ملخص
يتجدد السجال بين الفنانين المصريين مع كل دورة لـ"المعرض العام"، الذي انطلقت دورته الـ44 هذا الشهر. لا يقتصر هذا السجال حول أهمية الحدث والأساليب المتبعة في تنظيمه فحسب، بل يمتد كذلك إلى قواعد توجيه الدعوات للفنانين وحتى اختيار المساحة المناسبة للعرض.
لا شيء يرضي الجميع بالطبع في "المعرض العام"، غير أن من المؤكد أيضاً أن هناك حسابات مختلفة لمنظمي كل دورة. ففي كل عام تسقط أسماء وتستبعد أخرى لأسباب تنظيمية أو حتى من دون أسباب. قد يقاطع بعض الفنانين بسبب تحفظات لهم على التنظيم أو أسلوب الاختيار والعرض، بينما يشحذ آخرون أسلحتهم للرد على المتربصين، فمجرد تنظيم المعرض يعد إنجازاً في نظر هؤلاء. تمتلئ صفحات وسائل التواصل بالنقاشات التي قد تصل أحياناً إلى حد التراشق والسباب، بينما يحتفي آخرون بالحدث بنشر صورهم إلى جوار أعمالهم معربين عن امتنانهم لمنظمي المعرض.
هكذا يمر الحدث من عام لآخر، في تكرار رتيب للتفاصيل والنقاشات والمعارك، وهي معارك لا تفضي إلى شيء في غالب الأحيان، غير أن البعض يحلو له أن يطلق عليها حراكاً ثقافياً. هكذا يمر الحدث على رغم أهميته من دون طرح أي تساؤلات مهمة حول أهدافه أو عجزه عن الاشتباك مع الواقع، أو حتى مراجعة مفاهيم الممارسة الفنية وأهدافها، مما يرسخ صورة باهتة ومقصودة للفن كممارسة جمالية محضة، ليس لها علاقة بقضايا الناس واهتماماتهم.
لا شك في أن "المعرض العام" هو أكبر تجمع للفنانين المصريين تحت رعاية المؤسسة الرسمية. ففي جولة قد لا تستغرق سوى بضع ساعات فقط يمكنكم التعرف إلى كثير من التجارب الفنية المهمة لفنانين بارزين، إلى جانب عشرات الأعمال المشاركة للفنانين الشباب. يمثل "المعرض العام" أيضاً فرصة حقيقية لمحبي اقتناء الأعمال الفنية، كما أنه مناسبة سنوية لإضافة أعمال جديدة إلى متحف الفن المصري الحديث، إذ يوجه القسم الأكبر من موازنة الاقتناء الرسمية المخصصة للمتحف للاقتناء من الأعمال المشاركة في هذا المعرض. من أجل هذا يمثل المعرض أهمية كبيرة لعدد كبير من الفنانين ممن يطمحون إلى اقتناء أعمالهم أو عرضها في الأقل، وهي رغبة لا يمكن تهميشها أو التقليل من أهميتها، بخاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعانيها الفنانون المصريون كغيرهم.
بعيداً من هذه السجالات، تبدو الدورة الحالية من المعرض أكثر اختلافاً وانفتاحاً من سابقاتها، على مستوى التنظيم والمحتوى. يضم المعرض هذا العام أعمالاً لأكثر من 300 فنان وفنانة، ويشرف عليه الفنان سامح إسماعيل كقيم على العرض، وتتوزع الأعمال المشاركة فيه على ست مساحات عرض رسمية. تعامل الفنان سامح إسماعيل مع الحدث كمهرجان حقيقي واستغل ما هو متاح له لتحقيق دورة مميزة، بداية من حفلة الاستقبال والواجهة البصرية للمعرض، إلى أسلوب العرض وتوزيع الأعمال.
فنانون عرب
ويحسب لهذه الدورة أنها فتحت المجال لإبداعات الفنانين العرب المقيمين في مصر أو الذين اعتادوا العرض فيها. وقد خصصت مساحة العرض الملحقة بمتحف محمود مختار لعرض هذه التجارب العربية، وبينها تجارب مهمة لفنانين من السودان والبحرين والعراق وسوريا وفلسطين والأردن، وهو ما يتيح إطلالة أكثر شمولاً على المشهد الفني القاهري. والأمل أن يتم تثبيت هذه الرؤية المنفتحة خلال الدورات المقبلة، وأن يتسع المجال أيضاً ليشمل فنانين آخرين من خارج العالم العربي، ويعيش بعضهم ويعمل بالفعل في مصر منذ سنوات لأسباب مختلفة. هذا الانفتاح الجزئي يمثل بلا شك انعطافة مهمة في تاريخ المعرض، وهو إنجاز يحسب لقيم هذه الدورة الفنان سامح إسماعيل إلى جانب الفنان وليد قانوش رئيس قطاع الفنون في مصر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حظيت هذه الدورة أيضاً ولمرة أولى بتعاون ملحوظ مع مؤسسات غير رسمية في بعض الجوانب التنظيمية، كمؤسسة مهرجان آرت كايرو للفنون العربية. وحظي المعرض أيضاً برعاية خاصة من الشيخ راشد بن خليفة آل خليفة رئيس المجلس الوطني للفنون في البحرين.
ووصفت وزيرة الثقافة نيفين الكيلاني "المعرض العام" بأنه أهم الأحداث الفنية المعبرة عن روح الحركة التشكيلية المصرية، وقدرتها البناءة على رصد الظواهر المجتمعية بشكل متفرد، من خلال الذائقة الفنية البصرية. وأكدت أن الحركة التشكيلية تمثل جزءاً أصيلاً من الثقافة المصرية بروافدها الإبداعية وريادتها على المستويين الإقليمي والدولي، وتعكس رؤى متميزة لمختلف الاتجاهات والمدارس التشكيلية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في حفلة الافتتاح تم تكريم عدد من الفنانين المصريين والعرب، بينهم الفنان المصري مصطفى الرزاز وأحمد نوار ومصطفى عبدالمعطي وعبدالسلام عيد من مصر، والفنان السوري يوسف عبدلكي، والسوداني محمد عمر خليل، والعراقي ضياء العزاوي. وثمن وليد قانوش جهود القائمين على تنظيم المعرض، مؤكداً أن الجميع بذل جهداً كبيراً حتى يخرج المعرض بهذا الشكل الراقي المعبر عن روح الثقافة المصرية، ويؤكد قيمة ومكانة الفن التشكيلي في الحفاظ على هويتنا المتفردة.
وقدم الفنان سامح إسماعيل القيم الفني للمعرض سرداً مبسطاً لتفاصيل الإعداد للدورة الحالية، ومراحلها المتعددة، بحيث بذل القائمون على تنظيم المعرض جهوداً حثيثة حتى يصل المعرض لهذه الصورة المضيئة اللائقة بقيمة ومكانة المشهد التشكيلي المصري، مؤكداً حرص القائمين على تنظيم المعرض على مواكبة أحدث التقنيات الرقمية في تنفيذ مراحل "المعرض العام" بمختلف تنويعاتها. يستمر المعرض حتى الـ31 من يوليو (تموز) المقبل، ويتخلله عديد من الأنشطة والندوات التي أعدت واختيرت للبرنامج الثقافي المصاحب للمعرض.