Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تحول الهجوم الإسرائيلي على غزة إلى "حرب ضد النساء"؟

إن الظروف المعيشية المزرية والقصف المستمر والافتقار إلى مرافق النظافة الأساسية تجعل الحياة صعبة للغاية بالنسبة إلى النساء والفتيات

نساء فلسطينيات يصطففن لشراء الخبز الطازج بجوار المباني المدمرة في مخيم النصيرات للاجئين في وسط قطاع غزة في 4 نوفمبر 2023 (أ ف ب)

ملخص

يؤثر الصراع المستمر بغزة بشدة في صحة النساء والفتيات، مما يحول الدورة الشهرية والحمل والولادة إلى اختبارات شاقة ومعارك من أجل الكرامة بسبب نقص المنتجات الصحية والمياه النظيفة والمرافق المناسبة

في وقت يسجل فيه العالم تقدماً في مجالي الرعاية الصحية وحقوق الإنسان، تعيش النساء في غزة واقعاً آخر مختلفاً تماماً. فهنا، يتحدى العدوان على القطاع، والحرمان المستمران قدرتهن على الصمود بهدوء، إذ تصبح حتى مسألة تعامل المرأة مع دورتها الشهرية بمثابة معركة من أجل الحفاظ على الكرامة والحقوق الأساسية للإنسان. 

وفيما يُفترض أن تكون فترة الحيض ومرحلة الحمل والولادة محطات طبيعية للحياة يمكن إدارتها بسهولة، إلا أنها تحولت إلى مصادر ضغط نفسي شديد ومعاناة كبيرة بالنسبة إلى نساء هذه المنطقة وفتياتها. فهناك نحو 700 ألف فتاة وامرأة هن في سن الحيض، إلى جانب آلاف من النساء اللواتي اختبرن أول دورة شهرية لهن، في ظل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

وبصفتي طبيبة متخصصة في مجال الصحة الجنسية والإنجابية، فقد شهدتُ بنفسي على التحديات الكبيرة والمحزنة التي تواجهها هؤلاء النساء. إن قوتهن تتجلى بوضوح في حياتهن اليومية، لكن الإهانة والألم العميقين اللذين يتحملنهما، لا يقلان أهمية. وهذه الشهادة ليست مجرد ملاحظة مهنية وحسب - بل هي تجربة شخصية للغاية. ومن منطلق أنني امرأة تعاني أيضاً هذه الصعوبات إلى جانبهن، فإنني أشعر بالتزام عميق بدعم الأكثر ضعفاً بينهن في هذه البيئة الهشة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إنني أدرك جيداً المعاناة التي ترافق فترة الحيض، خصوصاً عندما تكون المنتجات الصحية الأساسية غير متاحة، وهو عبء تتكبده عادة النساء والفتيات اليافعات في أوقات الأزمات الكارثية.

تُعتبَر الفترة التي تلي ولادة طفل، من الأوقات الحساسة بصورة خاصة بالنسبة إلى المرأة. وقد رأينا كثيراً من النساء يرتدن عياداتنا للحصول على الرعاية اللازمة بعد الولادة، إذ اكتشفنا لدى معاينتهن أنهن يستخدمن قطعاً من الخيَم أو القماش، لمحاولة احتواء النزف الشديد الذي يلي الولادة، والذي يفوق بكثير في شدته الدورة الشهرية العادية.

بعد حصولي على درجة ماجستير من المملكة المتحدة، عدتُ إلى غزة بعزمٍ راسخ على دعم النساء والفتيات في هذه المنطقة. خلال تلك الفترة، تم قبولي أيضاً لمواصلة دراستي لنيل درجة دكتوراه في المملكة المتحدة. ولا أزال آمل في أن ينتهي هذا الكابوس، كي أتمكن من مغادرة غزة لاستكمال دراستي في بريطانيا. لكنني أتمنى أن أرحل في ظروفٍ أفضل، لا أن أكون مضطرة إلى المغادرة بسبب الحرب.

كثيراً ما أجد نفسي -في ظل المعاناة الناجمة عن المجازر والقصف والتشريد- أتساءل عن كيفية مقارنة حياتنا باعتبارنا نساء هنا في غزة، بحياة نظيراتنا في أماكن أخرى من العالم.

وغالباً ما تتجه أفكاري بصورة خاصة إلى الفتيات المراهقات اللواتي يختبرن بداية سن البلوغ وأول دورة شهرية لهن في ظل هذه الظروف القاسية. ففي غزة، أصبحت الحياة شديدة الصعوبة، إن لجهة العيش في خيمة خلال الصيف الحارق، أو من حيث محدودية الوصول إلى المياه النظيفة، أو النقص الحاد في الفوط الصحية، ناهيك بالتهديد المستمر بالإصابة بالعدوى التي تتربص بالفتيات والنساء في كل مكان.

يُضاف إلى ذلك الصعوبات العاطفية والجسدية الناجمة عن عدم النضج البيولوجي والنفسي التي ترافق دخول الفتاة سن البلوغ، والشعور المتواصل بعدم الأمان، والتوتر، والخسارة المؤلمة. وتأتي الدورة الشهرية لتزيد حدة هذه الصعوبات.

وعلى نقيض ذلك، قد تعيش أي فتاة في جزء آخر من العالم تجربة مختلفة تماماً خلال دورتها الشهرية الأولى. فمن المرجح أن تمكث في منزل مريح في كنف أسرتها، وربما في غرفة نوم خاصة بها، مع إمكانية الوصول بسهولة إلى حمامها الخاص.

وعادة ما يكون الحمام في هذه الحال مجهزاً بالوسائل الأساسية، بما فيها إمدادات ثابتة من المياه النظيفة والصابون، ونظام فعال للتخلص من المنتجات الصحية المستعملة. ومن المرجح أن يكون أحد والديها إلى جانبها لتقديم الدعم والمساندة لها، مثل تجهز سرير مريح وحمام نظيف ومشروبات ساخنة. وعلى رغم أنها قد تشعر ببعض التوتر، فإنها تكون غالباً مطمئنة ومدركة لمختلف جوانب المرحلة التي تمر فيها. وما لم تواجه مشكلة "فقر الدورة الشهرية" [عدم القدرة على الوصول إلى منتجات الدورة الشهرية والتعليم ومرافق النظافة وإدارة النفايات] - وهي مشكلة حقيقية حتى في المملكة المتحدة - فإنها تستطيع بسهولة طلب الرعاية الطبية بكلفة معقولة إذا لزم الأمر والحصول عليها.

عندما أتحدث مع مريضاتي، أشجعهن على إعطاء الأولوية للعناية الذاتية والنظافة الشخصية، مع التركيز على الأخطار الصحية المترتبة عن إهمال هذه الروتينات. ومع ذلك، فإن الواقع يشير إلى أن معظم النساء يعانين صعوبات كبيرة في العيش داخل الخيَم أو الملاجئ المكتظة، أو في مخيمات اللاجئين. ويواجهن نقصاً حاداً في المياه النظيفة والصابون والمحارم الورقية والملابس الداخلية، إضافة إلى الحد الأدنى من الوصول إلى منتجات النظافة. حتى الحاجة الأساسية المتمثلة في الحصول على بضع دقائق داخل المراحيض قد تعني الانتظار لساعات طويلة.

وتُضطر النساء بسبب عدم إمكانية الحصول على فوط صحية، إلى استخدام بدائل غير آمنة مثل القماش أو الملابس أو الإسفنج أو حتى إعادة استخدام الفوط القديمة. ويمكن أن تسبب هذه الممارسات التهابات، وتؤدي إلى شعورهن بالعزلة والتوتر والضعف.

وعلى رغم الجهود التي بذلتها منظمات طبية وإغاثية للحد من المعاناة أثناء القصف المطول على القطاع على مدى أشهر، فإن الوضع لا يزال مأسوياً - اعتبرت "محكمة العدل الدولية" الادعاءات بارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة خلال هذه الفترة، بأنها "معقولة" - ولا يزال الطلب المرتفع المستمر على الإمدادات، إلى جانب القيود الإضافية المفروضة عليها، يخلفان آثاراً مدمرة.

وغالباً ما تكون الدورة الشهرية في أنحاء مختلفة من العالم، بما فيها غزة، موضوعاً محظوراً يُقابل بالصمت، ويُنظر إليه على أنه مسألة خاصة ينبغي عدم مناقشتها علناً. لكن يمكن أن يتسبب هذا الصمت الثقافي أحياناً بشعور كثير من الفتيات والنساء بأنهن غير مستعدات لهذا الاختبار، وفي حال من العزلة.

كما أن غياب الحوار المفتوح يسمح بانتشار المعلومات المضللة، وتعزيز الشعور بالعار، مما يزيد عبء التحديات التي ينطوي عليها الحيض بحد ذاته.

وبسبب القصف المستمر والنزوح القسري للناس والوصول المحدود إلى المساعدات ومنتجات النظافة الشخصية، فإنه حتى الجوانب الأساسية للحياة مثل الحيض والحمل والولادة تتأثر بشدة.

يبقى القول أخيراً إنه لا ينبغي أن تتحمل أي فتاة أو امرأة مثل هذه الصعوبات، أو أن تتعرض صحتها للخطر بسبب دورتها الشهرية. ومن المحزن حقاً أن نشهد مثل هذه المعاناة والألم اللذين يمكن تجنبهما بالتأكيد.

إسراء صالح هي طبيبة مختصة في الصحة الجنسية والإنجابية، وتعمل مع منظمة "أطباء العالم" Medicins Du Monde الفرنسية في قطاع غزة

© The Independent

المزيد من آراء