Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحماة وزوجة الابن... حكاية عائلية عن "شيطنة الآخر"

موروث ثقيل يلصق الصفات السلبية بوالدة الزوج من دون حق في مقابل حكايات تفتري على الزوجة والواقع يثبت أن النماذج تتشعب وفقاً للبيئة والشخصية والوعي

قدمت ماري منيب في العصر الذهبي للسينما أدواراً عدة للحماة الفضولية التي تحيل حياة الزوجين إلى جحيم حقيقي (مواقع التواصل)

ملخص

"كثير من الحماوات تسببن في إنهاء زيجات أبنائهن بسبب اختلافهن مع سلوكيات زوجة الابن أو زوج الابنة"... متخصصون يفككون طبيعة العلاقة بين الطرفين.

موروث ثقيل تتناقله النساء من جيل إلى جيل بأن "الحماة" يجب أن تكون قاسية وتعامل زوجة ابنها بجفاء، وكأنه فعل يجب أن تلتزم كل بنات حواء تنفيذه. وتبدو المعركة هنا بين الطرفين وكأنها أزلية، فسيدة الأسرة التي كانت فتاة ثم أمّاً ثم والدة زوج، تصوّر دوماً على أنها تتناسى أنها في مرحلة من المراحل كانت تعاني ضغوط "الحماة".

غير أنها تختار في بعض المواقف أن تعيد إنتاج الحكاية مرة أخرى مع تبدّل الأدوار، فهل النساء الكبيرات فعلاً مضطرات إلى ممارسة التجبّر على زوجات الأبناء وأزواج البنات؟ وهل يخضعن للأفكار المتوارثة في هذا الشأن على نحو لا إرادي، إذ يعتقدن بأن "العين الحمراء" هي من مستلزمات كونهن حماوات، وأن الكيد والتضييق واللؤم خطوط مرسومة سلفاً وعليهن فقط اتباعها وإعادة إنتاج النموذج الشائع؟!

تجعل الدراما الصراع بين الحماة والكنة أمراً لا فكاك منه، بل سر مقدس من أسرار الحياة الزوجية، سواء كانت الحماة تقيم مع الابن وزوجته أو لا، فإنها تجد طريقها في مرارة العيشة وممارسة الألاعيب الشيطانية وفقاً للموروث الدرامي.

لكن تلك الحماة التي تتفرغ فقط لتنغيص الحياة على الأزواج الشباب حتى لو كان لها وجود في بعض الطبقات أو في مرحلة زمنية معينة، هل لا تزال مستمرة بأسلحتها نفسها، أم أن هذا النموذج توارى بصورة ملحوظة وأصبحت النساء تفكّر في دائرة العلاقات من منظور أكثر رحابة مع زيادة نسبة الوعي، ليتذكرن أن كلاً منهن كانت مجرد كنة شابة مغلوبة على أمرها حتى وقت قريب كما أن بناتها كنائن أيضاً، بالتالي تحاول أن تتصرف مع زوجة ابنها، مثلما تريد أن تتصرف حماة ابنتها معها؟

صورة نمطية كاذبة

يعبّر الدكتور سعيد المصري، أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة المهتم بأوجه التمييز في المجتمع، وبينها بحث حول الصورة النمطية للمرأة في التراث الشعبي العربي، عن رفضه الشديد لإطلاق تعاميم على المرأة بصفة عامة، سواء كانت زوجة أو ابنة أو أختاً أو جدة أو حماة، فالتعميم، في رأيه، ينطوي على تصورات نمطية خاطئة ولا توجد أدلة علمية على صحتها، وأن الإعلام والدراما والأفلام السينمائية هي التي أسهمت في ترويج هذه الصور النمطية عن الحماة.

لكن الواقع، وفق أستاذ علم الاجتماع، داخل المجتمع المصري يشهد "تنوعات مختلفة في سلوك الحماة نحو زوج ابنتها ونحو زوجة ابنها، فالحماة في الريف مختلفة عن الحماة في الحضر"، ومختلفة أيضاً عنها في المناطق البدوية. وهناك اختلافات في سلوك الحماة بحسب التباينات في السمات الشخصية من امرأة إلى أخرى، وبحسب الفروق الطبقية والتعليمية والعملية، كما أن التوسع في تعليم النساء وخروجهن إلى العمل والمشاركة في الحياة العامة وتولي مناصب عامة والانفتاح على العالم، كل ذلك يعني أن اختزال المرأة الحماة في نمط واحد وتعميم هذا النمط على كل النساء "خاطئ تماماً وظالم للمرأة بصفة عامة".

ومع ذلك يشير المصري إلى أن الصورة السلبية الرائجة عن المرأة الحماة "مرتبطة بالقوة التي تتمتع بها المرأة في الأسر المعيشية الكبيرة التي يطلق عليها (الأسر الممتدة) التي تعيش فيها ثلاثة أجيال معاً (الأب والأم مع الأبناء والزوجات والأحفاد)، وهؤلاء جميعاً يعيشون في بيت واحد ويأكلون من طعام واحد، وفي هذا النمط يعمل الرجال في نشاط اقتصادي واحد مقابل انشغال كل الإناث بالأعمال المنزلية وتربية الأطفال، وهذا النمط الأسري كان شائعاً في مصر على نطاق واسع قبل 50 عاماً تقريباً، وتغير بعد ذلك نحو نمط الأسرة صغيرة التي يطلق عليها (الأسرة النووية) المقصورة على جيلين فقط الأب والأم مع الأبناء، ومع ذلك لا تزال بقايا نمط الأسرة الكبيرة الممتدة موجودة في الريف المصري حتى الآن".

 

في هذا النظام تصبح السلطة داخل الأسرة في يد الأب على كل أفراد الأسرة، وتتمتع الأم بسلطة كبيرة في نطاق الأعمال المنزلية وعلى كل النساء الصغيرات، وحين تتزوج الفتاة فإنها تنتقل من أسرة النشأة الممتدة من تحت قبضة الأم والأب عليها إلى أسرة أهل الزوج لتصبح تحت سيطرة الحماة "أم الزوج، ويظل الابن خاضعاً لسلطة الأب سواء قبل الزواج أو بعده".

وفقاً لما نوّه إليه المصري، فالملاحظ أن ثراء موضوع الحماة بصورتها السلبية درامياً جعلها مادة دائمة لقصص الأفلام والمسلسلات، فخلال شهر رمضان الماضي شاهدنا الحماة التي تتدخل في كل تفاصيل حياة ابنها بعد الزواج في مسلسل "أشغال شقة" حتى إنها تصدرت الصورة الرسمية لزفافه والمفترض أن تجمعه بزوجته فقط، وقبلها قامت الحماة في مسلسل "حدث بالفعل ـ تحت الحزام"، بخطف وحبس ثم قتل زوجة ابنها الذي تستكثره عليها، بعدما شعرت بأنه يتصرف بأنانية وأن العروس ستبعده منها.

وبخلاف ذلك قدمت ماري منيب في العصر الذهبي للسينما أدواراً عدة للحماة الفضولية التي تحيل حياة الزوجين إلى جحيم حقيقي من خلال أعمال مثل "الحماوات الفاتنات وهذا هو الحب وحماتي ملاك وحماتي قنبلة ذرية ولعبة الست".

كذلك تميزت مجموعة من الفنانات بتجسيد دور الحماة سليطة اللسان التي تدخل في صراعات مفتعلة مع زوجة الابن، أو زوج الابنة، وبينهن ميمي شكيب ونعيمة الصغير، بينما كانت كريمة مختار هي النموذج الأبرز للحماة الودودة التي تعامل الجميع بأمومة فياضة، فيما تعتبر هدى سلطان بشخصية فاطمة تعلبة بمسلسل "الوتد" هي النموذج القوي الحاسم الذي يجمع زوجات الأبناء تحت جناحه مع الحفاظ على مساحة من المودة، وتعرض العمل لتلك العلاقات في مجتمع ريفي تشيع فيه على أرض الواقع نماذج العائلات الكبيرة.

ليست مظلومة دائماً

لكن استشارية العلاقات الأسرية أسماء حفظي تقول إنه حتى الابتعاد الجغرافي بين زوجة الابن أو زوجة الابنة والحماة "ليس عائقاً أمام حدوث المشاحنات". مشيرة إلى أن وجود هذه الأطراف في منزل واحد "يفاقم من المشكلات البسيطة" إن لم يكُن هناك تفاهم، لكن أيضاً الاستقلال العائلي "لا يمنعها".

وتؤكد حفظي من واقع تجربتها أن كثيراً من الحماوات تسببن في إنهاء زيجات أبنائهن بسبب اختلافهن مع سلوكيات زوجة الابن أو زوج الابنة. مضيفة أنه على عكس الشائع فالحماوات اللواتي يمكن أن يلجأن إلى المؤامرات والزوجات الشابات اللواتي يرغبن في تكدير حياة والدة الزوج نسبتهم في المدينة أكثر انتشاراً من الريف حتى على رغم مكوث زوجة الابن مع الحماة في المنزل نفسه في القرية، لأنها ترى أن سقف ما يمكن أن تقدم عليه نساء الريف محدود للغاية، بخلاف المدن الكبيرة التي يمكن أن تلجأ فيها الشخصية السلبية إلى طرق كثيرة لتحقيق ما تريد.

 

وتشدد حفظي على أن الصراع بين الحماة وزوجة الابن عموماً نسبته قليلة، لكن تسليط الضوء عليه هو ما يفاقم من تأثيره لدى الناس. مستشهدة بأزمة الفيديو الشهير الذي ظهرت فيه زوجة الابن وهي تعتدي بالضرب على حماتها، ووصفتها بأنها حالة استثنائية، إذ إن المشاحنات بين الطرفين لا يجري التعامل معها بتلك الطريقة إلا في ما ندر، وتشير إلى أن بعض شقيقات الزوج يرغبن كذلك في ممارسة دور الحماة المتسلطة على زوجة الابن، وهنا تتحول المعيشة إلى سلسلة مؤامرات ومشاحنات وتشتعل الخلافات الزوجية لأقل الأسباب.

آلاف التعليقات ناقشت الصراع الأزلي بين الحماة وزوجة الابن عقب تداول فيديو صادم ظهرت فيه زوجة شابة بإحدى قرى محافظة الشرقية شمال مصر، وهي تضرب حماتها بشدة بعد مشادة كلامية تبادلتا فيها الاتهامات، والفيديو نشره الزوج الذي يعمل خارج البلاد، واعتقلت الزوجة وحبست أياماً عدة قبل أن تتصالح مع الحماة، وتخرج لتراعي ابنتها، وتفاصيل كثيرة أثيرت من بينها أن الأم الشابة تعرضت للتنكيل والظلم، وأنها حرمت من أبسط الحقوق بفعل تسلط الحماة التي تركها الابن لتسيير حياة زوجته وابنته الرضيعة المريضة، كما اتهم الزوج باستغلال الفيديو ليطلق الزوجة من دون أن يمنحها حقوقها، فيما حماتها أبدت صدمتها مما حدث لها، مشيرة إلى أنها هي المظلومة في هذه الحكاية.

صراع من أجل السلطة

النقاش فتح مجالات كثيرة لسرد قصص عن سوء معاملة زوجات الأبناء لحمواتهن واستغلالهن كبر سنهن لتدبير مكائد، في حين يرى الفريق الآخر أنه في المناطق الشعبية والريفية خصوصاً تبدو زوجة الابن مكسورة الجناح وتتعرض للتنكيل من قبل الحماة، وربما شقيقات الزوج في حال اعترضت على أي أمر، كما أن بعض العائلات تتعامل مع زوجات الأبناء وكأنهن خادمات ليس لهن رأي ولا أي امتياز، وهو أمر تشدد عليه استشارية الصحة النفسية خلود زين التي ترى أنه من المستحيل الحكم على تلك الحالة على وجه التحديد نظراً إلى غياب التفاصيل.

لكنّ زين تؤكد أن الواقعة تخص منطقة ريفية، وهي بحسب ما ترى أن "الحماة في الأرياف لا تزال تتمتع بسلطاتها التي تمارسها على حساب زوجة الابن، والأخيرة بدورها تحاول أن تقلل من التحكمات في حياتها وفي طريقة تعاملها مع ما يخص أسرتها الصغيرة جداً، فلا تتمكن، بالتالي تحدث مشاحنات فتشعر الزوجة بالاضطهاد والأم بأنها تتجرد من امتيازاتها ومن حقوقها كمؤسسة للعائلة الكبيرة".

ومن بين الأسباب التي تزيد من تلك الأزمة، بحسب ما تضيف استشارية الصحة النفسية، "من الناحية النفسية الأم لديها خوف كبير من أن تفقد القوة والسيطرة، وأن تتحول إلى تابعة لزوجة الابن، فهي ترفض التسليم بالأمر الواقع بأن دورها تغير وأصبح مختلفاً، وهي مشاعر طبيعية، لكن يتم تحجيمها لدى الشخصيات الأكثر وعياً وفي البيئة الأكثر مرونة، لكن في بيئة مثل الأرياف يجري التشجيع على تلك السلوكيات، وتشعر الحماوات بالحرج إذا لم يتصرفن مثل الباقيات وحاولن السيطرة على زوجات أبنائهن، وبالطبع النماذج السوية هي الغالبة، فيحدث توافق بين الطرفين على طريقة المعايشة، وتكون والدة الزوج بالفعل بمثابة سند وحصن أمان للجميع".

الفجوة الجيلة

على ما يبدو أن التجربة الشخصية لها عامل كبير، ففي حين يحاول بعضهم توزيع القهر على الأطراف كافة، فإن النماذج المنتشرة تقول عكس ذلك، تقول "ع. م" الصيدلانية التي تعمل في إحدى الهيئات الحكومية ولديها طفلان إنها لم تصادف في محيطها نموذجاً للحماة الراغبة في السيطرة التي تعامل زوجة ابنها كشيطانة أو كعدوة لها، وإنه في ما يتعلق بتجربتها فحماتها هي وسيلة الدعم الأولى لها والمشجعة لها على الاستمرار في مهنتها بعد الإنجاب وتعينها على الاعتناء بالصغار بحكم أن منزلها في حي قريب، في حين أن والدتها تسكن في محافظة أخرى.

الطبيبة القاهرية تتابع، "أعتقد بأن نماذج الصراعات بين الزوجة والحماة (كليشيه) متوارث، والواقع أثبت أنه نادر الحدوث، خصوصاً في هذا العصر الضاغط الذي لا يجد فيه أحد وقتاً للاهتمام بابتكار المشاحنات، فكثيرات من زميلاتي يعشن وضعي نفسه ويعتبرن حماواتهن كأمهات، بخاصة أن الحماوات أنفسهن أخذن قسطاً من التعليم وبعضهن لا يزال يمارس وظيفته، بالتالي فهن متعاطفات مع أوضاعنا".

 

الحديث هنا عن أسر صغيرة، يستقل فيها الأبناء بمجرد زواجهم، إذ يلفت الأكاديمي سعيد المصري المتخصص في الأنثروبولوجيا الثقافية، النظر إلى أن تراجع مفهوم الأسرة الممتدة يعود لأسباب عدة، من بينها الفوارق الاقتصادية والتعليمية بين الأجيال، فقديماً كان المزارع أو الحرفي يحرص على أن يرث أبناؤه مهنته نفسها، وكانت النساء داخل الأسرة متجانسات مع الوضع الاقتصادي والتعليمي للأسرة ككل. ومع وجود حراك اجتماعي اقتصادي والتوسع في التعليم، تحديداً تعليم الإناث حدثت تغيرات اقتصادية واجتماعية داخل الجيل الجديد بما يجعلهم مختلفين عن جيل الآباء والأمهات.

وينوه المصري إلى أنه من الطبيعي أن يسعى الجيل الجديد إلى تكوين أسرة مستقلة، ونتيجة لذلك تحدث فجوة جيلية، وفي ظل هذا الوضع يصبح التغير في الثقافة المجتمعية لدى جيل الكبار بطيئاً للغاية، فتظل النساء الكبيرات راغبات في العيش بالمقاييس نفسها التي تربين عليها، ويرغبن في ممارسة سلطة على بناتهن الشابات المتزوجات بمقتضى "حق الأم" وفقاً للثقافة السائدة في الوصاية على الأبناء والبنات من منطلق أن "الجنة تحت أقدام الأمهات"، كما يرغبن أيضاً في ممارسة السيطرة على زوجات أبنائهن الشابات أيضاً كحماوات.

ويقول أيضاً المصري إنه في مقابل ذلك يقاوم الجيل الجديد من الأبناء هذه السلطة، ويتطلع أكثر للاستقلال عن الأبوين، وما يحدث أحياناً من مناوشات هنا وهناك هو انعكاس للفجوة بين جيل تربى على تقاليد الثقافة الجماعية في الأسرة الممتدة والسلطة المطلقة للجيل الأكبر من ناحية، وجيل أصغر حدث له حراك اقتصادي واجتماعي وأصبح مختلفاً عن جيل الآباء ومؤمناً بقدر من الفردية ويتطلع إلى الاستقلال، ويعتقد أستاذ علم الاجتماع بأن بعض الأسر تحاول تجاوز هذه الفجوة فيما تفشل غيرها في إدارة الصراعات الناجمة عنها.

طموحات التسلط تفسد لمة العائلة

وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بمصر، فإن عدد الزيجات الموثقة خلال عام 2013 وصل إلى أكثر من 929 ألف حالة، بينما اقتربت حالات الطلاق من 240 ألف حالة، وبالطبع لا يمكن بأي حال الإجابة عن سؤال يتعلق بمن المظلوم في لعبة الحماة والكنة، ببساطة لأن الفروق الفردية متعددة الأطياف، وكل قصة تخضع لظروفها الخاصة ووفقاً لمعايير متعددة. لكن المؤكد أن الصراع بين الزوجة التي تريد بناء حياتها مع الشريك لتنشئ معه أسرة تتلاءم مع شروطهما، تصطدم بطموحات الأم التي تريد أن تجعل ابنها تحت جناحها هو وعائلته، وقد تنظر الحماة هنا إلى الزوجة على أنها جاءت لتفسد "لمّة العائلة"، وكأنه سباق، على رغم أن الود يمكن أن يحكم علاقة الطرفين من دون أن يعني هذا انسلاخ الابن عن بيته الكبير.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يمنى التي تعيش في منطقة ريفية حيث تزوجت ومكثت مع حماتها في المنزل نفسه ولا تزال هناك حتى بعد إنجابها ثلاثة أطفال، تقول "لدينا منزل فاره من ثلاثة طوابق، بل أشبه بالفيلا العملاقة وأسرة زوجي ميسورة الحال، كما أن حماتي ودودة معي ومع بقية زوجات أبنائها، لكن هناك أموراً لا تقبل النقاش فيها، مثل أنني وبقية الزوجات مسؤولات عن الأعمال المنزلية بصورة كاملة، وترفض أن أحضر من يساعدني، وتؤكد لي أن هذه هي عاداتهم ولن تتغير كي لا يسخر منها الجيران بأن زوجات أبنائها يتمردن عليها، وأنها هي نفسها حينما كانت لا تزال عروساً كانت تقوم بالأعمال المنزلية في بيت العائلة من دون تذمر، بالتالي ليس من حقي الاعتراض".

يمنى التي تخرجت في كلية الآداب، تختلف بالتأكيد عن حماتها التي تفك الخط بالكاد، لكن التقاليد سيف مسلط عليها، كما أنها لم تدخل في سوق العمل، لكنها تطلع على منشورات الـ"سوشيال ميديا" وتجد أن الحياة يمكن أن تحمل بعض المرونة، بالتالي لا تملّ من محاولات إقناع حماتها بالتنازل عن بعض العادات.

نماذج متناقضة

وعلى بعد أمتار عدة، على النقيض تماماً تعيش "أم ياسر" الأمرّين لأن زوجة ابنها الوحيد تمنعه من زيارتها على رغم تقارب المنزلين، كما تحرمها تماماً من رؤية أطفالهما سوى بضع دقائق، وعلى رغم بكاء الحماة السبعينية مراراً إلا أنها تعيش في عزلة ولا تنعم بودّ الابن أو زوجته أو حتى الصغار، إذ تشير إلى أن خلافات بسيطة حدثت بينها وزوجة ابنها في بداية الزواج وجرى احتواؤها، لكن على ما يبدو أنها اتخذت قرارها القاسي، وقالت الحماة العجوز "تعتقد بأنها لن تصبح في مثل موقفي في يوم من الأيام، ستمر السنوات ووقتها ستندم بعد فوات الآوان، هنئياً لها تحكمها المريض في ابني".

تفسر المستشارة الأسرية أسماء حفظي المواقف الشبيهة بأن علاقة الحماة بزوجة الابن هي "الأكثر تعقيداً"، فالأمر فيها دائماً إما أبيض أو أسود، فإذا حدث نفور من البداية سيستمر مهما كانت المحاولات وعلى العكس لو كان هناك توافق، وتواصل "مثل كل العلاقات في العالم لا توجد قاعدة، فقد تكون زوجة الابن قاسية القلب ولديها خطط معينة تريد تنفيذها لتقطع علاقة زوجها بأهله، أو قد يكون للحماة أيضاً رصيد من القهر تعيد تدويره من دون أن تشعر، فتنتقم من زوجة ابنها بالتسلط عليها وظلمها، كما أنها قد تفرق في المعاملة بين زوجات أبنائها وفقاً لتفضيلاتها الشخصية، مما ينتج مشكلات أكبر بكثير، وبالطبع نسبة الوعي تقوم بدور حاسم في مثل تلك المواقف".

 

لكن من جهته يطالب الدكتور سعيد المصري أستاذ علم الاجتماع بوضع عامل أساسي في الاعتبار يسهم في تسلط النساء الكبيرات وهو السمات الشخصية، موضحاً "أعني بذلك نمط النساء اللواتي يتمتعن بالشخصية المتسلطة واللواتي يمارسن التسلط عموماً في حياتهن كأسلوب للحياة ككل بدءاً بعلاقات القربى والعلاقة الزوجية مروراً بممارسة الأمومة وكذلك ممارسة دور المرأة المديرة صاحبة السلطة في العمل، وصولاً إلى ممارسة دور الحماة فالتسلط، إذا كان قائماً في شخصية المرأة، فهو يظل قائماً في كل الأدوار المتصلة بعلاقاتها بالآخرين سواء داخل الأسرة أو خارجها".

يواصل المصري تفسيره للتصورات الشائعة حول الحماة بالقول إن وصف الحماوات بصفات سلبية شديدة وتعميم ذلك يمثل نوعاً من "الوصمة الاجتماعية" نحو النساء الكبيرات، وهو جزء لا يتجزأ من كل صور التمييز الثقافي التي تمارس ضد النساء، مضيفاً أن "المرأة يمكن أن تقوم بدور في إعادة إنتاج الصور النمطية السلبية عنها، بل تأكيد الصورة النمطية الشائعة عن النساء الحماوات عبر القيام بتصرفات مطابقة أحياناً للصورة السلبية، وهذا يحدث بموجب إدراك النساء الكبيرات لهذه الوصمة والإيمان بها مما يجلعهن يتصرفن وفقاً لما تشير إليه وصمة الحماه القبيحة، وفي مثل هذه الحالات تكون القناعات لدى المرأة الحماة مزدوجة وتكيل بمكيالين، فعندما تحدث خلافات زوجية في جيل الأبناء تقف الحماة موقفاً سلبياً من زوجة ابنها بينما تناصر ابنتها ضد زوجها".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات