الست المقبلة"، قائلاً "لذلك حان الوقت للتخلص من بعض التشاؤم غير المبرر في شأن آفاقنا".
ثلاثة تخفيضات مقبلة في الفائدة
واعتبر صندوق النقد الدولي الانخفاض السريع في التضخم يعني أن بنك إنجلترا قد يخفض أسعار الفائدة بأكثر من المتوقع هذا العام، مشيراً إلى إمكانية إجراء ثلاثة خفوضات في أسعار الفائدة هذا العام، مقارنة بالخفضين اللذين أوصى بهما الشهر الماضي.
وعن ذلك، قالت المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا، إن "حكومة المحافظين نفذت كثيراً من الانضباط المالي"، قبل أن تستدرك قائلة "لكن الحكومة المقبلة ستواجه خيارات صعبة لمواجهة الضغوط على الخدمات العامة وتقليل عبء الديون".
الصندوق الدولي حذر هانت من خفض آخر للتأمين الوطني National Insurance قبل الانتخابات، قائلاً إن "الحكومة المقبلة ستحتاج إلى توفير عشرات المليارات من الجنيهات من خلال خفوضات الإنفاق أو زيادة الضرائب لخفض الدين الوطني"، ناصحاً "حكومة هانت بعدم إجراء خفضين منفصلين في التأمين الوطني الذي أجري في بيان الخريف وموازنة الربيع، بقيمة نحو 20 مليار جنيه استرليني (25.4 مليار دولار) سنوياً". وأضاف الصندوق أن "سياسة هانت لخفض الضرائب الشخصية نُفذت بكلفة كبيرة على المالية العامة ولم تتفوق عليها بالكامل فوائد زيادة عدد الأشخاص العاملين"، ناصحاً حكومة بريطانيا بعدم إجراء خفوضات ضريبية إضافية، ما لم تكن معززة للنمو بصورة موثوقة ويقابلها بصورة مناسبة إجراءات عالية الجودة لخفض العجز".
التحذير أو النصح الذي وجهه صندوق النقد إلى وزير الخزانة البريطاني جاء بعد خفض آخر لمساهمات التأمين الوطني قبل الانتخابات العامة في وقت لاحق من هذا العام، إذ انخفض المعدل بالفعل من 12 في المئة إلى ثمانية في المئة منذ يناير (كانون الثاني) الماضي.
خفض نسبة الدين
على أية حال إذا كان تدخل صندوق النقد الدولي نقمة على حكومة المحافظين، إلا أنه جاء في وقته لمصلحة حزب العمال، بعدما أبدى هانت رغبته في زيادة الضرائب إذا فاز في الانتخابات.
ووفقاً لتحليل الصندوق، سيتعين على الحكومة الجديدة جمع عائدات ضريبية كبيرة أو إيجاد وفورات في الإنفاق تبلغ في المتوسط واحداً في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، أو نحو 22 مليار جنيه استرليني (27.9 مليار دولار)، لتحقيق هدف مالي يتمثل في خفض نسبة الدين في السنوات الخمس المقبلة، قائلاً "في ضوء التحدي المالي على المدى المتوسط كان موظفونا (موظفو الصندوق) سيوصون بعدم خفض أسعار فائدة التأمين الوطنية، نظراً لكلفتها الكبيرة".
الصندوق يوصي بتوسيع الضرائب لزيادة الإيرادات
وكان قد التزم حزبا العمال والمحافظون بالقاعدة المالية لخفض نسبة الدين خلال فترة خمس سنوات متجددة، ووفقاً لحسابات الصندوق، فإن خطط الضرائب والإنفاق الحالية تعني أن الهدف لن يحقق، مما يتطلب "خيارات صعبة" من جانب الحكومة المستقبلية، موضحاً أن "الإنفاق على الخدمات العامة سيحتاج إلى الزيادة لتلبية الحاجات الاجتماعية والرعاية الصحية المتزايدة، هذا في الوقت الذي أعلن فيه المحافظون تجميد الإنفاق على الأجزاء غير المحمية من الحكومة"، مشيراً إلى أن "الإنفاق قد يحتاج على الأرجح إلى الارتفاع بنسبة اثنين في المئة سنوياً بالقيمة الحقيقية.
وأوصى الصندوق بفرض ضرائب جديدة على الكربون ورسوم الطرق وتوسيع ضريبة الميراث وتوسيع ضريبة القيمة المضافة لتشمل المزيد من المنتجات والخدمات لزيادة الإيرادات والدعوات المتكررة لإلغاء القفل الثلاثي (يعني توافق الارتفاع مع معدل التضخم أو متوسط الدخل أو 2.5 في المئة– أيهما أعلى) على معاشات التقاعد الحكومية واستبداله بنظام ترتفع فيه المعاشات التقاعدية فقط تماشياً مع التضخم. وقال "يمكن أن تشمل الخيارات الأخرى التوسع في استخدام رسوم الخدمات العامة، إضافة إلى السعي لتحقيق مكاسب الإنتاجية، مثل الاستثمار المعلن للحكومة في الرقمنة والذكاء الاصطناعي داخل القطاع العام، على رغم صعوبة قياس المدخرات المرتبطة بهذه المبادرات في الوقت الحالي".