Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دقيق مصر المدعم في السوق السوداء والرغيف ينكمش

يتلاعب بعض المخابز في ميزان "الخبز" بهدف توفير شكائر من الدقيق وتشوينها في مخازن غير مرخصة بأماكن مهجورة... وهكذا يتحول إلى "سياحي"

بين حين وآخر تعلن وزارة الداخلية المصرية ضبط أطنان من الدقيق المدعم في السوق السوداء (رويترز)

ملخص

"بعض أصحاب المخابز يجمعون الدقيق البلدي ويلجأون إلى مطاحن لتحويله إلى سياحي بعد تنظيفه من الردة"... دقيق مصر المدعم في السوق السوداء والرغيف ينكمش

لم يجد يوسف عزمي، الرجل الستيني المتقاعد منذ ثلاث سنوات، خياراً سوى الرضوخ لأسعار الخبز المدعم الجديدة، بعدما ارتفع سعر الرغيف الواحد من خمسة قروش إلى 20 قرشاً في مصر، دون أن يلمس أي تحسن يذكر من حيث الجودة. وبموجب الدعم يحق له تسلم 15 رغيفاً يومياً بواقع خمسة أرغفة لكل فرد مستحق للدعم، إلا أنه يؤكد أن "هذه الكمية لا تكفينا في ظل عدم الالتزام بمعايير الجودة"، ملقياً باللوم على غياب الرقابة تجاه المخابز، للتأكد من وزن الخبز الذي تتسلمه الفئات المستحقة الدعم.

وللمرة الأولى منذ عقود تعلن الحكومة المصرية رفع سعر رغيف الخبز المدعم بنحو 300 في المئة، إذ حركت سعره من خمسة قروش إلى 20 قرشاً بداية من مطلع يونيو (حزيران) الماضي.

تهريب الدقيق

ما يستشعره عزمي من تلاعب يستهدف تقليص حجم رغيف الخبز من بعض أصحاب المخابز بغية تحقيق مكاسب عبر "تخزين الدقيق المدعم وبيعه بالسوق السوداء" لا ينكره مصدر بوزارة التموين، مؤكداً لـ"اندبندنت عربية" أن عمليات تهريب الدقيق المدعم "متزايدة"، وبعض المخابز يلجأ إلى حيل منها "التلاعب في الميزان ليصبح الرغيف أقل من الوزن المحدد له 90 غراماً بهدف توفير شكائر من الدقيق المدعم".

ويوضح المصدر الذي فضل عدم الكشف عن هويته "نكتشف أن بعض أصحاب المخابز يجمعون الدقيق المخصص للخبز البلدي ويلجأون إلى مطاحن لتحويل الدقيق البلدي (استخراج 87.5) إلى دقيق سياحي (استخراج 72)، إذ تنظف هذه الماكينات الدقيق البلدي من الردة وتحوله إلى دقيق سياحي يباع في السوق السوداء". ومثل هذه الممارسات يحظرها المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشؤون التموين، والقرار الوزاري رقم 712 لسنة 1987 في شأن القمح ومنتجاته.

الإجراءات المتبعة للتصدي لمثل هذه الحيل، وفق المصدر المسؤول، "توفرها الضبطية التي نتمتع بها"، إذ نسلم الدقيق الذي نضبطه إلى المطاحن على سبيل الأمانة حتى تصدر النيابة العامة قراراً في مثل هذه الوقائع، ونجعل المسؤول في هذه المستودعات التابعة للشركة القابضة للمطاحن "يوقع على إيصال تسلم، وهي عملية مستمرة ومتكررة".

وبصورة شبه يومية، وعلى رغم أن الأجهزة المعنية في مصر تعلن ضبط أطنان من الدقيق المدعم قبل بيعه في السوق السوداء بقصد التربح غير المشروع، فإن رئيس شعبة المخابز باتحاد الغرف التجارية عبدالله غراب يؤكد أنه "لا أساس لهذا من الصحة"، زاعماً توقف حملات الضبط "مع بدء تطبيق زيادة سعر الخبز من خمسة قروش إلى 20 قرشاً".

نفي تواجهه محاضر

وينفي رئيس الشعبة وجود عمليات تهريب دقيق، "العملية منضبطة تماماً، ولا أدافع بصفتي ممثل المخابز أو الدولة، أو المسؤول عن كل رغيف ينتج في مصر، لكن من المستحيل التلاعب في حجم رغيف الخبز في مصر، ولا توجد محاضر منذ مطلع يوليو (تموز) الجاري، وفي حال ضبط أحد بشيكارة دقيق واحدة يجري إغلاق الفرن لمدة معينة، وهي عقوبة رادعة"، وفق قوله.

وبحسب ما يؤكده مصدر في وزارة التموين لـ"اندبندنت عربية" فإن بعض المخابز "يتلاعب من أجل توفير شكائر من الدقيق المدعم وبيعه لتجار متخصصين في تجميع الدقيق"، موضحاً "معظم تحركاتهم يكون في ساعات متأخرة ليلاً، ويتخذون أماكن مهجورة بعيدة من الأعين، وينشئون فيها مخازن غير مرخصة لتجميع الدقيق المدعم"، مؤكداً أنهم "كثيراً ما يحررون محاضر موازين للمخابز. منذ أيام حررت 15 محضراً جميعها تلاعب في وزن رغيف الخبز لتوفير دقيق لبيعه في السوق السوداء".

ما يقوله مسؤول شعبة المخابز يتنافى أيضاً مع البيانات الصادرة عن الجهات الرسمية التي تكشف عن انتهاكات ما زالت تجرى في عديد من المخابز بمحافظات مختلفة.

 

ورصدت "اندبندنت عربية" خلال يومين فقط ضبط كميات من الدقيق المدعم منها ما أعلنته وزارة الداخلية من ضبط 12 طناً من الدقيق الأبيض البلدي المدعم. وفي الجيزة (جنوب القاهرة) ضبطت الأجهزة المعنية 25 طناً داخل سيارتي نقل، إضافة إلى أكثر من تسعة أطنان من الدقيق البلدي المعبأ في الشرقية (شمال القاهرة) لبيعها في السوق السوداء. أما في بني سويف (جنوب القاهرة) فأسفرت حملات وزارة التموين عن تحرير 100 محضر شملت 35 لإنتاج خبز غير مطابق للمواصفات، و33 لإنتاج خبز ناقص الوزن، و10 لعدم إعطاء بون صرف، ومحضر لعدم وجود ميزان.

وذهب مسؤول شعبة المخابز للدفاع عن أصحاب المخابز بالقول "يحصلون على 380 قرشاً لكل جوال دقيق يصرفون منها على العمالة، أما بقية المبلغ فيوفرون به سولاراً أو غازاً، فضلاً عن مستلزمات الإنتاج للحفاظ على استمرارية العمل، ولا نستفيد نهائياً من العمل، وقد يصل مكسبه إلى 10 جنيهات فقط في اليوم، بواقع مكسب جنيه عن كل شيكارة دقيق"، مؤكداً أن مصر "تنتج 270 مليون رغيف يومياً، وتوجد نحو ست جهات رسمية تفتش على المخابز بصورة يومية مما يصعب عملية التهريب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي وقت سابق برر رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي الزيادة التي طاولت رغيف الخبز في مؤتمر صحافي أواخر مايو (أيار)، موضحاً أن كلفة رغيف الخبز على الحكومة تصل إلى 125 قرشاً، إذ لم يحدث تحريك لسعر الخبز المدعم منذ ثلاثة عقود، منبهاً إلى أن الحكومة ما زالت ملتزمة برنامج الدعم، لكنها تتطلع إلى ترشيده.

وبحسب البيانات الواردة في تقرير التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصري للفترة الرئاسية الجديدة (2024-2030) الصادرة عن مجلس الوزراء، تحتاج مصر خلال العام الحالي إلى 7.7 مليون طن من القمح لتوفير 93.5 مليار رغيف خبز خلال السنة، وهي من أكبر مستوردي القمح في العالم.

خلل في المنظومة

وفق فتحي عبدالعزيز الذي سبق له رئاسة قطاع الرقابة والتوزيع بوزارة التموين فإن المنظومة "لا تسير بطريقة سليمة"، مؤكداً أنه "كان من المفترض أن يصاحب زيادة أسعار رغيف الخبز جودة أفضل، لكن ما هو لافت عمليات التلاعب وتقليل حجم الرغيف عن وزنه المحدد بـ90 غراماً على رغم زيادة السعر على المواطن، في ظل ضعف رقابة واضح".

وأضاف عبدالعزيز في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "الدولة لديها آليات إذا استغلتها بالأسلوب الأمثل يمكن أن ننتج خبزاً يوازي في جودته القطاع الخاص، لكن يوجد خلل في المنظومة يمنع تحسين جودة رغيف الخبز واستمرار عمليات التهريب للدقيق المدعم".

وحول أسباب ضعف الرقابة يوضح عبدالعزيز "لا يوجد مفتش مقيم في المخابز مثلما كان يحدث سابقاً، ولا توجد أعداد مفتشين تكفي لضبط المخابز"، مقترحاً "إضافة ذرة إلى الدقيق بنسبة 10 في المئة حتى لا يستطيع تجار السوق السوداء تحويله إلى خبز سياحي، أو تحويل استخراجه".

ولا يزال الستيني عزمي يشتكي من أن رغيف الخبز الذي يتسلمه لا يمكن أن يكون بحجمه الطبيعي، على رغم ارتفاع سعره، مؤكداً أنه يضطر إلى شرائه بسبب "عدم قدرته" على توفير قيمة البديل السياحي، منهياً حديثه بصوت مخنوق "في كثير من الأحيان يكون عبارة عن عجين بسبب التسرع في إنتاجه، بعدما انضم إلى قائمة السلع الغذائية التي ارتفعت وتحولت إلى عبء عليَّ وأسرتي".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات