ملخص
"الأموال الساخنة" هو وصف لعملية دخول المستثمرين الأجانب إلى القاهرة لبيع ما معهم من دولارات أو عملات أجنبية أخرى في مقابل الحصول على الجنيهات المصرية للاستثمار في أذون الخزانة بسعر عائد مرتفع، وعند الخروج من السوق يحول ما ربحه من أموال بالجنيه المصري إلى الدولار الأميركي
يعد الاستثمار الأجنبي غير المباشر في أدوات الدين الحكومية أذون الخزانة أو ما يعرف اقتصادياً بـ"الأموال الساخنة"، إحدى الأدوات المهمة التي تعول عليها دول الأسواق الناشئة ومن بينهم مصر بكل تأكيد، إذ تمنح عائداً مرتفعاً، فتعد القاهرة ثالث أعلى عائد من أذون الخزانة والسندات بالعملة المحلية من بين 23 دولة بالأسواق الناشئة.
حان الوقت لتعديل السياسة
ومع التأكيدات التي جاءت من أقصى الغرب في شأن تخفيف السياسة النقدية الأميركية بمعنى خفض أسعار الفائدة قد تتدفق موجات من الأموال الساخنة إلى الأسواق الناشئة ومن بينها مصر بحثاً عن عوائد أعلى، بعدما أشار رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) جيروم باول في خطابه السنوي في الندوة التي يعقدها البنك في جاكسون هول بولاية وايومنغ، أمس الجمعة إلى الاتجاه نحو خفض الفائدة، بعدما قال "لقد حان الوقت لتعديل السياسة، فالاتجاه واضح، وسيعتمد توقيت خفض أسعار الفائدة ووتيرته على البيانات الواردة، والتوقعات المتطورة، وتوازن الأخطار"، موضحاً أن التضخم "انخفض بصورة كبيرة" وأن البنك المركزي يمكنه الآن التركيز على دعم سوق العمل القوية.
"الأموال الساخنة" هو وصف لعملية دخول المستثمرين الأجانب إلى القاهرة لبيع ما معهم من دولارات أو عملات أجنبية أخرى في مقابل الحصول على الجنيهات المصرية للاستثمار في أذون الخزانة بسعر عائد مرتفع، وعند الخروج من السوق يحول ما ربحه من أموال بالجنيه المصري إلى الدولار الأميركي.
وبناء على ذلك، تؤثر "الأموال الساخنة" في العملة المحلية في مصر أو غيرها من الأسواق الناشئة التي تتبع سعر صرف مرن.
خطر "الأموال الساخنة" كما وصفه المحللون يكمن في خروجها السريع والمفاجئ من الاقتصادات، مما قد يؤثر في سعر الصرف واحتياطات النقد الأجنبية، وهو ما حدث بالفعل في مصر قبل أكثر من عامين، وكان جزءاً من الأزمة الاقتصادية التي تلقي ظلالها حتى اللحظة.
ففي مطلع عام 2022، حينما كان سعر صرف الدولار أمام الجنيه نحو 15.8 جنيه للدولار الواحد، واحتياط العملات الأجنبية عند 41 مليار دولار، خرجت من مصر نحو 22 مليار دولار "أموال ساخنة" نتيجة اضطرابات في الأسواق العالمية مع اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا.
وتسبب هذا الخروج المفاجئ بأزمة اقتصادية كبيرة في مصر دفع الحكومة المصرية إلى خفض قيمة عملتها المحلية بأكثر من 50 في المئة، إذ تراجعت من 15.8 جنيه في مقابل كل دولار قبل الحرب الروسية في أوكرانيا إلى أكثر من 30 جنيهاً في مقابل الدولار الواحد مما دفع القاهرة إلى التفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل وصل إلى نحو 8 مليارات دولار قبل أن تتفاوض على رفع تلك القيمة.
ولقسوة خروج "الأموال الساخنة" في تلك الفترة على الاقتصاد المحلي، قال وزير المالية السابق الدكتور محمد معيط في تصريحات صحافية "لقد تعلمنا الدرس جيداً"، موضحاً أن "الحكومة لم يعد يمكنها الاعتماد على المشتريات الأجنبية لأذون وسندات الخزانة لتمويل موازنتها بل يجب العمل على تعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر".
ترتفع إلى 40 مليار دولار في يوليو
وعلى رغم ذلك، عادت استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومي، في التدفق على مصر من جديد بعد إعلان البنك المركزي المصري تحرير سعر الصرف في مارس (آذار) الماضي، لتوحيد سعر الصرف والقضاء على السوق السوداء لتجارة العملة، واستئناف قرض صندوق النقد الدولي مع مصر، لتبلغ مستوى غير مسبوق، متجاوزة 40 مليار دولار في يوليو (تموز) الماضي، بعدما ارتفع العائد على أذون الخزانة المصرية لأجل ثلاثة أشهر إلى 28.3 في المئة في آخر عطاءات البنك المركزي المصري مقارنة بالشهر الماضي.
ووفقاً لوكالة "بلومبيرغ" فإن مصر تعد ثالث أعلى عائد من أذون الخزانة والسندات بالعملة المحلية من بين 23 دولة نامية تتابعها الوكالة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولكن تسربت الأموال الساخنة من جديد مع تراجع وهبوط حلا على الأسواق العالمية فيما يعرف بـ"الإثنين الأسود" الذي وافق السادس من أغسطس الجاري، مما انعكس على القاهرة أيضاً وتسبب في خروج جزئي من الأموال الساخنة خلال الأسبوع الأول من أغسطس الجاري من السوق المصرية إلى زيادة الضغط على الدولار حتى تخطى سعره حاجز الـ49 جنيهاً وعادة تؤدي الأموال الساخنة إلى وجود ضغط على الدولار عند خروجها وزيادة الضغط على الجنيه وسط تراجع موارد النقد الأجنبي وعجز ميزان المدفوعات.
وتعليقاً على ذلك قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، في مؤتمر صحافي انعقد في الـ12 من أغسطس (آب) الجاري، إن "إجمال الأموال الساخنة التي خرجت من مصر خلال عمليات البيع العالمية الإثنين لم تمثل أكثر من ثمانية في المئة من إجمال الأموال الموجودة في السوق في ذلك الوقت."
واتفق المحللون في حديثهم إلى "اندبندنت عربية" على تدفق الأموال الساخنة على الأسواق الناشئة ومصر تحديداً بعد الإشارات الواضحة على إقدام "الفيدرالي" على خفض الفائدة في سبتمبر (أيلول) المقبـل، ولكنهم اختلفوا حول أهمية التعامل مع الأموال الساخنة وخطرها باعتبارها أحد الروافد المهمة للاقتصاد المصري، ففي وقت تحذر الحكومة من التعامل مع هذا النوع من الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، يرفض آخرون منعها ويفضلون التعامل معها لكن بشروط.
القاهرة ستكون وجهة مفضلة
قال المتخصص في شؤون الاقتصاد الدكتور مدحت نافع، إن "مما لا يشك فيه أن الأسواق الناشئة ومنها مصر ستكون وجهة مفضلة للمستثمرين الأجانب بعد رسائل باول عن خفض الفائدة سبتمبر المقبل"، موضحاً أن "بالطبع خفض الفائدة يقلل من أهمية الدولار وأدوات الدين الأميركية بعد تراجع عوائدها لذلك سيبحثون عن عوائد أعلى في أماكن أخرى"، مضيفاً "العوائد على أدوات الدين المصرية مرتفعة"، مستدركاً "لكن المشكلة في مصر أن التضخم يلتهم الفائدة الاسمية مما يعطي المستثمر مؤشراً سلبياً فيجب أن تكون فائدة حقيقية"، قائلاً "لكن بصورة عامة خفض الفائدة الأميركية هو أمر جيد لمصر والأسواق الناشئة".وعن زاوية أخرى، قال مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية عبدالمنعم السيد، إن "خطر التعامل مع الأموال الساخنة يكمن في خروجها السريع والمفاجئ من الاقتصادات"، موضحاً "هذا بالطبع قد يؤثر في سعر الصرف واحتياطات النقد الأجنبية".
وأضاف "في مطلع عام 2022 ومع اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية خرجت الأموال الساخنة من مصر بصورة كثيفة لتعويض خسائرها في الأسواق المتقدمة"، مشيراً إلى أن الاعتماد عليها مجدداً سيعيد المشكلات التي عاناها الاقتصاد المصري خلال الفترة الماضية".
وطالب السيد الحكومة المصرية بالتعامل مع الأموال الساخنة على أنها أداة استثنائية لا يعتمد عليها، مع ضرورة الاستغناء عنها في أقرب فرصة"
ليست كلها شراً
لافتاً إلى أن "الأزمة ليست في خروجها السريع والمفاجئ وحسب، بل بسبب أعبائها على الدين العام" مؤكداً أن "الحل في ظل التوترات الموجودة في المنطقة التي يمكن أن تتسع في أية لحظة لتتحول إلى حرب إقليمية أوسع، هو وضع خطة لاستبدال الأموال الساخنة بمنتجات أكثر استقراراً وثباتاً مقارنة مع أذون الخزانة مثل السندات ذات الآجال المتوسطة والطويلة إلى جانب تسريع برنامج الطروحات الحكومية وجذب الاستثمارات في الأسهم للشركات المطروحة في البورصة، إضافة إلى جذب الاستثمار الأجنبي المباشر الداعم للاقتصاد والإنتاج والتصدير والمشجع للنمو والتشغيل"، موضحاً أن هذا النوع من الاستثمار
يتسم بالاستقرار يزيد فرص العمل ويرفع حجم الصادرات لضخ نقد أجنبي من الخارج في شرايين الاقتصاد المحلي".من جانبه، انتقد المتخصص في شؤون الاقتصاد هاني توفيق، من يهاجم الاستثمار الأجنبي غير المباشر على الدوام"، موضحاً في منشور له على "فيسبوك" إن "الأموال الساخنة ليست كلها شراً كما يزعم بعض، وذلك إذا حسن استغلالها باعتبارها رأس مال عاملاً لشراء مواد خام ومستلزمات إنتاج بغرض التشغيل والتصدير، وتحقيق أرباح دولارية أكبر من كلفة هذه الأموال".