Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا لو استيقظ "الكلب النائم" في صالة مصرية ؟

المخرج المصري محمد أشرف اقتبس مسرحية البريطاني بريستلي برؤية مختلفة

من مسرحية "منحنى خطر" المصرية (خدمة الفرقة)

ملخص

يقدم المخرج المصري محمد أشرف عرضه المسرحي "الكلب النائم" عن نص "منحنى خطر" للكاتب البريطاني جي ب. بريستلي. يكشف العرض بعض مساوئ الطبقة المخملية، والممثلون هم من شباب المسرح السكندري.

في نص "منحنى خطر" للكاتب الإنجليزي جي. ب بريستلي (1894-1984) هناك حقائق غائبة، يبحث عنها مارتن، الذي مات شقيقه الأصغر روبرت، منتحراً كما أشيع، ليقوده هذا البحث إلى اكتشاف مآس عدة، ويكشف، في الوقت نفسه، زيف وتدني العائلة بأكملها، بمن فيهم هو نفسه. هي الفتنة التي أيقظها مارتن، وأصابته لعنتها، حيث، وقد تكشفت له كل الحقائق المرعبة، لم يحتمل العيش، وأطلق على نفسه الرصاص ليلحق بشقيقه. اختار المخرج محمد أشرف، عنواناً، ربما يبدو إشكالياً، عند تعامله مع هذا النص، في عرضه، الذي قدمته فرقة نادي المسرح في قصر ثقافة الأنفوشي في الإسكندرية (هيئة قصور الثقافة- وزارة الثقافة) وهو "الكلب النائم".

دلالة العنوان

إن أول ما يلفت في هذا العرض هو عنوانه، الذي لم يمثل، في ظني، أي عتبة يمكن أن تعين المشاهد على تلقي أسئلته. فإذا كان المخرج يرمي إلى أن الحقيقة بمثابة كلب نائم، من الأفضل عدم إيقاظه، يكون التعبير، هنا، قد خانه. كلب نائم، ماذا لو استيقظ؟

وإذا كان يقصد ذلك الكلب الرابض في أعماق كل أبطال المسرحية، الذين لم يخل واحد منهم من صفات سيئة، كالكذب، والغش، والنفاق والسرقة، والخيانة، فإن اختيار لفظة الكلب هنا، ربما يكون هو "المنحنى الخطر" الوحيد، الذي انزلق إليه العرض المسرحي، فالكلب هو أوفى الحيوانات وأخلصها، هو، في الغالب، لا يخون، ولا يسرق، وبالطبع لا يكذب، بالتالي لم يكن مخرج العرض، ومعده (محمد لقمان) موفقين في هذا الاختيار، الذي لا ينسحب على ممارسات الشخصيات أمامنا.

نعم فإن بعضنا يمكن أن يطلق لفظة "كلب" على أحدهم، تحقيراً من شأنه، لكن تأمل سلوكيات الكلاب يجعلنا أكثر فهماً لطبيعة هذا الحيوان، الذي يمكن أن يضحي بحياته من أجل صاحبه. ويبقي السؤال: ما الذي كان سيضير العرض لو ظل عنوانه "منحنى خطر" أو حتى أجهد صاحبه نفسه، وبحث عن عنوان آخر، يكون جزءاً من العرض، ومعبراً عن مجرياته؟ إن منحنى خطر هو الأكثر شمولاً، والأكثر قدرة على التعبير عن تلك الحياة المخملية التي صورها بريستلي في نصه المنشور عام 1934.

المبرر الذي حاول المخرج أن يقدمه لاختيار العنوان، هو مسرحية إذاعية تقدمها الإذاعة البريطانية بعنوان "الكلب النائم"، وهو عنوان من وحي خياله، وذلك خلال اجتماع العائلة في إحدى السهرات. هذا ما نعلمه من السياق في بداية العرض، ولكن أحداث العرض لم تبرر هذا الاختيار، أو على الأقل كانت بعيدة تماماً من دلالته، فهو لم ينسحب عليها، ولم يعن المشاهد على تأويلها.

البحث عن الحقيقة

إن هذا النص، بخاصة في ضوء معرفتنا بالموقف السياسي لصاحبه، والذي جعل اسمه ضمن القائمة التي أعدها مواطنه جورج أورويل لمناهضة الشيوعية، كان بمثابة تحذير، وإدانة، لهذه الطبقة التي انزلقت بأفعالها إلى القاع، حتى باتت تهدد المجتمع كله. سعى بريستلي إلى كشف زيف هذه الطبقة وخوائها، وتناقض جوهرها مع مظهرها، فضلاً عن سؤاله حول جدوى، أو أهمية البحث عن الحقيقة.

تدور الأحداث في ليلة اجتمع فيها أفراد عائلة ثرية، في حضور أصدقائهم، وهم جميعاً مشاركون في امتلاك شركة تجارية، وتبدو علاقاتهم، في ظاهرها، قوية. اجتمعوا في بيت مارتن، الذي توفي شقيقه الأصغر روبرت، وقيل إنه أطلق الرصاص على نفسه عندما كان في كوخه بمفرده، وفي السهرة يكتشف مارتن، وهو شخصية أضافها المخرج وليست موجودة في النص الأصلي، أن إحداهن ذهبت إلى كوخ شقيقه وأهدته علبة أنيقة يضع فيها سجائره، فتتوالى أسئلته بحثاً عن سبب ذهابها إليه ليلة مصرعه، لنكتشف بعدها العديد من المفاجآت التي تعري هذه الطبقة، وتفضح ما ارتكبه أفراد العائلة وأصدقاؤهم من جرائم، بينها السرقة، والخيانة الزوجية، والكذب، والتحرش، والشذوذ الجنسي. ما من أحد فيهم غير مدان بارتكاب جريمة ما، حتى مارتن نفسه، الذي أصر على اكتشاف الحقيقة، فتنهار هذه العلاقات بعد اكتشافها.

صناعة الصورة

بعيداً من العنوان الذي اختاره المخرج، فإننا أمام عرض يشير إلى مخرج، على رغم حداثة سنه، لديه وعي، وحساسية، بكيفية صناعة صورة، ولديه قدرة على اكتشاف طاقات كامنة في النص الذي يعمل عليه، بخاصة أنه نص متداول قدمه الكثيرون من قبل، فكان عليه أن يبحث عن صيغة جديدة أو مختلفة تجعل من عرضه إضافة نوعية إلى العروض التي سبق وأن اعتمدت على النص نفسه. الإضافة النوعية، التي قدمها المخرج، تمثلت في الدراما الحركية (تصميم محمد صلاح) فكثيراً ما نرى، بخاصة في عروض الشباب، دراما حركية تُجلب لذاتها كحلية في العرض، أو كرغبة من المخرج في استعراض قدراته، والإيحاء بأنه على اتصال بكل جديد في المسرح، من دون أن تمثل هذه الدراما الحركية أي إضافة للعرض، بل تكون عبئاً عليه في كثير من الأحيان. الدراما الحركية هنا تم توظيفها بطريقة ذكية أسهمت في تكثيف العرض، ومسرحة النص، وذلك بالاستغناء عن الكثير من الجمل الحوارية، هي لعبت دوراً مهماً ومؤثراً في بناء دراما العرض، ودوراً في التعبير عن الكثير من الأحداث التي لم تخبرنا بها الكلمات، أي أن حضورها هنا لم يكن مجانياً، كما نرى في كثير من العروض التي يقدمها الشباب، بل كان ضرورة فرضتها رؤية المخرج.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كان هناك وعي بدور الدراما الحركية، وعي بتشكيل الصورة، التي ربما كانت ستكون أكثر ثراء لو لم يذهب الديكور (تصميم هبة الله جمال) إلى أقرب حل، من دون القدرة على إعمال الخيال، ومحاولة البحث عن حلول جديدة تنفي عنه صفة التشابه مع عروض أخرى اعتمدت على النص نفسه، والمنظر نفسه. جاء الديكور واقعياً ومقتصداً، بهو للاستقبال به عدة مقاعد وثيرة، وبار، في مستوى مرتفع، في عمق المسرح، وهو منظر واحد ثابت، يشير إلى مكانة الطبقة التي تجتمع فيه، كما تشير إليها أيضاً الملابس (تصميم رامي عادل) التي ألمحت إلى ثراء هذه الطبقة، باستثناء الخادم الذي ارتدي قميصاً أبيض، وبنطالاً أسود، باعتباره في مكانة أدنى.

شخصية غير مرئية

وعلى رغم أن روبرت، الشقيق الأصغر لمارتن، كان قد انتحر، فإنه لم يغادر الخشبة، فقد ظل حاضراً، كشخصية غير مرئية، يراها فقط من يتذكر بعض المواقف معه، وذلك عبر تقنية الاسترجاع، وتم ذلك من خلال الحركة والإيماءة، من دون أن تتكلم هذه الشخصية الغائبة الحاضرة، وهو اختيار ذكي يتناسب وفكرة غيابه الفيزيقي، وقد جسد بالحركة ما يفصح عن شخصيته، والجرائم التي ارتكبها هو الآخر.

أحسن المخرج اختيار ممثليه: سيف طلال، ونانسي محمود نصر، وسارة عادل، وميرنا عادل، وميرنا خليفة، وأحمد جمال، وعبدالرحمن مجدي، وكريم البسطاوي، ومحمد لقمان. مجموعة من الشباب الموهوبين الذين يبدأون خطواتهم الأولى، وعلى رغم ذلك جاء أداؤهم منضبطاً، ولم يعبهم سوى أخطاء اللغة، التي كانت في حاجة إلى التدقيق، وهو أمر شائع بين الممثلين الجدد، الذين يعتبر أغلبهم إجادة اللغة ترفاً لا ضرورة.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة