Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إسماعيل كاداريه جذب القراء العرب بملحميته الروائية

قدم تنازلات كثيرة للفوز بنوبل وبدا عنصريا في بعض مواقفه

الروائي الألباني إسماعيل كاداريه (رويترز)

ملخص

حظي الروائي إسماعيل كاداريه الذي رحل أول من أمس  عن 88 عاماً بشهرة كبيرة في العالم العربي منذ سبعينيات القرن الماضي؛ على خلفية اهتمام النخب العربية آنذاك بفكرة مناهضة الديكتاتورية التي شاعت في أعماله، وكانت في الوقت نفسه واحدة من العناوين العريضة لتلك السنوات. فضلاً عن إيمان الأصوات الطليعية وقتذاك بأن الالتزام السياسي لا يعني بالضرورة إنتاج أدب مباشر. وأعطت أعماله الإبداعية المتنوعة حلاً مثالياً لتلك المعضلة، فقد أعاد الراحل بصورة عملية تعريف معنى الالتزام، ولفت الأنظار بقوة إلى نموذج فريد يؤكد أن الكتابة الجيدة يمكن أيضاً أن تأتي من موقف سياسي مثير للجدل.

طوال أكثر من 40 عاماً، نال إسماعيل كاداريه في العالم العربي حظاً في القراءة لم يكن متاحاً أمام أي كاتب آخر ينتمي إلى منطقة البلقان. ولأن تلك المنطقة كانت في حال عزلة سياسية وثقافية، خلال سنوات حكم أنور خوجة، اعتمد معظم مترجمي أعمال كاداريه في البداية على اللغات الوسيطة، في حين انفرد السوري محمد الأرناؤوط لسنوات عدة بالترجمة عن اللغة الأصلية نظراً إلى أصوله الألبانية. فمنذ عام 1982 أتاح الأرناؤوط كثيراً من أعمال كاداريه باللغة العربية، ومنها أشعاره تحت عنوان "حصان طروادة يلقى حتفه"، وروايتي "جنرال الجيش الميت" و"الحصن". والأخيرة ترجمها الشاعر السوري محمد عضيمة عن الفرنسية تحت عنوان "طبول المطر"، كما ترجم الشاعر وديع سعادة روايته "نيسان مقصوف" لدار المطبوعات الشرقية في لبنان عام 1986، وصدرت الرواية الشهيرة "قصر الأحلام" بترجمة حياة الحويك عن دار "الآداب".

مرآة عاكسة

ويمكن النظر إلى أعمال كاداريه كمرآة عاكسة لتحولات بلاده ومعاناتها على امتداد التاريخ، لذلك اتسمت بطابعها الملحمي، ونال التاريخ حصة كبيرة فيها، إذ ولد الرجل عام 1936، وبعد ثلاث سنوات فقط من ولادته غزت قوات موسوليني ألبانيا وأطاحت الملك. وخضعت ألبانيا لحكم إيطاليا الفاشية لست سنوات، قبل أن تسهم نتائج الحرب العالمية الثانية في دحرها وتأسيس الجمهورية الاشتراكية الشعبية في هذا البلد. وفي تلك الفترة التحق كاداريه بالمدرسة الابتدائية ثم الثانوية في مدينته غيروكاستر، وهي أيضاً مسقط رأس أنور خوجة الذي رسم مصير البانيا كحاكم شيوعي لسنوات طويلة، وربما من هنا اقترن اسم كاداريه بخوجة في مخيلة القراء. وأهلت دراسة كاداريه للغات والأدب في كلية التاريخ وفقه اللغة في جامعة العاصمة تيرانا للعمل في سلك التدريس، ثم حصل على منحة لمتابعة دراسته في معهد غوركي للأدب العالمي في الاتحاد السوفياتي السابق، واطلع هناك على المؤلفات التي حددت رؤاه الأدبية وأطرت عالمه الفني الذي اتسم في بداياته بالتنوع ومقاربة أنواع أدبية متعددة، كما تضمن نقداً حاداً للواقعية الاشتراكية وأدب الالتزام، وعند عودته لبلاده عام 1960 لم يتردد في توجيه النقد لبعض رموز الأدب الروسي الكبار.

الهوية الألبانية 

وجعله النجاح الذي وجدته روايته الأولى "جنرال الجيش الميت" (1963) أكثر حرصاً على مواصلة طريقه كروائي، إذ أكسبته شهرة عالمية بعد ترجمتها إلى لغات عدة. تحكي الرواية قصة جنرال إيطالي يكلف بمهمة العثور على رفات جنود لقوا حتفهم خلال الحرب العالمية الثانية لإعادتها للبلاد، وبالتالي طرح على مجتمعه منذ البداية الصورة التي عمل على ترسيخها طوال سنوات، فهو مؤرخ الوجدان القومي لهذه الأمة التي عانت لقرون عدة. وعلى ضوء تلك الرؤية ركزت رواية "الحصار" (1970) على قصة المقاومة المسلحة للشعب الألباني ضد العثمانيين خلال القرن الـ15. كما استلهم كاداريه في روايته "قصة مدينة الحجارة"، كثيراً من الوقائع المركزية في تاريخ المدينة التي ولد فيها. أما روايته "الشتاء العظيم" (1977) فكرسها لمعالجة وقائع الانفصال بين ألبانيا والاتحاد السوفياتي. وبفضل  النجاح الذي حققته تلك المواضيع أفسح له نظام خوجة مساحة أوسع من تلك التي أتيحت لغيره من المؤلفين، وظلت معاناته مع الرقابة محدودة. وتحمل كاداريه أمام القراء مسؤولية التعبير عن الهوية الألبانية، واعتنت رواياته باستعادة الأساطير والملاحم الشعبية كأداة تقنية لمواجهة التشوه الناتج من سنوات الاحتلال العثماني الطويل لألبانيا، وأصبحت تمثل التعبير الأمثل عن بلاغة المقموعين، وقدمت رداً عملياً على الرواية التي حاول الأتراك تعميمها في شأن الهوية المختلقة لمنطقة البلقان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى رغم ذلك فإنه اتهم بصورة صريحة في مناسبات عديدة بالعلاقة القوية مع أنور خوجة، الذي كان يصفه في السنوات الأخيرة بـ«الدكتاتور»، بل إنه انتخب ثلاث مرات عضواً في مجلس الشعب الألباني، وكان من بين قلة قليلة يسمح لها بالسفر خارج البلاد في الوقت الذي كان زملاؤه الكتاب يفتقدون حرية السفر من مدينة إلى أخرى داخل ألبانيا. ونتيجة لهذا الاتهام لم يتمكن المتحمسون لرواياته من تمرير اسمه إلى لائحة الفائزين بجائزة نوبل. في أزمنة الهويات الجريحة رسم كاداريه صورة مثالية لكاتب يعبر عن هوية مكبوتة، وينتقد الاستبداد باستعمال المجاز والتأويلات التاريخية. ووجدت هذه الصور كثيراً من التقدير في العالم العربي، إلا أن شعبية كاداريه تأثرت إلى حد كبير بعد أن ظهر أمام القراء في صورة الانتهازي الذي يسعى إلى الهرب من البلاد التي أعطته كل شيء. في غمضة عين تخلى كاداريه عن زعيم بلاده أنور خوجة، قبل أن يتداعى نظامه الشيوعي بأيام قليلة. تمكن كاداريه من الحصول على تأشيرة سفر إلى فرنسا لغرض العلاج في عام 1990، ومن هناك شرع في نقد الديكتاتورية في بلاده ودان بشدة نظام أنور خوجة، وقال مبرراً خروجه: "حاولت المساهمة في جعل النظام أكثر ليونة، مع مراعاة الظروف الخاصة بألبانيا، وخلال لقاءاتي برموز النظام، وأيضاً عبر الرسائل التي أرسلتها إليهم، عبرت عن الضرورة الملحة لديموقراطية سريعة وعميقة. إلا أن جميع الوعود التي قطعت لم تحترم إطلاقاً، لذا كانت خيبتي شديدة"، كما أعلن أن الكاتب عموماً "هو عدو طبيعي للدكتاتورية".

دعم العنصرية 

في فرنسا أعاد كاداريه، كما يوضح كتاب "كاداريه بين الأدب والسياسة" لمحمد الأرناؤوط، نشر بعض رواياته وضمنها صفحات زعم أنه لم يجرؤ على نشرها خوفاً من بطش الديكتاتور. وبالغ الغرب في امتداح شجاعته المفرطة ونال جائزة المان بوكر البريطانية 2005 في دورتها الأولى، ومنح عام 1996 عضوية أكاديمية العلوم السياسية والأخلاقية الفرنسية ونال جائزة  أمير أستورياس عام 2009، وجائزة «نويستات» الأدبية الأميركية عام 2020. تراجعت شعبية كاداريه عربياً بالتزامن مع اكتشاف نماذج روائية بديلة ومختلفة في سياق الواقعية السحرية، أبرزها كتابات غابرييل غارسيا ماركيز وميلان كونديرا. وعقب أحداث سبتمبر (أيلول) 2001 وجد كاداريه أن هجومه على الإسلام وما سببته الدولة العثمانية من ضرر لبلاده قد يقربه من الحصول على جائزة نوبل. وخلال سنواته الأخيرة بالغ كاداريه في الهجوم على الإسلام، ورأى أنه الحاجز الذي فصل ألبانيا عن الحضارة الأوروبية وحال دون اندماج الألبان في بقية أوروبا، وبالمثل بالغ في مدح إسرائيل بعد فوزه بجائزة الأدب الإسرائيلي وظل يدعم سياساتها العنصرية، وهكذا يمكننا القول إن سيرة كاداريه حافلة بالتناقضات، لكنها تشير في الوقت نفسه إلى موهبة كبيرة، ستظل دائماً في انتظار من يكشف ألغازها.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة