Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الخطر يدهم الأميركيين فهل يرجح الأمن القومي كفة الجمهوريين؟

غالبية مواطني الولايات المتحدة يرون أن الحزب يتفوق على الديمقراطيين في هذا الصعيد ولا يزال المشهد المأسوي بأفغانستان ماثلاً بالأذهان

كشف الناخبون الأميركيون عن تمايز واضح في الثقة بين الحزبين الكبيرين (رويترز)

ملخص

كان ترمب أول رئيس أميركي في القرن الـ21 يدرك أن الديمقراطية الليبرالية لن تكتسح الشرق الأوسط الكبير، ونجح في دحر "داعش"، كما دعم الحلفاء العرب في المنطقة بصورة مباشرة من دون محاولة إدارة شؤونهم الداخلية، وكان بلا أدنى شك صديقاً جيداً لإسرائيل، وبفضل هذا النهج الجديد نجحت إدارته في القيام بما لم يستطع أوباما القيام به قط.

على أبواب الاقتراع واختيار الرئيس الأميركي الـ47، تتسع دائرة التنافس بين المرشحين الجمهوري والديمقراطي، فيما تبذل الحملات الانتخابية لكليهما جهوداً كبيرة لتفعيل جميع الأوراق التي يمكن أن تؤثر في شريحة من الناخبين المتأرجحين بأمل أن يكون هؤلاء الكفة الوازنة القادرة على تغيير النتيجة.

ولعله من نافلة القول الإشارة إلى أن قضايا بعينها تعد فاعلة ومؤثرة بأكثر من غيرها، فعلى سبيل المثال يعتبر غالبية الأميركيين أن قضايا الاقتصاد في الداخل هي أهم قضية تؤثر في الاختيار بين المرشحين.

وعلى رغم صحة هذا التوجه إلا أنه لا يعني كونه المعيار الوحيد للمفاضلة بين المرشحين، إذ تبدو اليوم قضية الأمن القومي للولايات المتحدة، وللأميركيين بصورة عامة، من أهم القضايا التي تشغل بال مواطني الدولة.

والشاهد أنه اليوم، وبعد نحو ثلاثة عقود من سقوط الاتحاد السوفياتي وتفككه، ها هي المخاوف تعاود أميركا، بسبب التحديات الجسام التي تشكل عائقاً حقيقياً أمام فكرة "الباكسا أميركانا"، أو السلام الأميركي، وبمعنى أدق سيادة وريادة الولايات المتحدة طوال القرن الـ21.

هنا يطفو تساؤل فوق قمة الأحداث "لماذا يعاود حديث الأمن القومي وبهذا القدر من الأهمية في الوقت الراهن، وما القراءات أو الإحصاءات التي دفعت المراقبين للشأن الأميركي لفتح هذا الملف مرة جديدة؟".

استطلاع غالوب... الجمهوريون يتقدمون

في استطلاع أخير للرأي أجرته مؤسسة غالوب في سبتمبر (أيلول) الماضي، كشف الناخبون في الولايات المتحدة عن تمايز واضح في الثقة بين الحزبين الكبيرين اللذين درجا على المنافسة على مقعد البيت الأبيض.

أظهر الاستطلاع أن الأميركيين يثقون في الحزب الجمهوري بنسبة 54 في المئة في مقابل 40 في المئة للديمقراطيين، وذلك لاعتبار الجمهوريين الأجدر والأقدر بملاقاة التهديدات الوطنية ومن ثم حماية أميركا.

ما معنى هذه النتيجة؟

باختصار غير مخل، في النظام السياسي الأميركي، الذي يشهد صراعاً محتدماً اليوم، فإن التفوق بـ14 نقطة لصالح حزب على آخر يشكل شيئاً أشبه بالانهيار.

هذا الفارق هو الأكبر منذ عام 2015، الذي يظهر مقدار القلق في الداخل الأميركي في السنوات الأخيرة، إذ انخفضت نسبة الأميركيين الذين يعتقدون أن الحزب الديمقراطي سيعمل أفضل في السنوات القليلة المقبلة على حماية الولايات المتحدة من الإرهاب وغيره من التهديدات الدولية بصورة كبيرة مقارنة بـ46 في المئة العام الماضي.

يرى الأميركيون عادة أن الحزب الجمهوري أكثر قدرة على التعامل مع مسائل الأمن القومي، لكن الفجوة التي تصل إلى 14 نقطة لصالح الحزب الجمهوري هذا العام هي الأكبر منذ تقدمه بـ16 نقطة عام 2015، وكان للحزب فجوة أكبر بلغت 23 نقطة في عام 2014، وهو الوقت الذي كانت فيه إدارة أوباما تكافح للتعامل مع صعود تنظيم "داعش" في العراق وتجدد العنف في الشرق الأوسط، أو هكذا كانت تدعي في الأقل.

 

 

وكما الحال في الشؤون الدولية، انخفضت نسبة الأميركيين الذين يقولون إن الحزب الديمقراطي أكثر قدرة على الحفاظ على ازدهار الولايات المتحدة من 48 في المئة إلى 41 في المئة، بنحو سبع نقاط، والآن يقول 50 في المئة إن الحزب الجمهوري أفضل، مقارنة بنحو 47 في المئة في عام 2020.

هل كان الجمهوريون يتمتعون بميزة التفوق في قضايا الأمن القومي من قبل؟

مؤكد أن الأمر مضى بالفعل على هذا النحو طوال العقد الماضي، لا سيما بعد أن قاد الرئيس الجمهوري بوش الابن، وطوال ثماني سنوات امتدت من 2000 إلى 2008، حروباً غير مألوفة، بدأت بأفغانستان، وامتدت إلى العراق، ومرت بحملات متنوعة بهدف محاربة الإرهاب العالمي.

وبإجمالي القول، فإن الأميركيين الآن عموماً يرون أن الحزب الجمهوري أفضل من الحزب الديمقراطي في التعامل مع هدفين حكوميين: "حماية المواطنين من التهديدات الدولية"، و"تعزيز الاقتصاد القوي"، وعلى رغم هذه المزايا في القضايا لا يزال الحزب الديمقراطي يحتفظ بميزة طفيفة في التأييد العام، كما كان الحال طوال العقد الماضي تقريباً، حتى مع تقدم الحزب الجمهوري عادة في هذه التدابير المتعلقة بالقضايا، بالتالي تشير هذه النتائج إلى أن الحزب الجمهوري لم يتمكن من ترجمة تفوقه في الكفاءة بالقضايا الرئيسة إلى صورة أكثر إيجابية للحزب بصورة عامة، وخير دليل على صدقية هذا الكلام، هو أن الفارق بين هاريس وترمب وقبل نحو أسبوعين من الاقتراع، متقارب جداً يصعب معه التنبؤ بمن الفائز في انتخابات نوفمبر.

ما أهم قضايا الأمن الداخلي الأميركي التي تؤثر في حياة المواطنين من جهة، وتهدد أمن وسلام الداخل الأميركي من جهة تالية؟

الجمهوريون ورؤية للأمن القومي

ربما ينبغي تأجيل الجواب عن علامة الاستفهام المتقدمة، لحين بلورة رؤية عن علاقة الجمهوريين بالأمن القومي بصورة عامة.

هنا يبدو من المؤكد أن الجمهوريين يرون أن القوة العسكرية الساحقة هي أفضل طريقة لهزيمة الإرهاب العالمي، ولحماية أميركا من الداخل.

لم يعد سراً القول إن هناك مخاوف متعددة من صحوة إرهابية جديدة في الداخل الأميركي، من جراء الجماعات الكارهة للسياسات الأميركية، من الشرق والغرب على حد سواء.

ومع موسم الانتخابات الرئاسية، وما راج فيه من أحاديث عن تهديدات تطاول شخص المرشح الجمهوري، الرئيس السابق دونالد ترمب، وبخاصة من جهة إيران، يبدو واضحاً أن الجمهوريين يميلون وبصورة كبيرة إلى تعظيم استخدام القوة في التعامل مع التهديدات الموجهة للداخل الأميركي، ونقل المعركة في كثير من الأحيان إلى خارج الأراضي الأميركية.

هنا يقول 72 في المئة من الجمهوريين أن استخدام القوة الساحقة هو أفضل وسيلة لهزيمة الإرهاب العالمي، فيما لا يؤيد هذا الخيار من الديمقراطيين سوى 27 في المئة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا تتوقف رؤية الجمهوريين لإيران فحسب، بل تمتد كذلك إلى الصين، تلك التي تعتبرها استراتيجية الأمن القومي الأميركي، الصادرة في أكتوبر 2020، التهديد الأكبر الذي يطاول الولايات المتحدة، وبأكثر من روسيا في الوقت الحاضر، حتى وإن كانت هذه الأخيرة، هي التي تشن حرباً مخيفة لأوروبا، وتهدد حلفاء واشنطن في شرق آسيا.

في هذا السياق، ندرك لماذا يرى الجمهوريون أن تدفق اللاجئين على الداخل الأميركي، أمراً كارثياً، قولا وفعلاً، وهي الجزئية التي تحتل موقعاً وموضعاً متقدمين في برنامج المرشح الجمهوري ترمب.

عطفاً على ذلك، فإن نسبة غالبة من الجمهوريين تصل إلى 68 في المئة بحسب غالوب، تعتقد أن التوجهات العقائدية لها تأثير ضار جداً في الأمن القومي الأميركي، وأن ما رسخ في أذهان أصحاب عقائد بعينها، يمكن أن يكون بمثابة القنابل الموقوتة في أذهان التابعين، وفي قلوبهم بالقدر نفسه، مما يفتح نقاشاً واسعاً حول قضية الأمن القومي الأميركي والهجرة التي قامت عليها نظرة أميركا كأرض فضاء فسيحة، تحمل في طياتها ما عرف على الدوام باسم "الحلم الأميركي".

تجربة ترمب والحفاظ على أمن أميركا

تبدو إخفاقات الديمقراطيين، في ما يخص الأمن القومي الأميركي واضحة للعيان، لا سيما في ظل تفضيلهم لسيناريو التوبيخ الأخلاقي، الذي لم يعد يرهب أعداء أميركا، كما أن حلفاءها لا يرون فيه أية فائدة على الإطلاق.

هل يمكن مقاربة هذا الحديث بالواقع الداخلي والخارجي للسياسات الأميركية؟

في يناير (كانون الثاني) 2017، عندما بدأت إدارة ترمب عملها، ورثت موقفاً متهالكاً من الردع الأميركي، إذ انتهج سلفه باراك أوباما سياسة خارجية تقوم على افتراضات هشة تتعلق بالتسوية الدولية، والتراجع المهذب والحاجة إلى إعطاء الأولوية للإصلاحات المحلية اليسارية "التحويلية"، والأخلاق المتفوقة لليبراليين الأميركيين.

ووضع أنصار أوباما ثقة هائلة في رجلهم، لكن توبيخاته الأخلاقية فشلت في إقناع القوى المعادية للغرب في الخارج. وبحلول العام الأخير من رئاسة أوباما، كانت الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية وتنظيم داعش في طريقها إلى الزحف، وكثفت عدوانها، بما في ذلك تلك الهجمات الإرهابية داخل الولايات المتحدة.

بعد ذلك شرعت إدارة ترمب في إدخال سياسات أميركية أكثر تشدداً في كل منطقة رئيسة في الخارج.

في أوروبا دفعت الإدارة نحو زيادة تقاسم الأعباء بين الحلفاء، وعززت الوجود العسكري الأميركي على طول الحدود الشرقية لحلف شمال الأطلسي، وانسحبت من معاهدة الحد من الأسلحة غير المواتية مثل معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى، وقتلت المرتزقة في سوريا، وقدمت مساعدات قاتلة لأوكرانيا.

 

 

في الشرق الأوسط، انتهج ترمب ومستشاروه سياسات كانت متفوقة بوضوح على سياسات باراك أوباما.

واستناداً إلى الفكرة الجديدة المتمثلة في دعم أصدقاء بلدك ومعارضة أعدائه، صعدوا الحملة ضد ملالي إيران وانسحبوا من اتفاق أوباما "غير الحكيم" للحد من الأسلحة النووية.

كان ترمب أول رئيس أميركي في القرن الـ21 يدرك أن الديمقراطية الليبرالية لن تكتسح الشرق الأوسط الكبير، ونجح في دحر "داعش" كما دعم الحلفاء العرب في المنطقة بصورة مباشرة من دون محاولة إدارة شؤونهم الداخلية. وكان بلا أدنى شك صديقاً جيداً لإسرائيل، وبفضل هذا النهج الجديد نجحت إدارته في القيام بما لم يستطع أوباما القيام به قط، لا سيما أنه جمع عدداً من الحكومات العربية مع إسرائيل بموجب اتفاق إبراهام، وكان المفتاح يكمن في الاعتراف بأن اتفاقات السلام الجديرة بالاهتمام ستأتي بمجرد اعتراف العرب بحق إسرائيل في الوجود وليس العكس.

هل كانت سياسات الأمن القومي الأميركي في عهد ترمب جيدة بدورها في منطقة شرق آسيا، حيث الصراع القطبي الجديد القائم والمقبل؟

في شرق آسيا بادرت إدارة ترمب إلى إجراء إصلاح شامل للافتراضات الأساسية منذ نهاية الحرب الباردة.

عكست إدارة ترمب عقوداً من التفاؤل غير المبرر بأن بكين ستتجه نحو نموذج ديمقراطي موجه نحو السوق، وأعلنت صراحة أن الصين خصم كامل الطيف للولايات المتحدة وأن عصراً جديداً من المنافسة بين القوى العظمى وصل، وشدد ترمب نفسه على أن افتراس الصين امتد إلى داخل الولايات المتحدة، مما أدى إلى تفريغ التصنيع الأميركي وتبرير الاستجابة النشطة.

أما في أميركا اللاتينية فأنهت إدارة ترمب سياسة أوباما في التعامل مع كوبا الشيوعية، بينما شنت حملة ضغط ضد الديكتاتورية الاشتراكية في فنزويلا، ومرة أخرى كان هذا التحول أفضل من أي وقت مضى. أما بالنسبة إلى المكسيك وأميركا الوسطى، فركز ترمب بصورة غير مسبوقة على وقف تدفق الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة عبر حدودها الجنوبية، وكان هذا متوافقاً مع حجته القائلة إن الأمن القومي الأميركي يجب أن يبدأ منطقياً بأمن حدود البلاد ذاتها.

إدارة بايدن... التوبيخ لا يفيد

هل جاءت رئاسة جو بايدن على العكس من توجهات سلفه دونالد ترمب؟

غالب الظن هو أن هذا ما جرت به المقادير، إذ بدأ جو بايدن ولايته كرئيس بالتنازل عن العقوبات المفروضة على خط أنابيب "نورد ستريم 2"، مما سمح لألمانيا بالوصول إلى الغاز الروسي. وعلى أمل إيقاف روسيا جيوسياسياً مع الاهتمام بأمور أخرى، فشل في ردع غزو بوتين لأوكرانيا عام 2022.

والثابت أنه بمجرد بدء تلك الحرب، لم يتمكن بايدن من تحديد مقدار الدعم الذي يريد تقديمه لأوكرانيا، لذلك دفعها إلى الأمام بخطوات صغيرة.

على مدى ثلاث سنوات لم يعلن بايدن أية استراتيجية واضحة لإنهاء الحرب بنجاح، وعلى رغم الوعود المبكرة من القادة الأوروبيين، لا سيما المستشار الألماني أولاف شولتز، بإحداث تحول في قدرات دولهم الدفاعية، فإن الحقيقة هي إنه بالنسبة إلى عدد من الحكومات الأوروبية، بما في ذلك حكومة شولتز، لم يكن هناك مثل هذا التحول التاريخي.

 

 

هل تجاوز الأميركيون والعالم حين قالوا إن إدارة بايدن لم تكن سوى ولاية ثانية لباراك أوباما؟

لقد صدقوا بالفعل، إذ حاولت إدارة بايدن إحياء نهج أوباما الذي ركز على اتفاق الحد من الأسلحة النووية مع إيران. وكما كان متوقعاً فشلت مرة أخرى، إذ حصل الإيرانيون على تخفيف العقوبات الاقتصادية الذي عرضه بايدن، ووضعوه في جيوبهم واستخدموه لتمويل وكلاء حربهم في المنطقة، مما أدى إلى جعل الشرق الأوسط مكاناً أقل أماناً واستقراراً مما كان عليه قبل أربع سنوات، أي مقارنة بحكم الجمهوريين تحت رئاسة ترمب.

يتهم كثير من المحللين بايدن بأنه أعاد إحياء عاطفة أوباما تجاه التكيف الدبلوماسي مع الديكتاتورية اليسارية، مع تركيز هذه الأوهام الآن على فنزويلا بدلاً من كوبا. لقد لعبت الجمهورية البوليفارية بقيادة نيكولاس مادورو ببايدن، كما الكمان، إذ استنزفت الفوائد الاقتصادية وعقدت انتخابات وهمية بينما قمعت المعارضة الديمقراطية، وفي الوقت نفسه سمح بايدن عمداً للحدود الأميركية المترامية مع المكسيك بالتحول إلى الكارثة المطلقة التي هي عليها اليوم.

ولعل كل ما تقدم من مثالب لإدارة بايدن يمكن وضعه في ناحية، وفي الناحية الأخرى، يراجع الأميركيون المشهد المأسوي الرئيس المتمثل في الانسحاب من أفغانستان، الذي قضى على آمال الولايات المتحدة في القضاء نهائياً على ما كان يجري هناك من دعم للإرهاب المعولم، وجعل من مغامرة واشنطن في كابول وقندهار وغيرها من مدن أفغانستان خسارة استراتيجية لا تصد ولا ترد.

هل لهذه الأسباب وغيرها، ما يجعل الأميركيين يستشعرون خطراً داهماً، قائماً ومقبلاً، من جانب الديمقراطيين، لا سيما أن دوائر الخطر التي تواجه أميركا في منتصف العقد الثالث من القرن الـ21، تتسع باستمرار وبمنهجية تهدد فكرة السيادة والريادة التي يتطلع إليها رجال القرن الأميركي، بدءاً من المحافظين الجدد في نهايات التسعينيات، وصولاً إلى أصحاب مؤسسة التراث، ومشروعهم الأشهر وربما الأخطر 2025؟

كلوبوشار ومهددات الأمن القومي

ولعله يحق للقارئ أن يتساءل عن الأخطار الحقيقية التي تتهدد الأمن القومي الأميركي، وما أهم النقاط التي تجعل الناخب الأميركي يضعها معايير ومحددات له، حين المقاربة بين دونالد ترمب وكمالا هاريس ساعة الاقتراع في الخامس من نوفمبر المقبل.

هنا ربما تكون الرؤية التي قدمتها إيمي كلوبوشار، عضوة مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية مينسوتا، التي سعت إلى الترشح للرئاسة الأميركية أخيراً، عبر مجلة "بولتيكو" الأميركية هادية وحادية لما يرغبه القارئ، وإن باختصار شديد.

وتذهب كلوبوشار إلى ضرورة تعزيز القوات المسلحة الأميركية والحرس الوطني والاحتياطيات العسكرية كأمر ضروري وطارئ أول الأمر وآخره، لا سيما في ظل سباق التسلح الذي انفلت مرة جديدة بين واشنطن من جهة، وروسيا والصين من جهة ثانية، مع إضافة كوريا الشمالية وإيران، وربما تعود كوبا عما قريب لذلك المربع الخطر الذي بات يمثل تهديداً للأمن القومي الأميركي بصورة أو بأخرى.

** تطالب كذلك بتحسين حالة الأمن السيبراني الأميركي الداخلي، لا سيما في ظل الهجمات التي شنتها وتشنها دول المربع السابق ذكرها على أنظمة المعلومات الأميركية، وترى أنه من الضروري للغاية تعزيز هذا النوع من الأمن،  لضمان عدم تمكين المتسللين من الوصول إلى الشبكات الأميركية العامة والخاصة أو المساس بها، وبخاصة بعد أن تعرضت في السنوات الأخيرة لخروقات مخيفة تتهدد حياة المواطنين الأميركيين بضراوة.

** اليقظة ضد الإرهاب، من النقاط التي ترى كلوبوشار أنها تمثل ركيزة أساسية، ضمن ركائز الأمن القومي الأميركي الواجب الحفاظ عليها وبقوة.

إنها تؤمن باحتمالات حدوث هجمات مماثلة لما جرى في سبتمبر (أيلول) 2001، وبخاصة بعد ما جرى من "حماس" في غزة السابع من أكتوبر 2023، مما يظهر بالنسبة إليها أن الإرهابيين عاقدو العزم على إلحاق الأذى بالأميركيين من جديد.

 

 

 هنا توصي القوات العسكرية والاستخبارية بضرورة تطوير القدرات التكنولوجية التي تكشف عن هؤلاء وأولئك قبل أن يقدموا على غدرهم من جديد.

** تبدو الصين هاجساً مخيفاً للأميركيين عن بكرة أبيهم في الحل والترحال، ولهذا نرى كلوبوشار تتحدث عن الصين بوصفها التهديد القائم والمقبل، والخوف كل الخوف من أن تكون مغامرتها المقبلة في تايوان، على نسق مغامرة بوتين في أوكرانيا.

هنا تراها كلوبوشار دولة استخدمت وتستخدم باستمرار مكانتها الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية في إطار تحدي النظام الدولي المستقر والمنفتح.

** ولأن الدول العظمى تنشأ أول الأمر فوق طبقات من النجاحات الاقتصادية، ثم تطفو بعد ذلك على السطح الإمكانات العسكرية، لذا تلفت السيدة كلوبوشار الانتباه للتركيز على جهود إنقاذ التجارة والتعريفات الجمركية التي تساعد أميركا في البقاء مسيطرة على التجارة الدولية. هنا تكاد تقول إن الحل هو الحمائية التي لا مفر منها، للحفاظ على أميركا سيدة قيصر من دون منازع.

بل أكثر من ذلك أنها تسعى إلى تسخير قدرات أميركا الاقتصادية من أجل تعبيد الطرق لخدمة حقوق الإنسان من جهة، وإعادة نشر منظومات الدمقرطة الحديثة من جانب آخر، وكأنها تحاول إعادة زمن كونداليزا رايس ورؤيتها عما أطلقت عليه قبل عقد ونيف من الزمان "الفوضى الخلاقة"، وإن أثبتت التجربة فشلها الذريع.

في هذا الإطار يتساءل الأميركيون، ولهم في الحق ألف حق، أيهما أقدر وأجدر على الذود عن الولايات المتحدة في قادم الأيام، ترمب أم هاريس؟

 الجواب يصب حكماً في صالح ترمب، لا سيما أن أجندة هاريس غابت عنها رؤية قوية للسياسة الخارجية.

هل من مهدد بعينه يمكن أن يقض مضاجع الأميركيين في السنوات الأربع المقبلة، وهناك من ينبه له ومنه بنوع مميز؟

وينشتاين والتهديد الأعظم لأميركا

من بين أهم الذين قدموا رؤية عميقة عن الخطر المعاصر الأكبر الذي يتهدد الأمن القومي الأميركي، يأتي البروفيسور جاك وينشتاين، أستاذ ممارسة الأمن الدولي في كلية فريدريك أس باردي للدراسات العالمية.

يرى وينشتاين أن الحملات التضليلية الدولية والمحلية التي تستهدف الأميركيين، تشكل في واقع الأمر أكبر خطر على أميركا المعاصرة، بل أكثر خطورة من القدرات النووية لكل من روسيا والصين وكوريا الشمالية.

يؤكد الرجل أن الأميركيين يخوضون نقاشاً خاطئاً في شأن الأمن القومي، فلا الترسانة النووية الروسية، ولا القوة النووية التي تشهد تحديثاً سريعاً في الصين، ولا حتى القدرات النووية المتقدمة في كوريا الشمالية تشكل التهديد الوجودي الأكثر إلحاحاً الذي تواجهه هذه الأمة.

ما هذا التهديد إذاً؟

في تقديره إن حملات التضليل الدولية والمحلية التي تستهدف الأميركيين، أضعفت الأمة الأميركية إلى الحد الذي جعل الأميركيين غير قادرين على الاتفاق على الحقائق العلمية الأساسية أو على قضية ديمقراطية جوهرية.

 يدلل البروفيسور وينشتاين بالأزمة التي لا تزال مفتوحة منذ عام 2020 وحتى الساعة، حول من الذي فاز في الانتخابات الرئاسية في ذلك الوقت، فيقول "إذا كان بعض مواطنينا إلى جانب أعضاء مجلس النواب الأميركي ومجلس الشيوخ الأميركي، لا يزالون يناقشون ما إذا كانت انتخابات عام 2020 سرقت، فإن مشكلاتنا أعمق بكثير من القلق في شأن حجم القوات النووية لخصومنا".

هنا يتبدى أن أعظم تهديد للأمن القومي الأميركي، هو الديمقراطية الأميركية، وحالة النسيج المجتمعي الأميركي، الذي بات على شفا هوة من النار في الأسابيع القليلة المقبلة.

ويخلص الرجل إلى أن القوة الحقيقية للولايات المتحدة الأميركية، لا يمكن قياسها ببساطة بعدد الطائرات أو السفن أو الدبابات أو الغواصات وحتى الأسلحة النووية الموجودة في الترسانة الأميركية، بل بحالة الديمقراطية الأميركية النابضة بالحياة والفعالة، فهذه أعظم سلاح في جعبة الأميركيين عامة، إذ كانت عنصراً أساساً في استراتيجية الفوز بالحرب الباردة ضد الاتحاد السوفياتي، واليوم تقف روسيا والصين تراقبان حالة الانهيار المجتمعي الداخلي في أميركا.

وصية واشنطن... طريق الأمن القومي

وفيما الأميركيون يتنازعون حول من الأفضل في الحفاظ على الأمن القومي للبلاد، الجمهوريون أم الديمقراطيون، يتناسى قادتهم المتسابقون وربما المنتخبون التحزب الذي عبر عنه أول رئيس للبلاد جورج واشنطن بأناقة في خطاب الوداع "إن الهيمنة المتبادلة لفصيل على آخر، التي تشحذها روح الانتقام الطبيعية للخلافات الحزبية، التي ارتكبت في عصور ودول مختلفة أفظع الجرائم، تشكل في حد ذاتها استبداداً مخيفاً".

ما الذي يفهم من هذا التحذير أو تلك الوصية؟

باختصار غير مخل العداء الداخلي يولد كراهية، وفي عالم الكراهيات تسود الظلمات، وتتوارى الرغبة في المساواة، ويعلو صوت النزوع إلى الذات والفردية من غير رادع أو وازع، ما يعود بالبلاد والعباد لدوائر الشموليات والديكتاتوريات التي لطالما حذر منها جيل الآباء المؤسسين.

هنا لن تؤدي زيادة موازنة الدفاع، ولا تعظيم شبكات الاستخبارات إلى حماية الأمن القومي الأميركي، طالما الداخل يشهد اقتتالاً أيديولوجياً، لن ينفك يضحي أحداثاً جساماً على الأرض، فالجمر الذي يحيط بالاستياء تحول الآن إلى نار مشتعلة، وربما حان الوقت للنظر في المرآة ومعرفة من يهدد الأمن القومي الأميركي بأسوأ درجة، الصينيون والروس، أم الأميركيون أنفسهم.

المزيد من تحقيقات ومطولات