Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عندما يكون الكاتب شخصية في نصوصه السردية

السينما تدخل قصص حسين عبدالرحيم الواقعية والمتخيلة

لوحة للرسام المصري محمد عبلة (صفحة الرسام - فيسبوك)

ملخص

يرتكز حسين عبدالرحيم في عدد لا بأس به من قصص مجموعته القصصية "يجري في ملابسه كالضليل" على تقنية الحلم، وهو حاضر بذاته في معظم هذه القصص سواء باسمه صراحة أو بأسماء أخرى وهو ما اعتدناه منه في غالبية أعماله الإبداعية التي يمزج فيها الخاص بالعام.

تحضر في قصص حسين عبدالرحيم  التي ضمتها مجموعة "يجري في ملابسه كالضليل" (بيت الحكمة)، شخصيات بعينها في أكثر من قصة في هذه المجموعة، خصوصاً في تلك القصص التي تعكس ولع السارد بعالم السينما ورموزه، مثل المخرجين المصريين يوسف شاهين وحسام الدين مصطفى والسيناريست رفيق الصبان، وهؤلاء عرفهم الكاتب عن قرب من خلال عمله، سواء في مجالي السينما والمسرح، أو في مجال الصحافة الفنية والثقافية، فضلاً عن حضور أثير للأب والأم والإخوة والشخوص التي استقرت في وعي سارد معظم القصص، منذ أن كان طفلاً؛ نشأ في غير المدينة التي ولد فيها، وهي مدينة بورسعيد، التي لطالما حضرت في مجموعات عبدالرحيم القصصية ورواياته السابقة، مرتبطة بتجارب شخصية أكثر من اتصالها بأي مصدر آخر، ومن حيث المكان تحضر أيضاً الإسكندرية والمنصورة (المدينة التي نشأ فيها السارد / الكاتب)، وكذلك القاهرة التي استقرَّ فيها منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي، بأحيائها الأرستقراطية مثل الزمالك ومصر الجديدة، وأحيائها التي بات يغلب عليها الطابع الشعبي، مثل العباسية، فضلاً عن وسط القاهرة.

وهناك كذلك حضور لبيروت في ذروة الحرب الأهلية في إحدى القصص، وحضور لمدينة ريميني (إيطاليا) في قصة أخرى في أجواء تستعيد نهايات الحرب العالمية الثانية، لكن الأماكن عموماً في هذه المجموعة القصصية، تتأرجح الأحداث المرتبطة بها ما بين الواقعي والمتخيل، وينطبق الأمر نفسه على شخصياتها، بمن فيها الشخصيات المعروفة التي ترد أحياناً بأسمائها الحقيقية، أو بأسماء ترمز إليها، مثل اسم "صاصا" الذي يحيل في إحدى القصص إلى المخرج حسام الدين مصطفى.

حضور الكاتب     

تتوزَّع قصص المجموعة على ثلاثة أقسام: "النار التي أشعلت الحواس"، ويضم ثماني قصص، و"سِفْر الأحلام والتوهمات" ويضم 15 قصة، و"الركض فوق الجسور" ويضم 16 قصة. وعلى رغم هذا التقسيم فإن قصص المجموعة إجمالاً تبدو كأنها قوام متتالية قصصية، فهي منفصلة متصلة عبر أجواء عامة وعبر حضور الكاتب / السارد، وتكرار حضور كثير من شخصياتها، من قصة إلى أخرى. وكذلك من خلال تداخل الأمكنة التي تقع فيها أحداثها، وسطوع حال تشظي السرد وغرائبيته النابعة من حال شعرية في كثير من المواضع، واكتساء الواقع المأزوم دائماً رداء حلمياً، واتساقاً مع ذلك اختار حسين عبدالرحيم استهلالاً يشبه ما يسمى بالقصة الومْضة، ويقترب في الوقت ذاته من قصيدة النثر: "الرجل الذي خاصم أهل الأرض، بمداومة النظر إليهم صامتاً، حدَّثني قبل الفجر عن صعوده إلى السماء كل مساء من فوق سطح المنزل المتهدم، فأحيا ظلال رؤيتي لأشباح الماضي". وذاتية السرد هنا واضحة تماماً، وستظل هي التقنية السائدة في كثير من قصص المجموعة، وهو أمر طبيعي في ظل النزوع الشعري الغالب على هذا العمل السردي، وغالب هنا أيضاً تفضيلُ العامية على الفصحى في الحوار، وأحياناً في المقاطع ذات الطابع المونولوغي. ومن القصص التي يحضر فيها الكاتب باسمه صراحة، قصة بعنوان "شفيع"، وفيها حديث عن عمل وظيفي يمارسه بلا شغف: "رنَّة الموبايل نبهتني إلى فحوى المكالمة. – حسين أنت فين؟ تعالى ضروري، الأستاذ شفيع تعب فجأة، لازم تيجي المستشفى، إنت نوبتجي الليلة. جريت فوق الكوبري ألوم نفسي، كان ينبغي أن تعرِّف الأستاذ حسام أنك معاون إداري ترافق الموتى" ص 39.

