Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

واردات تونسية قياسية من الحبوب في ظل محصول مخيب للآمال

البلاد بعيدة من تحقيق الاكتفاء الذاتي مع غياب الحوكمة الرشيدة وتطوير الزراعات

استوردت تونس 1.1 مليون طن حبوب من روسيا في موسم 2023-2024 (أ ف ب)

ملخص

لتلبية هذه الحاجات المتزايدة للتوريد تلجأ تونس إلى الشركاء الدوليين، بما في ذلك فرنسا وروسيا

احتاجت تونس إلى تغطية حاجاتها من الحبوب لسنة 2023-2024 إلى واردات قياسية تصل إلى 4.7 مليون طن، وفقاً للنظام العالمي للمعلومات والإنذار المبكر للأغذية والزراعة التابع لمنظمة الأغذية والزراعة (فاو).

واستوردت البلاد كميات في نهاية 2023 وبداية العام الحالي في انتظار العودة إلى نسق التوريد بعد استهلاك محاصيل الموسم الزراعي الحالي.

وتمثل كمية الواردات زيادة بنسبة 80 في المئة مقارنة بمتوسط ​​واردات العام السابق، مما يكشف عن تحدٍّ كبير للبلاد. أما محاصيل هذا العام فهي لم تتجاوز 6.5 مليون قنطار (650 ألف طن) بحسب ما أعلنت الرئيسة المديرة العامة لديوان الحبوب التونسي سلوى بن حديد الزواري، بعد تجميع أكثر من 95 في المئة من المساحات على أمل الوصول إلى 7 ملايين قنطار (700 ألف طن) مع نهاية موسم الحصاد قريباً.

ويمثل القمح الصلب 88 في المئة من الحبوب المجمعة وقالت المسؤولة إن "هدف تونس هو تحقيق الاكتفاء الذاتي خصوصاً من القمح الصلب".

يذكر أن تقديرات وزارة الفلاحة (الزراعة) قبل الحصاد تراوحت ما بين 12 و13 مليون قنطار (1.3 مليون طن) واصفة تلك الكمية من دون المتوسط مقارنة بمعدلات الإنتاج في حدود 17 مليون قنطار (1.7 مليون طن).

وأفادت الوزارة بأنها محاصيل مساحات مزروعة امتدت إلى نحو 972 ألف هكتار من الحبوب، أي 81 في المئة من المساحات المخططة، وهي 1.2 مليون هكتار بسبب تراجع وتأخر الأمطار في فصل الخريف بحكم أن معظمها مطرية، مما سينتج منه تداعيات كبيرة على حاجات البلاد الغذائية عام 2024 ومستهل 2025.

ولتلبية هذه الحاجات المتزايدة للتوريد تلجأ تونس إلى الشركاء الدوليين، بما في ذلك فرنسا وروسيا، وبحسب تقديرات مدير العلاقات الدولية في جمعية الحبوب الفرنسية فيليب هوسال، إن فرنسا خططت لتوفير نحو 35 في المئة من حاجات تونس من القمح اللين (المخصص للخبز)، فضلاً عن 50 في المئة من حاجات الشعير خلال 2023-2024".

وأعربت روسيا، باعتبارها دولة مصدرة للحبوب، عن التزامها تجاه تونس خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير خارجيتها سيرغي لافروف إلى تونس، ومن شأن مساهمة روسيا المتوقعة أن تساعد في تخفيف التحديات التي تواجهها تونس في إمدادات الحبوب.

وتحتاج تونس إلى استيراد 1.1 مليون طن من القمح اللين، و1.1 مليون طن من القمح الصلب، و0.8 مليون طن من الشعير، و0.85 مليون طن من حبوب الذرة لتلبية حاجاتها المتزايدة من الحبوب في 2024، بالتالي فإن الوضع الغذائي في تونس يظل موضوعاً للمراقبة من كثب خلال الأشهر المقبلة.

 تعزيز إمدادات الحبوب من روسيا

إلى ذلك يتركز الطلب على الحبوب بصورة رئيسة في تونس على القمح والشعير، وكما هي الحال في بلدان شمال أفريقيا الأخرى، تعتمد البلاد بصورة أكبر على روسيا في إمداداتها في السوق الدولية.

وفي موسم 2023 -2024 استوردت تونس 1.1 مليون طن من الحبوب من روسيا، وفقاً لبيانات وكالة التصدير الزراعية الوطنية الروسية، والتي تشير إلى أن الواردات قد تضاعف ثلاث مرات مقارنة بالسنة السابقة، وتشمل الواردات 78 في المئة من القمح (858 ألف طن)، وبصورة عامة، تشكل مشتريات القمح الروسي 39 في المئة من إجمالي الواردات في تونس، إذ ينتظر استيراد 2.2 مليون طن من الحبوب في 2023/2024، بحسب تقديرات منظمة الأغذية والزراعة.

وزادت الواردات الروسية إلى تونس في سياق زادت فيه شحنات القمح الروسي إلى دول شمال أفريقيا بصورة عامة في 2023/2024، وبالفعل، سجلت مصر، المستورد الرئيس للقمح الروسي، زيادة بنسبة ستة في المئة في مشترياتها إلى 8.6 مليون طن، فيما ارتفعت واردات الجزائر 9 في المئة لتبلغ مستوى قياسياً قدره 2.34 مليون طن، وبخلاف القمح، يعد الشعير ثاني الحبوب التي تستوردها تونس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في الأثناء تقدمت تونس بطلب إلى روسيا لإبرام اتفاق ثنائي لشراء الحبوب، وبحسب معلومات نقلتها "رويترز" قدم هذا الاقتراح خلال اجتماع عقد أخيراً بين مديرة الديوان التونسي للحبوب ومصدرين روس، وأبدى المسؤولون والمستوردون التونسيون اهتماماً بزيادة مشتريات القمح الصلب واللين والشعير والذرة والشوفان والبقوليات، فضلاً عن الزيوت النباتية والدقيق من روسياـ

ويعتقد محللون تحدثوا إلى "اندبندنت عربية" أن تراجع الإنتاج يمثل خطراً حقيقياً على السيادة الغذائية في تونس، لكنه لا يعود إلى الجفاف فحسب، بل ارتبط بسوء حوكمة القطاع والإهمال ورفض الإصلاح.

وانتقد الرئيس السابق ومؤسس نقابة الفلاحين ليث بن بشر سوء التصرف الذي يشكو منه القطاع الزراعي بصورة عامة، إذ قال إن "تونس بعيدة من تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح باستهلاكها لقرابة 27 مليون قنطار (2.7 مليون طن) في السنة بمعدل 2.2 مليون قنطار (220 ألف طن) في الشهر، في حين لم يزد المحصول هذا الموسم على 7 ملايين قنطار (700 ألف طن) في أفضل الحالات، وهي كميات كافية لثلاثة أشهر من الاستهلاك علاوة على حاجات أصناف الحبوب الأخرى المستعملة أعلافاً. وأضاف أن "القمح الصلب يهيمن على المحصول بحكم المساحات المنزرعة"، مؤكداً أن "تونس تحتاج إلى تغطية حاجاتها من القمح اللين المعتمد في الخبز المحلي وهي تقوم بتوريد جميع حاجاتها في هذا الصدد، بعد أن تخلت عن زراعة القمح اللين بتوجيه من المنظمات المانحة التي أوصت بزراعة القمح الصلب في عقود سابقة على أساس ميزته التفاضلية وارتفاع أسعاره بالسوق العالمية".

وتابع مؤسس نقابة الفلاحين أن "البلاد تحتاج إلى سياسة زراعية متكاملة باعتماد التداول الزراعي وقلب التربة للرفع من مردودية زراعة الحبوب علاوة على ترشيد الاستهلاك ومواجهة عمليات التبذير في استهلاك الخبز وتحويله في مراحل لاحقة إلى أعلاف للحيوانات".

غياب الدعم والاجتهاد

وعلى الوتيرة نفسها انتقد عضو الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري حسين الحمداني تخلي وزارة الإشراف عن الفلاحين، موضحاً أن "المحصول يمثل 65 في المئة من موارد المساحات المنزرعة"، مرجعاً ذلك إلى الجفاف وعزوف المزارعين بسبب ارتفاع كلفة الإنتاج المتمثلة في الأسمدة (الأمونيتر بالخصوص)، مما دفع الناشطين في مجال الزراعات الكبرى إلى اقتناء المستلزمات من السوق السوداء بأسعار خيالية"، مشيراً إلى أن "تونس بلد منتج للفوسفات والمواد الكيماوية المعتمدة في ظل غياب تام للدعم الحكومي".

بينما أرجع المتخصص في القطاع الزراعي عبدالمنعم الخليفي عدم التوصل إلى تغطية الاستهلاك والعجز الدائم في الميزان الغذائي الزراعي، وخصوصاً الحبوب إلى عدم مردودية البذور المعتمدة في زراعة القمح بالخصوص، إذ لا تزيد مردودية البذور المستعملة على 650 كيلوغراماً من القمح في الهكتار الواحد في حين يبلغ الإنتاج لدى البلدان المتاخمة، وهي إيطاليا في ظل المعطيات المناخية ذاتها خمسة أطنان في الهكتار الواحد. ولفت إلى أن البذور المعتمدة في تونس تفتقر إلى المردودية بسبب التمسك بنفس الأصناف منذ عقود دون تطويرها أو معالجتها علمياً لزيادة مردوديتها، وسط رفض تام لكل اجتهاد في مجال البذور. وقال "ثبت قابلية التربة في تونس لبذور مطورة مكنت من الزيادة في المردودية وتحقيق إنتاجية عالية تجاوزت 7.8 طن في الهكتار"، مستدركاً "لكنها قوبلت بعدم التشجيع من قبل سلطة الإشراف على أساس أنها مستوردة، والحال أنها بذور مسجلة بالسجلات الرسمية التونسية".

وتضرب على عملية استيراد بذور القمح المطورة ذات المردودية العالية أداءات (ضرائب) تبلغ 73 في المئة مقابل إعفاء جميع المواد الفلاحية من الأداءات الجمركية بما فيها البذور لجميع الزراعات في تونس مثل الشعير والصوجا والعلف، أيضاً تعفى عمليات استيراد القمح الجاهز للاستهلاك من الأداءات لتتحول تونس إلى بلد مستورد بامتياز للقمح وتستورد سنوياً ما قيمته 3.4 مليار دينار (1.1 مليار دولار) من الحبوب، بينما تفرض أداءات مرتفعة على البذور التي تمثل الحل الأمثل للتخلي عن الاستيراد أو التخفيض فيه.

وتسير تونس، وفق الخليفي، في طريق زيادة وتيرة التوريد حتى في حال استقرار الاستهلاك بسبب فقر المحاصيل، إذ يستهلك الفرد في تونس 220 كيلوغراماً من الحبوب سنوياً بين 160 كيلوغراماً من القمح اللين و60 كيلوغراماً من القمح الصلب ويوفر الإنتاج المحلي أقل من ثلث الاستهلاك، بينما يتوفر في تونس مليون هكتار لزراعة القمح الصلب واللين وترتفع المساحات إلى مليون ونصف هكتار إذا تعلق الأمر بالحبوب في العموم بما فيها الأعلاف.

اقرأ المزيد