Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعد تسعة أشهر من الحرب... المطالبة الإسرائيلية بالسلام لا تزال خجولة

مبادرات يسارية ضعيفة في ظل تعزيز مشاعر الخوف والتحذيرات من المساس بـ "البقرات المقدسة" في إسرائيل

جانب من تظاهرة مطالبة بوقف الحرب على غزة في تل أبيب في الـ28 من ديسمبر 2023 (أ ف ب)

ملخص

لم يترك نتنياهو ومعظم القيادة والسياسيين الإسرائيليين مناسبة في مرحلة ما بعد هجمات السابع من أكتوبر، إلا واستخدموا كلمة "إبادة" لتخويف شعبهم، وباتت تشكل محوراً مركزياً يمنع الإسرائيليين اليوم من رفع الصوت ضد الحرب.

يسيطر التخبط على متخذي القرار في إسرائيل وتتعمق الخلافات الداخلية، التي لم تنجح بعد تسعة أشهر من حرب "طوفان الأقصى"، الحرب الأطول في تاريخ الحروب الإسرائيلية بعد عام 48، من وضع أفق قريب لإنهائها، وينعكس ذلك أيضاً على الجمهور الإسرائيلي، من خلال إظهار حالة التخبط وأحياناً التناقض في استطلاعات الرأي حول الحرب، إذ تدعم أحياناً النسبة الأعلى وقف الحرب وضمان عودة الأسرى، وأحياناً أخرى تتعالى الأصوات الداعية إلى تكثيف القتال والقضاء على "حماس"، حتى أن نسبة غير قليلة دعت إلى البقاء في غزة والسيطرة العسكرية على القطاع. وعكست بعض استطلاعات الرأي غالبية داعمة لنتنياهو وشعبيته، وفي استطلاعات أخرى، وبفارق بسيط من الوقت، يتراجع نتنياهو بنسبة كبيرة أمام منافسه المركزي بيني غانتس، وتنطبق النتائج أيضاً على شعبية غانتس أو أي مرشح ليس من اليمين الإسرائيلي.

هذا الوضع يعكس تراكم سنوات طويلة من أجواء سياسية خاصة هيمنت على تفكير وتصرفات الإسرائيليين وأدخلت إلى عقولهم ووجدانهم مشاعر الخوف من الخطر الذي يهدد وجودهم، "إنها معركة في مواجهة خطط إبادتنا"، "إننا محاطون بأعداء تدعمهم إيران وفي مركز أهدافهم القضاء على إسرائيل واليهود"، شعارات روجت لها القيادات الإسرائيلية على مدار سنوات طويلة مضت، خصوصاً عند تولي اليمين الإسرائيلي الحكم، تحديداً حزب الليكود.

غياب أصوات اليسار

ومنذ انطلاق حرب "طوفان الأقصى"، وفي غياب صوت حركات وأحزاب اليسار الإسرائيلي، التي كان يفترض أن تكون هذه الفترة الأكثر أهمية لنشاطها وإطلاق صوتها لوقف الحرب وتجنيد الجمهور.

إذا توجهت الى ناشط يساري أو حتى قيادي وسألته لم لم تنجح الجهود بإخراج تظاهرات بمئات الآلاف أو مليون إنسان، التي سبق وتحدث أكثر من ممثل عن عائلات الأسرى عن التخطيط لإقامتها أو حتى الإضراب، فيجيبك على الفور "أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) (2023) ليست اعتيادية، ومن الصعب على الإسرائيليين رفع صوتهم من أجل السلام مع الفلسطينيين ووقف الحرب، في ظل خوف من احتمال تكرارها"، ويضيف "إنها أحداث مروعة أبيدت عائلات بأكملها فيها".
ولم يترك نتنياهو ومعظم القيادة والسياسيين الإسرائيليين مناسبة إلا واستخدموا كلمة "إبادة" لتخويف شعبهم، وباتت تشكل محوراً مركزياً يمنع الإسرائيليين اليوم من رفع الصوت ضد الحرب، وعندما يصل الوضع إلى دعوة بعض عائلات الأسرى الأحياء في غزة إلى استمرار القتال، وعلى رغم أنهم أقلية، فذلك يعكس النفسية والوضعية التي يعيشها الإسرائيليون في هذه الأيام، على رغم استمرار سقوط مزيد من الجنود في أرض المعركة وارتفاع عدد المصابين وتراجع فرص عودة عدد كبير من الأسرى الـ120 المتبقين في غزة أحياء، إذ تشير التوقعات إلى أن عددهم لا يتجاوز 50 أسيراً حياً.

لقد نجحت القيادة الإسرائيلية التي تبنت نظرية الخوف والتخويف والترويج للتهديد بإبادة إسرائيل، في جعل المواطنين داعمين للجيش أكثر من أية مؤسسة إسرائيلية أخرى، ويقولون بكل صراحة إن الجيش وحده القادر على إنقاذ حياتهم، وعكست استطلاعات الرأي أنه كلما ارتفع تهديد الإسرائيليين ازدادت قوة اليمين، حتى جاء السابع من أكتوبر ليصل الإسرائيليون إلى قمة الخوف وأيضاً التخويف ليؤكد، كما قال البعض بشكل واضح، أن "اليهود وإسرائيل في خطر".


ما بين السادات ومقتل رابين

في مراجعة للأجواء التي سادت إسرائيل لدى زيارة الرئيس المصري الأسبق أنور السادات يوم الـ19 من نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1977 ظهر، كما قال سياسيون ويساريون إسرائيليون في حينه، انقلاب في الشارع اليهودي نحو السلام وثم "اتفاقات أوسلو" في الـ13 من سبتمبر (أيلول) 1993، وهي أول اتفاق رسمي مباشر بين إسرائيل ممثلة بوزير خارجيتها آنذاك شمعون بيرس، ومنظمة التحرير الفلسطينية ممثلة بأمين سر لجنتها التنفيذية ياسر عرفات، ثم مصافحة عرفات ورئيس الحكومة الإسرائيلية إسحق رابين. لكن تنفيذ مذبحة الحرم الإبراهيمي في الخليل في الـ25 من فبراير (شباط) 1994 قلب الموازين، إذ رفع الرد عليها بعمليات فلسطينية في مختلف المدن الإسرائيلية قوة اليمين ليتغلغل في المجتمع الإسرائيلي بشكل كبير وسريع حتى نفذت عملية قتل رابين في مهرجان مؤيد للسلام في تل أبيب يوم الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1995، ليسجل كيوم مفصلي تبعته أجواء أسهمت في مضاعفة العقلية الحربية وتصدر اليمين الحلبة السياسية، ومن ثم التأييد الجارف لنتنياهو ومعسكره اليميني، الذين نجحوا في تغلغل سياسة التخويف بين المجتمع الإسرائيلي مما أدى إلى ضعف معسكر السلام.

الحراك المناهض للحرب

شهدت إسرائيل هذا الأسبوع حدثان مميزان، أعادا احتمال تفوق صوت السلام على الحرب: الأول وهو تحالف حزبي "ميرتس" اليساري و"العمل" تحت اسم حزب "الديمقراطيون"، الذي سيخوض الانتخابات المقبلة والتوقعات بأن تحالفه مع أحزاب أخرى قد ينجح في التغلب على قوى اليمين ودعم السلام، أما الثاني فجرى بعد يوم إذ عقد مهرجان ضخم في تل أبيب بمشاركة واسعة وغير مسبوقة من أحزاب وأعضاء كنيست عرب ويهود وحركات وجمعيات ورجال دين وعائلات ثكلى، تحت عنوان "حان الوقت"، ودعا المهرجان إلى إنهاء الحرب في غزة والاحتلال وعودة الأسرى والسعي من أجل التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين.

وقال البروفسور يوفال نوح هراري أمام الجمهور إن "كل جانب يعتقد أن المنطقة له ولا حق للآخر في الوجود هنا، ونحن نقول الحرب ليست قانوناً للطبيعة، إنها خيار بشري، يمكن الاختيار بشكل مختلف والبدء بصنع السلام، كل الحروب قادتنا إلى الهاوية، لقد حان الوقت لإعطاء السلام فرصة أخرى".

عضو الكنيست رئيس تحالف قائمتي "الجبهة الديمقراطية للسلام" و"السلام والحركة العربية للتغيير" أيمن عودة دعا إلى إنزال مليون إسرائيلي ومليون فلسطيني إلى الشوارع للمطالبة بالسلام وإنهاء الحرب والاحتلال، كما حذر من أنه "في أية لحظة يمكن أن تندلع الحرب في الشمال ويجب أن نختار الحياة بدلاً من الموت"، ودعا إلى "إنهاء الحرب في غزة والتوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الأسرى فوراً".

في أعقاب الحدثين طرح السؤال عما إذا ستتسع هذه المبادرة، وبالتالي تشكيل حركة حقيقية مناهضة للحرب في إسرائيل؟

سهيل دياب، دكتور في العلوم السياسية وناشط سياسي من قيادة حركة "نقف معاً - عومديم بياحد"، يرى أن "الجواب على هذا السؤال يتطلب بداية معرفة السمات المميزة لدولة إسرائيل قبل قيامها وحتى اليوم، وكيف تؤثر هذه السمات في إمكان حراك مناهض للحرب". ويضيف "عموماً في كل دول العالم تنشئ الدولة مؤسساتها وأجهزتها ما عدا في إسرائيل، فإن مؤسسات الصهيونية قامت قبل الدولة، على سبيل المثال النقابة العامة للعمال (الهستدروت) أقيمت في عشرينيات القرن الماضي، ونظمت العمال اليهود في أرض فلسطين، والجيش الإسرائيلي تشكل من المنظمات العسكرية اليهودية قبل قيام الدولة بسنوات، والكيبوتسات تشكلت كتنظيم تعاوني، أما المستوطنون اليهود فاعتمدوا على ثلاث ركائز:

- خلق عدو خارجي، والعدو هنا هم العرب.

- استعمال التراث الديني في توحيد الجاليات اليهودية القادمة من جميع أنحاء العالم.

- ضمان إبقاء ذاكرة ضحايا المحرقة كهاجس حاضر دائماً يحدد سلوكيات الجمهور الشعبية والسياسية والاجتماعية والنفسية.

هذه العوامل التاريخية والنفسية ترسخت في الوعي الجماعي للمجتمع اليهودي في إسرائيل، وجعلت بعض القضايا بمثابة بقرة مقدسة ممنوع لمسها مثل مؤسسة الجيش والمحكمة العليا والأمن الجمعي لكيان الدولة أمام الأعداء".

وبرأي دياب فإن "النضال من أجل السلام وضد الحروب سيمس البقرات المقدسة هذه، ومن يسير باتجاه حركات السلام ووقف الحروب أو إنهاء الاحتلال، يعتبره الجمهور بأنه ليس أقل من خائن. ففي عام 1981 قتل متطرف المكافح من أجل السلام إميل غرينتسفايك، وفي عام 1995 اغتيل رئيس الحكومة رابين لأنه وقع اتفاقات أوسلو، وعلى رغم ذلك فقد قامت حركة سلام الآن في عام 1978 وحراك أمهات من أجل الانسحاب من لبنان في أواسط الثمانينيات وغيرها من حركات السلام".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


حرب "طوفان الأقصى" غيرت المعطيات

وبحسب دياب فإن حرب "طوفان الأقصى" أسهمت في تغيير المعطيات لأسباب عدة، من بينها:

- للمرة الأولى في حروبها تخوض إسرائيل حرباً طويلة من دون حسم مع تآكل الردع.

- للمرة الأولى جزء من الحرب جرى في الأراضي الإسرائيلية، وهناك ضحايا بشرية واقتصادية ونفسية غير مسبوقة.

- للمرة الأولى يكون هذا العدد الكبير من الأسرى الإسرائيليين بأيدي "حماس" في غزة.

- للمرة الأولى تعرف إسرائيل معنى الجبهات المساندة في الشمال مع "حزب الله"، ومع الحوثيين والعراقيين في البحر الأحمر.

ويؤكد المتحدث ذاته أن "هذه التغيرات إضافة إلى تغير بنية المجتمع الإسرائيلي تجعل المجتمع يتحرر رويداً رويداً من القيود المكبلة للبقرات المقدسة التي ذكرتها سابقاً، لذلك تزامناً مع طوفان الأقصى، هناك طوفان داخلي إسرائيلي نفسي واجتماعي يعصف في المجتمع، وأهم استنتاجات هذا المخاض أنه ما كان قبل السابع من أكتوبر لن يبقى بعده"، ويضيف "من يتابع حركات الاحتجاج التي بدأت سنة قبل هذه الحرب على الانقلاب القضائي، وتواصلت بعد السابع من أكتوبر للدفع نحو عقد صفقة لتبادل الأسرى بداية، وتوسعت لتصل إلى وقف الحرب وإقالة حكومة نتنياهو، يلاحظ تحولاً جذرياً في الوعي الجمعي للمجتمع الإسرائيلي باتجاه شعار "وحده السلام من يجلب الأمن"، وهذا التغيير ليس آنياً وعاطفياً، وإنما هو عميق وبنيوي، ويؤسس لمسار القادم، والقادم سنشهده بعد سكوت أصوات المدافع لهذه الحرب الدموية".
 

اليسار ضعف في العالم

عضو الكنيست السابق عن حزب "ميرتس" اليساري موسي راز يرى أن اندثار حركات السلام في إسرائيل، هو انعكاس لما شهدته دول العالم، ويضيف أن "صوت اليسار في العالم ضعف، ليس فقط في إسرائيل، بل أيضاً بين الفلسطينيين، وتنامى المتطرفون لدى الطرفين، كل طرف مرتبط بالآخر"، ويتابع أن "أحزاب اليسار ضعيفة جداً في إسرائيل وفي أوروبا والعالم، والمشكلة لدينا أن حكومة اليمين لا تريد السلام والتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين، ولذلك بتنا في وضع يستمر فيه القتل بين الطرفين وإذا ما توصلنا إلى حل في غزة والشمال فسنبقى في مشكلة كبيرة تبقي الطريق الموصلة إلى السلام طويلة جداً".

وأعرب موسي راز عن عدم تفاؤله من الفترة المقبلة وإمكان التوصل إلى صفقة أسرى تكون بداية لنهاية الحرب، وقال "إذا ما استمرينا على وضعنا الحالي فإن الوضع سيتدهور بشكل خطر ولا أدري إذا كانت الكرة بيد إسرائيل أم ’حماس‘، الوضع في غاية الصعوبة وتغييره أصعب، ومن غير المتوقع نجاح الاحتجاجات والمحاولات للوصول إلى انتخابات قريبة".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير