ملخص
سجل لبنان خسائر اقتصادية كبيرة نتيجة دعمه أسعار الكهرباء في العقود الماضية إضافة إلى خسارته أموالاً أخرى بسبب الهدر والفساد في القطاع نفسه.
يواجه لبنان أزمة كهرباء حادة تتطلب حلولاً جذرية ومستدامة، وفي ظل انهيار البنية التحتية ونقص التمويل برزت الطاقة المتجددة كأحد الحلول الممكنة لهذه الأزمة. ومع تركيب أكثر من 1000 ميغاوات من الطاقة الشمسية خلال عام ونصف العام وحسب، تزايدت الآمال في تحقيق استقرار كهربائي من خلال المبادرات الفردية والمشاريع الخاصة.
أمام هذا التحرك يبقى السؤال، هل تكون هذه المبادرات كافية لحل أزمة الكهرباء في لبنان؟ فبينما تفتح الطاقة المتجددة آفاقاً جديدة تواجه عدداً من التحديات التي تتطلب دعماً حكومياً وتنظيمياً متكاملاً لضمان استدامتها وفعاليتها.
واقع القطاع وأسباب الانهيار
وعن واقع الكهرباء في لبنان خلال الأعوام الأخيرة، قال عميد كلية الهندسة في جامعة الكسليك البروفيسور جوزيف الأسد إنه "في عام 2018، أي قبل بدء الأزمة الاقتصادية كانت البنى التحتية في لبنان تعاني نقصاً في الخبرات والصيانة، ولكن خلال الأعوام الستة الماضية توقفت بعض الاستثمارات في الصيانة وأثرت الأزمة الاقتصادية الجديدة على القدرة الشرائية لفيول كهرباء لبنان، مما اضطر المؤسسة إلى خفض ساعات الإنتاج إلى حدود ساعتين أو ثلاث ساعات في اليوم".
وأوضح في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن "انفجار الرابع من أغسطس (آب) 2020 دمر بصورة كاملة المبنى الرئيس لمؤسسة كهرباء لبنان، بما في ذلك مركز التحكم إضافة إلى التحديات المالية حتى نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، إذ كانت تعريفة الكهرباء لا تتجاوز 140 ليرة، وبما يعادل أقل من سنت واحد عند وصول سعر الدولار إلى 130 ألف ليرة، ونتيجة لذلك أصبح لبنان ينتج الكهرباء بصورة شبه مجانية مما جعل المؤسسة غير قادرة على الاستمرار مالياً".
الخسائر المالية
وتظهر بيانات وزارة المالية اللبنانية أن التحويلات الإجمالية لشركة الكهرباء منذ عام 1993 وحتى عام 2020 بلغت 23 مليار دولار أميركي، وبسبب العجز المستمر في الموازنة جرى تمويل هذه التحويلات عبر الاقتراض العام بمتوسط كلفة بلغت 6.5 في المئة، هذا الأمر رفع إجمال عجز قطاع الكهرباء إلى 43 مليار دولار، وبما يعادل تقريباً نصف الدين العام.
وتابع الأسد أن "الخسائر الاقتصادية جاءت نتيجة دعم أسعار الكهرباء في العقود الماضية، إضافة إلى أنها كانت تخسر أموالاً بسبب الهدر والفساد"، مشيراً إلى أن "نحو 30 إلى 40 في المئة من الكلفة كانت تدفع عن الشعب اللبناني، بينما الـ60 في المئة الباقية مثلت خسارة على المؤسسة"، لافتاً في الوقت عينه إلى أن "هناك خسائر ناتجة من عدم الجباية والتعديات والسرقات على الشبكة، والخسائر التقنية التي توجد في كل العالم".
وكشف عن أن "مؤسسة كهرباء لبنان كانت تبيع الكيلووات بسعر 140 ليرة (أقل من سنت أميركي)، وهو أقل بكثير من كلفته الفعلية التي تراوح ما بين 17 و19 سنتاً، وإضافة إلى ذلك كانت الكهرباء تدعم مرة أخرى من قبل مصرف لبنان لتحويل الليرات اللبنانية المجباة إلى دولارات لشراء الفيول، مما أدى إلى خسائر مالية هائلة في قطاع الكهرباء".
رفع تعريفة الكهرباء
وبناء عليه اعتبر الأسد أن "قرار رفع تعريفة الكهرباء الذي جاء في نوفمبر 2021 على رغم تأخره كان ضرورياً"، لافتاً إلى أن "التعريفة ارتفعت من 140 ليرة للكيلووات في الساعة التي كانت تعادل نحو سنت واحد، إلى أول شطور 10 سنتات، وبعدها وصلت إلى 27 سنتاً، وعلى رغم أن هذا القرار جاء في وقت سيئ اجتماعياً إلا أن مبدأ رفع التعريفة كان ضرورياً لضمان استمرارية المؤسسة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار إلى أنه "عندما يفتح الإنتاج للقطاع الخاص يصبح من الضروري وجود هيئة ناظمة مستقلة لتنظيم العلاقة بين القطاعين الخاص والعام، والتنسيق مع قطاع النقل والتوزيع"، لافتاً إلى أن "عدم وجود سوق مفتوحة سيجعل من الهيئة الناظمة وجهاً جديداً للهدر في لبنان، بينما وجودها سيكون أساساً للتقدم بحلول فعالة في قطاع الكهرباء".
وعن استمرار الناس بالاعتماد على المولدات بصورة متكاثرة حتى بعد رفع التعريفة، أوضح عميد كلية الهندسة في جامعة الروح القدس - الكسليك أنه "لا يوجد حل آخر سوى الاعتماد على المولدات الخاصة في الوقت الحالي"، مضيفاً "على رغم أن مؤسسة كهرباء لبنان بدأت تجبي بسعر 27 سنتاً للكيلووات فإنه لا يزال غير واضح".
التوسع في قطاع الطاقة المتجددة
وخلال الأعوام الأخيرة شهد لبنان توسعاً ملحوظاً في قطاع الطاقة المتجددة مع زيادة كبيرة في تركيب الألواح الشمسية والمبادرات الفردية لتوليد الكهرباء.
وفي السياق أشار الأسد إلى أن "لبنان تمكن من تركيب 100 ميغاوات فقط من الطاقة الشمسية بين عامي 2010 و2020 بسبب الدعم الغوغائي لسعر الكهرباء، ومع بداية الأزمة خلال عام 2021 تم تركيب أكثر من 1000 ميغاوات من الطاقة الشمسية خلال عام ونصف العام وحسب، نتيجة ارتفاع أسعار الكهرباء وانقطاعها".
وأوضح أن "الأزمة دفعت الناس لتركيب الطاقة الشمسية للحفاظ على أمنهم الطاقوي وتحقيق وفر اقتصادي"، مشيداً بـ"دور القطاع الخاص وشركات الطاقة الشمسية التي تمكنت من تجهيز قطاعها بصورة جيدة لتركيب أكثر من 1000 ميغاوات من الطاقة الشمسية"، مشيراً إلى أن "بعض الشركات لم تكن مؤهلة بصورة كاملة، ومع ذلك يعد هذا إنجازاً كبيراً يحسب للقطاع الخاص".
وأكد الأسد أن "السوق وصلت إلى مرحلة جمود بعد تركيب الكمية الكبيرة من الطاقة الشمسية خلال السنتين الماضيتين"، مشدداً على "الحاجة إلى إطار قانوني جديد يسمح بمزيد من الاستثمارات في الطاقة المتجددة ويضمن الأمان للاستثمارات في هذا القطاع"، خصوصاً أن "الفرصة متاحة لتحقيق قفزة كبيرة بالطاقة المتجددة في لبنان".
ومن جهته كشف رئيس المركز اللبناني لحفظ الطاقة المهندس بيار الخوري أن "هناك نحو 1500 ميغاوات من الطاقة المتجددة تم تركيبها في لبنان، معظمها من القطاع الخاص وجزء آخر من خلال الهبات المقدمة إلى القطاع العام"، لافتاً إلى أن "هذه المشاريع نفذت حتى العام الحالي وتشمل منشآت القطاع الخاص وبعض منشآت القطاع العام".
وأوضح أن "القول بأن الدولة متقاعسة عن دورها في هذا القطاع غير دقيق، لأن الطاقة الشمسية اللا مركزية تتطلب بطبيعتها مبادرات فردية وبالتالي هي ليست في حاجة إلى الدولة"، لافتاً إلى أنه "في السابق لجأ الناس إلى تركيب الطاقة الشمسية بسبب الانقطاع التام للكهرباء، أما الآن ومنذ عام 2022 تقوم المصانع والمؤسسات بتركيب الطاقة الشمسية لأنها أقل كلفة من المولدات".
واعتبر في الوقت عينه أن "معالجة مشكلة الكهرباء في لبنان لا يمكن أن تتم من خلال المبادرات الفردية وحسب، بل يجب أن تكون هناك جهود مشتركة بين مؤسسة كهرباء لبنان والمبادرات الفردية والجماعية".
قانون الطاقة المتجددة اللامركزية
ومن المؤكد أن الأزمة الاقتصادية وتأثيرها السلبي على قطاع الطاقة في لبنان حفزت العملية التشريعية التي أدت إلى إقرار قانون الطاقة المتجددة اللا مركزية رقم (318/2023)، إلا أنه يفتقد وجود هيئة ناظمة للكهرباء ووجود المراسيم التطبيقية.
وبالعودة للبروفيسور جوزيف الأسد فإن "قانون الطاقة المتجددة اللامركزية أساس وفرصة للبنان، لأنه يهدف إلى فتح المجال للقطاع الخاص للاستثمار في الطاقة المتجددة، ويتيح صوراً عدة من تبادل الكهرباء مثل الموازنة الصافية والتبادل الكهربائي".
وعلى رغم أن القانون صدر بعد فترة طويلة إلا أنه يشكل فرصة كبيرة لتحقيق قفزة نوعية في قطاع الطاقة المتجددة، بحسب الأسد الذي أكد "ضرورة إصدار آليات لتطبيق القانون، وتشكيل هيئة ناظمة لضمان استرداد الاستثمارات وتحقيق الأمان القانوني للقطاع الخاص".
وبدوره أشار رئيس المركز اللبناني لحفظ الطاقة إلى أن "القانون رقم (318/2023) يسمح للقطاع الخاص بالقيام بأمرين أساسين، أولاً إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة وتبادلها مع شبكة مؤسسة كهرباء لبنان، وثانياً تمكين القطاع الخاص من عقد اتفاقات لشراء الطاقة بينهما عبر شبكة مؤسسة كهرباء لبنان، كما أنه يسمح بمشاريع بقدرة تصل إلى 10 ميغاوات كحد أقصى".
وأضاف الخوري أن "تنفيذ هذا القانون يتطلب إنشاء الهيئة الناظمة التي لم تشكل بعد، وعلى رغم ذلك فإن هناك أجزاء من القانون يمكن تطبيقها دون الحاجة إلى الهيئة، وقد بدأت بالفعل بعض المشاريع الاستفادة من هذا القانون"، موضحاً أنه "يمثل فرصة كبيرة للبنان".
وما بين هذا وذاك توقع الخوري أن "يزيد إنتاج الكهرباء بين 500 و800 ميغاوات من الطاقة الشمسية، مما سيشكل إنجازاً تاريخياً لمجلس النواب ويفتح الباب أمام كثير من المشاريع في هذا المجال"، مشدداً على "ضرورة تشكيل الهيئة الناظمة لتطبيق جميع مواد القانون، وفي حال عدم تشكيل الهيئة يمكن نقل صلاحياتها إلى مجلس الوزراء كحل بديل".
التعاون الدولي وخطط المستقبل
وفي ما يتعلق بخريطة الطريق لتحقيق التزام لبنان بمعايير الطاقة المتجددة، أكد الخوري أن "الاستراتيجية تهدف إلى الوصول إلى 41 في المئة من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، مع الاعتماد على الطاقة التقليدية بـ60 في المئة"، موضحاً أن "مؤسسة كهرباء لبنان تمتلك مصانع يمكنها توفير الكهرباء لمدة تتراوح ما بين 18 و 20 ساعة يومياً إذا تم تشغيلها بالكامل، مما يلغي الحاجة إلى بناء معامل جديدة".
