Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رسائل اقتحام "الحشد الشعبي" موقعا نفطيا في كردستان 

عناصره انسحبت بعد مطالبة الحكومة العراقية بالتدخل وسط قلق من نوايا الحشد التوسعية

انسحاب عناصر الحشد الشعبي من موقع نفطي في منطقة كولاجو (الصورة تخضع لحقوق الملكية الفكرية - مواقع التواصل الاجتماعي)

ملخص

تدرج بعض القراءات محاولة السيطرة على منطقة نفطية ضمن سياق الصراع المتزايد حول السيطرة على الموارد والنفوذ في مناطق موضع النزاع بين حكومتي أربيل وبغداد.

في الساعات الأولى أمس الأحد أقدمت قوة كبيرة من "الحشد الشعبي" على اقتحام مفاجئ لموقع نفطي في منطقة كولاجو، ضمن إدارة كرميان في محافظة السليمانية قبل أن تنسحب لاحقاً، مما أثار قلق السلطات في إقليم كردستان العراق.

اتهامات متبادلة
 
وعلى رغم ما قدمه الحشد من تبريرات لعملية الاقتحام بكونها استجابة لمعلومات استخباراتية حول رصد "تهديدات إرهابية" تتعلق بنشاط تنظيم "داعش" في المنطقة، فإن مراقبين يرون أنها لا تخلو من رسائل سياسية، لما رافقها من مواقف متباينة واتهامات متبادلة عبر الإعلام بين الحزب "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني وشريكه في حكومة الإقليم "الاتحاد الوطني" بزعامة بافل طالباني، وسط محاذير من أخطار مساعي قوات الحشد للسيطرة على مزيد من المناطق الواقعة تحت سلطة الإقليم. 

لكن وسائل إعلام حزب طالباني أعلنت لاحقاً أن القوة انسحبت بعد مطالبة الحزب الحكومة الاتحادية في بغداد بالتدخل لكون ذلك يعد "انتهاكاً غير مقبول ولن نسمح لهذه القوة التي جاءت من دون علم مسبق بالبقاء في المنطقة إطلاقاً". 

مخاوف من حدود النوايا

قد لا يكون هذا الحدث عابراً مع بروز تساؤلات إزاء استراتيجية قوات الحشد الموالية لإيران حيث يقود زعماؤها تحالف "الإطار التنسيقي" المؤسس لحكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، في وقت تمكنت فيه الأخيرة من تقويض سلطة الأكراد وحدودها منذ سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين عام 2003 عبر سلسلة من القرارات القضائية الاتحادية، فما الرسائل الكامنة وراء هذا التحرك؟ وما مدى جدية المخاوف من تحول قوات الحشد لدى الدولة العراقية إلى أداة "ابتزاز" لفرض الإرادة وتوسعة النفوذ لما قد يتجاوز النطاق المحلي؟

تدرج بعض القراءات محاولة السيطرة على منطقة نفطية ضمن سياق الصراع المتزايد حول السيطرة على الموارد والنفوذ في مناطق موضع النزاع بين حكومتي أربيل وبغداد، يشكل فيها الحشد أداة فاعلة ضمن الاستراتيجية المتبعة لدى الجانب الاتحادي، وما ينطوي ذلك من تداعيات على التفاهمات الهشة بين الحكومتين. 

 

رسائل وأبعاد

ويحمل هذا الحدث في طياته قراءات عدة قد لا تقف عند استراتيجية الدولة الاتحادية للسيطرة على المقدرات النفطية، على وفق المحلل السياسي الكردي دلشاد أنور الذي يعتقد أن "ما حصل قد يكون ظاهرياً أمراً عابراً، لكنه في الحقيقة رسالة خطرة، بخاصة أنه لا توجد مشكلات بين أربيل وبغداد ليصل الأمر إلى هذا الحد"، وأضاف "منطقياً فإن بئر جالاو خالد هي بئر قديمة وإنتاجها شحيح ولا تحمل تلك الأهمية بالنسبة إلى الإقليم لكي يطرحها للاستثمار، وهو بالكاد يستطيع تطوير بنيتها النفطية، ثم إنها تقع قرب منطقة عسكرية قريبة من القوات العراقية، ومن الاستحالة إحالتها لشركات استثمارية"، واستدرك "لكن الخطوة تثير الشكوك خصوصاً أن بغداد كانت منحت آباراً نفطية في محيط ناحية قره تبه لشركة إماراتية، وهي قريبة من منطقة كولاجو". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويتألف "الحشد الشعبي"، الذي أسس في 2014 على أثر صدور فتوى تعرف باسم "الجهاد الكفائي" من المرجع الشيعي علي السيستاني لمحاربة تنظيم "داعش"، من فصائل شيعية بعضها يوالي إيران، وجعل التوافق الأيديولوجي بين قياداته ليكون كياناً قادراً على لعب دور كقوة مستقلة، وفي نفس الوقت كأداة للدولة. 

ووفق دلشاد أنور فإن "مرافقة شخصية رفيعة للقوة المقتحمة له تفسيران، إما هي رسالة تحذيرية لحكومة بغداد أو ربما هي رسالة حول مستقبل الصراع على النفط في هذه المنطقة"، وأردف أن "الرسالة الثانية موجهة لحكومة أربيل مفادها أن هذه الآبار لن تبقى تحت سيطرتها إلى ما لا نهاية في وقت يقوم حزب بارزاني بتعزيز أمن الآبار في منطقة الكوير بين أربيل ونينوى". 

 

الدوافع تتخطى الهاجس الأمني 

قدرت وسائل إعلام ممولة من حزب بارزاني حجم القوة المقتحمة بـ3 آلاف فرد و200 عربة عسكرية، وحذرت من "الاستيلاء على المناطق الحدودية في حال عدم التدخل" بعد أن اتهمت حزب طالباني بالتعاون مع الحشد، وفي معرض إجابته على دوافع إرسال قوة بهذا الحجم قال أنور إن "حجة الحشد كانت ملاحقة عناصر من تنظيم (داعش)، لكن واقعياً فإن المنطقة غير مهددة أمنياً إلى هذه الدرجة، وربما كان الهدف إنشاء نقاط عسكرية وليس مجرد عملية موقتة"، وختم حديثه بالقول إن "خطوة الحشد هذه مرتبطة بمستقبل النفط في المنطقة".

ويمكن أن تتعدد الأدوار التي تلعبها قوات الحشد محلياً وإقليمياً في إطار السلطة العليا في الدولة العراقية، ومنها ما يتعلق بتحصين السلطة في مواجهة الخصوم ضمن المستويين الأمني والسياسي، وكذلك في ممارسة الضغوط على سلطات كردستان في إطار الملفات الخلافية العالقة أبرزها ما يدور حول النفط والحدود الإدارية، وما يتجاوز ذلك في التعامل مع ملفات دول الجوار بفضل صلاتها الوثيقة مع الجارة إيران، وذلك من خلال حضورها العسكري على الجانب السوري، وصولاً إلى دور مؤثر تلعبه في تهديد المصالح الأميركية عبر الهجمات المتكررة التي تشنها ضد قواعد قوات التحالف الدولي في البلاد.

خطوات للتوسع 

وفي هذا الجانب يرى المحلل السياسي في الشأن العراقي سامان نوح أن "هذا التطور يعد نتاجاً طبيعياً استناداً إلى ما يحصل على أرض الواقع بعد أن أصبح الحشد أكثر جرأة من السابق في اتخاذ القرارات ولعب الأدوار، بالنظر إلى أن قادة فصائله هم الحكام الفعليون للحكومة العراقية الحالية، وتظهر مثل هذه التطورات أن تحركاته تتم من دون خشية أو الالتزام بسلطة الجيش والحكومة، وبناء عليه فإن تحركاته ستتسع ما دام يرغب في تعزيز نفوذه سواء في المناطق المحاذية لكردستان أو في مناطق أخرى مثل قضاء سنجار (غرب نينوى)، في إطار تطلعاته إلى التوسع عبر ممارسة جس النبض ومن ثم البحث عن أسلوب وآلية التنفيذ"، ولفت إلى أن "حادثة كولاجو تؤكد مرة أخرى بأن الحشد هو جزء من المنظومة الأمنية الاتحادية ولديها الحق في القيام بما يرتبط بالقضايا العسكرية والأمنية أو حتى الاقتصادية، والمرجح الآن هو أن بغداد ستعمل على فرض سلطتها سواء عبر الحشد أو عبر القوات الاتحادية في هذه المنطقة المتنازع عليها، لتداخل حقولها النفطية والغازية وصعوبة تقطيعها جغرافياً، وتعمل فيها شركات استثمارية، ناهيك بالنظرة الاتحادية لها كحقل واحد". 

ويشير متخصصون في الشأن الأمني إلى أن القوات الاتحادية المتمثلة بالجيش والشرطة الاتحادية تفتقر إلى سرعة في التحرك والانتشار بخلاف قوات الحشد، نتيجة ارتباطها بسلسلة من السياقات الإدارية المعقدة وصدور أوامر مباشرة من القائد العام للقوات المسلحة، وسط توقعات بأن تواصل بغداد اتخاذ خطوات مماثلة مستقبلاً من أجل ما تراه ضرورة لفرض الأمن الاتحادي تحت ذريعة "منع اقتراب الحشد أو مسلحي تنظيم (داعش)" وذلك من أجل استعادة مثل هذه المناطق وتأهيلها للاستثمار. 

أداة مزدوجة

ومن شأن هذه التطورات أن تضع حكومة أربيل في موقف صعب، مع محدودية خيارات الرد، نظراً إلى الفارق في ميزان القوة لصالح الحكومة الاتحادية، مع إمكان تكرار سيناريوهات مشابهة لما حصل في قضاء سنجار ومناطق أخرى في محافظة نينوى، حيث فرضت قوى الحشد سيطرتها تدريجاً على المناطق الاستراتيجية.

ويتفق نوح مع تحول الحشد إلى أداة مزدوجة في إطار الدولة العراقية، إذ يرى أن "قادة الحشد هم في الأصل يقودون الحكومة، ومن ثم فإنهم يستخدمون هذه القوات في تحركات استفزازية أو جس نبض سواء في ما يتعلق بضرب القواعد العسكرية الأميركية أو في التمدد داخلياً، أو في مناطق موضع النزاع مع كردستان فضلاً عما هو واقع اليوم في قضاء سنجار، وهذا يمنح الحكومة لفهم ردود الفعل محلياً وإقليمياً وعلى ضوئه يتم اتخاذ خطوات لاحقة"، ويشير إلى "محدودية إمكانات حكومة أربيل في الرد على مثل هذه الخروقات نظراً إلى الفارق في ميزان القوة"، ونوه بأنه "في حال عدم التوصل إلى تفاهمات عاجلة فإن الحكومة العراقية عبر الحشد أو غيره ستفرض سيطرتها تدريجاً على المناطق التي تعتقد أن لها أبعاداً استراتيجية أمنياً وسياسياً واقتصادياً في مناطق موضع النزاع التي تضم حقولاً نفطية، كما حصل في سنجار، أو عبر فرض واقع اقتصادي ثم يحول إلى أمني، مثلما حصل في منطقة فيشخابور ولاحقاً ربما وصولاً إلى الحدود التركية". 
 
يذكر أن بئر جالاو خالد يعود تاريخ حفرها إلى فترة نظام حكم حزب البعث، ولم يسبق أن خضعت لعملية تطوير، وتقع قرب آبار نفطية في منطقة "قره تبه" التابعة لمحافظة ديالى، إذ سبق أن سعت بغداد في أغسطس (آب) العام الماضي إلى طرحها للاستثمار لصالح شركة "كريسينت بتروليوم" الإماراتية من دون تفاهم مسبق مع أربيل، علماً أن قسماً من هذه الآبار يخضع لسيطرة قوات حزب طالباني. 

المزيد من تقارير