Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وثائق بريطانية: هكذا أدار مبارك لعبة التوازنات مع "الإخوان" عام 1994 (2-3)

استمرار تدفق الدعم الخارجي للتنظيم ظل مشكلة تؤرق الحكومة المصرية فانتهجت موقفاً "أكثر صرامة" لعدم تكرار "خطأ" الشاذلي بن جديد في الجزائر

كان هناك إجماع عام على أن جماعة الإخوان المسلمين كانت القوة السياسية الأسرع نمواً في مصر (اندبندنت عربية)

ملخص

تكشف الوثائق البريطانية أن "تنظيم الإخوان المسلمين جماعة ذات تنظيم مركزي محكم ومنضبط. ومنذ عام 1992 يهيمن أعضاؤها على مجالس إدارة المنظمات المهنية الرئيسة في مصر، بما في ذلك نقابات المحامين والمهندسين والأطباء"، مشيرة إلى أن "على رغم براعتها في تنظيم أعضائها فإن قدرتها على تعبئة الناس على نطاق واسع تبدو محدودة".

بعد أن استعرضنا في الحلقة الأولى من الوثائق البريطانية المرفوع عنها السرية أخيراً "التنظيمات الجهادية المتطرفة" التي توسعت في المنطقة العربية لا سيما مصر مستغلة الفراق الحاصل والصدمة الفكرية للتيار القومي العروبي والتيار اليساري، وكذلك على وقع انهيار الاتحاد السوفياتي وغزو العراق دولة الكويت مطلع التسعينيات من القرن الماضي، نستكمل في هذا الجزء الثاني من الوثائق تلك التي تناولت ملف "الإرهاب في مصر عام 1994".

في هذا الجزء تتحدث الوثائق البريطانية عن نشاطات جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر والمنطقة العربية، كما تناقش قوة التيار الإسلامي في مصر ومعرفة العوامل الداخلية والخارجية التي يمكن أن تؤثر في هذا التيار في تلك "الحقبة الدامية".

 

قدرة محدودة على التعبئة رغم النمو 

توضح إحدى الوثائق قراءة واسعة لطبيعة جماعة الإخوان المسلمين ونشاطها وتمددها في مصر، إذ تقول "ما نعرفه عن جماعة الإخوان يدل على أنها جماعة ذات تنظيم مركزي محكم ومنضبط. ومنذ عام 1992 يهيمن أعضاؤها على مجالس إدارة المنظمات المهنية الرئيسة في مصر، بما في ذلك نقابات المحامين والمهندسين والأطباء، وسيطروا أيضاً على عديد من نوادي أعضاء هيئة التدريس بالجامعة، وكانت هذه النجاحات نتيجة للتعبئة الفعالة لمؤيديهم وليس نتيجة حشد أعضاء التنظيم، في المقابل كانت الجهود التي بذلتها الجماعات السياسية الأخرى للتنسيق ضعيفة بالمقارنة".

وتضيف "في محاولة لمنع جماعة الإخوان المسلمين من السيطرة على مزيد من مجالس النقابات على حساب الغالبية الصامتة، قدمت الحكومة قانوناً جديداً ينظم انتخابات النقابات في يناير (كانون الثاني) 1993، وعلى رغم هذا القانون الجديد استولى الإخوان المسلمون عام 1994 على مجالس إدارة نقابتين مهنيتين، هما المهندسين الزراعيين والمعلمين، وفازوا أيضاً في الانتخابات في عديد من الفروع المحلية لنقابة للمحامين (ومع ذلك، فقد فازوا بمقعد واحد فقط في مجلس إدارة اتحاد النقابات الليبرالية التقليدية. حصل عليها الصحافيون). وقد تم تأجيل انتخابات مجالس النقابات الأخرى بما في ذلك الأطباء والمهندسين، مراراً وتكراراً من قبل فريق المراقبة القضائية. وزعمت جماعة الإخوان المسلمين أن الحكومة تتعمد وضع العقبات في طريقها لمنع تحقيق مزيد من المكاسب".

وتتابع "على رغم براعة جماعة الإخوان المسلمين في تنظيم أعضائها فإن قدرتها على تعبئة الناس على نطاق واسع تبدو محدودة. وكانت تظاهراتهم في مذبحة الخليل في فبراير (شباط) 1994 وفي نقابة المحامين في مايو (أيار) 1994 بعد وفاة محام إسلامي عادية. وكان المشاركون من بين صفوف المؤيدين التقليديين، وبخاصة الطلاب مع وجود أدلة قليلة على أن جماعة الإخوان المسلمين كانت قادرة على بناء حركة جماهيرية. ويزعم السياسيون المعارضون الذين يشعرون بالغيرة من التنظيم الفعال لجماعة الإخوان المسلمين أن تنظيم عدة آلاف من الأعضاء لانتخابات النقابات شيء، والتعبئة على نطاق وطني شيء آخر. ومع ذلك، ففي مأدبة غداء أقيمت في السفارة (البريطانية) لسياسيين معارضين في أواخر عام 1993، كان هناك إجماع عام على أن جماعة الإخوان المسلمين كانت القوة السياسية الأسرع نمواً في مصر. ادعى أحد المشاركين أن لديه ما يصل إلى 1000 فرع يعمل في جميع أنحاء البلاد، قائلاً في رحلاتي حول المحافظات، وكذلك داخل القاهرة (بما في ذلك حرم جامعة القاهرة)، كانت جميع الملصقات السياسية تقريباً من عمل حزب العمل/ تحالف الإخوان المسلمين".

 

وبحسب الوثائق البريطانية فإنه "في أوائل عام 1994 يبدو أن الحكومة المصرية قررت اتخاذ موقف أكثر صرامة مع جماعة الإخوان المسلمين. ولم تتم دعوتهم للمشاركة في الحوار الوطني على رغم التكهنات الكبيرة بأنهم سيمثلون بطريقة ما. وفي محاولة لتشجيع الحكومة على المشاركة في هذه العملية أصدرت جماعة الإخوان المسلمين في مارس (آذار) مذكرة دافعوا فيها عن الديمقراطية التعددية وتداول السلطة. وقد فشل هذا التكتيك، وكررت الحكومة تأكيد أنه لن يسمح للجماعات الدينية بتقديم نفسها كأحزاب شرعية"، موضحة "لقد قال الرئيس المصري حسني مبارك مراراً وتكراراً إنه لا يكرر ’خطأ’ الشاذلي بن جديد في الجزائر. لذا، في ظل الوضع الحالي، يتعين على جماعة الإخوان المسلمين أن تعتمد على تحالفها مع حزب العمل، وهو ما أكدته أخيراً بعد تقارير عن هشاشته. ومع ذلك، هناك بعض التكهنات بأن القوى السياسية المعارضة تدرس إمكانية تشكيل تحالف معارض للانتخابات التشريعية لعام 1995، كما يجوز لجماعة الإخوان المسلمين أن تشجع أعضاءها كأفراد على الترشح لمجلس الشعب في الانتخابات المقبلة في يوليو (تموز)/ أغسطس (آب) 1995".

وتتابع "اتخذت الحكومة أيضاً إجراءات مباشرة ضد جماعة الإخوان المسلمين. وكان تأخير الانتخابات النقابية أحد التكتيكات، كما تم القبض على أعضاء جماعة الإخوان المسلمين بسبب توزيع المنشورات، وهي ممارسة غير قانونية تم تجاهلها حتى الآن. وتم القبض على أعضاء نقابة المحامين، حتى إنه استدعي المرشد الأعلى، الزعيم الرئيس للإخوان المسلمين، للاستجواب في يونيو (حزيران) 1994. وأخبرنا مسؤول كبير في الحزب الوطني الديمقراطي (الحزب الحاكم) في ذلك الوقت أن مثل هذه التحركات لم تكن بداية لحملة قمع أوسع نطاقاً، ولكنها مجرد تذكير لجماعة الإخوان المسلمين بعدم الخروج عن الخط. وقد تشعر الحكومة أن جماعة الإخوان المسلمين راسخة ومنظمة تنظيماً جيداً بحيث لا يمكن جعلها متطرفة باتخاذ تدابير أكثر صرامة. وقد قررت الحكومة محاولة القضاء على نفوذ الإخوان المسلمين على المدى الطويل، وتعتقد أن أفضل تكتيك هو المضي قدماً بحذر".

 

مصادر تمويل ودعم الجماعات "المتطرفة"

وحول مصادر تمويل الجماعات "المتطرفة" ودعمها، تقول إحدى الوثائق البريطانية إنه "حتى عام 1990، كان فرع الكويت لجماعة الإخوان المسلمين أكبر مصدر أجنبي للدعم المالي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر. وبسبب موقف الإخوان المسلمين الغامض والملتبس من غزو العراق للكويت، أوقفت الكويت تدفق الأموال وأوقفت ارتباطها باللجنة الدولية للإخوان المسلمين، بل وذهبت إلى حد تغيير اسمها. نحن مهتمون أن نعرف، ربما من الحياة البعيدة للديوانية الإسلامية، ما إذا كان الاسم والعلاقة وتدفق الأموال قد أعيد ترتيبه. وتزعم السلطات المصرية أن معظم التمويل للمتطرفين الإسلاميين المصريين يأتي من أجانب".

وتتابع "المصادر: في الواقع، يزعمون أن اكتشاف مبالغ كبيرة من المال في مخابئ المتطرفين هو نوع من الدليل على الدعم الأجنبي للجماعة الإسلامية أو غيرها من الجماعات. وهم يتهمون بصورة رئيسة إيران والسودان بتقديم الدعم المالي وأشياء أخرى، لكنهم قلقون أيضاً في شأن المساهمات المقدمة من الأفراد في الخليج العربي والسعودية. ومن بين هؤلاء وأشهرهم أسامة بن لادن في السودان، وعديد من المحامين المصريين الذين تم اعتقالهم أخيراً (بما في ذلك عبدالحارث مدني، الذي توفي أثناء الاحتجاز) متهمون بالعمل كقنوات لنقل الأموال إلى المتطرفين من قادة الإرهابيين في مصر أو في الخارج".

 

وتمضي في الشرح موضحة "من المعتقد أيضاً على نطاق واسع أن الأموال التي جمعتها الجمعيات الخيرية في دول الخليج العربي لمصلحة المجاهدين في أفغانستان في الثمانينيات، يتم تحويلها الآن إلى أغراض أكثر شراً للدعوة الإسلامية أو بناء المساجد أو الأعمال الخيرية. ونشرت مجلة روز اليوسف المصرية مقالاً آخر في عددها الصادر بتاريخ التاسع من مايو (أيار) أشارت فيه إلى دور جمعية الإصلاح الاجتماعي في الكويت. وزعمت هذه الجمعية أن لديها ثلاث لجان للمساعدات الخارجية، واحدة لأفغانستان وواحدة لفلسطين ولبنان والأردن ولجنة ثالثة للدول الإسلامية في بقية دول العالم الثالث".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتضيف "لا ينظر إلى هذه المشكلة على أنها ناجمة فقط عن المساعدات المتدفقة من السعودية ودول الخليج العربي. وقد فر عديد من الإسلاميين المصريين المعتدلين والمتطرفين، من عمليات التطهير التي قام بها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر إلى شبه الجزيرة العربية في الستينيات. وبقي عديد منهم هناك، كما سافر مصريون آخرون ومن بينهم بلا شك بعض المتعاطفين للغاية مع الجماعات الإسلامية إلى هناك للعمل منذ ذلك الحين. ومع تحرير الاقتصاد المصري وبخاصة القطاع المصرفي في السنوات الأخيرة، زاد تدفق رأس المال والعملة الأجنبية إلى مصر بصورة ملحوظ. ولذلك، أصبح من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، على السلطات المصرية مراقبة التدفقات المالية. ونتيجة لذلك، خلال زيارته عمان والدوحة والكويت والسعودية في مايو 1993، حث الرئيس حسني مبارك مضيفيه على فرض ضوابط أكثر صرامة على تحويلات الأموال. ومع ذلك، تواصل الصحافة التكهن بأن المتطرفين لا يزالون يتلقون مبالغ كبيرة من خلال شبكة مكاتب صرف العملات الأجنبية في القاهرة التي انتشرت بوتيرة أوسع".

 

الأمن يحسم المواجهة لصالحه

وفق الوثائق البريطانية، فإن السلطات الأمنية تمكنت من حسم المواجهة مع التنظيمات المتطرفة إذ تقول إنه "من الواضح الآن أن الحكومة تعتقد أن لها اليد العليا في التعامل مع جناحي الحركة الإسلامية، لكن هذا النجاح مبني إلى حد كبير على حملة أمنية واسعة النطاق"، ثم تعود وتضيف أن "عديداً من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية (البطالة وعدم المساواة في الثروة والفساد وانعدام المساءلة ونقص الخدمات) التي تتغذى عليها الحركة الإسلامية، لم يتم حلها إلى حد كبير. وعلى رغم أن الحكومة بدأت في اتخاذ بعض التدابير التصحيحية التي طال انتظارها فإن حجم المشكلة مخيف".

 

وتتابع "في هذه الأثناء، يصر طرفا التيار الإسلامي على مواصلة نشاطهما. وينشط زعماء المنفى ويتواصلون داخل مصر. ويتعين علينا أن نتوقع عودة الجماعات العنيفة إلى الميدان، كما فعلت بصورة دورية في تاريخ مصر الحديث. وتشير التقارير الواردة على قنوات أخرى إلى أنهم يخططون لمزيد من الهجمات. وتعتقد اتصالاتنا الأمنية على المستوى العملي أنه سيكون هناك عدد أقل من الهجمات، لكن الإرهابيين سيركزون على الاستعراض، ولكن في هذه الأثناء من المرجح أن يستمر الحد من التأثير والتأثير المضاد في مصر الوسطى".

ووفق الوثائق البريطانية "سيكون من الصعب مواجهة تحدي الإخوان المسلمين"، مشيرة إلى أن رسالتها "الإسلام هو الحل" لا تزال فعالة على جميع مستويات المجتمع. وتتابع "إن سياستها في التأثير في الهيئات المهنية والجمعيات الخيرية الدينية تمنحها قاعدة واسعة من الناخبين. وستواصل بلا شك استخدام المساجد لنشر رسالتها. وتؤدي الأنشطة الخيرية وملكيتها لقضايا المسلمين إلى تعقيد استجابة الحكومة خوفاً من الظهور بمظهر معاد للإسلام. ومن الأفضل للحكومة أن تفكر في تخفيف القيود المفروضة على الحياة السياسية هنا حتى تتمكن القوى السياسية الأخرى من التطور وتوفير بديل لجماعة الإخوان المسلمين، ولكن ليس هناك ما يشير إلى حدوث ذلك".

وتمضي في القول "لا ينبغي لنا أن نبالغ في التهديد الذي تشكله جماعة الإخوان المسلمين. ويقول معظم المراقبين إنهم لن يفوزوا في انتخابات حرة ونزيهة. وحتى مصطفى مشهور نائب المرشد الأعلى للإخوان المسلمين، أخبرني أخيراً أنه يأمل في الفوز بنسبة 30 إلى 40 في المئة فحسب. وليس كل المسلمين المصريين فريسة سهلة لجماعة الإخوان المسلمين. ويفرق كثر بين الإسلام كدين والإسلام كدين سياسي، إضافة إلى ذلك يتبنى المصريون احتراماً للسلطة المركزية. وتسعد الحكومة باستغلال ذلك، بخاصة في الريف، إذ يعيش 44 في المئة من السكان وحيث لا تملك سوى الموارد اللازمة لتقديم الدعم. ومن الطبيعي أن الأقباط الذين يشكلون نحو 10 في المئة من السكان غير متعاطفين مع الإسلام السياسي. لذلك سيكون من الخطأ القول إن الإخوان المسلمين سيصلون إلى السلطة حتماً، لكنها ستظل سمة بارزة في المشهد السياسي المصري".

المزيد من وثائق