Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحياة بوصفها عبئا ثقيلا في مجموعة "شيء ما أصابه الخلل"

الكاتب المصري محمد فرج يضع راوي القصص في أجواء كابوسية

لوحة للرسام سروان بران (صفحة الرسام - فيسبوك)

ملخص

تتسم  مجموعة محمد فرج القصصية الجديدة "شيء ما أصابه الخلل"، بدمجها بين الواقعية والكابوسية، وبخلوها من الزخارف، وبالنظر إلى الحياة وكأنها عبء ثقيل، يعيشها المرء في انتظار دائم للخلاص منه.

يقول السارد في إحدى قصص مجموعة "شيء ما أصابه الخلل" (دار المرايا)  للكاتب المصري محمد فرج: "أعرف في شكل ضبابي أن الأمر سينتهي، ففي ظل ما أعيشه ستكون الأمور أكثر خفة لو مات الواحد بذاكرة عمرها يوم واحد فقط". إن رؤية السارد هنا وفي قصص أخرى، هي رؤية ضبابية، فهو ليس على يقين من شيء، باستثناء أنه، بعد فترة وجيزة، سيصبح عديم الفائدة، ومستحقاً للقتل على يد أحد هؤلاء المتربصين به. وهو ما يوحي بوجود علاقة عدائية بين الذات الساردة والآخرين.

ما سبق يؤكد أن السارد لا يجد حياته الطبيعية، وأنه، دائماً، في انتظار ما يتمناه. لهذا يظل، كنوع من المقاومة، متعامياً عن الوجود الفعلي أو ما يعيشه مرغماً: "أمر بائس حقاً أن تعاش الحياة في انتظار الحياة". وعلى رغم ما قد يبدو، ظاهرياً، من ترادف بين الحياتين، فإن الحياة المعيشة تعد نقيضاً للحياة المأمولة، هذا السارد الذي يظل في خوف دائم من الموت؛ لأن أسباب نهاية الحياة، كما يرى، بالغة الكثرة وشديدة التفاهة في أحوال كثيرة، كأن تضل قطعة صغيرة من الطعام طريقها أثناء البلع فتميته مخنوقاً، وهذا ما جعله عازفاً عن تناول الطعام. لكن تلك "الفوبيا" لم تقتصر على الطعام بل شملت أموراً كثيرة من قبيل: المصاعد أثناء دخولها أو الخروج منها، وسقف البيت الذي يسكنه خوفاً من سقوطه فجأة فوقه. كما كان ينتابه الخوف من ركوب السيارات والطائرات والقطارات، والمشي في الشوارع ليلاً، والكلاب التي كان يتخيل نهشها له، ورجال الشرطة. ولا يريحه من كل ذلك العناء سوى الموت، حين يقول "الآن صرت أكثر راحة وخفة، انزاح كل شيء بعيداً، أنا الآن ميت". على أن اللافت هو الخوف من القمر الذي نلاحظه في إحدى القصص، وفي هذا ضرب لأفق توقع القارئ الذي اعتاد النظر إلى القمر بوصفه رمزاً للوداعة والجمال. في قصة "تشابه"، عناوين كل القصص نكرة توحي بالغموض وعدم التحديد، يقول: "حجزت عدة ليال من كل شهر أمارس فيها مخاوفي من القمر، أعرف منذ أيام الدراسة أن طاقة كونية تتدفق في الليالي القمرية، فتؤثر على إيقاع الكوكب كله، ويبدو أن نصيبي من تلك الطاقة كان ارتفاع منسوب الخوف".

وفي قصة "نضج" يرى السارد زميلته بوجه "ماعز": "على مدى الأسابيع التالية حاولت طرد وجه زميلتي الماعز من ذاكرتي". لكنه يفشل في ذلك حيث ظل هذا الوجه، بعد مسخه، ثابتاً أمام عينيه. وتنتقل العدوى من وجه الزميلة إلى وجوه بقية زملاء العمل حتى بدا حديثهم، "خليطاً من أصوات، لا يمكن تمييزها كأصوات بشرية متداخلة، وإنما كثغاء"، ولا يجد السارد تفسيراً لذلك سوى أن "شيئاً ما أصابه الخلل". وإذا كان من الممكن، وإن ظل ذلك مستغرباً، رؤية هذه الوجوه والتعامل معها، فإن هناك وجوهاً مخيفة يراها السارد قبل نومه، "قبل أن أسقط في النوم بلحظة فتحت عيني رأيت مخلوقاً مخيفاً بوجه ممتلئ ببثور وفقاقيع صغيرة". ولا شك أن هذا كله يوحي بوجود رؤى كابوسية متنوعة ظلت تطارد السارد في أكثر من قصة، فهو يؤكد، مثلاً، أنه لم يحلم بأنثى مكتملة، فهناك، دائماً، خلل ما، أو شيء خارج عن الطبيعة أو مفاجآت كابوسية. فمرة "تفك المرأة أزرار قميصها لتكشف ثديين يغطيهما شعر كثيف". كما تظهر هذه الرؤى الكابوسية على مظاهر الطبيعة، فهذا الضباب شديد البياض والهشاشة الذي كان السارد يخترقه في صباه وهو ذاهب إلى المدرسة فيتبدد لوهلة ثم يظهر من جديد، يتحول، الآن، إلى "خليط من الغبار، والدخان، وشيء من الضباب، في كثافة يتراوح لونها من الأزرق إلى الرمادي، كأن روحاً ثقيلة تنازع من أجل الخروج أو السقوط".

أجواء كابوسية

وفي قصة " لعب"، يتحول الواقع إلى ما يشبه الكابوس، فقد فوجئ السارد بوجود ثلاثة مبتوري الأعضاء معه في غرفة في أحد المستشفيات. مواضع الأطراف المبتورة تغطيها ضمادات متسخة. والغريب، وهو ما يجعل هذا الواقع كابوسياً، أن يصبح السارد عرضة لضربهم وسخريتهم. نحن أمام أفعال غرائبية لا نعرف دوافعها أو الغاية منها. وما يزيد من حجم المفارقة أن من يقومون بهذا هم مجرد أطفال عابثين. وفي قصة "عمل" نجد شيئاً غريباً، وهو أن السارد ليس سوى "موزع رؤوس"، إذ تنحصر مهمته في استلام الرؤوس المقطوعة والإلقاء بها جوار أقسام ونقاط تفتيش الشرطة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في ظل هذه الأجواء "صارت حوادث القتل أمراً يومياً لا يلفت الانتباه". وكما كان "القمر" مثيراً للخوف، فإن الموسيقى تصبح مستدعية لذكريات يهرب منها السارد، فـ "كل نغمة تحيل إلى أخرى، وكل جملة تحيل إلى حدث". وهذا ما دفعه إلى أن يتوقف عن الاستماع إلى الموسيقى. غير أن المؤلم هو أن تنعكس تلك النظرة على رؤيته إلى المدينة بأسرها، وكأننا أمام تحويل للكوابيس إلى واقع، وما يصاحب ذلك من علاقات سطحية غامضة وإحساس بفوات العمر والخوف الدائم على نحو ما أشرنا سابقاً. وكل هذا يتناقض مع رغبة السارد في معرفة ما يجهله من أماكن وتجارب وعلاقات، "وأشياء كلها تقع في الخارج". لكن ما يسببه له الواقع الكابوسي من إحباط يجعله راغباً في الابتعاد. يقول في قصة "دوران": "فكرت، ماذا لو كنت نجماً، بعيداً، أحترق ببطء، لا ماضي، لا حاضر، لا مستقبل".

يبدو المكان في هذه المجموعة القصصية أقرب إلى متاهة مقبضة، لا يعرف السارد كنهها ولا كنه شخصياتها، يقول، مثلاً، "دخان كثيف في شقة كثيرة الغرف، جعلني أشعر كما لو أننا في كواليس مسرح. ثمة أماكن شديدة الإضاءة، وأخرى مظلمة". ما حقيقة هذا المكان؟ لا أحد يعرف كما يبدو جو المدينة غائماً على الدوام. وتبدو غرفة المستشفى سجناً حقيقياً يتعرض كل من يدخلها للعقاب. وأحياناً نفاجأ بخروج عواء بشري منطلق من مكان ليس ببعيد، وهو ما يؤكد غرائبية المكان التي لم يشذ عنها السارد في كل قصص المجموعة.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة