Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تتصالح مصر مع تنظيم "الإخوان"؟

رسالة "إخوانية" تطلب المصالحة مقابل التخلي عن السياسة لفترة زمنية وأخرى تنفي دون غلق الباب وصمت رسمي في القاهرة

يقبع أغلب قيادات الإخوان في السجون بتهم الانضمام لجماعة "إرهابية" وممارسة العنف والتطرف (أ ف ب)

ملخص

على رغم أنها لم تكن المرة الأولى التي يطفو فيها على السطح تداول الحديث داخل الأوساط المصرية عن "فكرة المصالحة"، التي كثيراً ما نفى احتمالات حدوثها مسؤولون في الدولة وعلى رأسهم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي طوال الأعوام الماضية، فإن توقيت طرح "المبادرة" الراهنة وأهدافها في ضوء معطيات الواقع شهدت تبايناً في قراءتها بين المراقبين والمتابعين لحركات الإسلام السياسي في المنطقة ممن تحدثوا لـ"اندبندنت عربية"، على رغم إجماعهم خلال الوقت ذاته على حدة الارتباك والشقاق التي تضرب صفوف التنظيم منذ أعوام.

فتحت رسالة منسوبة إلى حلمي الجزار أحد أبرز قيادات تنظيم "الإخوان المسلمين" في الخارج تطالب بالعفو عن الجماعة وإطلاق سراح "معتقليها" في السجون المصرية مقابل التخلي عن العمل السياسي، الباب مجدداً في مصر للحديث حول احتمالات وفرص تحقيق تلك "المصالحة" بين الجماعة التي تصنفها السلطات "إرهابية" والحكومة المصرية، بعد أعوام من إطاحتهم من الحكم خلال يوليو (تموز) 2013.

إلا أن الرسالة التي نقلها أحد الإعلاميين المحسوبين على الجماعة، التي تشهد انقسامات عميقة بين صفوفها منذ أعوام، ما لبثت أن لفها الغموض بعيد بيان أصدره الجزار نفسه، جادل خلاله في شأن ما قاله عن "ممارسة ’الإخوان‘ للعمل السياسي"، قائلاً إن "عدم المنافسة على السلطة الذي أعلنته الجماعة وما زالت متمسكة به لا يعني أبداً الانسحاب من العمل السياسي الذي يظل من ثوابت مشروع الجماعة الإصلاحي"، مشيراً إلى أن الجماعة ترى في نفسها أنها "جزء أصيل من الشعب المصري تدافع عن حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في كل ميدان، ولا تتخلى عنه كواجب شرعي ووطني"، على حد قوله.

ومنذ عام 2013 تصنف الحكومة المصرية جماعة "الإخوان المسلمين" بأنها "إرهابية"، وحظرت نشاطها وتحفظت على أصولها وأصول عدد من منتسبيها وتقوم بملاحقة من يثبت انتماؤه إليها، ويقبع معظم قادتها داخل السجون المصرية شديدة الحراسة بعد إدانتهم بموجب أحكام قضائية في اتهامات تتعلق بارتكاب أنشطة إرهابية والتحريض على العنف ضد مؤسسات الدولة وقوات الأمن.

وخلال الأعوام الأخيرة طفا الشقاق بين قيادات الجماعة المقيمة بالخارج على السطح وبخاصة على وقع التقارب المصري التركي وبدء تطبيع العلاقات بين البلدين خلال عام 2020 بعد أعوام من القطيعة، إذ حجمت السلطات التركية المنصات الإعلامية التابعة للإخوان التي تبث من أراضيها، وطالبت عدداً من قادة التنظيم بمغادرة أراضيها.

تضارب في الرسائل

عاد الحديث عن المصالحة بعد أن نقل ماجد عبدالله الإعلامي المصري القريب من الجماعة والمقيم في الخارج ما قال إنه رسالة منسوبة وبطلب رسمي من حلمي الجزار نائب القائم بأعمال المرشد العام للتنظيم والمقيم في لندن، بأن الجماعة "تطلب رسمياً من السلطات المصرية العفو عنها مقابل تخليها عن العمل السياسي تماماً وإطلاق سراح المعتقلين من عناصر الجماعة بالسجون المصرية".

حديث عبدالله الذي جاء في بث له على قناته الخاصة على "يوتيوب" أوضح فيه أن الجزار "طلب منه أن ينقل على لسانه أن الجماعة جاهزة للتصالح مع السلطات والقوى السياسية في مصر، وقبول مبادرتها في الصلح متعهداً بأن تتخلى الجماعة عن العمل في السياسية لمدد تراوح ما بين 10 و15 عاماً، ونسيان ما فات خلال الـ11 عاماً الماضية منذ الإطاحة بحكم الجماعة خلال يوليو من العام 2013".

ولم تمر ساعات على كلام عبدالله حتى أصدر الجزار بياناً نفى فيه عزم الجماعة التخلي عن العمل السياسي وأضفى مزيداً من الغموض على كلام الإعلامي المصري، إذ جاء فيه "بخصوص ما يتردد بين الحين والحين في شأن ممارسة ’الإخوان المسلمين‘ العمل السياسي، تؤكد الجماعة على عدة أمور أولها أن عدم المنافسة على السلطة الذي أعلنته الجماعة وما زالت متمسكة به لا يعني أبداً الانسحاب من العمل السياسي، الذي يظل من ثوابت مشروع الجماعة الإصلاحي"، مضيفاً بحسب ما نشرته الصفحة الرسمية للتنظيم على منصة "إكس"، "ثانياً تؤكد الجماعة أنها جزء أصيل من الشعب المصري تدافع عن حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في كل ميدان، ولا تتخلى عنه كواجب شرعي ووطني".

وبحسب الجزار الذي وصف نفسه بأنه "مسؤول القسم السياسي بـ’جماعة الإخوان‘"، فإن "مطلب ترك ممارسة السياسة الذي تحوم حوله الإشاعات والتطلعات يؤكد عدم قبول التعددية السياسية، بل أحادية نظام الحكم"، ثم عاد وقال إن "’جماعة الإخوان‘ أعلنت سلفاً أن من مد لها يداً فلن يجد منها إلا الوفاء، وأنها ترحب بأية مبادرة جادة في سبيل تحرير المعتقلين السياسيين".

وبينما لم تتعاط الحكومة المصرية أو أي من المؤسسات الرسمية مع تلك الرسائل، تباينت الرؤى بين كتاب وإعلاميين محسوبين على الحكومة حول تلك المبادرة، إذ كتب البرلماني والإعلامي المصري مصطفى بكري عبر صفحته على منصة "إكس" قائلاً "المبادرة التي أطلقها الجزار وتولى طرحها الإعلامي ماجد عبدالله أثارت جدلاً وخلافاً داخل صفوف أعضاء الجماعة"، موضحاً أنها "دليل على وصول الجماعة إلى مرحلة اليأس ونهاية مشروعها الذي أطلقته بالسعي إلى العودة للحكم مرة أخرى".

وبحسب بكري فإن المبادرة تعكس كذلك "فقدان ’الإخوان‘ للظهير الشعبي وإدراكها بأن مشروع الثورة ضد نظام الحكم في مصر قد فشل، وأن ثقة الجماهير في كل أطروحاتهم تكاد تكون معدومة"، فضلاً عن "اشتداد الخلافات بين صفوفهم في الخارج بين جبهة لندن وجبهة تركيا، وتأكدهم بفشل مشروع الإسلام السياسي في المنطقة، بعد تجارب الحكم في مصر وتونس وليبيا والمغرب والسودان"، مضيفاً أن هذه المبادرة "ستزيد من حدة الانقسام داخل الجماعة وهو أمر سيزيد الأمور تعقيداً بينهم، وفي المقابل هذا يعني انتصاراً جديداً للدولة المصرية ومؤسساتها وقيادتها وثوابتها الوطنية"، على حد قوله.

 

ومن جانبه، كتب الإعلامي المصري أحمد موسى عبر صفحته على "إكس" قائلاً "الحقيقة هي لا أحد من الشعب يصدق أي كلام فارغ يصدر عن جماعة خائنة قاتلة، وما صدر على لسان حلمي الجزار أحد القيادات المارقة... بلا قيمة"، مضيفاً "من خان وقتل وهدد وروع الشعب لن يكون في أي وقت موجوداً مرة أخرى، هكذا تعلمنا من التاريخ القريب والبعيد". واعتبر موسي أن "ما حدث من العصابة (الإخوان) وميليشياتها ولجانها المستمرة في التحريض والخيانة منذ عام 2011 وحتى اليوم يؤكد للشعب أن "الإخوان" جماعة مارقة مجرمة لا تصالح ولا عودة لهم أبداً إلى المشهد، والخلاصة أن ما بين الشعب و"الإخوان" دماء وأرواح الشهداء، وشعب مصر قال كلمته ولن يسمح لأي شخص بالحديث في هذا الموضوع نهائياً".

عن التوقيت والمغزى واحتمالات "المصالحة"

على رغم أنها لم تكن المرة الأولى التي يطفو فيها على السطح تداول الحديث داخل الأوساط المصرية عن "فكرة المصالحة"، التي كثيراً ما نفى احتمالات حدوثها مسؤولون في الدولة وعلى رأسهم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي طوال الأعوام الماضية، فإن توقيت طرح "المبادرة" الراهنة وأهدافها في ضوء معطيات الواقع شهدت تبايناً في قراءتها بين المراقبين والمتابعين لحركات الإسلام السياسي في المنطقة ممن تحدثوا لـ"اندبندنت عربية"، على رغم إجماعهم خلال الوقت ذاته على حدة الارتباك والشقاق التي تضرب صفوف التنظيم منذ أعوام.

وبحسب الباحث في شؤون الحركات الإسلامية ماهر فرغلي فإن "الهدف الرئيس من إثارة مثل هكذا حديث من جانب "الإخوان" في الوقت الراهن ما هو إلا محاولة الرجوع للمشهد الإعلامي مرة أخرى، وإثارة حالة من الجدل والضوضاء التي قد تخدم أجندتهم"، معتبراً خلال حديثه مع "اندبندنت عربية" أنه "لم يعد هناك شيء اسمه مصالحة، وأن أي حديث عن هذا الأمر هو غير منطقي ولن تقدم عليه الدولة المصرية في أي وقت".

وبعد استنكاره لفرضية أن "تقدم الدولة على عمل مصالحة مع جماعة مصنفة إرهابياً"، أوضح فرغلي أنه بدلاً من إثارة مثل هكذا حديث "على الجماعة أن تتجه إلى إجراء مراجعة فكرية أولاً قبل التطرق إلى أي نقاش عن المصالحة".

فوي الاتجاه ذاته، يقول الباحث المتخصص في شؤون جماعات الإسلام السياسي ورئيس مركز النيل للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة أحمد بان أنه "تعاني ’جماعة الإخوان‘ بعد ما مرت به من أزمات وانقسامات حالة كبيرة من الارتباك فضلاً عن أنها لم تعد تنظيماً واحداً يمكنه القدرة على اتخاذ قرار".

وذكر رئيس مركز النيل خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "قدرة أي تنظيم أو حركة على اتخاذ قرار مرتبط بوحدة قيادتها وتماسكها، لكن الآن ما يشهده تنظيم ’الإخوان‘ هو أنه تشقق إلى أجنحة ومجموعات منقسمة لكل منها فهم وقراءة مختلفة للواقع، مما يعكس حجم الارتباك الذي تشهده". وتابع "وعليه فإن أية فكرة أو حديث عن مصالحة مرتبط بصورة رئيسة بمراجعة الجماعة لأفكارها وأدبياتها ومشروعها في مجمله، مما لم ينجزه أو يتطرق إليه بصورة عملية أي فريق داخل الجماعة، بالتالي فلا توجد سلطة عاقلة يمكنها التجاوب مع مثل هكذا أفكار". وأضاف "فضلاً عن ذلك لدى التنظيم مشكلة دائماً في اختيار التوقيت، بمعنى أنهم يدركون متأخراً ما كان يجب أن يدرك في وقت سابق، إذ إن الآن لم يعد لدى الجماعة أية أوراق قد تدفع حتى الحكومة المصرية لمجرد التفكير في المصالحة".

وعصفت الخلافات بقيادة ’جماعة الإخوان‘ في إسطنبول ولندن منذ انتخابات هيئة المكتب في تركيا عام 2021، والتي شهدت طعوناً عدة في نتائجها وإجراءاتها وعدم اعتراف مجموعة القيادي محمود حسين بها، فضلاً عن تزايد غضب منتسبيها في تركيا من سوء أوضاعهم المعيشية ومنع فضائيات محسوبة على الجماعة في إسطنبول من انتقاد مصر ورموزها السياسية بتعليمات تركية، والتهديد بترحيل البعض.

وفي مقابل تلك الرؤى يطرح الباحث في شؤون الحركات الإسلامية سامح عيد فرضية مغايرة، إذ يرجح في حديثه معنا "احتمالات قبول الحكومة المصرية لمثل هكذا مبادرة في حال جديتها"، موضحاً "قد يكون هناك اتجاه داخل الحكومة في ضوء حال الحوار الوطني التي شهدتها البلاد ومراجعة قوانين الحبس الاحتياط، لإخراج عدد من المحبوسين من تنظيم ’الإخوان‘ في ضوء اتفاق بدلاً من خروجهم من دون اتفاق".

وتابع عيد "إعادة طرح قوانين الحبس الاحتياط للنقاش ضمن مبادرة الحوار الوطني فضلاً عن الضغوط الخارجية المستمرة في هذا الشأن، وسابقة حدوث اتفاق بين الدولة والجماعة الإسلامية عام 2003 والذي قضى بإخراج عناصرها من السجون مقابل التخلي عن أنشطتهم السياسية والدعوية في مقابل تصاعد الدعوات الداخلية داخل الجماعة بمراجعة القيادات لمواقفهم وضرورة الوصول إلى اتفاق مع الدولة، قد تعزز في النهاية مثل هكذا مسار، وبخاصة في ضوء الرغبة الواسعة في حلحلة موضوع ’الإخوان المسلمين‘". إلا أنه عاد وأوضح أن "المبادرة نفسها المطروحة أتحفظ عليها، إذ يجب أن يكون الهدف النهائي تعطيل عمل التنظيم الحركي وليس الاقتصار على وقف نشاط ’الإخوان‘ السياسي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ورداً على تلك الفرضية عبر أحمد بان من جانبه عن اعتقاده أنه "لن يكون لأي إصلاح تشريعي مستقبلي في ما يتعلق بقوانين الحبس الاحتياط أي انعكاس على عناصر ’الإخوان‘ القابعين في السجون"، موضحاً أن "هؤلاء في النهاية محكوم عليهم وفقاً لقوانين مكافحة الإرهاب ونشر العنف".

يشار إلى أنه منذ عام 2013 تصاعد موقف الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي من "إمكانية عودة أنصار ’الإخوان‘ المسلمين في مصر إلى العمل السياسي شريطة نبذ العنف" إلى الرفض المطلق لأي احتمال لأن يكون للتنظيم دور في المشهد المصري خلال فترة وجوده في السلطة، مؤكداً أن شعب مصر لن يقبل عودتهم "لأن فكر الإخوان غير قابل للحياة ويتصادم معها".

وفي حواره مع "أسوشيتد برس" بعد وصوله إلى السلطة عام 2014 قال السيسي "كان لدى ’الإخوان‘ فرصة حكم مصر" لكن المصريين رفضوهم، موضحاً أنه "يمكن لأنصار الجماعة العودة إلى السياسة لو نبذوا العنف". وأضاف "مصر متسامحة للغاية مع أي شخص لا يستخدم العنف.. فرصة المشاركة موجودة، إلا أن ’الإخوان‘ اختاروا المواجهة".

وخلال يونيو (حزيران) 2016 طرح وزير الشؤون القانونية ومجلس النواب المصري مجدي العجاتي إمكانية التصالح مع الجماعة "شريطة نبذ العنف"، قائلاً "يمكن أن نتصالح مع الإخواني إذا لم تلوث يده بالدم لأنه مواطن في النهاية، ما دام لم ينسب إليه أي فعل إجرامي". وشدد العجاتي حينها على أهمية توافر "نيات صادقة" لدى الجماعة بعيداً من المناورة، وأن يعترفوا بأخطائهم ويدينوا الهجمات "الإرهابية" الأخيرة التي وقعت في مصر.

وخلال أكتوبر (تشرين الأول) 2018 رفض الرئيس السيسي أي دور للإخوان في المشهد المصري خلال فترة وجوده في السلطة، مؤكداً أن شعب مصر لن يقبل عودتهم "لأن فكر ’الإخوان‘ غير قابل للحياة ويتصادم معها"، واتهم السيسي حينها الجماعة بأنها "قادت الفوضى في عدد من البلدان العربية كاليمن وليبيا"، موضحاً أن "ما يسمى الربيع العربي جاء بسبب واقع خاطئ بمعالجة خاطئة"، معتبراً أن قرار المصالحة "يعود إلى الشعب المصري".

وفي أكتوبر 2020 عاد السيسي مؤكداً رفضه أية مصالحة مع "الإخوان" قائلاً خلال "ندوة تثقيفية" للقوات المسلحة بمناسبة الذكرى الـ47 لحرب أكتوبر 1973 إن محاولات استهداف الدولة المصرية لن تتوقف من قبل من يقومون بها، وذلك لأن هدفهم هو تدمير الدولة، مضيفاً "لو ترغبون في الراحة مما يحدث لكم يومياً فعليكم بالمصالحة، ولو تريدون المصالحة أخبروني، لكن أنا لن أستطيع المصالحة مع من يريد هدم بلدي وإيذاء شعبي وأولادي، فالأمر ليس مجرد اختلاف بل دمار وخراب أنتم (الإخوان) لا عندكم دين ولا ضمير ولا إنسانية".

المزيد من تقارير