Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تمهد الوساطة التركية طريقا ثالثا لإثيوبيا نحو البحر؟  

تتطلع إلى استمرار المحادثات مع الصومال "على رغم مصاعبها" وترغب في إعادة العلاقات الطبيعية بين البلدين

وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بين وزير الخارجية الصومالي ونظيره الإثيوبي في مؤتمر صحافي (رويترز)

ملخص

المصالحة الجارية بين إثيوبيا والصومال التي تقود تركيا مبادرتها تفتح صفحة جديدة للعلاقات تتضمن ثقة وتعاوناً يصبان في صالح البلدين الجارين فهل تحقق أنقرة عودة العلاقات بين مقديشو وأديس أبابا ووصول إثيوبيا إلى السواحل الصومالية؟

قالت إثيوبيا إنها تتطلع إلى استمرار المحادثات مع الجانب الصومالي لحل الخلافات واستعادة العلاقات الطبيعية بين البلدين. وأكدت وزارة الخارجية الإثيوبية في بيان صدر الثلاثاء الـ13 من أغسطس (آب) بعد انتهاء الجولة الثانية من المحادثات التي تقودها تركيا شكر حكومة أديس أبابا العميق لأنقرة وللرئيس رجب طيب أردوغان على مبادرته لجمع البلدين بهدف حل الخلافات الأخيرة بينهما.

وأفاد المتحدث الرسمي باسم الوزارة السفير نبيو تدلا خلال الإيجاز الصحافي الأسبوعي الخميس الماضي بأن إثيوبيا ستواصل تعزيز الجهود الدبلوماسية لضمان "الوصول الموثوق والآمن إلى البحر".

وتطرق المتحدث إلى الجولة الثانية من المحادثات من دون الكشف عما أفضت إليه، لكنه أشار إلى أن إثيوبيا والصومال اتفقتا على عقد جولة ثالثة من المحادثات، مؤكداً التزام إثيوبيا بحل خلافاتها مع حكومة الصومال عبر الوسائل الدبلوماسية.

نفق التوتر

تأتي مبادرة الصلح بين البلدين التي تقودها الحكومة التركية في أعقاب التوتر الشديد في العلاقات بين مقديشو وأديس أبابا على خلفية مذكرة التفاهم التي وقعتها إثيوبيا في الأول من يناير (كانون الثاني) الماضي مع حكومة دولة أرض الصومال (المنشقة منذ عام 1991)، وتتضمن المذكرة استئجار إثيوبيا منفذاً بحرياً من أرض الصومال على البحر الأحمر، واستغلال مساحة 20 كيلومتراً من الساحل الصومالي لأغراض تجارية وكقاعدة عسكرية لمدة 50 عاماً، في مقابل اعتراف إثيوبيا بها كدولة مستقلة.

الصومال وصف مذكرة التفاهم بـ"الاعتداء السافر" على سيادته، وأعلن رئيسه حسن شيخ محمود في السابع من يناير الماضي أنه وقع قانوناً يبطل مذكرة التفاهم المثيرة للجدل التي أبرمتها أرض الصومال الانفصالية مع إثيوبيا.

وضمن تداعيات المذكرة وقعت الصومال في فبراير (شباط) الماضي اتفاقاً إطارياً للتعاون الدفاعي والاقتصادي مع تركيا ووصف الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود الاتفاق "بأنه سيساعد الصومال على تنظيم قواته البحرية والدفاع عن مياهه الإقليمية".

وفي أبريل (نيسان) الماضي ونتيجة تأزم علاقة البلدين طلب الصومال من السفير الإثيوبي مغادرة أراضيه خلال 72 ساعة وأمر بإغلاق قنصليتي أديس أبابا لدى كل من غرووي وهرغيسا، ومن ثم دخلت علاقة البلدين نفق التوتر والاتهامات المتبادلة.

تفاهمات

يقول رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية ياسين أحمد، "أديس أبابا رحبت بالوساطة التركية وترحب بكل مبادرة للوساطة بينها والصومال أو غيره من دول القرن الأفريقي المطلة على البحر الأحمر انطلاقاً من رؤية إثيوبيا الجديدة التي أعلنت عنها من خلال وثيقة ’استراتيجية الماء‘".

وتابع أن "الوساطة التركية قد تنجح في الجولة الثالثة في نزع فتيل الأزمة والتوتر بين إثيوبيا والصومال بعد أن قبل الطرفان لما لهما من مصالح مشتركة مع تركيا".

ويوضح أنه "خلال الجولتين السابقتين فهم كل طرف وجهة نظر الآخر، ولم يعُد هناك شيء مخفي ومن ثم ينبغي أن تكون هناك تنازلات في المواقف والمطالب"، معتبراً أن  "نجاح الوساطة التركية مرهون بالتوصل إلى تفاهمات بين إثيوبيا والصومال على أساس المصالح المشتركة بين البلدين، لكن تقديم التنازلات من قبل الطرفين هو المسألة الأهم في هذه المرحلة". ويقول "في تقديري، إن عدم قدرة الطرفين على التوصل إلى اتفاق بعد جولتي مفاوضات برعاية تركية في أنقرة، قد يعود لحجم الخلافات بين الصومال وإثيوبيا، إذ تطالب الأخيرة بحصولها على منفذ بحري على الساحل الصومالي لأغراض اقتصادية وعسكرية، بينما يرفض الصومال استخدام إثيوبيا المنفذ البحري لأغراض عسكرية".

ويعرب عن اعتقاده بأنه "إذا لم تحصل أديس أبابا على منفذ بحري على الساحل الصومالي للأغراض الاقتصادية والعسكرية في آن، فإنها ستتمسك بخيارها الأول بمذكرة التفاهم من أجل حصولها على منفذ بحري مع صوماليلاند والذي يحقق مصالحها الاقتصادية والعسكرية على البحر الأحمر. فإثيوبيا ترى أنها كقوة صاعدة من حقها أن يكون لها منفذ بحري على أحد سواحل البحر الأحمر للأغراض الاقتصادية مع قاعدة عسكرية تحمي مصالحها الاقتصادية والأمنية كدولة كبرى في القرن الأفريقي لجهة عدد السكان، إلى جانب ما تتمتع به من ثقل سياسي واقتصادي في أفريقيا، لا سيما مع وجود قواعد عسكرية أجنبية محسوبة على بعض القوى الدولية والإقليمية. وهي تعتبر أنها أولى بأن يكون لها دور في حماية أمن البحر الأحمر بهدف تحقيق الأمن الإقليمي المشترك للدول الأفريقية المطلة على البحر الأحمر فضلاً عن الأمن الدولي".

"وفق القانون الدولي"

ويرى المستشار في الأكاديمية العليا للدراسات الاستراتيجية والأمنية بالخرطوم معتصم عبدالقادر الحسن  أن "الطريق الذي اتبعته إثيوبيا فى إبرام اتفاق مع إقليم صوماليلاند من دون وضع أي اعتبار لدولة الصومال، عقّد فرصها في إيجاد منفذ على البحر الأحمر... هناك دول كثيرة في أفريقيا وقارات أخرى ليست لها منافذ على البحار أو المحيطات ولكنها تعقد اتفاقات وفقاً للقانون الدولي الحاكم لمثل هذه الاتفاقات. لذلك إذا أرادت حكومة أديس أبابا النفاذ للبحار عليها اتباع الطرق المرعية في مثل هذه القضايا".

ويضيف "لكن محاولة استغلال الظرف التاريخي الهش الذي يعيشه الصومال لن يجدي نفعاً، والأفضل أن تستأجر إثيوبيا المنفذ المطلوب من الحكومة المركزية في مقديشو ومن الحكومة الإقليمية في هرجيسا بنسب يُتفق عليها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مصالح تركية

وتأتي المبادرة التركية للمصالحة بين الطرفين على خلفية علاقة أنقرة بكل من إثيوبيا والصومال، إذ تجمعها بالدولتين علاقات صداقة متنامية مما يتيح لها لعب الدور الذي تقوم به. ويمثل الاستقرار الإقليمي في البحر الأحمر ومنطقة القرن الأفريقي هاجساً دولياً، بخاصة في ظروف التوترات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط في ظل الحرب الإسرائيلية على غزة، وما تجره من توسيع لرقعة الأخطار في البحر الأحمر ضمن ما تشهده الملاحة الدولية من استهداف جماعة الحوثيين لها. كذلك تنظر تركيا إلى مصالحها في البلدين وتتقدم استثماراتها في إثيوبيا بما يزيد على 200 شركة تركية تعمل في البناء والصناعات الغذائية والدوائية برأس مال يتجاوز 3 مليارات دولار أميركي.

وأشارت جهات دبلوماسية إلى أن قيمة الصادرات التركية إلى إثيوبيا اقتربت من 290 مليون دولار خلال عام 2023، مؤكدة أن حجم التبادل التجاري بين البلدين مرشح للارتفاع، كما تربط تركيا بالصومال علاقات ممتدة توثقت أكثر خلال نكبة الحرب الأهلية الصومالية عندما غادرت فرق الأمم المتحدة الإنسانية الصومال لتحل مكانها الفرق التركية، وتوثقت علاقة البلدين أكثر بعد زيارة رئيس الوزراء التركي حينها رجب طيب أردوغان إلى الصومال عام 2011 كأول زيارة لزعيم غير أفريقي للصومال أثناء المجاعة التي ضربت البلاد. وحشدت الزيارة مبادرات دبلوماسية وإنسانية، كما عمل الأتراك إلى جانب دول عربية أخرى بمختلف القطاعات الاستراتيجية والأمنية لإعادة بناء الصومال.

إضافة إلى ما تملكه أنقرة من قاعدة عسكرية في الأراضي الصومالية يأتي توقيع الاتفاق الإطاري للتعاون الدفاعي والاقتصادي بين البلدين، والذي تعهدت فيه تركيا حماية المياه الصومالية وتعزيز قدرات الصومال العسكرية البحرية كدلالة حقيقية لقيمة العلاقة بين البلدين.

رغبة ومصالح

الاهتمام التركي الذي تشجعه الولايات المتحدة الأميركية تجاه تحقيق المصالحة بين الطرفين الإثيوبي والصومالي يأتي كذلك لدواع تتمثل في رغبة الطرفين في تجاوز الأزمة بينهما، لكن هذه الرغبة تأتي كغلاف يضمر في داخله صراع مصالح ربما تكون متضاربة، وهو ما يهدد مسار الحوار.

وكانت الخارجية الصومالية أعلنت في وقت سابق أنه "لا مجال لوساطة" في الخلاف مع إثيوبيا ما لم تنسحب أديس أبابا من "الاتفاق غير القانوني" الذي أبرمته مع إقليم أرض الصومال الانفصالي، في حين تنظر إثيوبيا هي الأخرى إلى مصالحها في البحر الأحمر وما يمثله الموقع الجغرافي من أهمية ديموغرافية لها على النطاق المحلي والإقليمي بحكم العناصر القبلية الموجودة في المنطقة، وعلى النطاق الدولي الاستراتيجي قرب مضيق باب المندب وما يترتب على ذلك من نشاط دولي.

وكانت إثيوبيا أصدرت جملة رؤيتها حول ما سمته "الاستراتيجية الكبرى للماءين" كوثيقة استراتيجية رسمية عبر كتاب أصدره معهد الشؤون الخارجية بوزارة الخارجية الإثيوبية في مارس (آذار) الماضي يحمل رؤيتها حول مياه النيل والبحر الأحمر، وربما تفسر هذه التضاربات جانباً من التعثر الذي يواجه الوساطة التركية.

المبادرة طريق ثالث

ضمن التطورات في حيثيات مجرى التفاوض وفي خطوة سياسية لها دلالتها تزامن مسار مفاوضات الجولة الثانية، وبعد يوم واحد من انتهائها (أو فشلها) في الـ14 من أغسطس مع توقيع الرئيسين المصري عبدالفتاح السيسي والصومالي حسن شيخ محمود اتفاق البروتوكول التعاوني العسكري بالقاهرة، والذي كان أجازه مجلس الوزراء الصومالي مسبقاً في الـ20 من يوليو (تموز) الماضي.

وعلى رغم ما تواجهه المفاوضات بين إثيوبيا والصومال من مصاعب بعد فشل الجولة الثانية بحسب آراء مراقبين يعتمد الوسيط التركي رغبة الطرفين في التصالح كتطور ربما يطفئ هواجس المذكرة التي يعدها الصومال تعدياً على أراضيها، إلى جانب إخماد ما يتوقع من حرب إقليمية في حال إصرار الطرفين على مواقفهما المتعارضة، وفي حال نجاح مبادرة الصلح التركية بين الطرفين خلال الجولة الثالثة المنتظرة فهي تمثل لإثيوبيا طريقاً ثالثاً لتحقيق رغبتها بالوصول إلى البحر، والتي ترى أنها مسألة وجودية وليست ترفاً، بحسب رؤيتها الرسمية.

المزيد من تقارير