Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

علاقات بوتين "الخاصة" تغرق العالم في أزمات

الدول المنبوذة لن تزداد إلا تقارباً أما الغرب فلا يمكنه أن يقف مكتوف الأيدي مع تزايد التهديدات

بوتين وكيم خلال الزيارة الأخيرة إلى كوريا الشمالية (أ ب)

ملخص

تشير زيارات فلاديمير بوتين إلى كوريا الشمالية وفيتنام إلى تعزيز التحالفات مع الأصدقاء القدامى لحشد الدعم لحرب روسيا في أوكرانيا، وتتحدى هذه التحركات ومعها السياسة الصينية الزعماء الغربيين والنظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة

كوريا الشمالية ليست محطة توقف معتادة بين روسيا وفيتنام، لكن بالنسبة إلى فلاديمير بوتين شكلت زيارة البلاد فرصة لا يمكن تفويتها. بتأكيد روسيا على علاقاتها مع حلفائها القدامى، قدمت مهمة بوتين الدبلوماسية إلى بيونغ يانغ ثم إلى هانوي، فرصة لحشد الدعم لحربه المستمرة في أوكرانيا في حين لا تجد روسيا سوى عدد قليل من الأصدقاء الدوليين.

والأكثر من ذلك، كانت كلتا الزيارتين تهدف إلى إرسال إشارة واضحة إلى الولايات المتحدة وحلفائها والغرب، مفادها بأن روسيا، بغض النظر عما يقوله القادة الغربيون، ستفعل ما في وسعها كله لإثارة المتاعب في العلاقات الدولية.

زيارة بوتين إلى هانوي، بعدما أمضى يومين في كوريا الشمالية، تحمل أكثر من مفارقة ساخرة. في هانوي، قبل خمس سنوات، انتهت القمة الرئاسية السيئة السمعة بين كيم جونغ أون والرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترمب – الثانية بينهما في أقل من سنتين – من دون التوصل إلى اتفاق، إذ لم يتمكن الزعيمان حتى من تناول الغداء. ومنذ ذلك الحين زادت كوريا الشمالية من سلوكها المنحرف، الذي وصل إلى آفاق جديدة مع زيارة بوتين الأسبوع الماضي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لقد بذل الزعيم الكوري الشمالي كل جهد في استقبال نظيره الروسي، كانت شوارع بيونغ يانغ تزخر ليس فقط بالأعلام الروسية والحشود المبتهجة، بل أيضاً بصور بوتين نفسه. وبدا الأمر بشكل غريب كما لو أن بوتين نفسه هو الزعيم الكوري الشمالي، المستعد لتلقي الإشادة والإعجاب من سكان كوريا الشمالية.

ومن المعروف أن بوتين منذ غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، يقدم إلى كوريا الشمالية مساعدات غذائية كبيرة ونقوداً في مقابل ملايين طلقات المدفعية الكورية الشمالية.

ويجري تبادل للتكنولوجيا العسكرية الرفيعة المستوى، ولا سيما الصواريخ والأقمار الاصطناعية بين الدولتين المارقتين، على رغم أن المدى الحقيقي لهذا التعاون لا يزال معروفاً بشكل أقل. ووقع البلدان اتفاق دفاع مشترك الأسبوع الماضي، مما يسلط الضوء على اتجاه هذا التعاون العسكري.

ويدرك بوتين جيداً أن مساعدة كوريا الشمالية من خلال توفير تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية تشكل خرقاً واضحاً للعقوبات المتعددة الأطراف والأحادية الطرف، ووسيلة مؤكدة لتشويه ما تبقى من مكانة روسيا العالمية، ولا يبدو ذلك أساساً مصدراً للقلق له. وفي مناورة أخرى تنتهك العقوبات قدمت روسيا في الأشهر الأخيرة إمدادات مباشرة من النفط إلى كوريا الشمالية، مما سمح للبلاد بتوفير موارد مالية لتوسيع برامجها الصاروخية والنووية.

 

قبل سبع سنوات فقط، عام 2017، دعمت روسيا والصين بنشاط فرض عدد من عقوبات مجلس الأمن الدولي على كوريا الشمالية، بما في ذلك تلك التي دعت إلى عودة العاملين الكوريين الشماليين المقيمين في الخارج لبلادهم (بقي كثيرون منهم في الواقع في روسيا والصين، ولا يزالون هناك)، إلى جانب قيود فرضت على واردات كوريا الشمالية من الوقود.

بعد سبع سنوات، تغيرت الأمور بشدة. أمضت روسيا العام الماضي في مغازلة كوريا الشمالية بنشاط، وتعهدت ببذل كل ما في وسعها لدعم الدولة الحليفة لها سابقاً في الحرب الباردة. يسلط تواصل بوتين مع كوريا الشمالية لتجديد ذخائره الضوء على مدى اليأس الذي يصيب الزعيم الروسي. وجد بوتين في كيم، ليس فقط مورداً راغباً في حاجة ماسة إلى المال، بل أيضاً رئيس دولة جانحة أخرى يسعى إلى الاستفادة من الحرب في أوكرانيا لانتقاد عدوهما المشترك المتمثل في الغرب، وكذلك إلى اكتساب المعرفة والتكنولوجيا المتقدمة القيمة لتعزيز قدراته النووية والصاروخية.

وفي حين قد يكون كيم سعيداً بزيارة بوتين وتوقيع معاهدتهما، سيكون الرئيس الصيني شي جين بينغ أكثر حذراً من هذه العلاقات، ويأمل في ألا تذهب العلاقات بين روسيا وكوريا الشمالية أبعد مما ينبغي.

والتقى بوتين بالزعيم الصيني ما لا يقل عن 43 مرة منذ صعود شي إلى السلطة عام 2012، وزار الصين مرتين خلال العامين الماضيين. وفي كلتا المناسبتين، أعاد الزعيمان التأكيد مراراً على علاقتهما باعتبارها "شراكة استراتيجية شاملة للتنسيق في العصر الجديد". تزدهر العلاقات الاقتصادية الثنائية، إذ وصلت الصادرات الصينية إلى روسيا إلى أكثر من 111 مليار دولار نهاية عام 2023، في مقابل تقلص الصادرات الأميركية والأوروبية.

 

ليست كوريا الشمالية وحدها هي التي تلجأ إليها روسيا للحصول على الأسلحة، التي على رغم كثرتها الكمية قد تكون بعيدة كل البعد من الجودة المثلى. تستمر الصين في إنكار أنها تزود روسيا بأسلحة فتاكة، وتتبنى منذ فترة طويلة دورها الغامض كـ"وسيط" بين روسيا وأوكرانيا.

ومع ذلك، لا يمكننا استبعاد أن تكون الصين تقوم بدور أكثر نشاطاً في الحرب الروسية، ولا سيما كوسيط مفيد لإيصال الأسلحة إلى روسيا. وعلى رغم أن بوتين وشي بعيداً من الحرب يواجهان معارك خاصة بهما في السياسة الداخلية، لا ينفك الزعيمان – إلى جانب أمثال كيم – عازمين على تقديم نظام عالمي بديل "متعدد الأقطاب" في تناقض صارخ مع ذلك النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة.

ولم يتردد شي وبوتين في تسليط الضوء على عدم رضاهما عن النظام العالمي الحالي، كان المسؤولون في بكين سريعين وبلا هوادة في السخرية من تحالفات مثل "أوكوس" (الشراكة الأمنية بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة)، وحتى من مجموعة السبع باعتبارها معادية للصين ورمزاً للتفوق الغربي الخبيث.

وفيما يبدو استمراراً لسلوك الصين في عهد ماو، سعت روسيا والصين أيضاً إلى التودد إلى العالم النامي، في محاولة لإجباره على الابتعاد عن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة. وبدلاً من الاقتداء بالولايات المتحدة، فإن المسار الذي تطرحه الصين وروسيا، من وجهة نظر الديكتاتورين، سيسمح بسماع أصوات البلدان النامية.

ومع ذلك يخبرنا التاريخ أن البلدان حتى في حال وجود خصم مشترك لا تتقدم دائماً، حدث الانقسام الصيني السوفياتي السيئ السمعة في الحرب الباردة حتى في وقت كانت فيه موسكو وبكين متحدتين افتراضاً، في مواجهة الكتلة الغربية الرأسمالية التي تقودها الولايات المتحدة.

ما مدى القيمة التي يوليها هذان البلدان الاستبداديان إلى الحفاظ على العلاقات الاقتصادية مع حلفاء الولايات المتحدة، ولا سيما كوريا الجنوبية واليابان؟ الإجابة عن هذا السؤال يمكن أن تؤثر في كيفية تطور علاقاتهما الثنائية، هل يقدران الاقتصاد أكثر من السياسة والأيديولوجيا؟

 

بينما تستعد الولايات المتحدة لانتخاباتها الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني)، تستمر الأزمات العالمية في تدمير العالم، ولا تقتصر هذه الأزمات على الحرب الأوكرانية المستمرة أو النزاع في غزة.

يمثل احتمال حدوث أزمة في تايوان وتعزيز تبادل الأسلحة بين كوريا الشمالية وروسيا وضعاً مقلقاً لن يقتصر فقط على الدول المعنية، بل ستكون له آثار كبيرة غير مباشرة في المناطق المجاورة.

لعل أفضل ما يلخص الطبيعة الحالية للعلاقات الدولية هو فكرة "الأزمة المتعددة"، على حد تعبير الرئيس الكوري الجنوبي، يون سوك يول، العام الماضي.

مع الأزمات المتعددة والمتزامنة والتهديدات التي تواجه البشرية، تصبح التحالفات الإقليمية والعالمية الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى، ولا سيما إذ يتعزز الاصطفاف المناهض للديمقراطية بين الدول المنبوذة كما يبدو مع مرور الوقت. قد تحتاج المشكلات العالمية إلى حلول عالمية، لكن في عالم يتسم فيه مجلس الأمن الدولي بالجمود، لا يمكن لأهمية التحالفات الثنائية والثلاثية والإقليمية أن تمر مرور الكرام.

لم تتحسن العلاقات بين الصين والولايات المتحدة في ظل إدارة بايدن، ولم يزد خطاب الصين تجاه تايوان إلا عدوانية في أعقاب انتخاب الرئيس التايواني لاي تشينغ تي أخيراً.

يبقى أن نرى ما إذا كانت رئاسة ترمب الثانية ستعيد إشعال ما وصفه مستشار الأمن القومي السابق لترمب جون بولتون بـ"صدام الحضارات" بين واشنطن وبكين، لكن مع إعلان شي أن الصين "دولة حضارية" وليست مجرد "أية دولة اشتراكية عادية أخرى"، لا يزال وقوع نزاع – لن يكون حرباً تقليدية بالضرورة، ويمكن أن يحدث إما في المجالات الاقتصادية أو السيبرانية أو غيرها – أمراً ممكناً.

هل ستشهد رئاسة ترمب الثانية محاولة أخرى للانخراط في "فن الصفقة" مع "رجل الصواريخ الصغير"؟ هل ستضطر كوريا الجنوبية واليابان إلى إيلاء اهتمام أكبر للحصول على رادع نووي مستقل خاص بهما بالنظر إلى تعليقات ترمب المهينة الأخيرة حول تحالفات واشنطن مع سيول وطوكيو؟ هذان كلاهما سؤالان مهمان لن يكشف عن الإجابات عليهما سوى الوقت.

يبدو أن القول المأثور "الوقاحة لا تؤتي ثماراً"، لا ينطبق على الصين أو روسيا، اللتين أصبحت نواياهما لتعطيل العلاقات الدولية أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، ولا يمكن للغرب أن يبقى مكتوف الأيدي حتى فوات الأوان.

الدكتور إدوارد هاول محاضر في السياسة في كلية كرايست تشيرش بجامعة أكسفورد وزميل في برنامج آسيا والمحيط الهادئ بمركز أبحاث "تشاتام هاوس"

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء