Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حكومة جديدة في مصر... رجال أم سياسات؟

المصريون ينتظرون حلولا لارتفاع الأسعار وانقطاع الكهرباء وتذبذب سعر الدولار ومواجهة التقلبات الإقليمية والدولية

خفض الأسعار أبرز ما يطالب به المصريون حكومتهم الجديدة (رويترز)

ملخص

أجمع عدد من المصريين والخبراء المتخصصين على ضرورة أن يكون هناك تغيير للسياسات وليس للأشخاص فقط، مشيرين إلى أن هناك كثيراً من الأولويات والطموحات المنتظرة متسائلين "كيف ستتعامل الحكومة الجديدة مع الأزمات والتحديات الراهنة على الصعيدين الداخلي والخارجي وهل ستنجح في مواجهة ما أخفقت فيه الحكومة السابقة؟".

يترقب الشارع المصري التشكيل الحكومي الجديد بعد تكليف الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بتشكيل حكومة جديدة من ذوي الكفاءات، وبعد أن قبل استقالة حكومته مع استمرار الوزراء المستقيلين في تسيير الأعمال وأداء الحكومة مهماتها وأعمالها لحين الانتهاء من التشكيل الجديد.

ويعقد المصريون آمالا كبيرة على حكومة مدبولي الجديدة في إيجاد حلول جذرية للأزمات الطاحنة على الصعيد الداخلي، والمتمثلة في غلاء أسعار السلع وتذبذب سعر الدولار ومواجهة التضخم وضبط الأسواق والانقطاع المستمر للتيار الكهربائي، وتحقيق إصلاحات على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وأزمات خارجية متمثلة في مواجهة التقلبات الإقليمية والدولية الساخنة واشتعال حرب غزة وقضية سد النهضة ومواجهة أزمات الأمن المائي والغذائي.

ووفقاً لما جاء في بيان للرئاسة المصرية  فإن السيسي كلف مدبولي "تشكيل حكومة تعمل على تحقيق عدد من الأهداف، وعلى رأسها الحفاظ على محددات الأمن القومي المصري في ضوء التحديات الإقليمية والدولية، ووضع ملف بناء الإنسان المصري على رأس قائمة الأولويات، بخاصة في مجالات الصحة والتعليم، ومواصلة جهود تطوير المشاركة السياسية، وكذلك على صعيد ملفات الأمن والاستقرار ومكافحة الإرهاب بما يعزز ما أنجز في هذا الصدد، وتطوير ملفات الثقافة والوعي الوطني والخطاب الديني المعتدل على النحو الذي يرسخ مفاهيم المواطنة والسلام المجتمعي".

كما تضمنت تكليفات السيسي في شأن تشكيل الحكومة الجديدة مواصلة مسار الإصلاح الاقتصادي، مع التركيز على جذب وزيادة الاستثمارات المحلية والخارجية، وتشجيع نمو القطاع الخاص، وبذل كل الجهد للحد من ارتفاع الأسعار والتضخم وضبط الأسواق، في إطار تطوير شامل للأداء الاقتصادي للدولة في جميع القطاعات.

وأجمع عدد من المصريين والخبراء المتخصصين الذين استطلعت "اندبندنت عربية" آراءهم على ضرورة أن يكون هناك تغيير للسياسات وليس للأشخاص فقط، مشيرين إلى أن هناك كثيراً من الأولويات والطموحات المنتظرة، متسائلين "كيف ستتعامل الحكومة الجديدة مع الأزمات والتحديات الراهنة على الصعيدين الداخلي والخارجي؟ وهل ستنجح في مواجهة ما أخفقت فيه الحكومة السابقة؟".

طموحات المصريين

في هذا السياق يقول محمد مصطفى الذي يعمل موظفاً في إحدى الشركات الخاصة، إن الحكومة الجديدة عليها أعباء عدة لتدارك أخطاء الحكومة السابقة، مشيراً إلى ضرورة أن تكون هناك حلول جذرية لمواجهة الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي وخفض أسعار السلع التي باتت تشكل عبئاً على كاهل المواطنين، ومواجهة ارتفاع أسعار الدولار.

ويضيف الشاب الثلاثيني الذي يقطن منطقة فيصل بمحافظة الجيزة، أن أكثر ما يؤرقه هو انقطاع التيار الكهربائي يومياً لمدة ساعتين، متمنياً أن تضع الحكومة الجديدة تلك المشكلة على رأس أولوياتها.

ويتفق كمال يوسف، وهو محاسب قانوني مع حديث مصطفى، مؤكداً أن مشكلة ارتفاع أسعار السلع الأساس وانقطاع التيار الكهربائي من أكثر الأزمات التي تعانيها الدولة المصرية حالياً، والتي تتطلب أشخاصاً لديهم قدر من الرؤية والحكمة للتعامل معها، مشيراً إلى أن الحكومة الجديدة مطالبة ببذل كل الجهد للحد من ارتفاع الأسعار والتضخم وضبط الأسواق، منتقداً ضعف أداء بعض الوزراء وعدم امتلاكهم خططاً للتغلب على مشكلات وزاراتهم، ومطالباً بمراعاة حقوق الموظفين وتحسين ظروفهم المعيشية.

ويضيف الرجل الخمسيني، "نتمنى تحسين مستوى المعيشة على جميع المستويات اقتصادياً وصحياً وتعليمياً واجتماعياً، والعمل على إيجاد حلول لتقليص معدلات الفقر ونسب البطالة وزيادة الخدمات في جميع القطاعات"، مشدداً على ضرورة محاسبة الحكومة على وعودها وتعهداتها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي السياق ذاته طالبت ربة المنزل  خيرية مصطفى الحكومة الجديدة بالاهتمام بالفقراء وتخفيف العبء عليهم، ووقف ارتفاع الأسعار التي تؤثر بشكل مباشر في قدرتهم على شراء حاجاتهم الأساس ومواجهة أزمة الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي، مشيرة إلى أن التشكيل الوزاري الجديد تأخر كثيراً وكان ينبغي اتخاذ تلك الخطوة قبل أعوام في ظل الأزمات المتوالية التي شهدتها الدولة.

وشددت المرأة الستينية على ضرورة أن تعمل الحكومة من أجل تسهيل العقبات أمام الشباب وتوفير فرص عمل مناسبة لهم مع سكن بأسعار ملائمة، قائلة إن "الشباب لديهم كثير من الطموحات والأمنيات التي ينتظرونها من الحكومة الجديدة".

وعانت مصر أخيراً أزمة اقتصادية تفاقمت مع تداعيات جائحة كورونا وكذلك الحرب الروسية - الأوكرانية ثم الحرب في غزة، مما أدى إلى موجة غلاء في الأسعار تزامنت مع تراجع في قيمة العملة المحلية، قبل أن تبدأ الأوضاع في التحسن مع الإعلان عن صفقات خارجية مثل "رأس الحكمة".

التغيير الأكبر في الحقائب الوزارية

وعلى صعيد الخبراء المتخصصين يقول البرلماني المصري مصطفى بكري إن الرئيس عبدالفتاح السيسي حدد عدداً من النقاط والأولويات في تكليفه لرئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، مثل الأمن القومي وملفات الصحة والتعليم وضبط الأسعار والوضع الاقتصادي، مشيراً إلى أن كثيراً من المصريين ينتظرون مواقف أكثر انحيازاً للطبقات البسيطة والتوقف عن رفع الأسعار وزيادة الديون ووضع حلول جذرية لتفاقم الأزمة الاقتصادية وانقطاع التيار الكهربائي وإعادة رسم خريطة حماية الطبقات الفقيرة والمتوسطة، علاوة على مكافحة الفساد المالي والإداري ومواجهة مافيا الفساد بما يحقق مزيداً من الشفافية ويساند الأجهزة الرقابية في مهمتها.

ويضيف بكري لـ "اندبندنت عربية" أن "هناك عدداً من التحديات الخارجية التي تواجه الدولة المصرية مع كثير من الصراعات التي تحيط بها، مما يتطلب أن يكون لدى الحكومة الجديدة الوعي والحكمة في التعامل مع تلك الأزمات المشتعلة"، مردفاً "نتمنى أن تشكل الحكومة الجديدة نقلة نوعية في أداء الدولة المصرية، وأن تختار شخصيات على قدر المسؤولية حتى يشعر المصريون بروح جديدة".

وتوقع البرلماني المصري أن يكون هناك تغيير كبير في الحقائب الوزارية قد يكون هو الأكبر منذ أغسطس (آب)  2022 عندما غير 13 وزيراً، مردفاً "أعتقد أن التغيير سيشمل أكبر عدد من الحقائب الوزارية وسيكون الأوسع على الإطلاق لأن هناك حالاً من عدم الرضا على أداء كثير من الوزراء".

وكان مصطفى مدبولي تولى منصب رئيس مجلس الوزراء في يونيو (حزيران) عام 2018 خلفاً لشريف إسماعيل (2015 - 2018)، ويعتبر ثالث رئيس حكومة تسند إليه مهمات تشكيل الحكومة في عهد الرئيس السيسي، إذ كان الأول إبراهيم محلب (2014- 2015)، وأعقبه شريف إسماعيل بتشكيل كان يشغل فيه مدبولي منصب وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية خلال الفترة من فبراير (شباط) 2014 وحتى السادس من يونيو 2018، وكان أكبر تشكيل وزاري حدث في عهد مدبولي عام 2022، حين شمل التعديل تغيير 13 حقيبة وزارية.

تغيير سياسات وليس وجوه فقط

"لست متفائلاً"، هكذا يعقب عضو مجلس أمناء الحوار الوطني ومستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية عمرو هاشم ربيع، مشيراً إلى أن بقاء الدكتور مصطفى مدبولي رئيساً للوزراء في الحكومة الجديدة يدل على رضا الرئيس السيسي عن سياساته، مردفاً "أتمنى أن يكون هناك تغيير للسياسات وليس للوجوه فقط"، مشيراً إلى أن النظام المصري رئاسي ومركزي ويعتمد على رأس الدولة والباقي بمثابة سكرتارية أو موظفين له، موضحاً أن الحكومة الجديدة ستقوم بتنفيذ التزامات برنامج "صندوق النقد الدولي" المتمثلة في منظومة الدعم وأسعار الطاقة ودور الدولة في ملف السلع والخدمات.

وقال ربيع إن هناك تحديات عدة تواجه الحكومة المصرية الجديدة التي يجب أن تكون لديها رؤية في ملف منظومة الدعم وبيع الأصول ومعدلات الفقر والتضخم، علاوة على التحديات السياسية المرتبطة بفتح المجال العام وملف حقوق الإنسان والحريات.

جزر منعزلة

وتتفق النائبة البرلمانية ونائبة رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي مها عبدالناصر مع الطرح السابق، موضحة أن "المرحلة المقبلة تتطلب تغيير مسار بالكامل وتدارك أخطاء المرحلة السابقة، وكنت أتمنى ألا يعاد اختيار الدكتور مصطفى مدبولي رئيساً للوزراء"، مشيرة إلى ضرورة أن يكون هناك تغيير شامل وليس محدوداً حتى لا يكون الأمر محبطاً للمواطنين.

 

وتضيف عبدالناصر خلال حديثها إلى "اندبندنت عربية" أن الحكومة الحالية أخفقت في ملفات الديون والدولار والتضخم، وفشلت في إيجاد حلول لكثير من القضايا على مدى ستة أعوام كاملة، مشيرة إلى أن المشكلات معروفة للجميع وتتطلب تكاتفاً من أجل إيجاد حلول جذرية، ومشددة على ضرورة أن يعمل الوزراء كمجموعة واحدة وليس كجزر منعزلة مثلما كان يحدث في السابق.

تحديات وأزمات راهنة

فيما يقول عضو مجلس الشيوخ المصري عن حزب الشعب الجمهوري النائب محمد الرشيدي إن توجيهات الرئيس السيسي واضحة وصريحة بضرورة مواصلة مسار الإصلاح الاقتصادي، والعمل على جذب مزيد من الاستثمارات بما يدعم قوة الاقتصاد في ظل التحديات والأزمات الراهنة التي تشهدها البلاد، وتمثل ضغطاً وعبئاً على المواطنين لجهة زيادة التضخم وارتفاع الأسعار، مشيراً إلى أن الحكومة الجديدة أمامها مهمة كبيرة في طرح أفكار ورؤى جديدة من شأنها تنفيذ إستراتيجية الدولة لبناء الإنسان المصري.

وأضاف الرشيدي أن الحكومة تحملت أعباء كثيرة وواجهت مسؤولية وتحديات كبيرة على مدى الأعوام القليلة الماضية، مع حصول الكوارث والأزمات العالمية بداية من جائحة كورونا وآثارها، وتبعات الحرب الروسية - الأوكرانية ثم الصراع الذي تشهده المنطقة الآن، وزيادة موجات التضخم وما له من آثار على قوة الاقتصاد، وغيرها من الملفات الأخرى وعلى رأسها ملف الأمن الغذائي والأمن المائي وملفات الصحة والتعليم ومواجهة العشوائيات والإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

الموازنة الجديدة وصندوق النقد الدولي

ويرى الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى بدرة أن الحكومة الجديدة عليها التزامات عدة خلال المرحلة المقبلة، موضحاً أنها مطالبة بتنفيذ الموازنة الجديدة للدولة التي ستبدأ بعد 25 يوماً وبعد أن وافق عليها مجلس النواب، وكذلك لديها التزامات مع المؤسسات الدولية الخارجية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، ومراجعة صرف الشريحة التي تصل كلفتها أقل من مليار دولار، كما أنها مطالبة بإجراء نقاش موسع مع البنك المركزي ومؤسسات السياسات النقدية لمناقشة الآثار الاقتصادية.

ويضيف بدرة أن الحكومة الجديدة أيضاً مطالبة بالتفكير في منهجية الطروحات والاستثمار مع شركاء جدد ومواجهة التضخم، مشيراً إلى أن السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة، وإذا  تأثرت الأوضاع السياسية بصورة أكبر في المستقبل فمن المؤكد أن تلقي بظلالها على الأوضاع الاقتصادية، مستشهداً بـ "قناة السويس" التي تقلصت إيراداتها العام الحالي مقارنة بالعام الماضي بسبب هجمات الحوثيين.

وعلى رغم المعوقات والأزمات الاقتصادية التي تواجه الحكومة المصرية إلا أن بدرة لم يخف تفاؤله من حدوث إصلاحات اقتصادية في مصر خلال المرحلة المقبلة.

 

وأقرت المادة (146) من الدستور المصري حصول الحكومة الجديدة على موافقة مجلس النواب، وتنص على أن "يكلف رئيس الجمهورية رئيساً لمجلس الوزراء تشكيل الحكومة وعرض برنامجه على مجلس النواب، فإذا لم تحصل حكومته على ثقة غالبية أعضاء مجلس النواب خلال 30 يوماً على الأكثر، يكلف رئيس الجمهورية رئيساً لمجلس الوزراء بترشيح من الحزب أو الائتلاف الحائز أكثرية مقاعد مجلس النواب"، وحال "لم تحصل الحكومة الجديدة على ثقة غالبية أعضاء مجلس النواب خلال 30 يوماً عُدّ المجلس منحلاً ويدعو رئيس الجمهورية إلى انتخاب مجلس نواب جديد خلال 60 يوماً من تاريخ صدور قرار الحل"، بموجب الدستور الذي يشترط ألا تستغرق إجراءات الاختيار شهرين، إذ تنص المادة (146) أيضاً على أنه "في جميع الأحوال يجب ألا يزيد مجموع مدد الاختيار المنصوص عليها في هذه المادة على 60 يوماً".

وتضيف المادة أنه "في حال حل مجلس النواب يعرض رئيس مجلس الوزراء تشكيل حكومته وبرنامجها على مجلس النواب الجديد في أول اجتماع له"، وحال اختيار الحكومة من الحزب أو الائتلاف الحائز أكثرية مقاعد مجلس النواب تنص المادة نفسها على أن "يكون لرئيس الجمهورية، بالتشاور مع رئيس مجلس الوزراء، اختيار وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والعدل".

وفي الثاني من أبريل (نيسان) الماضي أدى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي اليمين الدستورية لولاية جديدة مدتها بحسب الدستور ستة أعوام تنتهى في 2030، ومنذ أداء اليمين يترقب الجميع تغيير الحكومة، وهو العرف السياسي والإجراء المتعارف عليه الذي يستهل به رئيس الجمهورية الولاية الجديدة.

المزيد من تقارير