Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الانفجارات تهز الفاشر لليوم الثاني والوضع الإنساني كارثي

الطيران الحربي للجيش السوداني يتابع قصفه مواقع قوات "الدعم السريع" بالمناطق الجنوبية للمدينة واستمرار التحشيد من الجانبين

مدينة الفاشر آخر معاقل السلطة المركزية في دارفور لا تزال تتعرض لقصف من قوات الدعم السريع (أ ف ب)

ملخص

تتمتع مدينة الفاشر آخر معاقل السلطة المركزية في دارفور بموقع استراتيجي، فحدودها مع كل من دولتي تشاد من الغرب وليبيا من الشمال، مما يكسبها أهمية عسكرية خاصة للطرف الذي يتمكن من السيطرة عليها.

في خضم سجال المعارك والمواجهات الدموية المستمرة للاستحواذ على مدينة الفاشر عاصمة دارفور التاريخية الاستراتيجية، تجددت الاشتباكات داخل المدينة بين الجيش السوداني وحلفائه من قوات الحركات المسلحة من جانب وقوات "الدعم السريع" من جانب آخر للمرة الـ133 منذ بدء المواجهات في مايو (أيار) من العام الماضي.

وبعد ساعات من الهجوم الواسع المتعدد المحاور الذي شنته قوات "الدعم السريع" أول من أمس الخميس، تواصلت الاشتباكات العنيفة لليوم الثاني على التوالي مساء الجمعة جنوب وغرب وسط انفجارات هائلة وتصاعد ألسنة اللهب وسحب الدخان الكثيفة.

وأفادت مصادر محلية أن الاشتباكات العنيفة بين الجانبين تواصلت في المحورين الشرقي والجنوب الشرقي للمدينة، إذ كانت قوة من "الدعم السريع" تتمركز داخل المستشفى الجنوبي بحي السلام جنوب المدينة.

غطاء جوي

وأوضحت مصادر محلية أن الطيران الحربي التابع للجيش يتابع قصفه مواقع قوات "الدعم السريع" بالمناطق الجنوبية للمدينة محدثاً فيها خسائر كبيرة، كما نفذ الجيش أمس الجمعة عملية إسقاط جوي ناجحة للإمدادات العسكرية والغذائية، لقوات الفرقة السادسة مشاة بالمدينة، وشن غارات جوية استهدفت مواقع قوات "الدعم السريع" في مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور.

وتتمتع مدينة الفاشر آخر معاقل السلطة المركزية في دارفور بموقع استراتيجي، فحدودها مع كل من دولتي تشاد من الغرب وليبيا من الشمال، مما يكسبها أهمية عسكرية خاصة للطرف الذي يتمكن من السيطرة عليها.

توقعت المصادر أن تتواصل المواجهات في ظل الاستعدادات والتحشيد وتعزيز المواقع الدفاعية من قبل الجانبين داخل وحول المدينة، بصورة تنذر بشوط طويل قادم من المواجهات والمعارك.

وأفاد شهود عيان أن قوات "الدعم السريع" تمكنت من تحقيق بعض التقدم المحدود داخل بعض المناطق والأحياء من دون أن تتمكن من الوصول إلى تحصينات الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش بالمدينة، وأن الجيش والقوات المشتركة تصدت للهجوم.

رعب وهرب

ووصفت قيادات أهلية الأوضاع الإنسانية بالمروعة والمرعبة، وأن الفارين من المدينة يواجهون ظروفاً بالغة الصعوبة بسبب الدمار والحرائق والخسائر المتكررة في الأرواح وسط المدنيين وموجات النزوح اليومية نتيجة المواجهات والحصار المفروض على المدينة منذ أشهر من قبل قوات "الدعم السريع".

أوضحت تلك القيادات أن معارك اليومين الماضيين دفعت الأوضاع الإنسانية إلى الهاوية بصورة كبيرة، إذ يعاني المدنيون نقصاً حاداً في المواد الغذائية والمياه والدواء، كما تعرضت البنية التحتية لأضرار كبيرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتباينت الأنباء والتقارير في شأن الموقف العسكري للطرفين المتقاتلين فبينما أكد الجيش والقوات المشتركة تصديهما للهجوم الجديد على المدينة وإجبار قوات "الدعم السريع" على التراجع، قالت الأخيرة إنها كبدت قوات الجيش والقوات المشتركة خسائر فادحة وتمكنت من تدمير عدد من الآليات والعربات القتالية وسط تقدم كبير في المحور الجنوبي الشرقي بالمدينة، معززة ذلك بنشر مقاطع مصورة للمواجهات الميدانية وبعض المعدات والآليات التي ادعت الاستيلاء عليها.

في المقابل أصدرت القوة المشتركة أمس بياناً ذكرت فيه، أنها قضت على أكثر من 80 من جنود ميليشيات الجنجويد في كل المحاور إلى جانب عشرات الجرحى وتدمير أكثر من 20 معدة عسكرية، والاستيلاء على 10 آليات أخرى، مؤكدة أن الأوضاع في المدينة تحت السيطرة الكاملة، بينما يطارد سلاح الطيران بقايا الميليشيات من الهاربين خارج المدينة.

في الوقت نفسه نعت قوات "الدعم السريع" مقتل أحد كبار قادتها المعروفين وهو عبدالرحمن قرن شطة في مواجهات الفاشر الأخيرة وكان قد سبقه مقتل القائد علي يعقوب في المواجهات نفسها.

وقالت قوات "الدعم السريع" على حسابها في منصة "إكس"، إن الطيران الحربي التابع للجيش السوداني قصف مجدداً مستهدفاً المواطنين وأعيان مدينة مليط، 60 كيلومتراً شمال الفاشر، وغارات أخرى على مدينة نيالا بجنوب دارفور.

الهجوم 133

وفي تصريح خاص اعتبر المتحدث باسم القوات المشتركة الرائد أحمد حسين تمكن الجيش والقوات المشتركة من التصدي للهجوم رقم 133 لقوات "الدعم السريع" على مدينة الفاشر بأنه خطوة مهمة في طريق إفشال المؤامرات والمخططات التي تهدف إلى تقسيم الدولة السودانية وبناء دولة (آل دقلو) المتوهمة في إشارة إلى قائد "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي وشقيقه عبدالرحيم دقلو.

قطع حسين بـ"عدم إمكانية استيلاء ميليشيات ’الدعم السريع‘ على مدينة الفاشر"، معتبراً فشل محاولاتها للسيطرة على المدينة وتوجههم نحو التعامل مع مدينة زالنجي كعاصمة لإقليم دارفور بعد تكوين ما يسمى الإدارة المدنية بمثابة فرفرة مذبوح تشير إلى فقدانها البوصلة. وتابع "نحن نتوقع دائماً أن يتجدد الهجوم في أي وقت لكننا جاهزون ومستعدون لصد أي عدوان من قبل الميليشيات في الوقت الراهن". وشدد على أن مدينة الفاشر ستكون مقبرة لقوات "الدعم السريع" وأن الجيش والقوات المشتركة سينتقلون قريباً إلى الهجوم على معاقل الميليشيات ودكها، بعد أن تمكنت من قطع أهم خط لإمداداتهم وهو المحور الشمالي.

من جهته أعلن حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، أن الجيش والقوة المشتركة تمكنا بعد مواجهات عنيفة مع "الدعم السريع" من استعادة السيطرة على مؤسسات مدنية وخدمية بالفاشر بينها المستشفى الجنوبي.

وأضاف مناوي على حسابه بمنصة "إكس"، "حرر الأبطال في الفاشر المستشفيات والمساجد من دنس الميليشيات التي استباحت المؤسسات المدنية والخدمية".

 

كذلك قال حاكم الإقليم المكلف، بابكر حمدين في تغريدة على حسابه بمنصة "إكس"، "يجب أن تعلم الميليشيات أنها لو قاتلت 100 عام فلن تستطيع هزيمة الجيش المسنود بالقوات النظامية الأخرى وحركات الكفاح المسلح والمستنفرين وجماهير الشعب السوداني".

وكان مناوي قد حذر قبل أيام من استعدادات تقوم بها قوات الدعم لشن هجوم كبير على الفاشر، مشيراً إلى أنها تقوم بحشد قواتها للمشاركة في العملية التي تستهدف المدينة التي تعد العاصمة التاريخية لإقليم دارفور.

بدوره هنأ والي شمال دارفور المكلف، الحافظ بخيت، مجلس السيادة الانتقالي والقيادة العليا للجيش والقوات المشتركة لحركات الكفاح المسلح والشرطة والاستخبارات العامة والمستنفرين والمقاومة الشعبية بـ"الانتصار الكبير في معارك الفاشر"، محيياً "صمود أهل الفاشر الصابرين جراء الهجمات والقصف العشوائي من الميليشيات على منازل المواطنين العزل والمؤسسات الخدمية بالمدينة".

مآس ودمار

في السياق أوضح الباحث والمراقب الأمني، ضوالبيت دسوقي، أن معارك ومواجهات اليومين الماضيين التي اتسمت بالعنف الشديد والتدمير لن تكون الأخيرة وستتواصل من دون انقطاع بسبب الأهمية المصيرية لمدينة الفاشر بالنسبة لكلا الطرفين، إذ يلاحظ حشد قوات "الدعم السريع" عديداً من قياداتها الميدانية المهمة في تلك المعارك إلى جانب الإشراف المباشر للقائد الثاني للقوات عبدالرحيم دقلو بنفسه على العمليات.

وأوضح دسوقي أن الضربات الجوية المتلاحقة أسهمت في إضعاف هجمات "الدعم السريع" عسكرياً ومعنوياً، إلى جانب قطع معظم خطوط الإمداد البشري والمادي، وتدمير عديد من مخازن الأسلحة والذخيرة التابعة لها في بعض مدن دارفور التي تسيطر عليها.

حذر الباحث من أن "المعارك المتتالية أرهقت المدينة والمدنيين وبدأت تطيح كل مقومات الحياة فيها فضلاً عن التدمير اليومي الكبير لمعظم بنيتها التحتية الخدمية، مما جعلها جحيماً لا يطاق لمواطنين باتوا هم الضحايا الأساسيين في هذه المعارك ويتساقطون بصورة يومية متزايدة إما بسبب الجوع والمرض أو المواجهات الحربية".

حدة التوترات

وتابع "من الواضح أن الدواعي الإنسانية لم تعد تشكل رادعاً لقوات (الدعم السريع) عن إصرارها على اجتياح المدينة، فلم تعد تكترث بكل النداءات الدولية ومطالبة مجلس الأمن الدولي المباشرة لها بالتخلي عن خططها لدخول مدينة الفاشر لأسباب إنسانية، مما يفسر الأهمية فوق العادية التي توليها تلك القوات للمدينة".

ولفت دسوقي إلى أن "طبيعة الصراع على المدينة يجعلها مصيرية ووجودية لكل منهما، لأن سقوطها في يد ’الدعم السريع‘ يعني بالنسبة إلى الجيش فقدان السلطة المركزية لإقليم دارفور، بينما تعد قوات ’الدعم السريع‘ فشلها في الاستيلاء على المدينة انهياراً لخطتها في إكمال سيطرتها على إقليم دارفور، مما يزيد من تعقيدات الوضع العسكري ويرفع من حدة التوترات في المدينة والإقليم بأكمله".

يشير الباحث إلى أن معارك الكر والفر والمواجهات المتوالية والمتأرجحة ما بين صمود الجيش والقوات المشتركة وإصرار "الدعم السريع" تهدد بتحويل المدينة إلى أطلال حال استمرارها لفترة أطول بينما يتحمل المدنيون العبء الأكبر من تبعات هذه المعارك، بالنزوح والتشريد والتدني المتواصل في الوضع الإنساني المتفاقم يوماً بعد آخر.

وناشد دسوقي الطرفين المتحاربين بوقف إطلاق النار للدواعي الإنسانية وامتثالاً للنداءات والمبادرات المحلية والإقليمية والدولية، لافتاً إلى أن على المجتمع الدولي تكثيف ضغوطه على الطرفين المتحاربين لحماية المدنيين وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية والبحث عن حل سياسي للأزمة السودانية.

في الأثناء أدى وزراء الإدارة المدنية الجدد بولاية وسط دارفور اليمين الدستورية أمام رئيس الإدارة ومستشار قوات "الدعم السريع" بمقر الإدارة المدنية بمدينة زالنجي.

وحض رئيس الإدارة المدنية، عبدالكريم يوسف، وزراء حكومته على العمل بروح الفريق ومضاعفة الجهود في جميع القطاعات خلال المرحلة المقبلة لتفادي الكوارث الإنسانية والأوبئة وحماية الموسم الزراعي وإنجاحه، مناشداً جميع المنظمات العالمية والوطنية بالاهتمام بأمر المساعدات الإنسانية.

حظر السلاح

في الـ12 من سبتمبر (أيلول) الجاري مدد مجلس الأمن الدولي بالإجماع العقوبات المفروضة على السودان منذ عام 2005 بحظر توريد الأسلحة إلى إقليم دارفور لعام آخر ضمن جهود ضمان الأمن والاستقرار في المنطقة.

يشير القرار (1591) إلى التزام المجتمع الدولي مراقبة الوضع في دارفور، ويهدف إلى تقليل التوترات ومنع تفاقم الأزمات الإنسانية، مع التشديد على أهمية تنفيذ هذه العقوبات بصورة فعالة لضمان عدم وصول الأسلحة إلى الأطراف المتنازعة.

ومنذ أول هجوم لقوات "الدعم السريع" على المدينة وإحكام حصارها آخر مايو 2023، لم تتوقف المعارك والاشتباكات والقصف المدفعي المتبادل بين الطرفين في ظل حصار مطبق على المدينة.

إتمام السيطرة

وكانت الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام أعلنت منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي التخلي عن الحياد والانحياز إلى الجيش احتجاجاً على الانتهاكات التي ارتكبتها ميليشيات "الدعم السريع".

ومنذ الأشهر الأولى لاندلاع الحرب بين الجيش وقوات "الدعم السريع" منتصف أبريل (نيسان) 2023، تمكنت الأخيرة من إسقاط الحاميات العسكرية للجيش وإحكام قبضتها على أربع من أصل ولايات إقليم دارفور الخمس هي (جنوب، وغرب وشرق ووسط دارفور) وتسعى حثيثاً إلى السيطرة على الفاشر عاصمة شمال دارفور وحاضرة دارفور التاريخية لاستكمال بسط نفوذها على كامل الإقليم.

المزيد من متابعات