ترحال دائم                                         

القصة الأولى عنوانها "واحد بورسعيد"، وهو عبارة عن جملة عامية تتردد على ألسنة سائقي سيارات الأجرة، وهم ينادون على المسافرين إلى تلك المدينة الساحلية ويتبدل اسم المدينة في هذا النداء عندما يتعلق الأمر بمخاطبة الراغبين في السفر بالسيارة الأجرة إلى مدن أخرى مثل الإسكندرية أو المنصورة، أو القاهرة.... وتبدأ القصة بالسارد يتحدث إلى نفسه: "واضح إن العمر اتسرق"، وهي جملة ذات تركيب عامي. ثم نجده يمزج ضميري المتكلم والمخاطَب في الفقرة التي تلي تلك الجملة مباشرة: "قلتُ لنفسي، رغم الرجوع إلى البلد، لم ينته الترحال، تُرى هل لا يزال أبوك معلقاً بين الأرض والسماء؟ هل ذاكرت الطريق؟ هل استوعبت تفاصيله؟". وعلى رغم العنوان فإن مفردة بورسعيد لا ترد صراحة في متن هذه القصة، ولكن تحيل إليها مفردة "البلد" التي عرف الساردُ الطريق إليها للمرة الأولى في عمره، بعدما شب عن الطوق. فبسبب حرب عام 1967، اضطرت أسرته وكان عمره لا يتعدى بضعة أيام إلى مغادرتها، لنحو عشرة أعوام. ثم بعد الرجوع إليها لم يتوقف الترحال نحو حدائق الفاكهة، لجلب ما يبيعه منها الأب بمساعدة أبنائه الذكور، ومنهم السارد، ومع كل ترحال جديد يتأجَّج الحنين إلى مسقط الرأس. لا تتضمن القصة المشار إليها كثيراً من تلك التفاصيل، لكن ذكرها يرد في قصص القسم الأول، وبعض قصص القسمين التاليين، مما يعزز اعتبار هذه المجموعة متتالية لا تخلو من سمات فن الرواية. سارد القصة التالية وعنوانها "ليالٍ عشْر"، هو الصبي نفسه في القصة الأولى، ولكن بعدما اقترب عمره من الستين سنة "يشعر أنه سبق أن رأى تلك الوجوه التي يقابل أصحابها في أسفاره من مدينة إلى أخرى" ص 19.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهكذا لا يوقف مرور الأعوام ترحال هذا السارد الدونكيشوتي، سواء في الواقع، أو في الخيال، وحتى بعدما انتهت علاقته بتجارة أبيه، وجذبته نداهة الفن والأدب، بعيداً من مسقط رأسه، فظلَّ الحنين القديم على حاله، من دون أمل في الرجوع على نحو نهائي إلى بلد تنتمي إليه جذوره، لكنه غير قادر، أو ربما غير راغب، في أن يكون مقر إقامته.

واقع مأزوم

وربما يفسر هذا عنوان المجموعة "يجري في ملابسه كالضليل"، وهو جملة يصف بها السارد حاله في إحدى القصص، ولكن بضمير الغائب، وكأنما يتحدث عن شخص غيره، وهو أمر يؤكد تشظيه على الصعيد الشخصي، بما أن أحلامه وأمانيه دائماً ما يجهضها واقع مأزوم على صُعد عدة. في قصص أخرى، يبرز أشخاص آخرون، غير ذلك الشخص المهيمن بسرده الذاتي على غالبية القصص، فبطل في أولى قصص القسم الثاني وعنوانها "الروح"،  يدعى "فريد" وهو مولع بموسيقى فاغنر، وبروايات ميلان كونديرا وبول أوستر. يسترجع "فريد"، وهو بين النوم واليقظة، تفاصيل علاقة عاطفية ربطته بامرأة متزوجة تدعى "ماريا"، مما أدى إلى توتر الأجواء في بيته بعدما علمت زوجته بالأمر. 

في قصة عنوانها "محطة"، في القسم الأخير من الأقسام المجموعة، يبدأ السرد بضمير الغائب، وتبدو بداية الفقرة الأولى وكأنها تستكمل حكاية ما: "وكانت هي المرة الثانية التي ضمَّته إلى صدرها منذ أن جاءت به إلى الدنيا". المروي عنها هنا هي أم على وشك الموت، يزورها، في المستشفى، ابنها الذي يقترب من بلوغ الستين من عمره: "دارتْ عيناه فوق سريرها متأملاً الجسد الذي غلبه الوهن". ثم فجأة يحضر ضمير المتكلم: "تجرأتُ واقتربتُ راغباً في لمسها، مددتُ يدي، فقبضت على كفي وسحبتْني بعنفوان لتقبلني. قاومت رغبتي في البكاء، كما قاومتها وأنا طفل عندما أفقتُ من أثر ركلة سدَّدها أبي إلى رأسي، فأفقدتني الوعي".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة