عادت إلى الواجهة مجدداً في العاصمة السودانية الخرطوم، أزمة وقود طاحنة، والتي كانت واحدة من الأزمات التي أطاحت بحكومة الرئيس السابق عمر البشير في 11 أبريل (نيسان) الماضي، وتعد أول تحدٍ تواجهه حكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك الذي يشارك حالياً على رأس وفد رفيع المستوى في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة بنيويورك، فيما تشهد محطات تزويد الوقود اصطفاف عشرات السيارات طلباً للخدمة.
إجراءات عقابية
وأرجعت مصادر مطلعة هذه الأزمة إلى تعطل أحد الأجزاء الرئيسية لمعالجة البنزين في مصفاة الخرطوم للبترول، مشيرة إلى أن هناك جهوداً حثيثة لإصلاح العطل بالسرعة المطلوبة، فيما أعلنت المصادر عن وصول ثلاث بواخر للمشتقات النفطية ميناء بورتسودان بحمولة تصل لأكثر من 129 ألف طن تشمل الغازولين والبنزين وغاز الطبخ إلى جانب الفيرنيس.
لكن مسؤولاً رفيعاً في وزارة الطاقة والتعدين اتهم عناصر من الدولة العميقة (النظام السابق) بالتسبب في أزمة الوقود الحالية، عبر تكسير مواعين التوزيع بين إدارة الإمداد وشركات التوزيع، متوعداً باتخاذ إجراءات عقابية رادعة في مواجهة من يحاولون عرقلة سير العمل في دواليب الدولة وخلق أزمات مفتعلة خلال الفترة المقبلة، وكل من يتسبب في أزمة الوقود، مؤكداً أن المخزون الاستراتيجي للبنزين والغازولين يكفي حاجة البلاد لفترة 54 يوماً. فيما أوضح أن الوزارة تعمل على اتخاذ بعض الإجراءات بغرض زيادة كفاءة نقل الوقود عبر فتح الباب لشركات نقل جديدة داخل الخرطوم وخارجها لمحاربة آليات الدولة العميقة. وبين المسؤول أن هذه العناصر تعمل على إعاقة استخدام محطات التوزيع لسعاتها التخزينية الكاملة عبر افتعال الإشكاليات، وإعاقة وسائل النقل المختلفة.
خطة إنقاذ اقتصادي
في المقابل، قال وزير المالية السوداني إبراهيم البدوي اليوم الاثنين لـ"رويترز"، إن الحكومة ستطلق خطة إنقاذ اقتصادي مدتها تسعة أشهر لكبح التضخم مع ضمان توافر السلع الأساسية، كما ستطلب دعماً من البنك الدولي بقيمة ملياري دولار.
مراجعة الاتفاقيات
وفي سياق متصل أكد المحلل الاقتصادي عزالدين فضل لـ "اندبندنت عربية"، أن أزمة الوقود الحالية لا مبرر لها في ظل الدعم السعودي والإماراتي المستمر من الوقود، داعياً إلى ضرورة مراجعة الاتفاقيات مع شركات النفط الموجودة بالبلاد لأن غالبيتها يتبع للنظام السابق، فضلاً عن أهمية الإسراع في تصفية هذا القطاع الحيوي من عناصر نظام البشير لأنه عرف بمكمن الفساد، لكنه لم يستبعد أن الأزمة سببها سوء إدارة وعدم متابعة بالصورة المطلوبة.
وأشار إلى وجود عمليات تهريب كبيرة من الوقود لدول الجوار الأفريقي ما يتطلب ضرورة رفع الدعم عن السلع الضرورية لإيقاف هذه العمليات التي تنشط بشكل كبير في المناطق الحدودية، لافتاً إلى أن الدعم لا يشجع التهريب وحده وإنما يشجع على استهلاك إضافي للوقود في قطاعات متعددة ويجعلها تعتمد عليه من دون إيجاد بدائل نسبة لرخص ثمنه كما في قطاعات الصناعة وإنتاج الكهرباء.
أزمة مواصلات
وبحسب جولة قامت بها "اندبندنت عربية" على عدد من محطات الوقود والمواصلات العامة، فإن الأزمة تسببت في تعطل جزئي في حركة نقل البضائع والخضر واللحوم من مواقع الإنتاج إلى الأسواق، وزيادة التكلفة وتعرفة المواصلات.
كما أثرت الأزمة بشكل كبير في المواصلات العامة، ما دعا الجهات التنفيذية في قطاع النقل والمواصلات بتخصيص محطات تزود بالوقود للمركبات العامة تخفيفاً لمعاناة المواطنين وتسهيلاً لوصولهم إلى مواقع عملهم ونقل الطلاب لمدارسهم.
معاناة
وفي هذا الإطار، ذكر المواطن بلة عبدالله صاحب تاكسي أنه ظل يتردد على أكثر من محطة وقود من دون جدوى واضطر لترك سيارته قرب المحطة لنفاد البنزين لديه، ومن ثم عاد بعد ساعتين ليجد تكدساً واصطفافاً طويلاً للسيارات، ولكن هان عليه التعب بعد حصوله على طلبه من البنزين.
ويشرح المعلم محي الدين سعيد معاناته قائلاً، "المشكلة لدي ثلاثة أبناء وزوجتي موظفة وأنا أوصلهم قبل ذهابي إلى عملي، لذلك انتظرت أكثر من خمس ساعات حتى تمكنت من الحصول على كمية من البنزين، ونأمل بأن يكون هناك حل عاجل لهذه المشكلة لكونها ستؤثر في حركة الناس وجلب السلع وغيرها".
أما المواطن محسن صديق بيّن "أن عودة أزمة الوقود أصابتنا بالإحباط الكبير، لأننا كنا نتوقع انتهاءها تماماً عقب تشكيل الحكومة الجديدة، لكن الظاهر أن السودان موعود بالأزمات المتكررة، فليس من المعقول العيش في ظل معاناة متواصلة من دون إيجاد حلول جذرية للمشاكل التي هي معروفة تماماً لأي مسؤول ولا تحتاج لإنسان عبقري حتى يكتشفها".
انسياب عادي
وتعمل المصفاة التي أنشئت في يونيو (حزيران) 2000 بطاقة تكريرية قدرها 50 ألف برميل في اليوم، وتمت عمليات توسعة المصفاة على مرحلتين لتبلغ الطاقة الحالية 90 ألف برميل في اليوم. ووفقاً لمختصين من الفنيين والعاملين بالمصفاة، فإن إنتاج المصفاة ينساب بصورة عادية بلا مشاكل وهي تزود البلاد يومياً بثلاثة آلاف طن من البنزين وثلاثة آلاف طن من الغازولين و800 ألف طن من غاز الطهو، لافتين إلى أن توزيع المشتقات النفطية على منافذ التوزيع هو مسؤولية إدارة الإمدادات بوزارة الطاقة والتعدين.
ويبلغ حجم العجز اليومي في البنزين 800 طن متري، بينما يبلغ الإنتاج اليومي 3200 طن، والاستهلاك 400 طن، فيما يبلغ إنتاج الغازولين 4500 طن مقابل 8800 طن حاجات يومية بعجز قدره 4300 طن متري.
وتراجع إنتاج السودان النفطي بعد انفصال جنوبه في 2011 من 450 ألف برميل إلى ما دون 100 ألف؛ ما جعل الحكومة تلجأ لاستيراد أكثر من 60 في المئة من المواد البترولية لتلبية حاجات البلاد.
وكان رئيس الوزراء عبدالله حمدوك أعلن في وقت سابق عن تدابير وإجراءات عاجلة، لم يفصح عن تفاصيلها، للمشكلات المعيشية الضاغطة والمؤثرة في معاش الناس، بخاصة نقص الدقيق والمشتقات البترولية وصعوبة المواصلات.
ويشهد السودان تطورات متسارعة ومتشابكة ضمن صراع على السلطة، منذ أن عزل الجيش عمر البشير من الرئاسة (1989-2019) أبريل (نيسان) الماضي، تحت وطأة احتجاجات شعبية، بدأت أواخر 2018، تنديداً بتردي الأوضاع الاقتصادية.