ملخص
تتحفظ هيئة الانتخابات في تونس على إسناد بعض المنظمات بطاقات اعتماد لمراقبة الانتخابات المقبلة لشبهات سياسية ومالية، بينما وافقت على اعتماد عدد من المنظمات الأخرى، وهو ما اعتبره بعضهم نوعاً من الفرز تقوم به الهيئة وفقاً لتوجهاتها.
ازدهر المجتمع المدني في تونس بعد 2011، وبات رقماً صعباً في التوازنات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تقر له الحكومات المتعاقبة ألف حساب، على غرار الاتحاد العام التونسي للشغل المتوغل في النسيج العمالي، من خلال النقابات في القطاعين العام والخاص، وأيضاً هيئة المحامين ومنظمة الأعراف، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وإلى جانب هذه المنظمات العريقة ظهرت منظمات تنشط في المجال الرقابي على الانتخابات وأداء البرلمان والحكومة ورئاسة الجمهورية، من خلال إصدار بيانات وتقارير دورية مبنية على معطيات وأرقام وإحصاءات دقيقة.
وشاركت المنظمات الناشطة في مجال مراقبة الانتخابات في مختلف المحطات الانتخابية التي تلت ثورة الـ14 من يناير (كانون الثاني) 2011، وراكمت تجربة لا يستهان بها في هذا المجال، كما شكلت ضمانة لنزاهة الانتخابات وشفافيتها، من خلال حضور ملاحظيها في جميع مراكز الاقتراع.
وقبل أقل من شهر على موعد الانتخابات الرئاسية في تونس المقررة في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، يسود جدل حول عدد من الجمعيات التي تنوي هيئة الانتخابات عدم تشريكها في مراقبة الانتخابات بسبب ارتباطاتها السياسية أو علاقاتها المالية بالخارج.
شبهات سياسية ومالية
ويرى بعض المتابعين أن هيئة الانتخابات ماضية في التضييق على منظمات المجتمع المدني عبر إقصاء عدد منها من المشاركة في الانتخابات، بينما يرى آخرون أن على الهيئة إبعاد المنظمات المشبوهة سياسياً التي لها امتدادات مالية خارج حدود الوطن، في مقابل التعويل على المنظمات الوطنية.
وكان رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر صرح في وقت سابق بأن الهيئة ستتحرى في عدد من الجمعيات قبل اعتمادها في مراقبة العملية الانتخابية، بسبب شبهات حزبية أو تجاوزات مالية في علاقة بالتمويل الأجنبي.
وتعتبر شبكة "مراقبون" واحدة من تلك الجمعيات التي تطالب بتمكينها من الاعتماد لمراقبة الانتخابات، ولئن رفض مسؤولو الجمعية التصريحات الصحافية فأصدرت المنظمة بياناً الجمعة الماضي أكدت فيه أنها "لم تتلق أية إجابة من هيئة الانتخابات على مطالب الاعتماد المستوفية الشروط القانونية، البالغ عددها 1220 مطلباً"، وأضافت أن الهيئة "ملزمة قانونياً بالإجابة عن مطالب الاعتماد في أجل لا يتجاوز خمسة أيام من تاريخ إيداع المطالب" كما تنص على ذلك القوانين المتعلقة بضبط شروط وإجراءات اعتماد الملاحظين المحليين والدوليين.
فرز لبعض المنظمات
يرى الناشط السياسي الأمين البوعزيزي في حديث لـ"اندبندنت عربية" أن "السلطة الراهنة في تونس أجهزت رمزياً على الفعل المدني والسياسي، من خلال الزج بقادة الأحزاب في السجون في قضايا سياسية، وأيضاً من خلال تقزيم دور الأجسام الوسيطة من منظمات وجمعيات كان لها دور ريادي في المحطات الانتخابية السابقة وهي المحرك الأساس للنشاط المدني في المجتمع"، مضيفاً أن "هيئة الانتخابات احتكرت المسار الانتخابي وستفرز من منظمات المجتمع المدني ما يتلاءم مع توجهاتها".
واجهة لأحزاب سياسية
في المقابل يعتقد المتحدث الرسمي للتيار الشعبي محسن النابتي أن "المجتمع المدني في تونس، صنفان أولهما وطني محايد حريص على مصلحة تونس، وآخر واجهة لأحزاب سياسية، علاوة على شبهة تورطه في تمويلات خارجية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشير النابتي في السياق ذاته إلى "تورط قوى سياسية سابقة مع بعض منظمات المجتمع المدني، من أجل توجيه الرأي العام، وتزوير إرادة الناخبين، من طريق تقديم المساعدات وضخ الأموال، علاوة على شبهة الارتباطات الأجنبية لعدد من المنظمات"، داعياً "المجتمع المدني الوطني إلى أن يقوم بدوره في الانتخابات المقبلة".
وبينما تتحرى هيئة الانتخابات في بعض المنظمات المتخصصة في الشأن الانتخابي مكنت عدداً آخر من المنظمات من بطاقات الاعتماد على غرار جمعية "عتيد".
وأكد الكاتب العام للجمعية معز الرحموني "أهمية دور المجتمع المدني في المسارات الانتخابية"، لافتاً إلى أن "جمعية عتيد" كانت "حاضرة في جميع المحطات الانتخابية السابقة بداية من تقديم الترشحات إلى الطعون إلى الحملة الانتخابية فيوم الاقتراع ثم إعلان النتائج، بنحو 400 مراقب منتشرين في مختلف مراكز الاقتراع في كامل الجمهورية، لجمع الملاحظات وتقديم التقارير من أجل ضمان انتخابات نزيهة وشفافة".
ويرى الرحموني أن "منظمات المجتمع المدني المتخصصة في الشأن الانتخابي، هي ضمانة لأنها تكشف عن الحقائق من دون مواربة وبلا خوف"، لافتاً إلى "تقلص المشاركة المواطنية في المجتمع المدني وتراجع عدد المتطوعين في الجمعيات لمراقبة الانتخابات".
وبخصوص المسار الانتخابي أشار الكاتب العام لجمعية "عتيد" إلى أن "منظمة عتيد سبق وأن نبهت إلى ضرورة تنقيح القانون الانتخابي في آجاله، من أجل تجاوز الإشكالات التي وقعت فيها هيئة الانتخابات اليوم التي وصلت إلى حد تجاهل قرارات المحكمة الإدارية".
إحالة ملفات الجمعيات إلى القضاء
يذكر أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أعلنت في منتصف يوليو (تموز) الماضي انطلاق تأجيل قبول مطالب اعتماد المـلاحظين والصحافيين المحليين والدوليين والضيوف لملاحظة وتغطية الانتخابات الرئاسية لعام 2024، على أن تنتهي في الـ28 من سبتمبر (أيلول) الجاري، أي قبل أسبوع من موعد الاقتراع.
وفي تعقيبها على الجدل الحاصل حول اعتماد منظمات المجتمع المدني، أكدت عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات نجلاء العبروقي أن "عدداً من الجمعيات التي أودعت لدى الهيئة مطالب اعتماد لملاحظة الانتخابات الرئاسية، وردت في شأنها إشعارات من جهات رسمية حول تلقيها تمويلات أجنبية مشبوهة، وتمت إحالة هذه الإشعارات إلى النيابة العمومية"، مضيفة أنه "من بين هذه الجمعيات منظمة "أنا يقظ" وجمعية "مراقبون".
وأضافت العبروقي أن "جمعيات عدة أخرى يجري التحري في شأنها، ولم يبت بعد في مطلب الاعتماد الذي أودعته"، مشيرة من جهة أخرى إلى أنه أسند هذا الاعتماد إلى عدد من الملاحظين في جمعيات توفرت فيها الشروط".
يذكر أن هيئة الانتخابات أسندت خلال المسارات الانتخابية السابقة أكثر من 17 ألف اعتماد، بينما أسندت حتى الآن أكثر من ألف اعتماد لصحافيين وملاحظين من جمعيات ومنظمات عدة.