Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا لم تحصل راعية الفنون الحسناء إيزابيلا على مبتغاها من دا فينشي؟

كبار الرسامين النهضويين يستنكفون عن رسم أجمل امرأة في عصرهم وأكثر النساء كرماً وأناقة

بورتريه دا فينشي لإيزابيلا على ورق مقوى (موقع الفنان)

ملخص

الحقيقة أن إيزابيلا كانت تريد من عشرات اللوحات المعلقة في صالونات قصرها ومن التماثيل المعروضة في حدائق القصر وقاعاته، أن تشهد على جمالها، هو جمال حقيقي مطعم بثقافة كانت قلة من سيدات ذلك الزمن تملكها، وكياسة استثنائية، لكن ذلك كله لم ينفع في إغراء ساندرو بوتيتشيلي وبيليني ولا ليوناردو.

تماماً كما أن الثرية والوجيهة الإيطالية الحسناء إيزابيلا ديستي لم تتمكن أبداً من إغراء الفنان النهضوي جوفاني بيليني، بأن ينجز لها ما كانت قد طلبته منه بإلحاح من لوحات تزين بها جدران قصرها المنيف في مدينة مانتوفا التي كانت تحت حكم زوجها الثري وذي السلطة فرانسوا الثاني دي كونزاغ، عجزت عن إقناع صديقه الرسام النهضوي الكبير بدوره، ليوناردو دا فينشي، بأن يفي بما كان هو الآخر قد وعدها به، وذلك في وقت كان معظم فناني ذلك الزمن، إلى أية مدينة أو عائلة حاكمة انتموا، يتدافعون لنيل رضاها طامعين بأن تصل لوحاتهم إلى جدران قصرها الذي كان قد تحول إلى متحف حقيقي تنفق عليها هي وزوجها بسخاء لحبها للفن ورغبتها، المشروعة في ذلك الحين، بأن تعد كبيرة الرعاة والحامين للفنون.

والحقيقة أن إيزابيلا كانت تريد من عشرات اللوحات المعلقة في صالونات قصرها ومن التماثيل المعروضة في حدائق القصر وقاعاته، أن تشهد على جمالها، هو جمال حقيقي مطعم بثقافة كانت قلة من سيدات ذلك الزمن تملكها، وكياسة استثنائية، لكن ذلك كله لم ينفع في إغراء ساندرو بوتيتشيلي وبيليني ولا ليوناردو. ولئن كنا قد روينا حكاية إيزابيلا مع الفن في حلقة سابقة من خلال ما استنكف بيليني عن مدها به من لوحات ألحت في توصيته عليها وانتظرته أعواماً، فإن ما لا بد أن نحكيه هنا هو حكايتها مع ليوناردو.

 

رسالة إلى السيدة الحسناء

ولعل في إمكاننا أن نبدأ هذه الحكاية بالرسالة التي بعث بها إلى "السيدة الفاضلة الكبيرة" الأخ (فرا) بيترو دا نوفيلارا في الـ13 من أبريل (نيسان) من مدينة فلورنسا يخبرها فيه بفشل تدخله مع الرسام الكبير كوسيط بينها وبينه كي يحصل لها على لوحة أو أكثر منه. يقول دا نوفيلارا في رسالته بعد عبارات التبجيل الموجهة إلى سموها "خلال هذا الأسبوع المقدس، عرفت كل شيء عن نيات ليوناردو الرسام. وباختصار أفيد سموك بأن تأملاته في مجال العلوم الرياضية، قد حرفته تماماً عن الرسم إلى درجة أنه لم يعد يطيق الإمساك بريشته. ولقد بذلت كل ما لدى من جهد كي أشرح له مراد سموك، أول الأمر بشيء من التحفظ، وبعد ذلك إذ لاحظت أنه على استعداد تام لتحقيق الرغبة في الاستجابة انطلاقاً من تقديره للمشاعر الودية التي عبرت له بها في مانتوفا، استفضت في الحديث معه حول الأمر بكل صراحة. فإذا به يخبرني بما نتيجته أنه سيستجيب لرغبة سموك إن تمكن من الإفلات من تعهداته أمام ملك فرنسا من دون أن يعرضه ذلك لغضب الملك. وأسر لي بأن تحقيق ذلك سيستغرقه قرابة الشهر. وعندها سيخدم سموك قبل أن يخدم أي شخص آخر في العالم. بالتالي استنتجت بأنه وعلى أية حال، ما إن ينتهي من رسم بورتريه يشتغل عليه للمدعو روبرتيت والمعروف بأنه من محظيي الملك الفرنسي، سيبدأ من فوره في رسم بورتريه سموك ليرسله إليك حالما ينجزه".

الرسام يحنث بوعده

لكن ليوناردو لم ينفذ حتى هذا الوعد، وكان كل ما بعث به إلى الأميرة بورتريه تمهيدي رسمه بالحبر الأسود والأحمر على ورق مقوى لا يزيد عرضه على 46 سنتيمتراً وارتفاعه على 61 سنتيمتراً. ولنقل هنا إن هذا البورتريه يكشف حقاً عن جمالها المفرط ونظراتها المدهشة وأناقتها البسيطة إنما الفاخرة. ومن الواضح أن إيزابيلا فرحت بذلك الإنجاز وقد وجدت فيه وعداً بلوحة زيتية كبيرة ستتلوه باتت متأكدة من أن الرسام الكبير سيفاجئها بها يوماً. ولقد أنجز دا فينشي ذلك البورتريه التمهيدي في عام 1500 وأوصله إلى السيدة في وقت بدا فيه وكأنه يستجيب للوعد الذي قطعه على نفسه أمام دا نوفيلارا. ومن هنا راحت إيزابيلا تنتظر بشغف وشوق ما سيتلوه. وهي إذ انتظرت خمسة أعوام فارغة الصبر فوجئت بالأوساط الفنية تتحدث عن لوحة جديدة حققها دا فينشي وأحاطتها ضروب الغموض والسرية من كل جانب. ولنا هنا أن نتصور كم اعتقدت إيزابيلا أن اللوحة الجديدة قد تكون لوحتها الموعودة خصوصاً أن الجميع تحدثوا عن جمال السيدة المرسومة وأناقتها. ولنا أن نتصور، بالتالي، كم خاب أملها واستبد بها الغضب إذ تبين لها أخيراً أن السيدة المرسومة في اللوحة تدعى موناليزا وتلقب بـ"الجوكوندا".

دا فنشي على خطى بيليني

والحقيقة أن تلك الحكاية أكدت للمركيزة الحسناء أن ليوناردو انضم إلى زميله وسابقه بيليني في الاستنكاف عن تلبية طلبها ودائماً في التكتم حول تلك الأسباب التي دفعته إلى ذلك. وهي قالت لبعض رفاقها مستنكرة غاضبة، إنها قد تفهم بسهولة أن يفضل ليوناردو خدمة ملك فرنسا على خدمتها، ولكن أن يفضل عليها امرأة مجهولة "مصابة بانتفاخ الحنكين زيادة على ذلك" ليست في أحسن الفرضيات أكثر من خليلة لجوليانو دي ميديشي أو زوجة لتاجر الأقمشة لو جوكوندو، فأمر يعصى على الفهم. والحقيقة أن في وسعنا هنا أن نضيف سؤال إيزابيلا إلى جملة الألغاز الكثيرة التي دائماً ما أحاطت بحياة ليوناردو ومساره المهني. ولكن أيضاً أن نضيفه إلى جملة الألغاز التي كثيراً ما حيرت تلك السيدة نفسها التي كان يمكن لجمالها وحده أن يكون مغرياً لأي فنان بأن يتوسل إليها كي تسمح له برسمها. ومع ذلك ظلت طوال حياتها تشكو من ذلك "الثلاثي" الفني الكبير الذي شكله ليوناردو وجوفاني بيليني وساندرو بوتيتشيلي الذين تفرقوا على أمور كثيرة لكنهم توافقوا على الاستنكاف عن تحقيق رغباتها الفنية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

سيرة سيدة وصورتها

وللتذكير هنا قد يكون ملائماً أن نعود إلى سيرة ومكانة إيزابيلا نفسها. فهي ولدت في عام 1474 ابنة لدوق فيراري، هركولي الأول ديستي، وهي بعد أن حصلت تعليماً رفيع المستوى بل أفضل تعليم يمكن أن تحصل عليه أنثى في تلك الأزمنة المبكرة، غاصت في هوى الفنون والآداب جاعلة ثروة أبيها، ومن بعده زوجها فرانسوا دي كونزاغ مركيز مانتوفا، وسيلة للتعبير عن ذلك الشغف بالإنفاق على كبار المبدعين في زمنها مشترية اللوحات ومقتنية الكتب والتحف. ولقد جعل منها هذا الإنفاق صنواً لزوجها ثقافياً ومكانة اجتماعية، وتحول قصرها إلى مضافة للقاءات نقاشات إبداعية صاخبة. لا سيما خلال فترات يغيب فيها زوجها سعياً وراء شؤون الحكم وإدارة الإمارة فتصبح هي وصية على العرش حاكمة بأمرها. وهي في العام 1519 لدى وفاة زوجها باتت مستشارة مطلقة لوريثه ابنهما فدريكو الثاني الذي تمكنت بفضل نفوذها أن تنقله من رتبة المركيز إلى رتبة الدوق. وكانت قبل ذلك قد تمكنت من إقناع البابا برسم ابنها الأصغر إركولي كاردينالا.

أنوثة طاغية ولكن...

وكانت إيزابيلا لا تتوانى عن ممارسة الكتابة بل اشتهرت لها عبارة أطلقتها ذات مرة قالت فيها، "حتى في ملكوت الجنس الذي ننتمي إليه ثمة في داخل كل منا نحن النساء قدر كبير من الذكورة"، ومع ذلك عرفت تلك المرأة بحسنها وأنوثتها الطاغية، تماماً كما عرفت بأن ما ترتديه كان يتحول إلى موضة تتبعها النساء في إمارتها والإمارات المجاورة، بل كان يقال إن مبعوثي الأمم الأوروبية كانوا يحرصون لدى زيارة قصرها على تسجيل كل التفاصيل المتعلقة بما ترتديه وذلك لأن نساء تلك الأمم كن يتطلعن إلى تقليدها في أناقتها! ولعل هذا الواقع يعيدنا إلى حيرتنا بصدد السؤال الذي لا بد لنا من طرحه حول الرسامين الذين، مع ذلك، لم يرسموها حتى حين كانت تشتري لوحاتهم بأغلى الأثمان ثم تنتظر منهم أن يبادلوها الود ويخلدوها في بورتريهات تنتظرها ولا تتجسد، بالتالي، سندهش كما كانت هي تدهش أمام مرأى قصرها يغص باللوحات الرائعة التي تحمل توقيعات أعظم رسامي العصر من دون أن تكون بينها ولو لوحة واحدة تصورها. ومن هنا في كل مرة يكتب عنها مؤرخ معاصر يجد نفسه كما نفعل نحن هنا، مكتفياً بالاستعانة بلوحة الورق المقوى التي رسمها لها ليوناردو، وربما في انتظار أن يتبع ذلك بلوحة لو أنجزها لربما جاءت من أجمل لوحاته، لكنه هو الآخر لم يفعل وجعل الأميرة الحسناء تعيش في حسرة دائمة.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة