Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصم والبكم "ألم صامت" في حرب السودان

يعانون توقف مراكز التأهيل المسؤولة عن تقديم الخدمات الطبية والتعليمية

الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة من أكثر الفئات تضرراً من الحرب الدائرة في السودان (رويترز)

ملخص

يبلغ عدد ذوي الاحتياجات الخاصة في السودان 4.1 مليون شخص، يمثلون 4.6 في المئة من مجموع المواطنين، وفقاً لآخر تعداد سكاني أجري في البلاد عام 2008.

لأكثر من عام تتفاقم المعاناة الإنسانية بسبب الصراع المحتدم بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع"، إذ لا تبدو بوادر تشير إلى إنهاء الأزمة، على رغم التحذيرات الدولية من أن الشرائح المجتمعية الضعيفة هي من تدفع الفاتورة الكبرى.

حالة من القلق تراود ذوي الاحتياجات الخاصة التي تشمل الحركية والسمعية والبصرية والذهنية، وبخاصة الصم والبكم وهم يعانون الألم الصامت بانفصالهم عن الواقع الناتج من توقف مراكز التأهيل التي تقدم كل الخدمات الطبية والتعليمية، إلى جانب الدعم المعنوي لإزالة العقبات الاجتماعية والنفسية، لا سيما أنهم يعيشون أوضاعاً مأسوية في مناطق النزوح وسط نقص حاد لأبسط المقومات التي تعينهم على استمرار حياتهم.

شريحة سودانية واسعة تتعرض للتنمر حين تعجز في توصيل ما تريد من خلال لغة الإشارة التي لا يجيدها كثير من الناس، بخاصة وسط الأطفال، فضلاً عن الأخطار التي تلاحقهم بسبب عدم مقدرتهم على سماع دوي الرصاص والقذائف المدفعية التي حصدت أرواحهم، وافتقادهم مصادر أرزاقهم.

ويعاني الغالب منهم الفقر بتضييق فرص التوظيف في القطاعين الحكومي والخاص، على رغم أنهم فئات متعلمة، مما جعل حقوقهم الإنسانية التي نصت عليها المواثيق الدولية والمحلية مهضومة.

منذ بدء الصراع في العاصمة الخرطوم منتصف أبريل (نيسان) 2023، خرجت كل المؤسسات المتخصصة لرعاية المصابين بالإعاقات الخاصة عن الخدمة، إذ يبلغ عدد ذوي الاحتياجات الخاصة 4.1 مليون شخص، يمثلون 4.6 في المئة من مجموع السودانيين، وفقاً لآخر تعداد سكاني أجري في البلاد عام 2008، إذ تؤكد دراسات حديثة أن المعوقين سمعياً يمثلون أكثر من 35 في المئة من جملة ذوي الإعاقات الأخرى، أي نحو 470 ألفاً، بحسب اتحاد الصم السوداني.

في الأثناء أطلقت أربعة مراكز في ثلاث ولايات نداءات استغاثة، إذ تشهد تدفقاً للنازحين من أصحاب الإعاقات، بمن فيهم شريحة الصم والبكم الفارين من أهوال حرب الخرطوم، التي تعاني في الأساس إمكانات ضعيفة في تسيير العمل، إلى جانب عدم توافر أجهزة الكشف وقياس السمع والكادر الطبي والمعلمين المتخصصين في لغة الإشارة، فضلاً عن أن الحرب قضت على آمالهم في التعافي والتعلم وساقتهم نحو مصير مجهول.

عزلة اجتماعية

تقول المواطنة سمية عبدالرحمن والدة محمد الذي يعاني الإعاقة السمعية، إن "أشهر حملي كانت مصحوبة ببعض الظروف الصحية، لا سيما أن الطبيب الذي كان متابعاً لحالتي أخبرني من خلال جهاز الموجات الصوتية أن مولودي قد تصاحبه بعض التشوهات، ربما في البصر أو السمع، نتاج ارتفاع الحمى التي كانت ملازمة لي في فترة الحمل، حينها انتابتني مخاوف من إنجاب طفل معوق في بلد يعاني اقتصاداً منهاراً".

وأضافت "بعد مرور عام من الإنجاب تأكدت من خلال مداعباتي أنه لا يستجيب، حينها أيقنت أن الإعاقة التي أشار إليها الطبيب سمعية، ومن هنا بدأت المعاناة ورحلة العلاج، وعند بلوغ السن القانونية للالتحاق بالمدرسة كان من الصعب دمجه في وضع طبيعي، لذلك توجهنا صوب مراكز التأهيل المنتشرة بالعاصمة الخرطوم، تحديداً المركز الدولي للسمع المتطور، الذي يقدم كل الخدمات طبية وتعليمية، إلى جانب الدعم النفسي والاجتماعي، مع الأمل في الشفاء".

 

وتابعت "لقد حملت الحرب التي اندلعت في الخرطوم مآسي فاقمت معاناة فاقدي السمع والنطق بسبب النزوح وافتقاد المتابعة، وللأسف لا تزال تداعياتها مستمرة في معسكرات الإيواء، مما أدى إلى العيش في عزلة اجتماعية لصعوبة التواصل مع الآخرين، الذين يمكن وصفهم بأنهم غير متصالحين مع هذه الفئات الضعيفة، إلى جانب التنمر من أنداده في عدم مقدرتهم فهم لغة الإشارة التي يجهلها كثر".

وأشارت المواطنة السودانية إلى أن "ابنها كان من المفترض أن تجرى له عملية زراعة القوقعة، فضلاً عن أن المستشفيات المتخصصة خرجت من الخدمة بسبب وقوعها وسط الخرطوم، لذلك قررنا السفر إلى مصر من طريق التهريب، الذي أدى إلى تفاقم الأزمة بسقوط سماعة الأذن نتيجة لسرعة المركبة واكتظاظها بالركاب، لا سيما أن كلفتها باهظة الثمن، إذ يبلغ سعرها 600 ألف جنيه سوداني (ما يقارب 400 دولار أميركي)، وهي مبالغ طائلة تفوق قدراتنا، في ظل توقف كل مظاهر الحياة الطبيعية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ونوهت بأن "مراكز التأهيل الفرعية بالولايات من خلال ملامسة واقعها قبل اجتياح مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة ينقصها الكادر المؤهل، إضافة إلى الاصطفاف والمغالاة في دفع الرسوم لمقابلة الطبيب، مع توقف المساعدات الإنسانية التي كنا نتلقاها من المنظمات الدولية والمحلية التي كانت تنشط في شراء السماعات".

ألم صامت

من جانبها أوضحت الاختصاصية النفسية أسماء محمد جمعة أن "أصحاب الإعاقة السمعية مشكلاتهم مضاعفة نتيجة الحرب الدائرة في البلاد، بخاصة عدم مقدرتهم على سماع ما يدور عن الصراع في ظل اعتمادهم على لغة الإشارة، إلى جانب عدم سماع دوي الرصاص والقذائف المدفعية، إذ أنهم غير قادرين على التصرف وتفادي الأخطار، إزاء ذلك فهم في احتياج مستمر إلى التنبيه والمساعدة".

وتابعت "توقف المراكز التدريبية الخاصة بتأهيلهم أسهم في ضياع مستقبلهم، فضلاً عن أن لديهم فرص في التطور والتعافي والخروج من الضغوط النفسية والاجتماعية التي يتعايش معها المصابون بالإعاقة السمعية، مما يتطلب دعمهم معنوياً ومادياً لتسيير أنشطتهم التي أوقفتها الحرب".

وطالبت المتخصصة النفسية "بضرورة خلق أجواء ترفيهية في معسكرات النزوح، بخاصة أنهم مبدعون ويمتازون بمواهب في فن الرسم والتشكيل والمسرح، إضافة إلى كسر حاجز التوجس والتعامل مع الآخرين من خلال زيارات الاستشاريين في الصحة النفسية والاجتماعية".

مصير مجهول

من جانبها، قالت الناشطة الاجتماعية وفاء عوض إن "الظروف القاسية التي تمر بالبلاد تحتاج إلى التكاتف وبذل مجهودات كبيرة لتقديم الخدمات للشرائح المجتمعية الضعيفة، بخاصة ذوي الإعاقات بكل فئاتهم، فضلاً عن أن الحرب شكلت واقعاً أليماً وقع على كاهلهم".

وأضافت عوض "أنشأنا عدداً من المبادرات التي وجدت الاستجابة من الخيرين، إلى جانب وقفتهم جنباً إلى جنب مع وزارة الرعاية الاجتماعية ومراكز التأهيل بالعاصمة الخرطوم، نظراً إلى ارتفاع أسعار السماعات والبطاريات وأجهزة قياس السمع الحديثة التي تجلب من الخارج، فضلاً عن أن الصراع المسلح أدى إلى شل مساندتهم، لذلك أظهر ناشطون في غرف الطوارئ في مناطق النزوح مواصلة ما انقطع حتى لا يكون مصيرهم مظلماً".

وأشارت الناشطة المجتمعية إلى أنه "من خلال التجارب مع فئات فاقدي السمع والنطق فإن أسرهم تتمسك بالآمال في التطور، بخاصة صغار السن، إضافة إلى أن هناك نماذج لعائلات تملك المال غادرت البلاد منذ نشوب الصراع للوصول إلى بيئة توفر العلاج".

معطيات صادمة

بحسب وزارة التربية والتعليم السودانية فإن الفئات المختلفة للمعوقين عانت كثيراً في الواقع التعليمي، لا سيما أنه لم يكن في أحسن حالاته، إذ كان يعكس وجهاً أكثر قسوة لمعاناتهم.

 

ووفقاً لذات المصدر فإن العدد الكلي للمؤسسات التعليمية المعنية بالأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة تبلغ نحو 140 منها 79 قطاعاً خاصاً و61 حكومياً، فضلاً عن أن الحرب أدت إلى توقف البرامج التأهيلية عن 14.4 ألف طالب وطالبة من ذوي الإعاقة السمعية.

إمكانات شحيحة

وفي سياق متصل، قالت مديرة مركز الصم بولاية نهر النيل تقوى عامر، إن "الحرب أدت إلى إغلاق المراكز بالعاصمة الخرطوم والبالغة سبعة مراكز، تحوي الآلاف من المعوقين سمعياً، لا سيما هناك أن تحديات تواجه نظيرتها المنتشرة في مدينتي عطبرة وشندي بولاية نهر النيل، إلى جانب كسلا والبحر الأحمر، أبرزها هجرة المتخصصين في لغة الإشارة، فضلاً عن أن المعاهد تشهد تدفقاً للنازحين في وقت تنقصها أساسات توفير الرعاية بسبب ضعف الإمكانات وانقطاع الدعم لانشغال الدولة بالصراع".

وأضافت "في السابق كانت المراكز تعقد الورش والندوات لرفع الوعي وإزالة العقبات الاجتماعية، التي جعلت وجودهم الإنساني في نطاق ضيق، حتى إن توافرت فهي هامشية، بخاصة في ما يتعلق بالتوظيف، مما أدى إلى أن 60 في المئة منهم على خط الفقر، إذ تعمل المراكز التأهيلية على غرس روح التفاؤل بأنهم أشخاص قادرون على العطاء والتعامل مع المجتمع، فضلاً عن أنهم شريحة نيرة حباها الله بصفات نادرة".

ومضت في حديثها "النزوح داخل وخارج حدود البلاد أدى إلى زيادة معاناتهم بفقد السماعات وضعف البطاريات، وكثر منهم كانت ستجرى لهم عمليات زراعة القوقعة، لكن خرجت المستشفيات عن الخدمة بسبب وقوعها وسط الخرطوم معقل الاشتباكات".

وختمت مديرة الصم والبكم حديثها بقولها "لا بد من الالتفات إلى هذه الشريحة الضعيفة لمواصلة حياتهم، لا سيما أن الحرب أدت إلى توقف المساعدات الإنسانية من المنظمات الدولية والمحلية، ويجب أن تكون هناك مبادرات فعالة، فضلاً عن أن الظاهرة في تنام وحجم الفجوة يفوق الإمكانات".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات