Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ذاكرة المنافي... هؤلاء عادوا لبلادهم من أجل "واجب الخلاص"

كثير من السياسيين والشخصيات التي تعيش بالخارج استدعتهم شعوبهم لإنقاذهم من الفوضى أو قيادتهم خلال الأزمات أو الاضطرابات

عاد محمد يونس من أوروبا إلى رئاسة حكومة بنغلاديش بعد انتفاضة طلابية وشعبية (رويترز)

ملخص

هناك ساسة وقادة آخرون كانوا منفيين لكن ليس بالمعنى التقليدي للنفي، ولعبوا أيضاً دوراً محورياً في تاريخ بلدانهم، بقيادة حركات نضالية أو توجيه بلدانهم خلال فترات من التغيير بعد تعرضها للأزمات والاضطرابات.

صاحب التاريخ السياسي ظاهرة المنافي على اختلافها وتشعبها، من مناف اضطرارية أو اختيارية جربتها مختلف الشعوب. وكثير من السياسيين والشخصيات التي كانت تعيش في الخارج استدعوا لإنقاذ بلدانهم من الفوضى أو قيادتها خلال الأزمات أو الاضطرابات، ومعظمهم لعب أدواراً مهمة في أوقات محورية أسهمت في تشكيل تاريخ بلدانهم، فكان هؤلاء القادة في نظر شعوبهم رموزاً ثورية وأيقونات للمقاومة ومخلصين، لذلك كانت عودتهم تشير إلى بداية تغيير سياسي واقتصادي واجتماعي مهم.

محمد يونس واستعادة "القانون والنظام"

عاد الحائز جائزة نوبل محمد يونس البالغ من العمر 84 سنة لبنغلاديش من أوروبا، إذ نصب في الثامن من أغسطس (آب) الجاري في حكومة موقتة لاستعادة "القانون والنظام"، بعد أن أجبرت انتفاضة بقيادة الطلاب واحتجاجات جماهيرية رئيسة الوزراء الشيخة حسينة على الفرار إلى الهند. وكانت السيدة حسينة (76 سنة) اتهمت بانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان، بما في ذلك سجن معارضيها السياسيين، واستسلم الرئيس البنغلاديشي محمد شهاب الدين لمطالب المحتجين بحل البرلمان وإطلاق سراح زعيمة المعارضة خالدة ضياء من الإقامة الجبرية، وكانت تولت منصب رئيس وزراء بنغلاديش في الفترة من 1991 إلى 1996.

ودعا يونس الذي تولى منصب "المستشار الرئيس" للإدارة الموقتة، إلى استعادة النظام في الدولة الواقعة بجنوب آسيا بعد أسابيع من العنف الذي أسفر عن مقتل 455 شخصاً في الأقل، وحث المواطنين على حماية بعضهم بعضاً، بما في ذلك الأقليات التي تعرضت للهجوم، كما وعد بإجراء انتخابات "في غضون بضعة أشهر".

والشيخة حسينة التي عادت من المنفى عام 1981 نددت بعنف الحكم العسكري، وأصبحت زعيمة المعارضة وتولت قيادة حزب "رابطة عوامي"، وكان يتزعمه والدها الشيخ مجيب الرحمن الذي قاد باكستان الشرقية إلى الانفصال لتصبح دولة مستقلة هي بنغلاديش عام 1971، وأصبح رئيس وزرائها لكن اغتاله ضباط عسكريون منشقون مع والدتها وأشقائها الثلاثة، في انقلاب عام 1975. وشغلت منصب رئيسة الوزراء من عام 1996 إلى 2001، ثم من 2009 إلى عام 2024 عندما ثارت عليها تظاهرات منددة بحكومتها وأدت إلى أحداث عنف واسعة.

نابليون بونابرت... الإمبراطور العائد

ذاعت شهرة القائد العسكري والسياسي الفرنسي الإيطالي الأصل نابليون بونابرت خلال أحداث الثورة الفرنسية، إذ قاد حملات عسكرية عدة وحكم فرنسا وأصبح إمبراطوراً، وكل ذلك خلال أواخر القرن الـ18 والعقد الأول من القرن الـ19.

