Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"يوم آخر للقتل" ترصد تزاوج الخرافة مع السوشيال ميديا

هناء متولي تكتب رواية الصوت الواحد عن تحولات قرية مصرية

لوحة للرسامة المصرية إيفلين عشم الله (صفحة الرسامة - فيسبوك)

ملخص

تدور أحداث رواية "يوم آخر للقتل" للكاتبة هناء متولي في قرية مصرية تكثر فيها حوادث مريبة، غالبية ضحاياها من النساء، في ظل تزاوج الخرافة المتوارثة مع الإقبال المتزايد على مواقع السوشيال ميديا المستجدة.

يجري تفسير الحوادث التي تحصل في رواية "يوم آخر للقتل" (الدار المصرية اللبنانية) للكاتبة المصرية هناء متولي من جانب أهل القرية التي تقع فيها الجرائم على أنها من تدبير كائنات خرافية. هذا على رغم توفر دلائل على أنها تقع بتخطيط من أشخاص ينقبون أسفل البيوت عن آثار تحويها مقابر عمرها آلاف السنين، بمساعدة دجالين يزعمون أن تلك المهمة لا تنجز إلا بتقديم أضحية بشرية قرباناً للجان الذي يحرس تلك المقابر المزعومة. تبدأ الأحداث في "كوم الديبة"، التابعة لمحافظة الدقهلية في شمال مصر، بعودة "سارة" إلى القرية بعد غياب دام سنوات عدة، فتلمس ما طرأ عليها من تغيرات نالت من طابعها الريفي، وصبغتها بملامح حضرية شكلية أكثر منها جوهرية، وتنتهي بموتها غرقاً، في الترعة ذاتها التي لا يكاد يمر يوم دون أن تشهد حادثة غرق، حتى ليبدو وكأن ذلك ليس سوى إحالة رمزية - على رغم أن لها أصلاً في الواقع - على غرق القرية ذاتها تحت وطأة تلك التحولات المواكبة لاستشراء عوالم السوشيال ميديا، جنباً إلى جنب مع عوالم الخرافة المتجذرة. يتوارث أهل القرية حكاية عن ثلاث غجريات غرقن في الترعة ذاتها في زمن الاحتلال الإنجليزي، فيعتبرن أنها أساس لعنة تبدو بلا انتهاء، وهو ما يشير إليه عنوان الرواية.

وعلى رغم واقعية أحداث الرواية فإن هناء متولي نسجتها في سياق غرائبي من البداية، إذ يخبرنا راوٍ عليم بأن نساء هذه القرية اعتدن أن يسمعن عند منتصف الليل أنات خفيضة، آتية من ناحية ترعة الموت تلك، فيصعدن إلى أسطح منازلهن بملابس سوداء، حاسرات الرؤوس، ويمزقن جلاليبهن، "حتى تصير صدورهن حرة"، ويبدأن في الصراخ والعويل "حتى طلوع الفجر" (ص6). وفي السياق الرمزي ذاته يخبرنا السارد أن ذلك يحدث فيما الرجال يغطون في نوم عميق، وأنه لا يسمع تلك الأنات إلا النساء، بمن في ذك من ولدت صماء.

أوضاع مزرية

في اليوم التالي لعودة "سارة" انتشل أهل القرية جثة أرملة تخطت الـ50 من عمرها، لديها ثلاثة أبناء، ابنتها الكبرى تحضر الماجستير في الحقوق وتعمل في مكتب محامٍ، وابنها يعمل سائق جرار زراعي. أما الابنة الصغرى فهي طالبة في الثانوية العامة، شهيرة بفيديوهات على "التيك توك". هذه المراهقة سبق أن أجبرت والدتها – بحسب الراوي الخارجي - على الظهور معها في أكثر من مرة عبر الفيديوهات، لتستغلها في جمع عدد أكبر من التفاعلات، على اعتبار أنها على رغم من بساطة الأم فإن الابنة فخورة بها. والحال كذلك، فإن في القرية نفسها فتيات من تتزين بملابس مستوردة من طريق تطبيق shein، لكن أوضاع النساء في "كوم الديبة"، كما تصورها الرواية، مزرية من حيث الظلم الواقع عليهن من الذكور الذين يسلبونهن حيواتهن مادياً ومعنوياً. ومن هؤلاء "سمية"، الفتاة المراهقة، التي تغيب عن بيت أهلها لبضعة أيام، ثم تعود زاعمة أن نفراً من الجن خطفوها ومكثت في مملكتهم في قاع ترعة الموت طوال مدة غيابها ثم أطلقوا سراحها. والغريب أن الجميع صدقوا ما أخبرتهم به، قبل أن يتسابق معدو برامج تقوم على الإثارة والترويج للخرافة على استضافتها، ومن ثم انتشرت على الشبكة العنكبوتية مقاطع فيديو لها وهي تروي الحكاية ذاتها، ولكن بتفاصيل مختلفة في كل مرة لضمان تحقيق أعلى نسبة ممكنة من المشاهدات. واستثماراً لتلك الحادثة تزعم الدجالة "مسعودة" أنها كانت وراء فك أسر "سمية"، وأنها نجتها من مصير محتوم وهو الغرق في ترعة الموت، لصلتها الوثيقة بالجن، "فبدت كملكة استعادت تاجها، ومن ثم راحت تتنقل بين الحشود في هيبة لا حدود لها" (ص74).

تمويه الحقائق

أما حقيقة ما حدث فهي أن تلك الفتاة المراهقة قضت أيام غيابها مع عاطل أغواها، فلم يجد أبوها بعد عودتها مفراً من أن يزوجها له، وهو يعلم في قرارة نفسه أن أهل القرية الذين سيعلمون حتماً بأن حكاية الجن لا أساس لها، سيتواطأون معه وسيواصلون ترديد الحكاية المختلقة في مجالسهم، "وهكذا تترسخ في أذهان الناس أن القرية تسري بها لعنة لا تبرحها أبداً". وعلى هذا المنوال، تستمر الرواية في الانتقال من حكاية إلى أخرى، تختلط الحقائق فيها بالخرافات، "حتى صارت الهواجس أساطير وقصصاً غامضة"، من قبيل أن البعض يسمع صرخات شيطانية تسبب لهم صمماً موقتاً، أو أن عدداً من الجنيات هجرن الترعة ليسكن أسطح البيوت والزرائب والأجران والطواحين، أو أن "مياه الترعة تتحول في بعض الأوقات إلى دوامات من الدماء" (ص82). وفي إحدى هذه الحكايات نعرف أن "أسما"، الطبيبة البيطرية، التي لا تحب عملها، تعاني اضطراباً نفسياً منذ أن جرى الاعتداء عليها جنسياً عندما كانت طفلة. تعيش مع زوجها في بيت أهله، الذي يزعم "إبراهيم توكل" أن تحته مقبرة زاخرة بالآثار. يضغط عليها كي تقنع زوجها ووالده بالسماح له بالتنقيب أسفل البيت، مع علمها أن ذلك سيقتضي، كما أخبرها، تقديم طفلة من عائلتها قرباناً للجان الذي يحرس المقبرة. ترضخ "أسما" بعد أن هددها إبراهيم توكل بالإبلاغ عن شقيقيها اللذين يتاجران في المخدرات، ولمح إليها بأنه قد يذبح إحدى ابنتيها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يعمل "إبراهيم توكل" مديراً لمقر "الجمعية الشرعية" في القرية، وهنا تكمن المفارقة. فهي مؤسسة دينية اجتماعية، تجمع الهبات والتبرعات بموافقة حكومية، لمساعدة الفقراء، لكنه لا يتورع عن الاستيلاء على كثير من أموال هذه المؤسسة. توقن "أسما" أن "إبراهيم توكل" هذا هو سبب اللعنة التي خرجت من باطن الأرض، وتجد أن "سارة" التي تحمل شهادة جامعية في الفلسفة، ترى ذلك أيضاً، بعد أن لاحظت أن القرية صارت بيئة خصبة للخروج على القانون، ووكراً لإيواء المجرمين. وبحسب الراوي العليم، الذي يستعير صوت "سارة" على الأرجح، فإن تلك القرية، "صارت كأنها مدينة صغيرة. حتى الألفة التي كانت تستقبل بها الغرباء استحالت إلى أشباح تتخطف القلوب". ويلاحظ السارد الخارجي كذلك أن انفتاح هذه القرية الكبير على العالم – عبر السوشيال ميديا - أدى إلى "تزايد العنف وارتفاع نبرات التحدي والغضب لدى الشباب الذي أصبح مغيباً وتائهاً يسير بملابس غريبة عليها مصطلحات غربية"... "تحولت النساء إلى تمضية يومهن بين شاشات الهاتف النقال والتلفاز وصالات الألعاب الرياضية، فغالبيتهن لا تعملن مع أنهن خريجات جامعات". تكتشف "سارة" التي حرمها شقيقها من ميراثها عن أبيهما، أنها مصابة بالسرطان، وتخضع لجراحة لاستئصال ثديها الأيمن، فتثقل عليها وطأة الشعور بالهزيمة. ذلك الشعور الذي بدأ خلال غيابها عن القرية عندما انتزع زوجها ابنهما منها بعدما تزوج من أخرى. ويمكن القول إن هناء متولي نجحت في أسطرة واقع هذه القرية، إلا أن هيمنة الراوي العليم على السرد، فرضت عليه تقريرية واضحة، كان يمكن تلافيها عبر لجم تلك الهيمنة.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة