Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السينما الإيرانية... عنف الواقع وقهر التاريخ

تأتي قوتها من تعرية أهوال وأعطاب وتصدعات المجتمع في علاقته بالدين والحرية

منذ عرض أول الأفلام السينمائية خارج إيران أثارت هذه السينما كثيراً من الأسئلة المحمومة ذات العلاقة بالحريات (مواقع التواصل)

ملخص

نادراً ما تكون ترفيهية، فهي بحكم حرارة مجتمعها وقوة تاريخها وزخم حركاتها السياسية، تجد نفسها في صدام بصري مع مفاهيم وقضايا وإشكالات برؤية موضوعية تكاد تخلو من الترفيه والسطحية.

تحتل السينما الإيرانية منزلة رفيعة داخل المدونة السينمائية العالمية، كونها من السينمات الأكثر تأثيراً في جغرافيات الفن السابع في العالم. وقد استطاعت على مدار سنوات من تشكلها التأثير في ذائقة المتلقي على خلفية كونها سينما أصيلة من حيث الكم والنوعية.

واختيار السينما الإيرانية في مهرجانات كبرى مثل "كان" و"فينيسيا" و"برلين" و"لوكارنو" لم يكن وليد الصدفة، إذ ظلت منذ خمسينيات القرن الـ20 الأكثر تعبيراً عن مرارة الواقع. ومنذ عرض أول الأفلام السينمائية خارج إيران أثارت هذه السينما كثيراً من الأسئلة المحمومة ذات العلاقة بالحرية والديمقراطية والاعتقال والدين. وهي إشكالات بقدر ما كانت متجذرة في المجتمع الإيراني، بدت لكثير من المشاهدين في العالم العربي وكأنهم معنيون بها وبقضاياها الجوهرية.

السينما مرجعاً بصرياً

تعمل السينما الإيرانية بدرجة أولى على استلهام الواقع الاجتماعي الإيراني، فهي سينما غير معنية بالآخر، بل يتعمد مخرجون مثل عباس كيارستامي وأصغر فرهادي ومحمد رسولوف وغيرهم على جعل الواقع الإيراني مختبراً للتفكير والتأمل. واختيار الواقع لم تمله فقط هواجس فنية ودوافع جمالية، وإنما ميكانيزمات سياسية أيديولوجية تجعل المخرج يلج عالم السياسة انطلاقاً من فعل الصورة.

 

 

من هنا بالضبط تأتي قوة الفيلم الإيراني في كونه يعرّي أهوال ومصائب وأعطاب وتصدعات المجتمع في علاقته بالدين والتحرر. وهكذا تبدو الأفلام سفراً بصرياً ضارباً في عمق الحداثة، لأنه لا يجعل من الخطاب الأيديولوجي يطفح على سطح تضاريس العمل السينمائي، بقدر ما يبقى مجرد قوة خفية وناعمة تحرك مسارب الحكاية ومنعرجاتها.

على هذا الأساس، فإن عملية تلقي الفيلم الإيراني داخل العالم العربي تبقى مختلفة عن أفلام البلدان الأخرى. إذ إن السينما الإيرانية نادراً ما تكون ترفيهية، فهي بحكم حرارة مجتمعها وقوة تاريخها وزخم حركاتها السياسية، تجد نفسها في صدام بصري مع مفاهيم وقضايا وإشكالات برؤية موضوعية تكاد تخلو من الترفيه والسطحية.

على مدار سنوات من الاشتغال والحلم والاجتهاد والقتل والتهجير، غدت السينما الإيرانية مرجعاً بصرياً مهماً ومؤسساً لأية صورة سينمائية في دول أخرى. مخرجون سينمائيون يتعاملون مع الفيلم الإيراني باعتباره مرجعاً بصرياً. وأمر كهذا ليس سهلاً بالنسبة إلى سينما قادمة من مجتمع لا يملك من الوسائل الإشهارية لدعم سينماه ورفعها لكي تغدو منصة تضاهي في اشتغالاتها السينما الهوليوودية ونظيرتها البوليوودية، مع العلم أن ثمة كثيراً من الأفلام الإيرانية الأولى صُورت في الهند. بيد أن ذلك لم يمنع الفيلم الإيراني من أن يكون عبارة عن براديغم منه تتبلور الأفكار والمواقف والمفاهيم والنظريات والصور، ليصبح على مدار أكثر من نصف قرن مختبراً بصرياً آسراً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الغنى في المواضيع والإشكالات، جعل هذه السينما تحظى بشعبية كبيرة في العالم العربي، بخاصة في فترة كان فيها المد اليساري متأججاً في ربوع العالم العربي. حين اعتبر العالم أن ما يدافع عنه المخرج الإيراني قريب إلى حد كبير من إشكالات الاجتماع العربي، بخاصة في مرحلة توحش الخطاب الديني حتى غدا مرجعاً في كلام الناس وسلوكهم.

راهن العرب على السينما الإيرانية باعتبارها مختبراً سياسياً أكثر من كونه جمالياً، فالتعامل مع خطاب الفيلم من الناحية السياسية جعل الجوانب الفنّية والجمالية على بساطتها تُنسى أحياناً. والحقيقة أن هناك كثيراً من الأفلام في تاريخ السينما الإيرانية غدت اليوم ضمن أجمل الأفلام في تاريخ السينما بالعالم. وذلك بسبب جرأتها في طرح قضايا حساسة داخل المجتمع الإيراني. جرأة لم تستطع بعض الفنون البصرية الأخرى أن تواكب زخم الصورة السينمائية وحركيتها في القبض على طبيعة الحياة التقليدية في إيران وتحويلها إلى صور باقية في الذاكرة والوجدان.

ثنائية التاريخ والواقع

تعتبر المرأة أهم عنصر في بنية المتخيل في الفيلم الإيراني. ذلك أن الأفلام التي دافعت عن حرية المرأة كثيرة، لدرجة أنه لا يوجد فيلم لم يضمر صورة أو موقفاً يدافع فيه عن المرأة وحريتها في التفكير واللباس والاعتقاد. لكن إلى جانب المرأة، يظل التاريخ أحد أبرز العناصر المؤسسة للمشهد السينمائي الإيراني. أفلام كثيرة يحضر فيها التاريخ، إما باعتباره مجموعة من الأحداث وقعت في الماضي أو بوصفه حاضراً لا ينقضي. والتاريخ كأداة تدين الواقع هو أكثر الصور تجذراً في السينما الإيرانية مقارنة بالسينما اللبنانية أو السورية. إنه حدس بقيمة تبني هذا المفهوم الذي تصبح معه الصورة السينمائية مفتوحة على تحولات الواقع/ التاريخ بطريقة تمكنها من التقاط نتوءات الواقع وتحويلها إلى مشاهد سينمائية مؤثرة في المجتمع.

 

 

إن الكاميرا في هذه الحال تغدو وسيلة لكتابة تاريخ جديد تتستر عنه السلطة وتحاول بعض مزاعمها أن تجعله تاريخاً حياً. في حين يمتلك السينمائي قدرة على هدم الأسس والأنساق التي شُيد عليها التاريخ. هكذا يحول السينمائي التاريخ إلى سردية بصرية قادرة على إمتاعنا وإخراجنا من كل الأساليب البصرية الواهمة التي تصنعها السلطة حول تاريخ البلد. لكن حين تتعامل السينما مع التاريخ في أي بلد من البلدان، فهي لا تنقله بطريقة ميكانيكية أو يكون الهاجس علمياً، ذلك لأن السينما "فن" والتاريخ "علم".

بالتالي، يأتي الاشتغال وفق هاجس تخييلي، بقدر ما يستند إلى التاريخ كهوية بصرية وأرضية تدور فيها الأحداث، ونادرة هي الأفلام العربية التي جعلت من التاريخ براديغماً فكرياً لإدانة الواقع، بحكم أن أغلبها يتعامل مع التاريخ كإكسسوار لا أكثر. وهذا مأزق ما يسمى بـ"السينما التاريخية" في العالم العربي، التي تريد عبر الفيلم أن تروي قصصاً وحكايات تستمد أنفاسها من التاريخ والذاكرة، فتكون الصورة مجرد استنساخ ساذج للسيناريو.

اقرأ المزيد

المزيد من سينما