ملخص
يعتبر الاتفاق على فتح أبواب معبر تجاري بين المعارضة السورية المدعومة من تركيا وحكومة دمشق، إحدى العلامات على اقتراب تفاهم وشيك.
في وقت ينتظر السوريون اتفاقاً مع تركيا يذيب جبل الجليد الحاصل بين أنقرة والنظام السوري وينهي خلافاتهما، أثمرت الرعاية الروسية عن فتح معبر "أبو الزندين" الواقع في الشمال السوري، وهو الممر البري الذي يربط مناطق النفوذ بين مدينة الباب الواقعة تحت سيطرة المعارضة السورية المسلحة والمدعومة تركياً، وبين مدينة حلب التابعة للنظام.
فوائد على الصعيد الشعبي
وجاء فتح المعبر الذي تظهر التقارير الأولى عن افتتاحه أمام مركبات نقل البضائع، بعد إغلاقٍ دام لسنوات شهدت خلالها جبهات القتال حرباً دامية بين النظام والمعارضة، وبعدما استقرت خطوط التماس بشكل شبه نهائي منذ عام 2019، وسادت حالة الهدوء في ساحات الميدان دونما حدوث أي تغييرات على خريطة السيطرة.
واعتبر الناطق باسم هيئة المصالحة الوطنية في سوريا، عمر رحمون في حديثه لـ "اندبندنت عربية"، خطوة افتتاح المعبر بـ "الممتازة" بشكل أولي بالنسبة للشأن الشعبي، فالسوريون بحسب وصفه يحتاجون إلى تسهيل تنقلهم بين كلتا الضفتين أي مناطق سيطرة النظام والمعارضة. وأضاف، "الخطوة بالأساس هي على المستوى التجاري جيدة ولكن ليست ذات أهمية لأن السوري ليس بحاجة إلى ازدهار بالوضع الاقتصادي بقدر ما هو بحاجة للعودة إلى أرضه، ودياره، وبيته، وهي أولوية وضرورة وهي أهم من الأشياء الأخرى".
في المقابل، حدد المجلس المحلي لمدينة الباب، التابع للمعارضة، أهداف فتح المعبر إلى كونه جاء لاعتماده ممراً تجارياً رسمياً، وسيتم افتتاحه تجريبياً خلال 48 ساعة مع نشر التعليمات والضوابط اللازمة في وقت لاحق.
وجاء في بيان لمجلس مدينة الباب المحلي أن فتح المعبر أتى "من مبدأ الحرص على تحسين الظروف المعيشية لأهالي المنطقة، وتعزيز النشاط الاقتصادي، وهذا الإجراء سيمكن التجار وأصحاب الأعمال في المنطقة من نقل البضائع والسلع، ويسهم بتنشيط الحركة التجارية، مع زيادة موارد المجلس المحلي لإنفاقها على الصالح العام، وإعادة تأهيل البنية التحتية".
ممرات آمنة
وقطّع الصراع المسلح الدائر منذ عام 2011 أوصال المناطق السورية، وحوّلت الجغرافيا إلى مناطق نفوذ بين موالاة ومعارضة علاوةً عن انتشار جيوش أجنبية، وقواعد ونقاط عسكرية لقوى خارجية من أبرزها التحالف الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة، وروسيا الاتحادية، والجيش التركي، والحرس الثوري الإيراني.
كما خلقت الحرب طويلة الأمد ميليشيات ذات ولاءات متعددة منها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والتي أُنشئت حماية لشمال شرقي سوريا من هجمات تنظيم "داعش"، وتوسع نفوذ الإدارة الذاتية الكردية وسيطرتها الواسعة على مواقع في الشمال الشرقي، ونمو تيار كردي انفصالي، أثار حذر أنقرة التي رأت في ذلك تهديداً لحدودها الجنوبية، بخاصة وأنها وضعت "حزب العمال الكردستاني" والأحزاب الموالية له ضمن قائمة الأحزاب الإرهابية، وفسرت شنها لثلاث عمليات توغل في الشمال السوري والسيطرة على أرضها بدعم من المعارضة السورية المسلحة، كحفظ لأمنها القومي.
ورأى الناطق باسم هيئة المصالحة، عمر رحمون أن "فتح المعبر جاء بعد حوار ومفاوضات متواصلة لسنوات بعد إغلاقه في 18 مارس (آذار) 2020 بعد قرار صدر من جانب ما يسمى بالحكومة السورية الموقتة، التابعة للمعارضة، أغلقت به عدة معابر (عون الدادات، والحمران، وأبو الزنديين) وأوقفت مرور المدنيين بسبب انتشار وباء كورونا في ذلك الوقت. ويعتقد أن افتتاحه جاء بعد تفاهم مديد، وإن جاء بطيء بعض الشيء، ويعطي نتائج أولية في غاية الأهمية". ويضيف "لا توجد خطوات لاحقة بعد فتح المعبر، وهي إشارة جيدة ولكن ليست كافية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حرب المعابر
ورحب بفتح المعبر، الوسطان الشعبي والاقتصادي في مدينة حلب التي تعيش عزلة اقتصادية وشحاً بالمواد الأولية، التي تصل لأصحاب المعامل والمنشآت الصناعية بثمن مرتفع بسبب الضرائب عبر المعابر الحدودية.
واعتبر الباحث الأكاديمي بالعلوم الاقتصادية في دمشق، محمد الحاج عثمان أن "افتتاح المعبر يوجه ضربة لاقتصاد المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية"، ويعزو ذلك إلى كون "البضائع التي كانت تصل إلى مناطق السيطرة الحكومية تأتي من مدينة منبج في ريف حلب الشرقي عبر معبر يطلق عليه اسم "التايهة" ومن مناطق سيطرة قوات قسد"، التي تعد "الإدارة الذاتية الكردية" المكون الأساس لها وعمودها الفقري بالقيادة والتخطيط. وأضاف عثمان، "مع افتتاح هذا المعبر سيكون مآل المعبر السابق (التايهة) الذي يوفر قطعاً أجنبياً واسعاً للقوات القتالية في (قسد) وأموال الجمارك بالتوقف أو النضوب، بخاصة إذا ما أُطلق معبر أبو الزنديين برسوم جمركية مخفضة، فسيكون المعبر الجديد طريقاً لسيل من الشاحنات العابرة بالبضائع والسلع، وبديلاً قوياً في الفترة اللاحقة، وبلا شك هذا ما ترغب به تركيا".
وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره (لندن) نشر في 13 يونيو (حزيران) الجاري، تقريراً عن تحركات للقوات الروسية والتركية تحضيراً لافتتاح المعبر الواقع بالقرب من مدينة الباب. ويفصل المعبر بين قرية أبو الزنديين عن مزارعها الواقعة ضمن مناطق سيطرة النظام، في ظل استقدام القوات الروسية تعزيزات عسكرية لمنطقة المعبر.
بين التأييد والرفض
في موازاة ذلك، وردت معلومات من مصادر أهلية عن تحرك مجموعات من أهالي مدينة الباب باتجاه الطريق العام الواصل إلى المدينة، والاعتصام هناك منعاً لدخول السيارات الآتية من مناطق سيطرة النظام. وتشير الأنباء الواردة إلى إزالة القوى الأمنية التابعة للمعارضة في مدينة الباب خيمة الاعتصام وسط تدابير أمنية منعاً لحدوث أعمال شغب.
سبقت ذلك تظاهرات رافضة لإعادة فتح المعبر من قبل مجموعات أهلية في مدينة الباب، ومنع المحتجون قبل ذلك في منتصف يونيو الجاري دخول عسكريين روس مع نظرائهم الأتراك، وممثلين من الأمم المتحدة لتفقد المعبر الذي ظل خلال هذه الفترة يُستخدم لأغراض تتعلق بتبادل الأسرى وشؤون إنسانية.
وتسعى روسيا لرعاية اتفاق تركي- سوري من المتوقع أن يرى النور قريباً، بينما يعتبر مراقبون الاتفاق على فتح أبواب معبر تجاري بين المعارضة المدعومة من تركيا وحكومة النظام السوري إحدى العلامات على اقتراب تفاهم وشيك، بينما شهدت قاعدة "حميميم" في غرب سوريا المطلة على البحر المتوسط في ريف اللاذقية لقاءً بين مسؤولين أمنيين سوريين وأتراك، وهي أول زيارة لوفد تركي إلى البلاد.
جاء ذلك في وقت صرح الممثل الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرينتييف عن قيام بلاده بتسليم مسودة "خريطة طريق" لكلا الجانبين تشمل حل مشكلة استعادة الحكومة السورية السيطرة على جميع أنحاء البلاد وضمان أمن الحدود السورية- التركية، وتطبيع العلاقات، وتشمل فقرات منها القضاء على احتمال حدوث هجمات عبر الحدود.