ملخص
أكد الرئيس تبون أنه سيحتفظ بأسماء وزارية حالية بخاصة من أثبتت اجتهادها وعملها، وألمح إلى وجود حال من التراخي وشبه البطالة في دوائر حكومية.
بدأ الحديث عن الحكومة المقبلة يشغل مساحات واسعة من المشهد السياسي في الجزائر، فبعد الانتهاء من الاحتفالات المخلدة لذكرى اندلاع الثورة التحريرية، خرجت مختلف وسائل التواصل الاجتماعي بمنشورات تنبش في هوية الطاقم الوزاري المرتقب الإعلان عنه خلال الأيام المقبلة، على اعتبار أن الرئيس عبدالمجيد تبون أشار إلى أنه سيتم الكشف عن الحكومة الجديدة قبل نهاية عام 2024.
صراعات افتراضية
وتشهد الوسائط الاجتماعية سجالاً حول الوزراء المغادرين ومن يحق لهم الاستمرار، فيما يتنافس آخرون على التكهن بمواصفات الوافدين، ولا يتعلق الأمر بالمتابعين العاديين وإنما بالنخب من أساتذة وسياسيين وإعلاميين، إذ تغير وجه الصفحات والحسابات الخاصة بهم إلى منشورات سياسية تتمحور بين الاقتراح والتوقع والانتقاد ومحاولات لطرح إنجازات أو أفكار أو حلول في صورة "عرض خدمات".
وفي خضم هذا الحراك، تتجه أنظار الشارع والطبقة السياسية والوزراء الحاليين نحو قصر "المرادية" تترقب هوية الحكومة الجديدة، بخاصة بعد إعلان تبون أنها ستتكون من كفاءات وطنية من دون استبعاد إشراك الأحزاب، وتأكيده على نية الاحتفاظ ببعض الأسماء من الطاقم الحالي لأدائهم الإيجابي، وأوضح في تصريحات صحافية أنه يسعى إلى إشراك أكبر وأحسن الكفاءات الوطنية في الحكومة المقبلة، ولا يمانع أن تتولى كفاءات حزبية حقائب، مستبعداً أية علاقة بين الأحزاب التي ساندته في الانتخابات الرئاسية التي جرت في السابع من سبتمبر (أيلول) الماضي وتشكيل الحكومة.
ويقول الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية سلامة الصادق فرابي لـ"اندبندنت عربية" إن ضمان استمرار تنفيذ برنامج الرئيس تبون يكون بتشكيل متنوع للطاقم الوزاري بين شخصيات تكنوقراطية وأخرى حزبية موالية، أما بخصوص المعارضة فالأمر يتوقف على مدى موافقتها على الانضمام إلى الحكومة، مضيفاً أنه على رغم ضعف أداء الأحزاب الموالية في الحملة الانتخابية من ناحية تسييرها وأسلوب الخطاب، فإن تبون سيركز على فئة الشباب، وكذلك بعض الولاة الذين نجحوا في تسيير شؤون مناطقتهم، إضافة إلى أساتذة جامعيين مشهود لهم بالكفاءة.
أما الحقائب السيادية كوزارتي الخارجية والداخلية، فيعتقد فرابي بأن "الرئيس سيجدد الثقة بالوزراء الحاليين، والحكومة المقبلة ستجد نفسها مدعوة إلى الاهتمام بدعم القدرة الشرائية للمواطن من خلال الحفاظ على الطابع الاجتماعي للدولة، وكذلك إطلاق مشاريع أو إعادة إحياء مصانع تركيب السيارات، فضلاً عن التركيز على الجانب الأمني الإقليمي، لا سيما مع ليبيا ومالي".
غير الحزبيين
بات لافتاً لدى الطبقة السياسية اهتمام تبون بالشخصيات غير الحزبية منذ تسلمه السلطة، إذ إن صفة "الاستقلالية" طبعت مختلف الحكومات المتعاقبة منذ 2019، مما منح نوعاً من الارتياح لدى الشارع وخفف من الهمز واللمز لدى الطبقة السياسية، لكن في ظل تعدد الأطراف الداعمة خلال العهدة الثانية، بخاصة من جهة الأحزاب السياسية، فإن توقع تغير النهج يبقى وارداً هذه المرة ولو بنسب ضعيفة، على اعتبار أن تبون يصرح في كل مرة بأنه مترشح حر.
وأمام بداية العد التنازلي للإعلان عن الحكومة، ومع اشتداد التنافس الخفي بين مختلف الجهات للحصول على حقيبة وزارية أو منصب حكومي، بدأت الأحزاب تبعث إشارات إلى تبون، تارة عبر طرح الأفكار ومدح الإنجازات، وتارة أخرى من خلال توجيه انتقادات لأداء الطاقم الوزاري والتلميح إلى ضعف التجاوب في قطاعات عدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وباشرت حركة مجتمع السلم، أكبر حزب إسلامي في البلاد التي نافس رئيسها عبدالعالي حساني تبون في رئاسيات السبع من سبتمبر الماضي، بتوجيه انتقادات لأداء الحكومة، وقالت في بيان إنها "تتابع انشغالات الجبهة الاجتماعية وتسجل بكل أسف استمرار الضائقة الاجتماعية واضطراب السوق وزيادة الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية وارتفاع المطالب الاجتماعية والفئوية"، داعية إلى تكثيف الحوار الاجتماعي الهادئ الصريح والمسؤول، والتعامل بمصداقية مع المطالب المشروعة، مع ضرورة "إحقاق الحقوق بعيداً من استعمال المشاجب لرمي المسؤولية على الغير أو شيطنته".
وعبرت الحركة عن موقفها تجاه أداء الحكومة في المجال الاقتصادي، وقالت "نستهجن استمرار التعامل بمعايير بعيدة من الرشادة وغياب المواءمة بين الموارد المرصودة والآثار المحدودة، وكذلك التعاطي المتكرر بنسب عجز كبيرة في الموازنة وتركيز التمويل العمومي خارج مجال الاستثمار والابتكار والتنويع"، معتبرة أن ذلك "يعطل موارد كبيرة في المجتمع ولا يسمح بانتقال البلاد إلى دولة صاعدة".
ودعت إلى الردع الصارم في شأن معالجة ظاهرة تفشي الفساد الإداري والمالي في بعض المستويات والمؤسسات الإدارية والاقتصادية، مؤكدة أن "لا مناص من الإصلاح السياسي الفعلي لبيئة الحكم وجمع الجزائريين حول مشروع وطني يصنع الأجواء الإيجابية ويحفز كل الفواعل ويقلل من استمرار الأساليب المعلولة".
داعمون ومتعففون
وأوضح حزب حركة البناء الوطني على لسان رئيسه عبدالقادر بن قرينة الذي عمل على دعم تبون في الانتخابات الرئاسية، أنهم في الحركة يتطلعون إلى أن تكون الحكومة المقبلة هي الحكومة الأقدر على التكفل بهموم المواطنين وحاجات الوطن وتنفيذ التزامات الرئيس الجزائري، داعياً إلى إطلاق "كوماندوس حكومي" يجمع بين النزاهة والكفاءة باعتبارهما من ضرورات بناء الحزم الوطني اللازم لإحداث ثورة حقيقية في التسيير والطموح العالي لبلوغ الأهداف والاستجابة لطموحات المواطنين في العيش الكريم، لإنجاز برنامج ورؤية الرئيس المهمة والقادرة على تحقيق طموح المواطن".
وفي شأن الوزراء الجدد المرتقبين، أكد بن قرينة أن معيار اختيار الرجال والكوادر لا يكون على أسس حزبية، ولا الانتماء إلى جهة، وإنما على أساس الكفاءة والتفاني والتخصص واحترام القانون والقدرة على التعامل مع التحولات والمستجدات، برؤية متزنة تأخذ في الاعتبار التوجه السياسي للبلاد، كما تحافظ على حاجات القطاعات.
لكن حزب جبهة القوى الاشتراكية كان له موقف آخر، وهو الذي رشح زعيمه يوسف أوشيش للتنافس على كرسي الرئاسة في السابع من سبتمبر الماضي، فقال القيادي وليد زعنابي إن الحزب ليست من أولوياته المشاركة في الحكومة في المرحلة الحالية، إذ تنصب جهوده في سياق بناء حزب قوي والتحضير للحوار الوطني المقبل وإعادة الاعتبار للعمل السياسي، مع مواصلة التعبئة من أجل تعديل القوانين الجائرة على غرار قانون العقوبات والانتخابات.
وأكد أن أولوية الحزب هي الدفع نحو اتخاذ إجراءات التهدئة وتوفير الظروف المناسبة للدخول في الحوار الشامل، موضحاً أن مسألة المشاركة في الحكومة لم تطرح للنقاش داخل الحزب، غير أنه "في حال طرح الأمر علينا ستناقش المسألة على مستوى هياكل الحزب التي ستحدد موقفها".
باب المفاجآت مفتوح
بالعودة لتصريحات الرئيس الجزائري في لقاءاته الدورية مع الصحافة المحلية، فإنه لا يبدو أن التغيير سيمس أعمدة الحكومة الحالية، إذ أكد تبون أنه سيحتفظ ببعض الأسماء من حكومته الحالية، بخاصة من أثبتت اجتهادها وعملها، بالتالي فإن من بين الأسماء التي ستواصل مهمتها وزير الداخلية إبراهيم مراد الذي تكفل بحملة الرئيس الانتخابية، وقد يكون هو الوزير الأول بالنظر إلى ما سبق من تجارب مع مديري الحملات الانتخابية للمترشح الفائز، إضافة إلى وزير الطاقة محمد عرقاب ووزير السكن طارق بلعريبي.
ويبقى باب المفاجآت مفتوحاً على مصراعيه، لا سيما بعد ظهور وزير الحكومة السابق عبدالعزيز بلخادم في قصر الأمم على هامش تأدية الرئيس عبدالمجيد تبون اليمين الدستورية، وما أثاره من تساؤلات حول إمكان عودته للمشهد السياسي من خلال تسلمه إحدى الحقائب الوزارية في الحكومة المقبلة، بخاصة أنه ابتعد من المشهد السياسي منذ فترة كبيرة، كما أن الانفتاح على شخصيات شبابية سواء من الأحزاب أو المجتمع المدني أو من المستقلين يبقى أمراً وارداً بنسب كبيرة، لكن التجربة في ظل الأوضاع الداخلية والإقليمية والدولية شرط رئيس ضروري، إذ ألمح تبون في اجتماع مجلس الوزراء إلى وجود حال من التراخي وشبه بطالة في بعض الدوائر الوزارية، بخاصة في ما يتعلق بالقطاعات ذات الصلة المباشرة بانشغالات المواطن وحياته اليومية.
ويعتقد أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر حبيب بريك الله في حديث إلى "اندبندنت عربية" بأن تصريح تبون في الأيام الماضية واضح المعالم بأن الحكومة المقبلة ستكون تكنوقراطية من فئة الشباب ذوي الخبرة، على خلاف الأبواق التي تنادي كالعادة بالتعيينات من الأحزاب الموالية والمعارضة.
وقال إن الجميع يعلم أن الوضع الحالي يحتاج بقوة إلى الشباب الواعي الذي يجمع ببن الوطنية وحب العمل، على غرار الدول المتقدمة التي تؤمن بالكفاءات الشبابية والتي أضحت مثالاً جاداً يحتذى به في الرقي بالاقتصاد، مؤكداً أن "الوضع الإقليمي والدولي المحيط بالجزائر يتطلب خبرة كبيرة من السياسيين الذين اعتلوا مناصب سيادية في الدولة، ولهم القدرة على تحليل القضايا وحلحلة الأزمات والمشكلات".