وذكر أن "تفعيل هذه المصانع إضافة إلى الطاقة الشمسية الموجودة والمركبة بفضل القانون رقم (318) سيمكن من حل مشكلة الكهرباء في غضون 24 ساعة وإنهاء أزمة الكهرباء".
وأشار إلى "مشاركة وزير الطاقة ووفد من الوزارة في مؤتمر الأطراف (كوب-28)، وحينها التقى ممثلي الحكومة البريطانية التي ستقدم الدعم لخطة الطاقة المتجددة لعام 2030"، معلناً "إطلاق الخطة الوطنية للطاقة خلال أسبوع بيروت للطاقة في سبتمبر (أيلول) المقبل، والتي ستتناول مواضيع مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحرارية والطاقة البيوماسية (طاقة المواد العضوية)".
وأعرب رئيس المركز اللبناني لحفظ الطاقة عن تمنيه "تحقيق هدف أعلى يتراوح ما بين 41 و 43 في المئة من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، فلبنان حالياً يستمد 25 في المئة من إجمال طلبه على الطاقة من المصادر المتجددة".
تحديات التحول نحو الطاقة الخضراء
وتعد الطاقة المتجددة أساساً في العالم العربي لمواجهة تغير المناخ والاحترار العالمي، وهما تهديدان يسببان أزمات اجتماعية واقتصادية كبيرة، ويهدف اتفاق باريس عام 2015 إلى الحد من الاحترار العالمي إلى أقل من درجتين مئويتين، مع السعي إلى تقليل الزيادة إلى 1.5 درجة.
ويحدد الاتفاق مستهدفات طوعية للدول المعروفة بالمساهمات المحددة وطنياً (NDCs)، بحسب قدراتها، وتتضمن هذه الإسهامات خططاً لخفض الانبعاثات واستراتيجيات لمكافحة تغير المناخ.
وهنا يؤكد منسق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى المنظمة العالمية "انشر ما تدفع" الدكتور بيار سعادة أن "التحول نحو الطاقة الخضراء يمكن أن يزيد من عدم المساواة إذا لم يعالج بجهود تتضمن التشاور المجتمعي والأطر التنظيمية القوية وحقوق الإنسان"، مشيراً إلى "ضرورة أن يستثمر صانعو القرار في الجهود الوطنية والإقليمية والدولية لتعزيز عملية تحول طاقوي عادل".
التحديات والفرص
ولفت الدكتور سعادة إلى أن "دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تعتمد بصورة كبيرة على النفط والغاز تواجه تهديدات كبيرة وسط التحول إلى الطاقة النظيفة، ومع الهياكل السياسية غير المستقرة يؤدي التحول عن الوقود الأحفوري إلى تفاقم الانقسامات السياسية".
وشدد على أهمية "وجود المجتمع المدني الذي يلعب دوراً حيوياً في إدارة هذا التحول، موضحاً أن "حكومات المنطقة في حاجة إلى تقييم هياكلها الاقتصادية المعتمدة على الهيدروكربونات، فعلى سبيل المثال يشكل النفط في العراق 95 في المئة من نسبة الصادرات والإيرادات و65 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وفي الكويت يمثل 43 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي و70 في المئة من عائدات التصدير. أما في اليمن فإن 63 في المئة من إيرادات الحكومة تأتي من إنتاجه".
مبادرات مدنية
وبناء على ذلك أشار منسق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى "انشر ما تدفع" إلى أن المنظمة أسست فريق العمل المعني بالتحول الطاقوي العادل في مارس (آذار) 2023 لدعم جهود التحول الطاقوي في المنطقة"، مؤكداً أن "الفريق يعمل على مشاركة التحديثات القطرية وتنسيق الأنشطة مع أعضاء ائتلاف المنظمة حول التحول في دول المنطقة، كما يسعى إلى تحديد أهداف وسرديات المناصرة لدعم التحول العادل عن الوقود الأحفوري، وتعزيز التعاون في البحوث وبناء القدرات وجمع التبرعات".