غزا نابليون روسيا عام 1812، لكن جيشه أصيب بخسائر فادحة، وفي عام 1813 هزمت قوات الائتلاف السادس الجيش الفرنسي في "معركة الأمم"، ودخلت باريس عام 1814، إذ أجبرت بونابرت على التنازل عن العرش، ثم نفي إلى جزيرة ألبا. لم يستمر بونابرت في منفاه وهرب قبل أن يكمل العام، وعاد لفرنسا عام 1815 فيما عرف بـ"حملة الـ100 يوم"، فاستعاد الحكم لفترة وجيزة قبل هزيمته في معركة واترلو، ونفي مرة أخرى إلى جزيرة سانت هيلينا، التي وصل إليها بعد 10 أسابيع في البحر على متن السفينة "إتش أم أس نورثمبرلاند"، حيث أمضى السنوات الست الأخيرة من حياته.

محمد بوضياف... منظر الثورة الجزائرية

كان محمد بوضياف من منظري الثورة الجزائرية ومفجريها، لإنهاء الاستعمار الفرنسي على الجزائر، ثم عارض الدولة الوطنية المستقلة، بعد خلاف مع رفقاء السلاح حول كيفية إدارة الدولة، واختلف مع الرئيس السابق أحمد بن بلة، فسجن ثم حكم عليه بالإعدام وفضل المنفى الاختياري لتجنيب البلاد الفتنة والاقتتال، فاختار الاستقرار في المغرب 28 سنة.

كان بوضياف يعتقد أن مهمة "جبهة التحرير الوطني" أدت غرضها بنيل البلاد للاستقلال، وذلك في الثالث من يوليو (تموز) 1962، لكن أعلن الخامس من يوليو عيداً للاستقلال، ويعني ذلك أن تاريخ دخول فرنسا إلى الجزائر هو نفسه يوم خروجها منها. نادى بوضياف بالتعددية السياسية، وأسس عام 1962 "حزب الثورة الاشتراكية".

 

عاد محمد بوضياف للجزائر كمنقذ للبلاد في الـ16 من يناير (كانون الثاني) 1992 في ظروف أزمة سياسية نتيجة لإلغاء الجيش نتائج أول انتخابات تشريعية تعددية، وعين رئيساً للجنة العليا للدولة، وهي سلطة أنشئت بعد استقالة الرئيس الشاذلي بن جديد وحل "الجبهة الإسلامية للإنقاذ". أصبح بوضياف رابع رؤساء الجزائر، بعد أحمد بن بلة وهواري بومدين والشاذلي بن جديد.

وضع بوضياف مشروعاً وطنياً لإخراج البلاد من أزمتها، لكنه اغتيل في الـ29 من يونيو (حزيران) 1992 خلال إلقائه خطاباً على الهواء مباشرة في دار الثقافة بمدينة عنابة، على يد مبارك بومعرافي، واتهمت "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" بدفعه إلى تنفيذ العملية، فعصفت بالجزائر دوامة عنف بعد اغتياله.

عبدالله حمدوك: "لا أحمل عصا موسى"

بعد تنفيذ عمر البشير وتنظيم "الإخوان المسلمين" انقلاباً على الديمقراطية الثالثة، غادر عبدالله حمدوك السودان، ليشغل مناصب عدة في منظمات دولية مثل "منظمة العمل الدولية"، وخبير اقتصادي في "البنك الأفريقي للتنمية"، ومدير إقليمي لأفريقيا والشرق الأوسط في "المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية" وغيرها، ورئاسة مجموعة أنشطة اللجنة الاقتصادية لأفريقيا، والشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا والتكامل الإقليمي، والحوكمة والإدارة العامة.

عاد حمدوك من منفاه الاختياري في أديس أبابا للخرطوم عام 2019، بعد أن أطاحت الاحتجاجات بالرئيس البشير، وتسلم منصب رئيس الوزراء في الـ21 من أغسطس (آب) 2019، كجزء من اتفاق تقاسم السلطة بين المكونين المدني والعسكري في السودان، بهدف تحويل البلاد إلى الديمقراطية بعد ثلاثة عقود من الحكم العسكري. وقال في كلمته بعد أداء اليمين الدستورية، "لا أحمل عصا موسى، لكنني سأسلك نهجاً براغماتياً" في إصلاح الاقتصاد السوداني، مشيراً إلى "امتلاك السودان موارد كافية لجعل البلاد دولة قوية في القارة الأفريقية". وأضاف "ستحدد الأولويات في الفترة الانتقالية، ومهمة الحكومة هي بناء مشروع وطني لا يقصي أحداً".

 

واجه حمدوك اضطرابات سياسية وأزمة اقتصادية، لكنه نجح في الدعوة إلى إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. وشرع في بدء محادثات مع المؤسسات المالية الدولية لإعادة هيكلة ديون السودان، لكن حالت التوترات بين المكون المدني الذي يقوده والمكون العسكري، من دون إكمال هذه الترتيبات.

عدّت قيادة حمدوك رمزاً للأمل لتيار واسع من السودانيين، لكن واجهته تحديات كبيرة، بما فيها محاولة اغتياله، ثم الإجراءات التي فرضها رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق عبدالفتاح البرهان في الـ25 من أكتوبر (تشرين الأول) 2021، ثم اعتقاله لفترة وجيزة وإعادة تعيينه في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه، كجزء من اتفاق مع الجيش، لكنه استقال في يناير 2022، مشيراً إلى عدم قدرته على تحقيق إجماع بين الأحزاب السياسية المختلفة والاضطرابات المستمرة في البلاد بين العسكريين والمدنيين.

عاد حمدوك للظهور كجزء من تحالف جديد يعرف باسم "تقدم"، لكن منذ إطاحته أصبح في واجهة المكون المدني، الذي يسعى على رغم الانقسامات إلى إنهاء الحرب بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" المستمرة منذ الـ15 من أبريل (نيسان) 2023.

شارل ديغول... نموذج الدهاء السياسي

حصل شارل ديغول على قيادة اللواء 507 المدرع في مدينة ميتز الفرنسية عام 1937، وحين أعلنت فرنسا وإنجلترا الحرب على ألمانيا في الثالث من سبتمبر (أيلول) 1939 عين قائداً لدبابات الجيش الخامس بالنيابة. وفي عام 1940 عين وكيلاً لوزارة الدولة لشؤون الحرب والدفاع الوطني من رئيس وزراء فرنسا بول رينو، وبعد وفاته خلفه المارشال فيليب بيتان.

وعندما اجتاحت فيالق الدبابات الألمانية فرنسا، وأجبر أدولف هتلر فرنسا على الاستسلام في الـ22 من يوليو 1940، قطعت بريطانيا علاقاتها مع الحكومة الفرنسية، وأعلنت اعترافها بالهيئة الوطنية الفرنسية التي أنشأها وكان يترأسها ديغول. وقع بيتان هدنة مع ألمانيا النازية، فعارضه ديغول وفر إلى العاصمة البريطانية لندن.

من لندن وجه ديغول خطاباً مؤثراً للشعب الفرنسي لحمل السلاح عبر هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) "أيها الفرنسيون، خسرنا معركة لكننا لم نخسر الحرب، وسنناضل حتى نحرر بلدنا". وحاول مجلس الوزراء البريطاني منع خطاب ديغول، لكن ونستون تشرشل الذي كان داعماً له ألغى قرار المنع، واعترف رسمياً بديغول رئيساً للقوات الفرنسية الحرة.

 

قدم أستاذ التاريخ البريطاني جوليان جاكسون في مقدمة كتابه "ديغول" باعتباره رجلاً شجاعاً عظيماً ونموذجاً للدهاء السياسي والموازنة الهادئة بين الفصائل المتنافسة، اعتمد على الحماسة المسرحية أكثر من أي رجل عام آخر في قرنه. في الـ26 من أغسطس 1944، حرر الحلفاء باريس، نسب ديغول النصر لنفسه، فنظم عرضاً شخصياً في شارع الشانزليزيه. ترأس ديغول الحكومة الموقتة للجمهورية الفرنسية في الفترة الممتدة بين 1944 و1946، وأشرف على إصلاحات كثيرة عارضها بعض البرلمانيين.

كان لديغول ثلاثة لقاءات مع التاريخ: في عام 1940، وفي عام 1958، وفي عام 1968. وفي كل من هذه المناسبات الثلاث، أنقذ الدولة الفرنسية من خلال التمثيل المسرحي والحماسة الشديدة. أولاً بتجسيد الجمهورية الفرنسية في تراجعها أمام الألمان، ثم بالاستيلاء على السلطة في وضع جمهوري لإنهاء الأزمة الجزائرية، وأخيراً عندما أنهى الفوضى المحتملة لثورة مايو (أيار) بحشد ما يقرب من مليون شخص في الشانزليزيه في تظاهرة مضادة.

عجزت "الجمهورية الرابعة" عن التصدي للثورة الجزائرية عام 1954، فطلب رئيس الجمهورية آنذاك رينيه كوتي عام 1958 من ديغول العودة لرئاسة الحكومة، وصوت الفرنسيون له رئيساً للجمهورية الخامسة، فبادر إلى وضع دستور جديد يقوي فصل السلطات، وأطلق مفاوضات مع الثوار الجزائريين انتهت بتوقيع اتفاقات "إيفيان" الرامية إلى وقف إطلاق النار، ووضع حد لحرب دموية دامت ثماني سنوات، وإعلان استقلال الجزائر عام 1962.

أوليفر تامبو... محاربة الفصل العنصري من المنفى

قاد أوليفر تامبو رفقة نيلسون مانديلا معركة ضد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وأسسا رابطة الشباب التابعة للمؤتمر الوطني الأفريقي بغرض إنهاء حكم الأقلية البيضاء، وفي عام 1952 أسسا شركة محاماة ساعدتهما في تنظيم إضرابات واحتجاجات ضد الفصل العنصري.

قبض على مانديلا عام 1961 بتهمة الاعتداء على منشآت حكومية، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة في جزيرة روبن، أما تامبو فكان غادر إلى زامبيا.

 

ركز أوليفر تامبو من المنفى على السياسة الجماهيرية في جنوب أفريقيا في أواخر سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، فأدت إلى تحولات في السياسة التي كانت متبعة ضد نظام الفصل العنصري، إذ سافر كبار رجال الأعمال والسياسيين إلى لوساكا لإجراء مفاوضات معه. أدى ذلك إلى رفع الحظر عن "المؤتمر الوطني الأفريقي" من الرئيس فريدريك دبليو دي كليرك في فبراير (شباط) 1990. وعاد تامبو لجنوب أفريقيا من المنفى في الـ13 من ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه، لحضور أول مؤتمر كامل لأعضاء المؤتمر الوطني الأفريقي، بمن فيهم المنفيون والسجناء السابقون، منذ أكثر من 30 عاماً. كما شارك في المفاوضات في شأن الدستور الديمقراطي الجديد للبلاد، لكن بسبب سوء حالته الصحية نتيجة لسكتة دماغية سابقة، تنازل تامبو عن رئاسة "المؤتمر الوطني الأفريقي" في عام 1991 لرفيقه مانديلا، بينما تولى منصب الرئيس الفخري.

أونغ سان سو تشي... من زخم الديمقراطية إلى أزمة الروهينغا

برزت أونغ سان سو تشي الابنة لسياسيين بورميين بارزين للمرة الأولى كقوة سياسية بعد "انتفاضة 8888" في الثامن من أغسطس 1988، التي بدأها الطلاب في ميانمار ضد حكم الحزب الواحد لحزب البرنامج الاشتراكي البورمي، في جميع أنحاء البلاد. وفي العام نفسه وصلت قيادة عسكرية جديدة إلى الحكم في ميانمار، وفي 1989 قامت سو تشي بتأسيس وزعامة "حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية" إذ أعطت الانتفاضة زخماً جديداً للدعوات إلى الديمقراطية في ميانمار. وضعت تحت الإقامة الجبرية وعرض عليها الإفراج عنها في مقابل مغادرتها البلاد لكنها رفضت، مما يشير إلى أن احتجازها كان طوعياً تقريباً.

في عام 1990 دعا المجلس العسكري الحاكم إلى انتخابات عامة في البلاد، ففاز حزب سو تشي بنحو 81 في المئة، لكن المجلس العسكري لم يعترف بالحكومة التي استمرت في حكم ميانمار تحت مجلس الدولة لاستعادة القانون والنظام. قضت سوتشي ست سنوات في الإقامة الجبرية الأولى من 1989 إلى 1995، وأثار احتجازها انتقادات دولية واسعة، وفي عام 1991، حصلت على جائزة نوبل للسلام، كما فازت بجائزة "ساخاروف" قبل عام واحد عن "حرية الفكر" الجريئة.

 

في عام 2007 اشتعلت احتجاجات في 12 مدينة حول العالم بمناسبة مرور 12 عاماً على سجن سو تشي، وقبل ذلك وجه الأمين العام للأمم المتحدة نداء مباشراً إلى ميانمار لإطلاق سراحها، ومع ذلك ظلت قيد الإقامة الجبرية حتى أطلق سراحها في أكتوبر (تشرين الأول) 2010.

في عام 2015 حقق حزبها فوزاً كاسحاً في الانتخابات العامة، وأصبحت الزعيمة الفعلية للبلاد، إذ شغلت منصب مستشار الدولة، وهو الدور الذي أنشئ خصيصاً لها لأنها كانت ممنوعة دستورياً من الرئاسة. وبينما لم تكن أونغ سو تشي في المنفى التقليدي، فإن فترات عزلتها الطويلة وحركتها المقيدة داخل ميانمار جعلت عودتها للساحة العامة والسياسية لحظة مهمة في تاريخ البلاد. ومع ذلك أصبحت مسيرتها السياسية مثيرة للجدل بسبب تعامل حكومتها مع أزمة الروهينغا وقضايا أخرى خلال فترة وجودها في السلطة، وأطاح الانقلاب العسكري في فبراير (شباط) 2021 بحكومتها، وأصبحت مرة أخرى سجينة سياسية.

جوزيبي غاريبالدي... القومي العائد لتوحيد إيطاليا

في أوائل ثلاثينيات القرن الـ19 التحق جوزيبي غاريبالدي بحركة "إيطاليا الفتاة" بقيادة جوزيبي مازيني، التي كانت تهدف إلى تحرر إيطاليا من حكم النمسا وتوحيدها. كان غاريبالدي ضالعاً في محاولة إطاحة حكومة بييمونتي، مما اضطره إلى الفرار حتى وصل إلى أميركا الجنوبية، وحكمت عليه الحكومة بالإعدام غيابياً. عاش غاريبالدي لأكثر من 12 سنة في المنفى، وكان على اتصال بزميله الثوري مازيني، الذي كان يعيش في المنفى أيضاً لكن في لندن، وكان يرى في غاريبالدي نقطة تجمع للقوميين الإيطاليين. شارك غاريبالدي في حركات التمرد في أميركا الجنوبية وقاتل في البرازيل، وأوروغواي التي قاد قواتها حتى تحريرها.

وعندما اندلعت الثورات في أوروبا عام 1848، عاد غاريبالدي من أميركا الجنوبية، وقاد "الفيلق الإيطالي" المكون من نحو 60 مقاتلاً ثم قاد القوات في ميلانو. انضم إلى الصراع في روما عام 1849، إلى جانب حكومة ثورية شكلت حديثاً، وقاد القوات الإيطالية في قتال القوات الفرنسية الموالية للبابا، واضطر إلى الفرار إلى سويسرا. استغرق توحيد إيطاليا أكثر من عقد من الزمان، قام خلالها غاريبالدي بمحاولات للاستيلاء على روما في ستينيات القرن الـ19، لكنه أسر ثلاث مرات. خاض غاريبالدي خلال الحرب الفرنسية - البروسية قتالاً قصيراً ضد البروسيين، قبل أن تسيطر الحكومة الإيطالية على روما، ثم توحدت إيطاليا رسمياً عام 1871، وأعلنت روما عاصمة لها، وظل غاريبالدي يعامل كبطل قومي حتى وفاته في الثاني من يونيو 1882.

خوان دومينغو بيرون... البيرونية بسمات فلسفية

 تولى خوان دومينغو بيرون السلطة للمرة الأولى في الأرجنتين عام 1946، بعد انتخابات بشرت بتغييرات جادة في إدارة البلاد، ونجح في إدخال إصلاحات اجتماعية جذرية، وأمم السكك الحديدية والبنوك، ورفع الأجور وقيد ساعات العمل، لكن بسبب سوء تطبيق بعض سياساته، حدث ركود اقتصادي أثر سلباً في شعبيته، فأطيح به في انقلاب عسكري عام 1955. وطرد بيرون من منصبه من اتحاد القادة العسكريين وفر إلى بورغواي ثم إلى إسبانيا حيث استقر هناك مواصلاً ممارسة نفوذه السياسي القوي في الأرجنتين، مما ولد "الحركة البيرونية" ذات السمات الفلسفية التي استقطبت تياراً عريضاً من الأرجنتينيين.

وبعد ما يقرب من 18 عاماً في المنفى، دعته الحكومة الأرجنتينية للعودة في عام 1973 بسبب الاضطرابات الاجتماعية والسياسية المتزايدة. فاز بيرون بالانتخابات الرئاسية في ذلك العام، فعين زوجته إيزابيل بيرون نائبة له، وتولت الرئاسة بعد وفاته عام 1974، لكنها عزلت في انقلاب عسكري عام 1976، واستمر الحكم العسكري إلى عام 1982.

نفي غير تقليدي

هناك ساسة وقادة آخرون كانوا منفيين لكن ليس بالمعنى التقليدي للنفي، ولعبوا أيضاً دوراً محورياً في تاريخ بلدانهم، بقيادة حركات نضالية أو توجيه بلدانهم خلال فترات من التغيير بعد تعرضها للأزمات والاضطرابات. فالمهاتما غاندي أمضى سنوات عديدة في جنوب أفريقيا، قبل أن يعود للهند لقيادة النضال من أجل الاستقلال عن الحكم البريطاني. وهناك نيلسون مانديلا الذي سجن في جزيرة روبن ثم في سجني بولسمور وفيكتور فيرستر لمدة 27 عاماً، مما أبعده عن المشهد السياسي. وكان إطلاق سراحه في عام 1990 بمثابة نقطة تحول بالنسبة إلى جنوب أفريقيا، مما أدى إلى نهاية نظام الفصل العنصري، ثم طلب منه قيادة البلاد خلال فترة انتقالية إلى الديمقراطية، ليصبح في أول رئيس أسود لجنوب أفريقيا في عام 1994.

وفي بولندا انتهى سجن رئيس حركة التضامن ليش فاليسا بسقوط الشيوعية في بولندا، وفي العراق على رغم أن نوري السعيد أمضى غالب الوقت الذي كانت فيه تحولات سياسية خارج بلاده بسبب التهديدات، إلا أنه عاد مرات عدة لقيادة البلاد أثناء تلك الأزمات خلال سنوات ما بين الحربين العالميتين وفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حتى قتل خلال ثورة 1958 التي أنهت النظام الملكي. كما أن أحمد سيكو توري (غينيا) لعب دوراً مهماً كشخصية رئيسة في نضال غينيا، إذ تزعم "الحركة المناهضة للاستعمار" التي واجهت قمعاً كبيراً حتى نالت الاستقلال عام 1958، وأصبح أول رئيس لغينيا لعقدين من الزمان.

المزيد من تحقيقات ومطولات