Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أنشطة مشبوهة قادت إلى رصد أكبر شبكة اتجار بالبشر في إثيوبيا

كشفت التحقيقات أن ثمة أجهزة تمارس تلك الجرائم تحت غطاء تراخيص السياحة والعمل في الخارج

اعتقال 49 مشتبهاً في عمليات تتصل بشبكات "الاتجار بالبشر" داخل إثيوبيا (أ ف ب)

ملخص

كشفت التحقيقات أن نحو 15 ألف مواطن إثيوبي غادروا البلاد عبر قنوات غير مرخصة بين أغسطس (آب) 2023 ويونيو (حزيران) 2024 ضمن نشاط مشبوه يتصل بالاتجار بالبشر.

أثار إعلان جهاز الأمن والاستخبارات الإثيوبي اعتقال 49 مشتبهاً في عمليات تتصل بشبكات "الاتجار بالبشر" حالاً من الجدل في الأوساط الإثيوبية، بخاصة وأن معظم الموقوفين هم أصحاب وكالات سفر وموظفون في الهيئات الدبلوماسية ومسؤولون إداريون.

وقال الجهاز في بيان إن الاعتقالات حدثت بالتنسيق مع الشرطة الفيدرالية الإثيوبية بعد "درس ومراقبة مكثفة" لشبكات الاتجار المشتبه بها داخل إثيوبيا وخارجها.

وأضاف أن التحقيقات كشفت أن نحو 15 ألف مواطن إثيوبي غادروا البلاد عبر قنوات غير مرخصة بين أغسطس (آب) 2023 ويونيو (حزيران) 2024، ضمن نشاط مشبوه يتصل بالاتجار بالبشر.

وبحسب إفادات جهاز الأمن والاستخبارات فإن هناك "وسطاء يعملون في الداخل والخارج ومتورطون في هذه الشبكة الإجرامية"، وأن "تأشيرات السياحة والعمل التي يُتحصل عليها من خلال علاقات المنافع تُستخدم في هذا العمل، وأن جهات مختلفة، بما في ذلك أفراداً يعملون في السفارات، يشاركون في هذا النشاط".

وأشار جهاز الأمن والاستخبارات الإثيوبي إلى أن الحكومة وضعت إجراءات قانونية لانتقال العمالة إلى الخارج، بما في ذلك اتفاقات مع دول مختلفة وترخيص أكثر من 1200 وكالة، ومع ذلك فإن بعض الوكالات تعمل بصورة غير قانونية، إذ كشفت التحقيقات أن "ثمة أجهزة تمارس جرائم الاتجار بالبشر تحت غطاء تراخيص السياحة والعمل في الخارج".

وطاول التحقيق أفراداً في هياكل حكومية، وبحسب جهاز الأمن والاستخبارات فإن "بعض الأفراد العاملين في هياكل حكومية أصبحوا شركاء في جريمة الاتجار بالبشر من خلال إنشاء علاقات ذات منفعة المشتركة".

وختم البيان إفادته بأن هذه العمليات غير القانونية تجعل الإثيوبيين عرضة لأخطار كبيرة، بما في ذلك "انتهاكات حقوق الإنسان والأضرار النفسية والاغتصاب، فضلاً عن سرقة الأعضاء البشرية"، مشيراً إلى أنه "بعد سفر المواطنين من طريق البحر والبر والجو إلى دول أجنبية، يجمعون في مركز واحد ويعرضون للبيع من خلال المفاوضات مع أصحاب العمل".

وتأتي هذه التطورات في أعقاب التزام إثيوبيا السابق "بالتحقيق الفوري" في مزاعم إساءة معاملة مواطنيها في الخارج، وكانت وزارة الخارجية الإثيوبية قد صرحت في وقت سابق أنها بصدد إعداد مشروع قانون ستتقدم به الحكومة إلى البرلمان الإثيوبي في شأن إجراءات وشروط العمالة الإثيوبية في الخارج، وذلك بعد أن كشف تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" أن مئات الإثيوبيين يتعرضون للموت أثناء محاولتهم عبور الحدود، وأن بعضهم يقع ضحية جرائم الاتجار بالأعضاء البشرية.

جدلية المتاجرة

من جهته قال الناشط الحقوقي الإثيوبي تآمرات تلا إن ثمة تقارير أعدتها المنظمة الإثيوبية لحقوق الإنسان ومنظمات أخرى ظلت تحذر من تعرض الإثيوبيون لجرائم الاتجار بالبشر من خلال استغلال الطروف الاقتصادية والاجتماعية، وأضاف أن الجديد الآن أن جهازاً معنياً في الدولة أجرى دراسة موسعة حول تلك المزاعم وتوصل إلى نتائج تفيد بوجود شبكة واسعة للاتجار بالبشر.

ويشير تلا إلى ضرورة التفريق بين "الاتجار بالبشر" و"الاتجار بالأعضاء البشرية"، لأنهما جريمتان مختلفتان وفق التعريف القانوني، مؤكداً أن الفقرة (أ) من المادة الثالثة في برتوكول الأمم المتحدة الخاص بجرائم الاتجار بالبشر، تُعرف الجريمة بأنها تشمل كل تجنيد للأشخاص أو نقلهم وتحويلهم أو إيوائهم بدافع الاستغلال أو حجزهم من طريق التهديد، أو استخدام القوة أو أي من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو الابتزاز، مما يعني أن الأنشطة التي تقوم بها بعض الوكالات بنقل الإثيوبيين للخارج بوعود كاذبة تعد من ضمن جرائم الاتجار وتعرض المتورطين فيها للمساءلة القانونية.

ويضيف الناشط الإثيوبي أن "اتفاق الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة" ينص على تجريم شراء وبيع الأعضاء القابلة للزرع، بخاصة إذا كانت نتيجة استغلال لحال فيها استضعاف أو إغراء مادي من خلال عرض مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص ما لنقل عضو له إلى شخص آخر.

وينوه تلا إلى أن الاتفاقات الدولية والقوانين الإثيوبية تجرم النشاطين لكنها تسمح بالتبرع بالأعضاء البشرية، شرط أن تجري العملية بالتراضي ومن دون تقديم مبالغ مالية، إذ إن شرط التبرع يبطل في حال تلقي أموال في مقابل نقل الأعضاء.

بين الاحتيال والاتجار

ويوضح الناشط أن التحقيقات التي أجراها جهاز الاستخبارات الإثيوبي قد كشفت عن توافر حالات عدة للاتجار بالبشر والأعضاء البشرية، مشيراً إلى أن الموقوفين ربما أسهموا في إحدى الجريمتين أو كلاهما، عن قصد أو عن غير قصد.

وأكد أن المنظمات الحقوقية والناشطين يطالبون جهاز الاستخبارات بالكشف عن تفاصيل هذه التحقيقات كافة، بخاصة أن التوقيفات شملت شخصيات تعمل في السلك الدبلوماسي والإداري، فضلاً عن أرباب وكالات سفر.

ويرجح تلا أن تكون تجارة الأعضاء قد تمت خارج الأراضي الإثيوبية بعد نقل الضحايا للخارج، سواء كانت تلك الوكالات والمسؤولون المحليون على علم بها أم لا، لافتاً إلى أن ثمة تقارير صحافية وأخرى حقوقية ظلت تشير إلى وقوع مثل هذه الجرائم اعتماداً على شهادات الضحايا العائدين من الخارج، في حين ظلت بعض الجهات تتجاهل تلك التقارير باعتبار أن الضحايا سافروا بمحض إراداتهم، وأن جرائم الاتجار وقعت خارج النطاق الوطني.

ورجح أن يكون جهاز الاستخبارات قد تحرك أخيراً نتيجة تضاعف حالات الاتجار وتحويل ونقل الأشخاص إلى الخارج، إذ يكشف التقرير أن "نحو 15 ألف إثيوبي نقلوا إلى الخارج ضمن هذا النشاط الإجرامي في أقل من 10 أشهر".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قانونية الإجراء

من جهته يرى المحامي الإثيوبي تازب برهانو أن من بين مهمات جهاز الأمن والاستخبارات جمع المعلومات عن مختلف أشكال خرق القانون، سواء داخل البلاد أو خارجها، إلا أنه ليس من مهماته اعتقال الأشخاص خارج إطار القانون، لافتاً إلى وجود شكوك حول ظروف إيقاف المشتبه فيهم، ولا سيما أنهم لم يقدموا حتى الآن إلى المؤسسات القضائية.

ويضيف برهانو أنه يحق لجهاز الأمن التحفظ احتياطاً على كل متهم، لكن من مسؤوليته تقديمهم للنيابة خلال يومي عمل، على أن يتكفل القضاء النظر في مذكرات الإحالة المقدمة حولهم.

ويرى برهانو أن الأجهزة الأمنية غالباً ما تلجأ لقانون الطوارئ من أجل إيقاف الأشخاص واعتقالهم لفترات طويلة قبل محاكمتهم.

ويشير المحامي الإثيوبي إلى أن لغة البيان الصادر لا تلتزم بمفردات قانونية محددة، إذ تخلط بين جريمتي الاتجار بالبشر والأعضاء البشرية، ولم تحدد ما إذا كان الموقوفون كلهم متهمين بالضلوع في الجريمتين أم إحداهما، بخاصة وأن كل جريمة على حداها لها تبعات قانونية مختلفة عن الأخرى.

ويوضح المحامي الذي يعمل كمستشار لإحدى الوكالات، أن القوانين الإثيوبية لا تُجرم الخدمات التي تقدمها وكالات السفر المعتمدة والتي من بينها تذليل الصعوبات لانتقال الأشخاص إلى الخارج، بما فيها توفير تأشيرات السفر وإيجاد عروض عمل بالخارج، كما لا يلزم القانون وكالات السفر بمتابعة حالات المسافرين للخارج بمحض إرادتهم بعد استكمال الإجراءات المنصوص عليها في القانون الإثيوبي كافة، إذ ينص الدستور الإثيوبي على حقوق المواطنين في الانتقال بحرية داخل البلاد وخارجها، وأن معظم الوكالات تعمل في إطار القوانين المحلية.

ويتابع أن إحالة القضية إلى النيابة العامة ثم المحاكم المحلية سيكشف حقيقة تلك التهم ومدى جديتها، بخاصة في ما يتعلق بنشاط ودور وكالات السفر التي يقتصر نشاطها في تقديم خدمات تتعلق بتذاكر السفر وأحياناً توفير تأشيرات السفر، أما ما يقع في الخارج من جرائم فليس ضمن مسؤوليتها.

إغراء مادي واستغلال

بدورها رأت الناشطة المدافعة عن حقوق المرأة العاملة صوفي تادلي أن "عدداً من وكلاء السفر في إثيوبيا متورطون في نشاطات يجرمها القانون الإثيوبي، وذلك من خلال استغلال تراخيص العمل الممنوحة لهم من الجهات الإدارية، إذ يعلنون عن فرص عمل في الخارج تتضمن وعوداً كاذبة، ويُسفر الشباب إلى الخارج ليقعوا ضحايا شبكات إجرامية تعمل بالتنسيق مع الوكلاء المحليين".

وتشير تادلي التي تترأس كذلك جمعية للمرأة العاملة في الخارج، إلى أن غياب دور السفارات والقنصليات الإثيوبية في متابعة شؤون رعاياها ضاعف حجم المشكلات التي يتعرض لها المهاجر الإثيوبي، وتوضح أن مؤسستها قد وقفت أمام مجموعة كبيرة من الجرائم التي ارتكبت بحق عاملات إثيوبيات في الخارج.

وتكشف تادلي أن تلك الجرائم تتراوح بين السخرية والابتزاز والاتجار بالأعضاء البشرية، كاشفة عن أن معظم تلك الجرائم حصلت في دول شرق أوسطية.

وتوضح أن "هناك عشرات العاملات الإثيوبيات في البيوت تعرضن للسخرية والابتزاز، وأن المؤسسة وثقت محاولتي سرقة لأعضاء بشرية استهدفت عاملتين إثيوبيتين، خضعت إحداهما بالفعل لجرحة تحت التخدير، فيما قفزت الأخرى من الدور الثالث مما عرض حياتها للخطر، وأصيبت بكسر في الساق اليسرى قبل أن تعود لبلادها"، بحسب تادلي.

وتضيف أن الشهادات التي أدلى بها بعض الشهود تؤكد أن الضحايا يتعرضون للخديعة، إذ يُخدرون بمواد معينة بغية إخضاعهم لجراحات ينتزع فيها بعض أعضائهم من دون علمهم، فيما عُرض على آخرين مبالغ مالية بغرض دفعهم إلى الموافقة على إجراء عمليات نقل أعضاء، وأن هناك أيضاً حالات عدة وثقت لعاملات إثيوبيات تعرضن لحالات انتزاع أعضاء.

ولفتت الناشطة الإثيوبية إلى أن جمعيتها تنشط من أجل توثيق الجرائم التي تستهدف النساء كافة، بما في ذلك الابتزاز والاغتصاب إلى جانب الاتجار بالنساء في الخارج.

وفي تعليقها على بيان جهاز الأمن والاستخبارات ترى صوفي أنه "على رغم أهمية هذا التطور إلا أنه سيظل قاصراً ما لم تستحدث آليات متابعة ناجعة في السفارات والقنصليات الإثيوبية، والمطالبة بسن قوانين تلزم كل إثيوبي يرغب في العمل بالخارج بضرورة إبلاغ الجهات القنصلية، سواء على مستوى وزارة الخارجية في إثيوبيا أو البعثات الدبلوماسية للتأكد من مدى صحة عقود العمل، وضرورة استحداث مكاتب داخل السفارات تكلف بمهمات متابعة الرعايا العاملين في دولة الاعتماد".

وتضيف صوفي "نتطلع ألا يتوقف الأمر عند توقيف مجموعة من الأشخاص والوكالات، بل ينبغي متابعة الموظفين في السفارات، فضلاً عن ضرورة المتابعة القضائية ضد المؤسسات والأشخاص الأجانب في الخارج من خلال إيفاد مستشارين قانونيين على مستوى السفارات.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير