ملخص
خروج مالي وبوركينافاسو والنيجر من عضوية المجموعة الاقتصادية (إيكواس) جاء بعد اتهامها بفرض عقوبات غير قانونية والتحول إلى تهديد الدول الأعضاء، لتبدأ بعد ذلك مسيرة الفعل ورد الفعل بين الدول الثلاث والمنظمة.
شهدت منطقة الساحل الأفريقي خلال الأعوام الثلاثة الماضية موجة انقلابات شملت عدداً من الدول على طول الساحل الممتد من غينيا على المحيط الأطلسي. وبينما عم قلق غربي وتهديد من المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إيكواس)، أبدى العسكريون في كل من مالي وبوركينافاسو والنيجر مواقف متشددة تجاه المجموعة، لتتحول ردود فعلهم إلى تحالف كونفدرالي في وجه المنظمة التي اتهموها بالعمالة للاستعمار الفرنسي والغربي، فإلي أي مدى يتحقق نجاح التحالف الجديد في منطقة الساحل الأفريقي؟
ما بين عامي 2020 و2023 واجهت كل من مالي وبوركينا فاسو عقوبات اقتصادية فرضتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بسبب الانقلابات التي أطاحت حكوماتها، وكانت النيجر فور حدوث الانقلاب في يوليو (تموز) 2023 واجهت تهديداً من المجموعة بالتدخل العسكري، بهدف إعادة نظام الرئيس المخلوع محمد بازوم للحكم. وعلى رغم أن "إيكواس" تراجعت عن القرار إلا أن ذلك التهديد كان بمثابة البداية في مواجهة المجموعة الاقتصادية حينما أعلنت كل من مالي وبوركينا فاسو أنهما على استعداد للتدخل عسكرياً لحماية النيجر والوقوف إلى جانبها ضد أية قوة، ليترتب على ذلك إعلان الدول الثلاث في يناير (كانون الثاني) 2024 خروجها من عضوية المجموعة، واتهامها بفرض عقوبات غير قانونية وغير مشروعة والتحول إلى تهديد الدول الأعضاء، لتبدأ بعد ذلك مسيرة الفعل ورد الفعل بين الدول الثلاث و"إيكواس"، بدأتها الدول الثلاث بالتوقيع على ميثاق "ليبتاكو-غورما" في سبتمبر (أيلول) 2023 كتحالف بين دول الساحل الثلاثة يهدف إلى إنشاء "هيكلية للدفاع المشترك والمساعدة الاقتصادية المتبادلة".
وقت التحرر
ما تبع انقلاب النيجر من طرد للسفير الفرنسي وإبطال للاتفاقات العسكرية مع باريس في أغسطس (آب) 2023 كان بداية أكسبت المجموعة قوة للانتقال إلى مرحلة متقدمة، ففي ديسمبر (كانون الأول) 2023 كان انسحاب القوات الفرنسية من النيجر بعد وجود عسكري استمر 10 أعوام في نيامي، ومن قبلها كانت مطالبات كل من مالي وبوركينافاسو بمغادرة القوات الفرنسية بعد الاتهامات الموجهة لها بالفشل في التصدي لجماعات الطوارق المسلحة شمال مالي والنيجر وبوركينا فاسو، إضافة إلى الحركات الإرهابية مثل "داعش" وغيرها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأتبع خروج القوات الفرنسية من النيجر المطالبة الفورية للقوات الأميركية في مارس (آذار) 2024 بالرحيل هي الأخرى، وإلغاء الاتفاق الذي يسمح بوجود عسكريين وموظفين مدنيين من وزارة الدفاع الأميركية على أراضي النيجر، وقد جاء قرار طرد الوجود الأميركي من النيجر بمفعول فوري مما شكل مناسبة اتخذتها الدول الثلاث كبداية لإعلان كونفدراليتها بعد تحررها الكامل من الوجود الأجنبي.
وأعلن القادة الثلاثة أن وقت التحرر حان ولم يعد بإمكان أحد أن يتدخل في مصير الشعوب، كما أجمعوا على أن شعوب دولهم قررت أن تدير ظهرها لـ "إيكواس" بشكل لا رجعة فيه، وإن "اتحاد دول الساحل" كيان بديل لأية مجموعة إقليمية مصطنعة تسيطر عليها قوة أجنبية، متهمين المنظمة التي تأسست منذ أكثر من 50 عاماً بأنها أصبحت تعمل على تهديد بلدانهم.
وريث المجموعة
تعطي دلالة التوقيت في إعلان كونفدرالية الدول الثلاث في وقت سبق اجتماع المجموعة الاقتصادية "إيكواس" الذي انعقد في اليوم الثاني بالعاصمة النيجيرية أبوجا كرفض مسبق لمخططات المجموعة، بل وكنديّة لها لا تخفي عزم الكونفدرالية الوليدة على لعب دور الوريث للمجموعة الاقتصادية ومغازلة المحيط الإقليمي، بخاصة في ما يراه بعضهم من موت سريري للمجموعة التي تضم 15 عضواً، بما فيها الدول المتمردة التي تنفض عضويتها تدريجياً جراء الانقلابات العسكرية والاتهامات الموجه إليها بالعمالة.
وضمن ما أعلنته الزعامة الكونفدرالية الثلاثية من فتح عضويتها أمام الجوار الإقليمي وجميع الدول الأفريقية، بدأت بالفعل بوادر انجذاب من دول أخرى مؤيدة لأجندة التكتل الكونفدرالي الجديد، ويشار في ذلك إلى رئيس غينيا الاستوائية تيودورو أوبيانغ نغويما الذي صرح بتأييده "الرؤية السيادية التي تدعو إليها الكونفدرالية".
ويربط المراقبون بين نجاح كل من أغادوغو ونيامي وباماكو في التحالف الكونفدرالي الجديد، وما يمكن أن تشكله "إيكواس" من خطر عبر قوتها ووزنها الاقتصادي ممثلاً في دول نيجيريا والسنغال وليبيريا، وما تمتلكه من قوى اقتصادية، بينما يشار إلى ما يمكن أن تلعبه روسيا في دعم التحالف الجديد، وقد لعبت موسكو بالفعل دوراً مهماً بتأييدها للدول الثلاث مما ساعد في تجاوزها المنعطف السياسي الذي تخطته بنجاح.
وعلى مستوى ثان ينظر إلى الصين وغيرها من دول بما يمكن أن تلعبه من نشاط اقتصادي إذا تسنى للتحالف الثلاثي الكونفدرالي وضع هياكل استثمارية مشجعة، بخاصة في ما تمتلكه الدول الثلاث من ثروات مكتنزة.
ويمثل الواقع الاقتصادي والأمني التحدي الحقيقي في نجاح التحالف الكونفدرالي الجديد وتجاوز أي أخطار، أولاً بالتصدي الحاسم للجماعات المسلحة وخلق البيئة الآمنة، وثانياً بتبني السياسات الاقتصادية المشجعة للاستثمار وجذب رؤوس الأموال، ويتطلب ذلك تكاملاً حقيقياً واستغلالاً مدروساً للثروات المتوافرة في البلدان الثلاثة وتوظيفها لمصلحة الدول والشعوب بالتخطيط الأمثل والشفافية المطلوبة.
اقتران الوعي بالموارد
يقول الأستاذ في الأكاديمية العليا للدراسات الإستراتيجية بالسودان معتصم عبدالقادر الحسن إن "حركة الوعى الوطني والسياسي التي قادها الرعيل الأول من الآباء المؤسسين لحركات التحرر والاستقلال الأفريقي يبدو أنها تقترن الآن بحركة وعى بالموارد والثروات المكتنزة داخل القارة الأفريقية، وحركة كفاح ونضال ضد الاستنزاف والاستغلال الغربي لهذه الثروات وخصوصاً فرنسا"، مستدركا "قطعاً مثل هذه التحالفات والتجمعات ستشكل تهديداً حقيقياً للقوى الدولية والإقليمية الطامعة التي تستهدف موارد الشعوب الأفريقية وثرواتها، كما على جانب آخر ستشكل تحفيزاً للدول الأخرى كي تحذو حذوها".
ويضيف أن "المطلوب من القادة الجدد توجيه ثروات بلدانهم باستغلال أمثل لمصلحة تنمية حقيقية تجذب أطرافاً ورؤوس أموال وفعاليات اقتصادية، والسير في طريق نهضة فعلية على كل الجوانب، وأن يكون هذا المسار ضمن سياسات واعية بعيدة من القبضات الديكتاتورية والكبت السياسي، وألا يستبدلوا استنزاف الاستعمار للثروات من قبل الدول الغربية باستنزاف فساد محلي أو بطش سياسي".
ويتابع، "القوى التقليدية ذات الصلة بالاستعمار الغربي يمكن مجابهتها بالتحالف مع قوى دولية مناصرة للتوجهات الشعوبية، وهذا ما فعلته دول الكونفدرالية ودول أفريقية أخرى بالتوجه نحو الصين وروسيا في ظروفها السياسية الحالية، وربما يجدون في الصين عوضاً عن الغرب وبخاصة في السياسة الصينية القريبة من الأهداف الاقتصادية والبعيدة عن السياسية".
عمل مضن
ويوضح الباحث في الشئون الدولية عادل عبدالعزيز حامد أن "الانقلابات العسكرية ليست شراً مطلقاً ولا الديمقراطية خير مطلق، كما حاول الغرب أن يسوقها لنا، فالانقلابات العسكرية التي حدثت في دول غرب أفريقيا وبخاصة في النيجر ومالي وبوركينا فاسو قوبلت بتأييد شعبي كاسح وتظاهرات ابتهاج كبيرة للغاية، وليس أدل على ذلك من أن الرئيس البوركينى استطاع أن يحشد أكثر من 70 ألف من المواطنين ليقاتلوا جنباً إلى جنب الجيش البوركينى ضد الإرهابيين المدعومين من بعض القوى الاستعمارية، بعد أن استطاعت هذه الدول أن تخرج من عصا طاعة المستعمر الفرنسي وتعمل لخدمة أوطانها ومصالح شعوبها".
ويضيف، "الأمر الثاني أن الوحدة والتحالف دائماً يأتيان بخير، فإذا كان الهدف هو التنمية ورفعة الشعوب وليس المصالح الشخصية والعمالة للقوى الاستعمارية، كما الحال في تحالف 'إيكواس' الذي ترعاه فرنسا لخدمة مصالحها الاقتصادية وأخذ الإتاوات من طريق الاتفاقات الاقتصادية الجائرة التي ربطت المستعمرات السابقة بها، إذ ظلت تستنزف الموارد وتشتري المعادن النفيسة بأسعار بخسة".
وتابع أن "التحالف الجديد بين الدول الثلاث يحتاج إلى عمل مضن للخروج به إلى بر السلام وتحقيق النجاح، بخاصة في وجود قوى الاستعمار الفرنسي الذي لا تزال له مصالح في المنطقة، إضافة إلى جهات أخرى لا يروقها هذا التجمع، كما أن هناك تجارب لتجمعات لم تعط نماذج ناجحة، لكن مهما يكن من تحد فنحن الآن نعيش في عصر تقنية المعلومات والحرية الحقيقية والتواصل الاجتماعي، فقد أصبحت الشعوب أكثر وعياً وإدراكاً عما كان في السابق، وهو ما يعطي الأمل والضمان".