ملخص
مأساة يمنية تحتضن طفلها قبل موتهما جراء جرف منزلهما في ملحان المحويت
لم يمنع هول المشهد وحشرجات الموت دافع الأم وحنانها اللذين تفوقا على دافع الانهيار وضغط الكارثة التي حلت على أهالي قرية ملحان بمحافظة المحويت، فآثرت حماية صغيرها في حضنها المكلوم حتى آخر رمق بعدما جرفتهم السيول مع منزلهم في لقطة هزت وجدان اليمنيين.
لقد كانت صورة تعبر عن المآسي المركبة التي تعددت وتنوعت مصادرها بين ما فعله الفرقاء السياسيون وما خلفته كوارث السيول والانهيارات الأرضية التي تجتاح اليمن بوتيرة غير مسبوقة مخلفة عشرات الضحايا وخسائر هائلة في الممتلكات والبنية التحتية، فضلاً عن نزوح المئات نحو المجهول.
وتداول ناشطون يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي أمس الجمعة صوراً مؤثرة لحظة عثور الأهالي على سيدة تحتضن طفلها تحت الأنقاض، وقد غطت ملامحهم الطين بعدما جرفت السيول منزلهم في قرية ملحان بمحافظة المحويت (شمال اليمن).
كشفت اللقطة عن ليلة عصيبة قضتها الأم وصغيرها الذي تكورت حوله لتحميه من الموت، إلا أنهما فارقا الحياة بلا فكاك بعدما غمرتهما المياه المتدفقة من الأعالي في فاجعة جديدة لا تزال القرية تعيش تداعياتها وآثارها حتى اللحظة.
عشرات الضحايا
يقول الإعلامي عبدالعزيز الفتح، وهو أحد أبناء المنطقة المنكوبة، إنه على رغم مرور يومين على الكارثة، فإن فرق الإنقاذ لم تتمكن من الوصول إلى المنطقة وانتشال باقي ضحايا الكارثة التي وقعت في مديرية ملحان. وتم انتشال "10 جثث في حين لا يزال نحو 24 شخصاً تحت الأنقاض جراء الدمار الذي حل بالطرق المؤدية من وإلى المنطقة مع ضعف شديد في شبكة الاتصالات".
ويرجع الفتح أسباب الانهيارات الأرضية التي تسببت في جرف عدد من منازل الأهالي إلى انهيار خزان مياه كان منصوباً في أعلى الجبل الذي يطل على القرية جراء حدوث انزلاقات صخرية مصاحبة مع شدة تدفق السيول واستمرار جريانها منذ أيام عدة.
وأوضح أن السد المنهار جرف منزل الأم وطفلها وعدد من أفراد الأسرة ومنازل أخرى مجاورة، إضافة إلى مسجد القرية وعدد من الممتلكات والمواشي والسيارات والمحال التجارية والمزارع الخاصة بالأهالي.
نداء وأضرار فادحة
وكشف الفتح عن إحصائية أولية رصدها الأهالي في المناطق المتضررة منها مركز منطقة الشرفي بجميع قراها ومنطقة حورة بجميع قراها وقرى الأصابع والمركع ووادي بني الحضني وقرى الأحبول والقلعة وشرف الغزوانة، إضافة إلى قطع 6 طرق رئيسة من وإلى القرى المنكوبة. وذكر أن عدد البيوت التي جرفت كلياً بلغ نحو 35 منزلاً و65 جزئياً، ونحو 95 منزلاً باتت آيلة للسقوط في حال استمرار الأمطار، وكذا عشرات المواشي والسيارات.
في نداء أطلقته فرق الإنقاذ التي تحاول فتح الطرق إلى القرى المنكوبة عبر مواقع التواصل بسرعة التدخل خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة أيام لإغاثة الأهالي المحاصرين في رؤوس الجبال بالمواد الغذائية والإيوائية العاجلة خشية وقوع مجاعة، وخصوصاً مع الأطفال والنساء وكبار السن، مؤكدين أن المواد الغذائية نفدت من البيوت والمحال التجارية في منطقة "القبلة"، وباتت بعض الأسر تعيش على البسكويت فحسب.
وصاب مأساة أخرى
إلى ذلك توفي نحو 27 شخصاً وأصيب آخرين مساء أمس الجمعة جراء تدفق السيول في مديرية وصاب السافل التابعة لمحافظة ذمار المحاذية للعاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين (شمال اليمن). ونقلت وكالة "سبأ" الخاضعة لسيطرة الحوثيين عن مسؤول محلي قوله إن السيول الناتجة من الأمطار الغزيرة في عزلة بني موسى "الجرف" بمديرية وصاب السافل أدت إلى وفاة 27 حالة وإصابة 8 حالات وفقدان آخرين. وأوضح أن السيول تسببت أيضاً في تهدم 15 منزلاً وأضرار طاولت 8 منازل في عزلة وادي الأخشب إضافة إلى جرف 4 سيارات وغيرها من الممتلكات. وأوضح أن التقييمات المستمرة كشفت عن تضرر 1020 أسرة جراء تدمير 40 منزلاً بصورة كلية و230 بصورة جزئية، مؤكداً أن فرق الاستجابة الطارئة التابعة للأمم المتحدة تبذل جهوداً كبيرة من أجل الوصول والمساعدة.
نداء حكومي
هول الكارثة دفع الحكومة الشرعية لمطالبة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو) بالتدخل العاجل لحماية المناطق الأثرية المتضررة جراء الأمطار والسيول التي اجتاحت عدداً من المدن التاريخية. وجاء ذلك في رسالة بعثها سفير اليمن لدى "اليونيسكو" محمد جميح إلى المدير العام لـ"اليونيسكو" ومدير مكتب "اليونيسكو" الإقليمي لدول الخليج واليمن.
وأوضح جميح في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن السفارة خاطبت "اليونيسكو" بصورة عاجلة لتحريك جزء من المبالغ لدى صندوق المنظمة الخاص بالطوارئ للتحرك وحماية عدد من المناطق الأثرية والتاريخية المدرجة على قائمة التراث العالمي. وأضاف أنه "مع استمرار هطول الأمطار بفعل التغير المناخي الذي يضرب البلاد طلبنا توسعة الدعم، ورفعنا المناطق المتضررة في كافة المناطق مثل صنعاء وزبيد وشبام ورداع وغيرها من المواقع المدرجة على قائمة التراث العالمي"، مؤكداً تلقيهم مساعدات عاجلة تتعلق ببعض المعدات الخاصة بحماية المباني من الأمطار مثل الطرابيل المخصصة لتغطية المنازل في صنعاء وزبيد ودعامات لحماية الأسقف والمباني في بعض الأماكن المعرضة للانهيار كإجراءات طارئة.
وعلى نحو غير مسبوق يشهد اليمن الغارق في مأساة أخرى تتعلق بالنزاع المستمر منذ نحو 10 سنوات سيولاً وفيضانات جارفة سببها سقوط الأمطار الغزيرة مع تزايد ظاهرة التغير المناخي التي رفعت وتيرة هطول الأمطار وشدتها في ظل ضعف البنية التحتية الخاصة بمجاري وتصريف مياه الأمطار والسيول.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ظواهر مناخية والكارثة أكبر
يكشف جميح عن معالجات منتظرة بوجود مشروع ضخم تنفذه "اليونيسكو" بدعم من الاتحاد الأوروبي لحماية نحو 200 منزل بحسب الخطة المتخذة في المناطق المستهدفة المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي كزبيد وصنعاء وعدن ويتوسع في مناطق أخرى في أرياف صنعاء وإب بكلفة تقدر بنحو 20 مليون يورو. ويستدرك، "لكن الكارثة أكبر من الجهود المتاحة الآن، وكما رأينا انهيارات في صنعاء وزبيد وانهيار جزء من أسوار قلعة رداع وقلعة القاهرة، وكذا مناطق أثرية في المخا وشبوة ومارب وكل ذلك يحتاج تضافر الجهود بصورة أكبر في ظل ضعف المؤسسات التابعة للحكومة الشرعية ووجود الميليشيات في المناطق الخاضعة لها، وهي عوامل تضاعف الأخطار التي تتعرض المواقع الأثرية على امتداد اليمن".
وسبق أن طالبت الأمم المتحدة مطلع الشهر الجاري المانحين بمبلغ 4,9 مليون دولار لتوسيع نطاق الاستجابة العاجلة للظواهر المناخية الشديدة في اليمن. وحذرت سكان المحافظات الواقعة في غرب اليمن ووسطه من استمرار هطول أمطار غزيرة في الأسابيع المقبلة. في حين توقعت منظمة الصحة العالمية الإثنين الماضي "أن يزداد هطول الأمطار في الأشهر المقبلة، ويتوقع أيضاً أن تشهد المرتفعات الوسطى والمناطق الساحلية على البحر الأحمر وأجزاء من المرتفعات الجنوبية مستويات (تساقطات) غير مسبوقة تتجاوز 300 ملم".