ملخص
استضافت القاهرة في يوليو 2023 مؤتمراً لقادة دول جوار السودان السبع لبحث سبل إنهاء الحرب والتداعيات السلبية للصراع على دول المنطقة، والبحث عن تسوية سلمية للأزمة بالتنسيق مع المسارات الدولية والإقليمية الأخرى.
ضمن الجهود الإقليمية والدولية لإيجاد حل لإيقاف الحرب تستضيف العاصمة المصرية القاهرة غداً وبعد غد، السادس والسابع من يوليو (تموز) الجاري مؤتمراً يجمع القوى السياسية المدنية السودانية، بحضور الشركاء الإقليميين والدوليين المعنيين، للتوصل إلى ترتيبات إنهاء المعارك ومعالجة الوضع الإنساني وبناء سلام شامل ودائم في البلد الأفريقي.
وأعلنت الخارجية المصرية على صفحتها في موقع "فيسبوك" أن المؤتمر يهدف إلى التوصل إلى بناء توافق بين القوى السياسية والمدنية السودانية عبر حوار وطني (سوداني - سوداني)، يتأسس على رؤية وطنية خالصة، بحضور الشركاء الإقليميين والدوليين المعنيين.
تجاوز التشظي
يرى مراقبون أن الحرب تفرض على القوى السياسية والمدنية ضرورة تجاوز حالة التشظي والانقسامات، والتوافق والتعاطي مع الجهود الباحثة عن كيفية وقفها، ومعالجة الأزمة الإنسانية بما يهيئ المناخ لحض الطرفين المتقاتلين والضغط عليهما بالذهاب نحو المسار السلمي التفاوضي.
ويؤكد المحللون أن الخطوة المصرية تجيء وصلاً لمساعيها وجهودها في مساعدة السودان على تجاوز أزمته الراهنة ومعالجة تداعياتها المتفاقمة على الشعب السوداني، وعلى أمن واستقرار المنطقة ودول الجوار بصفة خاصة.
وكانت القاهرة استضافت في يوليو 2023 مؤتمراً لقادة دول جوار السودان السبع، لبحث سبل إنهاء الحرب والتداعيات السلبية للصراع على دول المنطقة، والبحث عن تسوية سلمية للأزمة بالتنسيق مع المسارات الدولية والإقليمية الأخرى.
ترحيب وتفاؤل
ووجهت الخارجية المصرية الدعوة إلى قوى سياسية ومدنية وشخصيات سودانية وطنية بغرض المشاركة في المؤتمر للتباحث حول معالجة الأزمة السودانية، والبحث عن مسار سياسي سلمي من شأنه التمهيد لبداية عملية سياسية يؤمل في أن تقود إلى سلام مستدام.
وأكدت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، في بيان، ترحيبها بدعوة القاهرة إلى عقد المؤتمر في إطار سعيها الدؤوب للمساهمة في تعزيز مجهودات إحلال السلام في السودان.
وأعرب الأمين العام لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، مساعد رئيس حزب الأمة القومي، صديق الصادق المهدي، عن تفاؤله بنجاح مؤتمر القوى السياسية بالقاهرة الذي يهدف في المقام الأول إلى جمع وتوحيد موقف القوى المدنية ومعالجة المسألة الإنسانية، ومخاطبة المجتمع الدولي في هذا الخصوص.
نواة العملية السياسية
توقع أمين (تقدم)، في تصريحات صحافية محدودة بالقاهرة، أن تمثل مخرجات المؤتمر نواة للمرحلة التمهيدية لما قبل التحضير للعملية السياسية نفسها، معتبراً أن توحد القوى السياسية خطوة في الاتجاه الصحيح، ويعد مكسباً في إطار وحدة الموقف المدني للضغط على طرفي الحرب، وسيكون له أثره المباشر في بدء خطوات وقف الحرب، لأن الاتفاق على مشروع مدني سياسي تنبع رؤيته من السودانيين أنفسهم هو أقوى ما يفقد منطق الحرب قيمته ويبطله تماماً، باعتبارها مضرة لكل الأطراف.
ثمن المهدي الدور المصري وتفاعله المتصل مع الأزمة السودانية، مؤكداً قدرة القاهرة على لعب دور إيجابي ومؤثر وقدرتها على ممارسة الضغط على الطرف المتعنت للذهاب إلى مفاوضات وقف الحرب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ودعا الأمين العام لـ"تقدم" إلى ضرورة التنسيق بين مؤتمر القاهرة ونظيره الذي دعا إليه الاتحاد الأفريقي بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا في الفترة من الـ10 إلى الـ15 من يوليو الجاري أيضاً، لافتاً إلى أهمية توحيد المنابر الدولية والإقليمية الهادفة إلى إيقاف الحرب.
وأوضح أن كل الجهود تنصب حالياً على مساعي إيقاف الحرب والمسألة الإنسانية، مشيراً إلى أن التنسيقية شكلت لجنة برئاسة عضو المكتب القيادي الهادي إدريس لمتابعة ملف القضايا والمشكلات الإنسانية بما فيها قضية اللاجئين بدول الجوار وغيرها.
مشاركة كبيرة
بحسب مصادر سياسية مقربة، فإن الدعوة إلى المؤتمر تمت على أساس الأحزاب السياسية والحركات المسلحة وليس التكتلات أو التحالفات، كما لم تشمل حزب المؤتمر الوطني المحلول.
ومن أبرز القوى السياسية والمدنية المتوقع مشاركتها في المؤتمر نحو (18) من أحزاب والكيانات المكونة لتنسيقية (تقدم)، على رأسهم رئيس هيئة القيادة عبدالله حمدوك، إلى جانب فضل الله برمة ناصر رئيس حزب الأمة، ورؤساء أحزاب المؤتمر السوداني والبعث القومي وقائد حركة تحرير السودان - المجلس الانتقالي الهادي إدريس وزعيم تجمع قوى تحرير السودان الطاهر حجر، علاوة على القيادية في الحركة الشعبية - التيار الثوري الديمقراطي بثينة دينار، إلى جانب ممثلي المهنيين والنقابات والمجتمع المدني ولجان المقاومة.
وأشارت المصادر إلى أن دعوات قدمت أيضاً إلى كل من الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، ومالك عقار رئيس الحركة الشعبية الجبهة الثورية حركة تحرير السودان (مني أركو مناوي)، وجبريل إبراهيم قائد حركة "العدل والمساواة"، ومبارك الفاضل رئيس حزب الأمة، ومحمد الأمين ترك رئيس المجلس الأعلى للبجا والعموديات المستقلة، إلى جانب التحالف الديمقراطي من أجل العدالة الاجتماعية، والجبهة الشعبية للتحرير والعدالة برئاسة الأمين داؤود، والتيجاني سيسي رئيس قوى الحراك الوطني، ومؤتمر البجا المعارض، فضلاً عن عدد من الشخصيات الوطنية.
الحل الشامل
وكان وزير الخارجية المصري السابق سامح شكري شدد على أن أي حل سياسي حقيقي في السودان لا بد وأن يستند إلى رؤية سودانية خالصة تنبع من أبناء البلد أنفسهم من دون إملاءات أو ضغوط من أية أطراف خارجية، وبالتشاور مع أطروحات المؤسسات الدولية والإقليمية الفاعلة.
وسبق أن أعربت الخارجية السودانية في معرض ترحيبها باستضافة مصر المؤتمر عن رفض الخرطوم تمثيل أي منظمة إقليمية أو دولية سكتت عن إدانة قوات "الدعم السريع"، مثمنة تشديد القاهرة على احترام سيادة ووحدة وسلامة أراضي السودان وعدم التدخل في شؤونه الداخلية والحفاظ على الدولة ومؤسساتها.
وأعلنت في بيان سابق لها في هذا الخصوص رفضها صراحة مشاركة أي من منظمتي الاتحاد الأفريقي و(إيغاد)، ما لم يسبق ذلك تنفيذ خطوات فعلية لرفع تجميد نشاط السودان بالمنظمة القارية، مع التشديد بحصر دور المنظمات الدولية المشاركة في المؤتمر بدور المراقب.
فرصة وتحديات
في السياق اعتبر المتخصص في مجال العلوم السياسية الزمزمي بشير المؤتمر فرصة للقوى السياسية السودانية عموماً وتنسيقية (تقدم) على وجه الخصوص، لتقريب الأفكار وتجاوز الخلافات أمام تحديات ضخمة غير مسبوقة يواجهها السودان تهدد سلامته وأمنه ووحدته.
وأشار بشير إلى أن مصر دولة تمتلك الإرادة ولها الخبرة في ملف السودان ومؤهلة بأجهزتها ودبلوماسيتها لتوفير المناخ الملائم لنجاح المؤتمر، وحض القوى السياسية المختلفة على تجاوز خلافاتها.
لم يستبعد الأكاديمي حدوث توافق بين القوى المدنية السودانية التي سيجمعها المؤتمر، بخاصة أن الخلافات بينها في الأصل غير استراتيجية، بل كانت مجرد مزايدات سياسية، كذلك فإن علاقات تلك القوى طوال العهود السابقة ظلت تتسم بالبراغماتية في مواقفها، لكن الصراع المتجذر بينها على السلطة وليس البرامج ظل هو المحك التاريخي في خلافاتها.
هل تكفي الوحدة؟
يلفت المتخصص في مجال العلوم السياسية الزمزمي بشير إلى أن نجاح المؤتمر قد يفضي إلى جبهة مدنية واسعة تسهم في لملمة أطراف الحرب والتعجيل بالحل السلمي للأزمة السودانية، لكن ذلك قد لا يكفي وحده لوقف المعارك في هذه المرحلة، بخاصة بعد أن أصبحت أكثر تعقيداً بانغماس أطراف إقليمية ودولية فيها، فضلاً عن تعمق العداء والجراح بين أطراف الحرب نفسها، في ظل ظروف تعمها الفوضى وتتفاقم فيها الانتهاكات والنهب والتنكيل بالمدنيين من جانب "الدعم السريع".
على نحو متصل، شكك الباحث السياسي محمود أبو عاقلة في إمكانية وصول القوى السياسية التي سيضمها المؤتمر إلى توافق في شأن وقف الحرب، نتيجة فجوة الثقة الكبيرة والتاريخ الطويل من الانقسامات والتشظي في ما بينها، والتباعد الشاسع في مواقفها ما بين داعم للجيش ومن ثم مؤيد للحسم العسكري واستمرار الحرب ومطالب بوقفها فوراً، مما سيصعب من عملية التوافق المنشود.
لفت أبو عاقلة إلى أن حل الأزمة السودانية يكمن في حوار سوداني خالص، تكون غايته الوحيدة هي تحقيق المصالحة الوطنية والوصول إلى عقد مؤتمر دستوري شامل يتم الإعداد والترتيب له بصورة شفافة ومحايدة، ويشارك فيه الجميع وفق معايير متفق عليها بغرض وقف الحرب وإنقاذ البلاد وشعبها المشتت من تفاقم ويلاتها ومآسيها كأولوية للقوى السياسية في هذا الوقت الحرج من عمر البلاد، لأن استمرارها لفترة قادمة أطول يهدد بتفكيك الدولة السودانية بكل ما له من تبعات على الأمن والسلم الإقليميين والدوليين.
هجوم وتحذير
من جانب آخر، هاجم مصطفى تمبور رئيس حركة تحرير السودان مؤتمر القاهرة، ووصفه بأنه سيكون مجرد لقاء للعلاقات العامة بين الحاضنة السياسية لـ"الدعم السريع" في إشارة إلى تنسيقية (تقدم) وما وصفهم بـ"حفنة من الداعمين للقوات المسلحة ولن يأتي المؤتمر بجديد".
حذر تمبور، وهو من غير المشاركين، في تغريدة على حسابه بمنصة "إكس" من أن الشعب السوداني لن يسمح بما سماه "الاستهبال السياسي" الذي يعيد الميليشيات إلى الساحة مجدداً، مشدداً على أن الخيار الوحيد هو تطهير البلاد من عبث التمرد.
مساع من دون حلول
ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات "الدعم السريع" منتصف أبريل (نيسان) 2023، أخفقت كل المساعي والمبادرات والوساطات المحلية والإقليمية والدولية في وقف الحرب، أبرزها منبر جدة التفاوضي بتسهيل ووساطة سعودية - أميركية مشتركة، ومبادرة منظمة "إيغاد" والاتحاد الأفريقي واللجنة الرباعية التي ضمت كلاً من كينيا وجنوب السودان وإثيوبيا وجيبوتي، ثم مؤتمر قادة دول جوار السودان الذي استضافته العاصمة المصرية القاهرة في الـ13 من يوليو 2023، إلى جانب مساع ومبادرات أخرى من الجامعة العربية وتنسيقية (تقدم) ثم مفاوضات البحرين السرية، وصولاً إلى لقاءات سرية بالمنامة ووساطات ليبية وتركية لمفاوضات غير مباشرة بين الجانبين.
وعلى رغم نجاح منبر جدة، الأكثر فاعلية ضمن المبادرات في جمع الطرفين أكثر من مرة على مائدة التفاوض والتوصل في الـ11 من مايو (أيار) 2023، إلى اتفاق مبدئي في شأن القضايا الإنسانية وتخفيف المظاهر العسكرية، فإن المفاوضات علقت مرتين إثر انسحاب وفد الجيش، وما زالت معلقة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023 حتى اليوم.
وبدأت المعارك بين الجانبين داخل العاصمة الخرطوم، لكنها سرعان ما تمددت إلى دارفور وكردفان غرب السودان وولايتي الجزيرة وسنار وسط البلاد، مخلفة ما يزيد على 14 ألف قتيل وأكثر من 10 ملايين نازح ولاجئ، ودماراً كبيراً في البنية التحتية للبلاد، وبات أكثر من نصف سكان البلاد على حافة المجاعة، وفقاً للأمم المتحدة.