Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أفلام الأكشن باتت حبيسة التنميط

من النادر العثور على عمل حركي حاصل على جوائز في مهرجانات عالمية كبيرة

أحد مشاهد فيلم "إنقاذ الجندي ريان" (أرشيفية - رويترز)

ملخص

إذا استثنينا بعض الأفلام الكبيرة عالمياً في الكتابة والتفكير والصناعة مثل "ماتريكس" و"جون ويك" و"رامبو" فإن المشاهد يجد نفسه أمام سينما مكررة تعيد إنتاج الصور وتبتعد بصورة أقوى عن الواقع

يسجل المشاهد لعدد من الأفلام السينمائية الأميركية الجديدة كيف أضحى الأكشن "براديغما فكرية" لهذه السينما، فعلى رغم سيطرة أفلام الحركة تاريخياً على سيرة هوليوود، فإن ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي عرفت في الأقل أنواعاً أخرى من السينما.

وتبقى أفلام الحركة في مجملها مرتبطة بالصالات السينمائية التجارية، إذ نادراً ما نعثر على هذه الأفلام وحصلت على جوائز بمهرجانات كبيرة مثل "كان" و"برلين" وغيرهما، مما يعني أنها خاضعة لمنطق العرض والطلب وقاعدة شعبية جماهيرية تؤجج لهيبها. وتحرص دور السينما على عرض أفلام الأكشن دون غيرها، لأنها منتج بصري يحقق رفاهاً تجارياً بالنسبة لها مقارنة مع أعمال أخرى.

وهذا الأمر بقدر ما هو صحي بالنسبة إلى السينما من ناحية النشاط التجاري فإنه يلعب دوراً سلبياً في تكريس أفلام الحركة باعتبارها الخلاص الجمالي الوحيد للفن السابع. ويحرص مخرجو هذه الأفلام على جعل أعمالهم "غير مكتوبة" حتى تصنع داخل استوديوهات تفقد السينما حرارتها ونبضها في خلق صور ومشاهد من الواقع العيني المباشر.

وإذا استثنينا بعض الأفلام الكبيرة كتابة وتفكيراً وصناعة مثل "ماتريكس" و"جون ويك" و"رامبو" وغيرها، فإن المشاهد يجد نفسه أمام سينما مكررة تعيد إنتاج الصور وتبتعد بصورة أقوى عن الواقع. وهذا الأخير يبدو مجرد فضاء وأكسسوار تدور داخله الأحداث وتتراقص فوقه الأجساد.

عطب الواقع

وإذا تأملنا الأفلام حديثة الإنتاج تبدو وكأنها تفتقر إلى حبكات درامية، بل إنها تظهر في لحظات ما من دون قصص وحكايات، فالغالب على هذه الفيلموغرافيا الأميركية استعراض العضلات وإطلاق النار وكثرة الحركات وأحياناً بطريقة مكررة لا تمتع العين.

 

 

وأصبحت سينما الأكشن بالنسبة إلى الأميركيين تراثاً سينمائياً لا ينضب، وتحرص مؤسسات الإنتاج الهوليوودية على دعم هذه الأفلام والعناية بها إنتاجاً وكتابة وتصويراً. وعلى رغم أنها تعرف مسبقاً أن هذه الأفلام لا تقدم جديداً للسينما الأميركية فهي تبقى حريصة على إنتاجها بحكم النجاح الباهر الذي تحققه في الصالات العالمية.

والحقيقة أن هذا الأمر أثر بصورة سلبية على هذه السينما وجعلها ترفيهية تكرر صناعة التنميط البصري، بيد أن هذا التنميط يبقى محبباً للمشاهدين حول العالم، مع العلم أن الأميركيين أنفسهم يوجهون نقداً لاذعاً للسينما الهوليوودية، لأنهم يعدونها بعيدة من واقعهم وما يعرفه من أزمات وشروخ وتصدعات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويعد البعض أن البعد من الواقع عبارة عن سياسة باتت تدعمها المؤسسات الإنتاجية الكبرى لتفادي المشكلات مع السلطة القائمة في حين يراها البعض الآخر امتداداً عميقاً لطبيعة السينما في العالم وما أصبحت عليه من هشاشة تبدو امتداداً لفداحة عالم بأكمله. وإذا كانت مرحلة الثمانينيات عرفت انتشاراً واسعاً لسينما الحركة والعنف، إلا أن فيلموغرافيا هذه المرحلة تميزت بنوع من التجريب على مستوى الكتابة، بعد أن أصبحت فيها عديد من الأفلام تستبد بذهنية المشاهد.

إن السينما وإن كانت فناً بصرياً فهي تبقى جمالياتها محكومة بعامل الكتابة، فكل فيلم يصنع اليوم في الاستوديو من طريق المؤثرات البصرية والصوتية لا يعول عليه. وهذا مطب كثير من الأفلام الأميركية لا تنجح في الصالات، لكنها لا تقبل عرضها حتى في أضعف مهرجان سينمائي عالمي. رغبة شركات الإنتاج هي إنتاج التنميط البصري قوياً أمام تواطؤ المخرجين والعاملين بهذه الصناعة لأن الأهم في نظرهم ليس جودة العمل السينمائي، بل قيمة عائدات الفيلم من الناحية التجارية.

سينما الترفيه

في سبعينيات القرن الماضي انتقدت مدرسة "فرانكفورت" صناعة النجوم وبدا خطابها في تلك المرحلة في نظر البعض مجرد لا لغو فلسفياً لا طائل منه، لكنهم اصطدموا منذ نهاية الثمانينيات بحقيقة سيطرة الترفيه على مجتمعهم ودخول الأميركيين من باب حداثة سينمائية معطوبة.

وعلى رغم كثرة الإنتاج السينمائي الأميركي خلال العام الواحد فإن المشاهد لا يعثر داخل هذا الكم الفيلموغرافي إلا على هذا المكرر الذي يعيد إنتاج المشاهد والقصص والحركات نفسها، بل إن هناك منصات عالمية تساعد على إنتاج هذه الأفلام والعمل على تكريسها في وجدان المشاهد دون خلق أي تأثير فيها.

وفي مقابل ذلك هناك عديد من الأفلام في منطقة آسيا تتميز بنوع من الحركة، لكنها لا تجعل هذا العامل يغلب على شعرية النص وأصالة التصوير وجودة الإخراج. أما السينما الأميركية فغدت ترفيهية لا يعثر فيها المتفرج ربما على ثلاثة أعمال قوية في السنة.

 

 

ويبقى ما يميز السينما لأميركية ويجعل المشاهدين يرنون إليها أنهم يجدون فيها تنوعاً كبيراً من ناحية المواضيع والأنواع الفيلمية بين الأكشن والتاريخي والسيري والخيال العلمي، وهي أنواع تجذب الناس على اختلاف مشاربهم الفكرية وتباين رؤاهم الاجتماعية في علاقتهم بالمتخيل السينمائي.

لا يعمل النقد على متابعة أحوال سينما الأكشن، فهو لا يستعرض أهوالها وينتقد شركات الإنتاج التي تكرس فعل المشاهد، فغالب النقاد في العالم يكتبون فقط عن الأفلام التي يرون أنها "عميقة"، أي الأعمال التي لها خطاب سياسي أو اجتماعي، فيصبح ما يكتب موضوعات سياسية واجتماعية قابل أن يغدو نقداً سينمائياً.

إن سينما الأكشن صعبة بالنسبة إلى الناقد، فهو لا يفهم حركاتها وطريقة تصويرها وكيف يمكن أن يخلق تأويلاً مضاداً للصورة السينمائية، مع العلم أن معظمها يرتكز على عنصر التشويق وما يتيحه من متعة بالنسبة إلى المشاهد.

اقرأ المزيد

المزيد من سينما