Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اعتقال مؤسس "تيليغرام" ربما يبشر بعهد جديد من الرقابة

قضية دوروف في فرنسا من شأنها أن تمثل سابقة في التعامل الحكومي مع قادة المنصات الاجتماعية عندما لا يذعنون للقوانين

ثمة تحديات مستمرة بشأن تحقيق التوازن بين خصوصية المستخدمين ومخاوف الأمن القومي في العصر الرقمي (غيتي)

ملخص

يطرح التحرك الفرنسي نحو اعتقال مؤسس تطبيق "تيليغرام" سؤالاً عن فصل جديد في التعامل الحكومي مع سياسات المحتوى لدى المنصات الرقمية، وربما يشكل سابقة مثيرة للقلق في شأن السيطرة على المحتوى. 

في تطور صادم ألقت السلطات الفرنسية القبض على المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "تيليغرام" بافيل دوروف الذي يحمل الجنسيتين الفرنسية والروسية، في مطار باريس لوبورجيه. الخبر أثار موجة من الغضب والجدل في عالم التكونولوجيا، لاسيما بعدما كشف عن قائمة الاتهامات الموجهة لدوروف، الذي يحظى بمكانة رفيعة في صناعة التكنولوجيا والاستخدام الواسع النطاق لتطبيقه في جميع أنحاء العالم. 

وفقاً لما نشرته وسائل إعلام فرنسية، فإنه ألقي القبض على الرجل البالغ من العمر 39 سنة بموجب مذكرة اعتقال تنطوي على اتهامات بارتكاب انتهاكات مختلفة منسوبة لتطبيق المراسلة الشهير "تيليغرام". بشكل أساس تتهم السلطات الفرنسية دوروف بالمسؤولية عن المحتوى الضار والأنشطة غير المشروعة التي يقوم بها مستخدمون للمنصة، بما في ذلك الاتجار بالمخدرات واستغلال الأطفال وغسل الأموال، إذ إن المدير التنفيذي فشل في اتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من هذه الانتهاكات.

وكان المكتب المسؤول عن مكافحة العنف ضد القاصرين "Ofmin" أفاد بأنه أصدر مذكرة بحث ضد دوروف انطلاقاً من دوره بوصفه منسقاً في تحقيق أولي في جرائم تراوح ما بين الاحتيال وتهريب المخدرات والمضايقة عبر الإنترنت والجريمة المنظمة، مروراً بتبرير الإرهاب والاحتيال، وفقاً لمصادر مطلعة على القضية تحدثت للوكالة الفرنسية.

الخصوصية والأمن القومي

الاتهامات الفرنسية لدوروف أعادت الجدل مجدداً في شأن حرية التعبير على الإنترنت وضرورات الأمن القومي، وتطرح تساؤلات عن مسؤولية مديري المنصات الاجتماعية وتطبيقات الدردشة عن المحتوى المنشور على منصاتهم، وهو الادعاء الذي وصفته شركة "تيليغرام" في بيان تعليقاً على اعتقال مديرها التنفيذي بـ"السخيف"، قائلة في بيان عبر التطبيق إن دوروف "ليس لديه ما يخفيه"، وأنها "تمتثل لقوانين الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك قانون الخدمات الرقمية"، لافتة إلى أنه "من السخيف الادعاء بمسؤولية منصة أو مالكها عن إساءة استخدام لها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يعد تطبيق "تيليغرام"، الذي يستخدمه نحو 900 مليون شخص حول العالم، أداة اتصال بالغة الأهمية في عدد من البلدان، ويستخدم في كل شيء بدءاً من الدردشة اليومية وحتى نشر الرسائل الحكومية. وكان أداة فاعلة أثناء الحروب وبشكل أساس عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، إذ أصبح التطبيق أداة بالغة الأهمية لمشاركة الأخبار وتنسيق الجهود التطوعية، وحتى التحذير من الغارات الجوية في المناطق التي لا يمكن سماع صفارات الإنذار فيها. كما أنه يمكن مستخدميه من تفادي الرقابة الحكومية على المحتوى لاسيما بالنسبة إلى المعارضين السياسيين في الأنظمة الاستبدادية، لكنه في الوقت نفسه استخدم منصة للتجنيد من تنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا. 

التطبيق الذي أطلق في عام 2013، سرعان ما توسع من غرض المراسلة إلى شبكة اجتماعية قوية مع مجموعة من الميزات التي تتجاوز الرسائل النصية الأساسية. ما يميز" تيليغرام" عن عدد من تطبيقات المراسلة الأخرى هو تركيزه على الخصوصية والأمان، مستخدماً التشفير لحماية رسائل المستخدمين وأصبح معروفاً بموقفه ضد الرقابة الحكومية، وهذا السبب تحديداً جعله شائعاً في البلدان التي تكون فيها حرية التعبير محدودة خصوصاً في روسيا وإيران. 

وشهد التطبيق تنامياً ثابتاً في قاعدة المستخدمين، مضيفاً مئات الملايين من المستخدمين الجدد على مدار السنوات القليلة الماضية. وأسهمت ميزات "تيليغرام"، مثل خيارات الخصوصية المحسنة ومرونتها في دعم الرسائل المتعددة الوسائط والمكالمات الصوتية ومكالمات الفيديو، في جاذبيته الواسعة عالمياً. 

توتر مع الحكومات

هذه المميزات بالنسبة إلى المستخدمين جعلت التطبيق موضع انتقادات من الحكومات التي دعت إلى فرض مزيد من القواعد التنظمية، بسبب استغلال العصابات المنظمة لخاصية تشفير الرسائل في الإفلات من أجهزة الأمن، وأدى موقفها القوي في شأن الخصوصية ومقاومتها لمشاركة بيانات المستخدمين مع السلطات إلى صراعات مع الحكومات في جميع أنحاء العالم. 

ففي عام 2022 فرضت ألمانيا غرامات بأكثر من 5 ملايين يورو ضد مشغلي "تيليغرام" لفشلهم في الامتثال للقانون الألماني، وقال مكتب العدل الفيدرالي إن شركة "تيليغرام" لم تنشئ طريقة قانونية للإبلاغ عن المحتوى غير القانوني أو تسمية هيئة في ألمانيا لتلقي الاتصالات الرسمية. وفي العام الماضي أوقفت البرازيل "تيليغرام" موقتاً بسبب رفضها تسليم البيانات المتعلقة بنشاط النازيين الجدد المتعلق بتحقيق شرطي في حوادث إطلاق النار في المدارس في نوفمبر (تشرين الثاني).

منصة أقل أماناً

ويقول الباحث لدى جامعة ستانفورد، الذي حقق في استخدام المنصات الاجتماعية لاستغلال الأطفال، ديفيد ثيل إن منصة "تيليغرام أقل أماناً وأكثر تساهلاً من حيث السياسة في شأن المحتوى غير القانوني"، مقارنة بمنصات المراسلة الأخرى. إضافة إلى ذلك يشير ثيل إلى أن "تيليغرام" يبدو أنه "لا يستجيب في شكل أساس لإنفاذ القانون"، مضيفاً أن تطبيق "واتساب "قدم "أكثر من 1.3 مليون بلاغ يتعلق باستغلال الأطفال في عام 2023 بينما لم يقدم تيليغرام أي بلاغ". 

فيما يذهب جيف ألين، المؤسس المشارك والمسؤول الرئيس عن الأبحاث في معهد النزاهة، وهو مركز أبحاث أميركي، إلى مقارنة "تيليغرام" بشبكة "الإنترنت المظلم"، قائلاً إنه إضافة إلى "قضايا النزاهة الأوسع نطاقاً"، ينبغي للناس "أن يقلقوا في شأن العالم السفلي الإجرامي" الموجود على "تيليغرام". وأوضح في تعليقات صحافية أن تطبيق "تيليغرام" يمثل في كثير من النواحي "الشبكة المظلمة" الجديدة، ولكن على النقيض من الشبكة المظلمة التقليدية، التي تتطلب متصفحات متخصصة، فإن "تيليغرام" أسهل كثيراً في الوصول إليه. والواقع أنه لا توجد حواجز للدخول، فما عليك سوى تحميل التطبيق، ثم انطلق إلى عالم من القذارة والجرائم التي لا يمكن تصورها".

وكشف دوروف في مقابلة سابقة مع المذيع الأميركي الشهير تاكر كارلسون قبل أربعة أشهر، عن تعرضه لضغوط كبيرة من جانب السلطات الأميركية، وزعم دوروف أنه التقى بشكل متكرر بوكلاء من مكتب التحقيقات الفيدرالي عند دخوله إلى الولايات المتحدة وتحدث عن محاولات مسؤولي الأمن السيبراني تجنيد مهندسه سراً للحصول على معلومات حول البنية التحتية لـ"تيليغرام". وفسر دوروف هذه الإجراءات على أنها جهود لكسب سيطرة أكبر على التطبيق، مما يسلط الضوء على التوتر المستمر بين شركات التكنولوجيا التي تركز على الخصوصية ومصالح الأمن القومي.

سابقة مثيرة للقلق

وتؤكد تصريحات دوروف خلال المقابلة جنباً إلى جنب مع اعتقاله في باريس، على التحديات المتمثلة في تحقيق التوازن بين خصوصية المستخدمين ومخاوف الأمن القومي في العصر الرقمي، لكن قضية مؤسس "تيليغرام" في فرنسا من شأنها أن تمثل سابقة في التعامل الرسمي مع قادة المنصات الاجتماعية عندما لا يذعنون للقوانين المنظمة للمحتوى الرقمي ما من شأنه أن يؤثر في شكل مباشر في المحتوى نفسه. ويطرح هذا سؤالاً عن فصل جديد في التعامل الحكومي مع سياسات المحتوى لدى المنصات الرقمية وحتى اضطرار "تيليغرام" إلى التغيير كثيراً من سياساتها. 

ربما هذه التساؤلات التي يثيرها ذلك الحدث الزلزالي في عالم التكنولوجي دفعت كثيراً من قادة الصناعة إلى المبادرة سريعاً دفاعاً عن دوروف، إذ أعرب عدد من الشخصيات البارزة عن دعمهم على منصات التواصل الاجتماعي. فالرئيس التنفيذي لمنصة أكس إيلون ماسك والرئيس التنفيذي لشركة رامبل كريس بافلوفسكي كانوا من بين أبرز الداعمين لدوروف، وتركز دعمهم في المقام الأول حول المخاوف في شأن حرية التعبير ومعارضة الرقابة، ودعا ماسك إلى إطلاق سراح زميله، فيما انتقد بافلوفسكي تصرفات فرنسا واعتبر الاعتقال تجاوزاً للحدود من حيث الرقابة، كما أكد السياسي الأميركي روبرت كينيدي على الحاجة الملحة إلى حماية حرية التعبير.

ودخلت موسكو على الخط، إذ أعربت الحكومة الروسية عن غضبها من اعتقال دوروف، مشيرة إلى "ازدواجية المعايير الغربية في شأن حرية التعبير"، ولفتت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إلى إدانة المنظمات الحقوقية الغربية لموسكو عام 2018 عندما صدر قرار قضائي بحجب تطبيق "تيليغرام". 

ورداً على رد الفعل الدولي الواسع غرد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على حسابه بموقع "أكس"، معتبراً أن كل ما أشيع حول توقيف دوروف مجرد إشاعات كاذبة ومعلومات مغلوطة. وكتب مشدداً على أن بلاده "ملتزمة بحرية التعبير والتواصل والابتكار وريادة الأعمال، وأن فرنسا دولة تحكمها سيادة القانون ودعم الحريات ضمن إطار قانوني، سواء على وسائل التواصل الاجتماعي أم في الحياة الواقعية"، كما أشار إلى أن اعتقال دوروف كان بناء على "تحقيق قضائي مستمر، وليس بقرار سياسي على الإطلاق". 

المزيد من تقارير