كشفت مصادر واسعة الاطلاع في بغداد لـ "اندبندنت عربية"، أن الإدارة الأميركية رفضت طلباً عراقياً تكرر ثلاث مرات، يتعلق بإمكان استقبال رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي في البيت الأبيض، للقاء الرئيس دونالد ترمب.
وأكدت المصادر أن الإدارة الأميركية غاضبة مما يبدو أنه وقوف عبدالمهدي في الصف الإيراني خلال الصراع المحتدم في المنطقة مع الولايات المتحدة.
وبينما ظهر الرئيس العراقي برهم صالح في البيت الأبيض الأسبوع الماضي، إلى جانب ترمب، في لقاء عقد على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، كان رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي في الصين، لتوقيع اتفاقات اقتصادية، قد تضر بمصالح الشركات الأميركية في العراق.
اتهام اسرائيل
تراجع رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي عن موقفه المعلن، الذي يستبعد تورط إسرائيل في هجمات منسقة طاولت مقرات ومخازن سلاح قوات الحشد الشعبي خلال الشهرين الماضيين، ليفتح الباب أمام عاصفة من الجدل، قد تقود إلى صوغ مواقف جديدة في إطار الصراع بين الولايات المتحدة وإيران.
كان رئيس الوزراء العراقي نفى سابقاً تورط إسرائيل في الهجمات المذكورة، خلال أكثر من مناسبة، لكنه عاد يوم الاثنين، ليؤكد أن التحقيقات قادت إلى نتائج مختلفة.
ووفقاً لعبد المهدي، فإن "المؤشرات في المنطقة، تؤكد أن لا أحد يريد الحرب، سوى إسرائيل".
لاحقاً، رفض الجيش الإسرائيلي التعليق على اتهامات عبدالمهدي، مشيراً إلى أنه لا يراجع المواقف التي تصدر عبر وسائل إعلام أجنبية.
ضوء أخضر للثأر
في المقابل، سارع الحشد الشعبي، إلى اعتبار إعلان عبدالمهدي، إيذاناً بإمكان الرد على مصدر الهجمات.
وقال أبو آلاء الولائي، الذي يتزعم "كتائب سيد الشهداء"، ضمن الحشد الشعبي، ويعرف بمواقفه المتشددة ضد الولايات المتحدة وقربه من إيران، إن "إعلان عبد المهدي بوقوف إسرائيل خلف قصف مقرات الحشد، هو ضوء أخضر لأخذ الثأر".
وقال النائب في البرلمان العراقي عن حركة عصائب أهل الحق، حسن سالم، من جهته، إن "الرد صار واجباً" بعد ""ثبوت تورط الكيان الصهيوني بقصف مواقع الحشد الشعبي"، مطالباً الحكومة العراقية بـ"إلغاء الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة لأنها أخلت بها ولم تحمِ الأجواء العراقية، بل إن الطائرات الصهيونية المسيّرة كانت تنطلق من القواعد الأميركية في العراق".
وحيّا سالم "رئيس الوزراء لشجاعته بكشف حقيقة نتائج التحقيق".
وفي سياق متصل، سبق للقيادي البارز في الحشد الشعبي، جمال جعفر المعروف بـ "أبي مهدي المهندس"، القول إن الولايات المتحدة سهّلت استقدام أربع طائرات إسرائيلية عبر أذربيجان، لتنفيذ هجمات داخل العراق، وهو التصريح الذي أدى إلى خلافات كبيرة مع رئيس هيئة الحشد فالح الفياض، الذي يفضل التريث في التعامل مع هذا الملف.
مجاراة إيران
يقول الخبير الأمني هشام الهاشمي، الذي يقدم المشورة للحكومة العراقية، إن تحميل عبدالمهدي مسؤولية الهجمات على مقرات الحشد الشعبي لإسرائيل، يجاري الرغبة الإيرانية في هذا المجال، إذ يمكن أن يتحول اتهام من هذا النوع إلى غطاء لشن هجمات انطلاقاً من الأراضي العراقية، وهو أمر تدور شكوك بشأن حقيقة أنه حدث بالفعل سابقاً، وقد يتكرر أيضاً، على الرغم من النفي العراقي والإيراني له.
يعتقد مراقبون أن رئيس الوزراء العراقي يترجم حالة التراجع الكبير في علاقته بالولايات المتحدة عبر توجيه الاتهام نحو حليفتها إسرائيل.
عبدالمهدي يرضخ لإيران
تترجم هذه التطورات، ما بات يجري الحديث عنه كثيراً في الكواليس منذ أيام، من أن رئيس الوزراء العراقي لم يعد أمامه ما يفعله، ليبقى في منصبه، سوى الرضوخ للرغبة الإيرانية، والانخراط في معسكرها، بعد مرحلة من الحياد المشوب بالقلق جراء التوقعات بأن تتحول الأراضي العراقية إلى ساحة لمواجهة عسكرية بين واشنطن وطهران.
في المقابل، يرى مراقبون أن رئيس الوزراء العراقي، عبر توجيه الاتهامات إلى إسرائيل، يعمق القطيعة مع الولايات المتحدة، ما قد يرتد على حسابات واشنطن، التي تسعى إلى استيعاب الضغوط الإيرانية في بغداد، تجنباً لكسر استقرارها السياسي الهش.
وساطة مترددة
أطلق عبدالمهدي اتهاماته ضد إسرائيل، بعد وقت قصير من إنهاء زيارة إلى السعودية، وصفها بالناجحة، إذ تحدث عن استجابة القيادة السياسية في المملكة لرغبة العراق في تهدئة الأوضاع في المنطقة.
لم يتحدث عبدالمهدي صراحة، عقب زيارة السعودية، عن وساطة مع إيران، لكنه قال إنه بحث مع العاهل السعودي ووليّ عهده تطورات الأزمة في المنطقة.
وعلى الرغم من أن ساسة مقربين من عبدالمهدي قالوا إنه سيزور إيران بعد السعودية، إلا أن الخارجية الإيرانية نفت علمها بأي مشروع وساطة يقوده العراق.
ويقول مراقبون إن الضبابية التي تسود المشهد الإقليمي، تعقّد مهمة رئيس الوزراء العراقي في التوسط بين طهران والرياض، وربما تحكم بفشلها، وهي النتيجة التي توصل إليها عبدالمهدي على ما يبدو، لذلك فتح باب الحديث عن تورط إسرائيل في قصف مقرات الحشد الشعبي.