Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مسرحيون شباب يطلقون صرخة "بريندا" ضد التحرش

مسرحية مغربية تراهن على التجريب بحثا عن حلول مشهدية  ترافق قضايا العصر

مشهد من مسرحية "بريندا" المغربية ضد التحرش (خدمة الفرقة)

ملخص

تنطلق مسرحية "بريندا" المغربية من أغنية أميركية عنوانها "بريندا حصلت على طفل" لمغني الراب توباك شاكور الذي اغتيل عام 1996، وكانت أغانيه تنتقد الاضطهاد والعنصرية. لكن المسرحيين الشباب سعوا إلى إسقاط أبعاد الأغنية على قضايا تشغل المجتمع مثل التحرش بالنساء والتغرير بالفتيات.

يبدو أن الأجيال الجديدة من المسرحيين المغاربة والعرب باتوا مشغولين بتطوير الأشكال المشهدية لتواكب عصرها، وتلتقط قضاياه وتصور تفاصيله، وتقدم بالتالي قراءات جديدة للواقع، مستفيدة من الانفتاح الفكري على ثقافات العالم، ومن التحولات التقنية التي أصبحت رمزاً كبيراً لحياتنا الجديدة.

والمسرحية المغربية "بريندا"، التي يقف وراءها فريق شاب من المخرج أحمد أمين ساهل (29 سنة) إلى الممثلين والتقنيين وفريق الكتابة، تترجم هذا التحول، حيث الانتقال من الكتابة الدرامية إلى الكتابة السينوغرافية، وحيث امتداد المسرح إلى حقول فنية أخرى، وتوسيع مساحات التجريب، وتعدد مستويات الخطاب، والتداخل اللغوي والانتقال باللغة إلى مجال الحركة، والاشتغال المكثف على الجانب المشهدي، والسعي وراء تحقيق متعة بصرية، فضلاً عن الجرأة في تناول الموضوع، وهي جرأة لا تتوقف عند البعد الفكري والنظري، بل تمتد إلى شكل حضور وتجسيد هذه الأفكار على الخشبة.

لا تستند المسرحية على نص أدبي، بل على أغنية أميركية عنوانها "بريندا حصلت على طفل" لمغني الراب توباك شاكور الذي اغتيل عام 1996، وكانت أغانيه تنتقد الاضطهاد والعنصرية، وتدعو إلى الثورة على السلطة المستبدة، وتحرض الشباب ضد "لوبيات" التحكم في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وتسرد الأغنية، التي شكلت منطلق المسرحية، قصة طفلة أميركية سوداء حبلت في عامها الـ12 من ابن عمها، وهي تعيش في أسرة فقيرة، حيث الوالد مدمن مخدرات وغير مهتم بما يقع داخل أسرته. لذلك حاولت بريندا أن تتخلص من وليدها بوضعه في حاوية قمامة، غير أن بكاءه جعلها تعود لتحمله وتعيش بالتالي حياة بئيسة، إذ اضطرت إلى العمل في كل المهن الرخيصة من أجل البقاء هي وطفلها على قيد الحياة، لتنتهي عاملة في إحدى دور الدعارة.

الفلسفة ولغة الشارع

تفتتح المسرحية بمشهد لممثل يقف صامتاً لفترة طويلة ويحمل في يده أسطوانة فوانوغراف، ليشرع في تحريكها مشبهاً الحياة بهذه الأسطوانة التي تنتقل من يده إلى الفونوغراف، ومع حركة دورانها تحت الإبرة تدور أحداث مفرحة ومحزنة من بداية الحركة إلى نهايتها، أي من ولادة الإنسان إلى موته. يأتي هذا المشهد الافتتاحي في سياق التقديم لحكاية بريندا، وهو تقديم انتقل فيه الممثل من مخاطبة الجمهور باللهجة المغربية إلى اللغة الإنجليزية، أي من الشكل الفرجوي الذي تقترحه الحكاية المغربية إلى أصلها الأميركي.

ثم تنطلق أغنية راب يرقص على إيقاعها ممثلات وممثلون أمام الخشبة على مقربة من الجمهور، في سياق هدم الجدار الرابع.

ينقل الحوار الذي يدور بين أب وابنته التوتر الأسري المرتبط بلحظة البلوغ عند الفتيات، ويقود المشهد الأب المدمن على الحشيش إلى منطقة اضطراب نفسي، حيث المزج في لحظة واحدة بين القسوة والحنان عبر لغة تنتقل بسرعة من الحدة إلى الرقة واللين في أداء درامي يتخذ الحوار في جزء منه شكل أغنية راب. لكن موضوع البلوغ يصير مثاراً للتفكه والسخرية حين تنتقل به البنت من الحديث مع الأب إلى الحديث مع صديقاتها.

تضع المسرحية سؤال الأخلاق على المحك، وتسائل مفاهيم مجتمعية مثل "الرجولة" و"الحياء"، وتفتح النقاش حول العلاقات الشبابية، وتقف على ظاهرة الدعارة، وتصل إلى نقطة حرجة في الحياة العائلية، إذ ينظر الأب إلى ابنته نظرة تقطع مع العلاقة الأسرية السليمة، كل ذلك في قالب تجريبي، إذ تتقاطع أسئلة الفلسفة مع لغة الشارع، ويتحول الشجار إلى رقص وتتداخل الأجناس الفنية ولغاتها في المشهد الواحد. وتقوم المشاهد على التكثيف وعلى الخطاب الشذري الذي يومئ، ويشير في أغلب الأحيان إلى الفكرة من دون التوغل فيها.

رهان على البصري

تتخذ الخشبة شكل حلبة، يلج إليها الممثلون عبر رفع الحبال، في إشارة إلى أن الأحداث في العمل المسرحي هي ترجمة لصراع اجتماعي وفكري. وتحضر الموسيقى كخلفية للأداء وكمتن أيضاً للمسرحية، وتنتقل أشكال حضورها من الراب إلى موسيقى التكنو إلى موسيقى التصوير السينمائي إلى الطرب الشرقي إلى أغنية العيطة التراثية المغربية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في تداخل أدائي لافت في بعض المشاهد يتناوب على تقديم الدور الواحد أكثر من ممثل، خصوصاً دور الأب وابنته، ربما في إشارة إلى أن هذه النماذج، ومعها هذه الحالات، تتكرر في مجتمعاتنا. بالتالي فهذه الصيغة في التناوب على تناول الموضوع بأصوات متعددة ومتداخلة، يجعل الجانب البوليفوني في المسرحية مضاعفاً، ويرسخ ما تراهن عليه من تجريب ورغبة في الخروج عن المألوف في السرد المسرحي. كما أن الانتقال باللغة من الدارج إلى الفصيح ومن العربية إلى الفرنسية والإنجليزية يعكس مستويات الخطاب وحمولاته.

ما تروم مسرحية بريندا الوصول إليه ليس طرح الموضوع فحسب، بل الرهان على معالجته بطرق مبتكرة يطغى فيها الجانب الفني على المضمون، ويتجاوزه إلى مساحات تقنية تنتصر للمسرح أكثر من انتصارها للقضية التي يطرحها هذا المسرح، بالتالي راهن هذا العمل على الجانب الفرجوي والإدهاش البصري وخلق حال من البهجة على الخشبة، على رغم طبيعة الموضوع الذي يناقشه.

قام بتشخيص أدوار مسرحية "بريندا" تشكيلة من الخريجين الجدد من المعهد العالي للتكوين المسرحي والتنشيط الثقافي هم: زهرة الهواوي وإسماعيل العلوي وأمين بلمعزة وسفيان نعيم ورجاء بوحامي وسلسبيل أبيدو وعبير عبو وأسامة العروسي، وأشرف على السينوغرافيا صفاء كريت والإضاءة هدى الحامض والصوت أسامة العروسي الذي يمزج بين التمثيل والهندسة الصوتية.

اللافت أن هذا العمل المسرحي الجديد توج بالجائزة الكبرى لمهرجان الأردن للمسرح، كما حصلت بطلته زهرة الهواوي على جائزة أفضل ممثلة في مهرجان الإسكندرية للمسرح خلال دورته الأخيرة.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة