Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أوكرانيا وبولندا وشوائب التاريخ المتجددة

بعد عامين من العمل الوحدوي انقلب البلدان ضد بعضهما لتعلن وارسو أن أبواب الاتحاد الأوروبي ستظل موصدة أمام كييف

زيلينسكي ودودا خلال قداس ديني لإحياء ذكرى ضحايا "مذبحة فولين" في كاتدرائية القديس بطرس، لوتسك، 9 يوليو 2023 (أ ف ب)

ملخص

تعد قضية "مذبحة فولين" وما يحتدم حولها من جدل من أصعب القضايا الحساسة في العلاقة بين بولندا وأوكرانيا.

أسهمت الأزمة الأوكرانية منذ اندلاعها عام 2014، في تبديد ما نال علاقات أوكرانيا وبولندا من "شوائب التاريخ". وعلى رغم قسوة هذا التاريخ، وما حفل به من أحداث دموية إبان سنوات الحرب العالمية الثانية، فقد فرضت السياسة على الجانبين تجاوز آلام التاريخ والتسامي فوق أحزانه والتحول نحو السير معاً في ركاب العصر، وإرساء دعائم التحالف بما بلغ بالطرفين حد العمل المشترك صوب ما هو أقرب إلى محاولة "الذوبان كل في الآخر".

وبعد مسيرة من العمل "الوحدوي" بين البلدين دامت ما يزيد على العامين، عاد البلدان لينقلب كل منهما ضد الآخر، ولتعلن بولندا عن تهديدها لأوكرانيا بأن "أبواب الاتحاد الأوروبي ستكون موصدة أمام رغبة كييف في الانضمام إليه"، بعد مرحلة شهدت كثيراً من "المنغصات" ضد المهاجرين الأوكرانيين ممن سبق وتمتعوا بفيض نعيم وخير وسماحة جيرانهم، على حد قول مسؤولين بولنديين.

فولين مذبحة أم مأساة؟

وكانت أوكرانيا وبولندا قطعتا شوطاً طويلاً على طريق التعاون المشترك، وبذلتا كثيراً من الجهود لتناسي ما شاب تاريخ البلدين إبان سنوات الحرب العالمية الثانية من أحزان، وفي مقدمها ما يسمي بـ "مذبحة فولين" بحسب التسمية البولندية، أو "مأساة فولين" وفق التسمية الأوكرانية. وذلك قبل أن يعود حزب القانون والعدالة الحاكم في بولندا ليطوي هذه الصفحة من تاريخ علاقات البلدين، متبنياً وصف ما جرى بـ "الإبادة الجماعية"، بحسب اقتراح رافال بوشنيك، وهو ممن طالبوا في يوليو (تموز) الماضي بـ "إعلان الحقيقة وتسمية الأشياء بمسمياتها". وقد أعلنت بولندا ذلك رسمياً منذ عام 2008 في إطار تناولها لأحداث تلك "المأساة"، استناداً إلى ما خلص إليه "المعهد الأوكراني للذكرى الوطنية" حول ما أسفرت عنه من ضحايا فاق عددهم 100 ألف مواطن، وما يقوله من أن الأوكرانيين بلغت خسائرهم زهاء 15 ألف شخص.

على أن هناك قولاً آخر مثيراً للجدل والدهشة بما قد يسمح لأوكرانيا بإعلان ما حدث "إبادة جماعية مزدوجة" مروعة، على حد تعبير دميتري كوليبا وزير الخارجية الأوكرانية السابق، وهو ما علقت عليه بياتا شيدلو عضو البرلمان الأوروبي من حزب القانون والعدالة الحاكم، بما نشرته على موقع التواصل الاجتماعي "إكس"، "أنت لا تفعل خطأ فقط يا سيد كوليبا، أنت تتصرف بحماقة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكان كوليبا مضى أيضاً إلى ما هو أبعد بإشارته الى مناطق لوبيلسكي وبودكارباسي ومالوبولسكا البولندية بتسميتها بـ "الأراضي الأوكرانية"، الأمر الذي اعتبرته بولندا "حدثاً غير مسبوق" في العلاقات البولندية - الأوكرانية، بعد أكثر من عامين مما قامت به من دعم لأوكرانيا بالأسلحة والمقاتلات والمعدات العسكرية وجميع أشكال الدعم الأخرى، بما فيها ما أغدقت به على المهاجرين الأوكرانيين من مساعدات عينية و"وضع خاص" يكفل لهم كثيراً من الامتيازات المادية والمعنوية منذ وصولهم إلى بولندا في أعقاب "العملية الروسية الخاصة" في أوكرانيا.

وهناك من يرى أن مثل هذه التفاسير غير مقبولة، من منطلق أن القوميين الأوكرانيين ومن يسمونهم بأنصار ستيبان بانديرا (زعيم القوميين الأوكرانيين) هم من بدأوا عمليات القتل رغبة من جانبهم في تطهير مناطق فولين وجاليسيا في غرب أوكرانيا من الأجانب، وهو ما رد عليه البولنديون بهجمات متفرقة. وكان المعهد الأوكراني للذكرى الوطنية فرض في ربيع عام 2017 حظراً على البحث واستخراج رفات الضحايا البولنديين للحروب والصراعات على أراضي أوكرانيا، تلبية لمطالب الجانب البولندي في إطار سعيه إلى إعادة دفنهم في إطار مراسم تليق بجلال ذلك الحدث. وقد اعتمدت كييف الرسمية ذلك القرار، ولم تصدر في شأنه منذ ذلك الحين أي تعليق أو تعديل.

وفي إطار تعليقه على سؤال حول موعد "استخراج أوكرانيا رفات ضحايا تلك المذبحة، أشار دميتري كوليبا وزير الخارجية الأوكرانية السابق إلى ضرورة "تخليد ذكرى الأوكرانيين أيضاً"، في إشارة إلى هدم النصب التذكاري لـ "جيش المتمردين الأوكرانيين" في مدينة غروشوفيتشي البولندية، وهو ما أصبح حجر عثرة بين الدولتين حيال هذه القضية. ودعا كوليبا إلى "ترك التاريخ للمتخصصين".

وتعد قضية "مذبحة فولين"، وما يحتدم حولها من جدل، من أصعب المناطق الحساسة في العلاقة بين بولندا وأوكرانيا. ففي صيف عام 2016 اعتمد مجلس النواب في البرلمان البولندي قراراً يعترف بيوم 11 يوليو، تاريخ وقوع تلك "المذبحة"، باعتباره يوماً وطنياً لإحياء ذكرى ضحايا "الإبادة الجماعية" التي ارتكبها القوميون الأوكرانيون ضد سكان الجمهورية البولندية الثانية خلال الفترة من 1943 – 1945، ووفقاً للجانب البولندي فقد ارتكبت مذابح أخرى في الفترة من 1939 - 1945 على يد القوميين المتطرفين الأوكرانيين ضد السكان البولنديين في فولين وغاليسيا الشرقية والمقاطعات الجنوبية الشرقية للجمهورية البولندية الثانية، وفي يونيو (حزيران) 2023 قال رئيس معهد الذكرى الوطنية لأوكرانيا أنطون دروبوفيتش إن كييف لن تسمح باستخراج رفات ضحايا "مذبحة فولين" حتى يرمم النصب التذكاري لـ "جيش المتمردين الأوكرانيين" في بولندا، كرد فعل على تعالي التهديدات من الجانب البولندي.

العودة للغة التهديدات

أعاد الرئيس البولندي أندريه دودا للأذهان تعاون القوميين الأوكرانيين مع ألمانيا النازية، والتواطؤ في "الهولوكوست" خلال الحرب العالمية الثانية، وقال في حديثه مع قناة "بولسات" الفضائية البولندية، "أرجو أن تتذكروا أن الأوكرانيين لديهم مشكلات كثيرة في تاريخهم، وهذه ليست مشكلة مذبحة فولين وحسب، بل هناك أيضاً ما يسمي بملف الخدمة في وحدات قوات الأمن الخاصة، والتعاون مع سلطات الرايخ الثالث، ومشاركة القوميين الأوكرانيين في الهولوكوست".

وعلى رغم ما اتسمت به تصريحات الزعيم البولندي من حدة وما تضمنته من اتهامات مباشرة بمسؤولية أوكرانيا تجاه ارتكاب الأوكرانيين مثل هذه الجرائم التاريخية، فقد عاد ليقول إن بلاده مدعوة إلى الابتعاد من "جعل مسألة استعادة الحقيقة التاريخية شرطاً لانضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي"، وذلك بعد إعلان دونالد توسك رئيس وزراء بولندا، تعليقاً على تصريحات وزير الخارجية الأوكرانية السابق حول أن "كييف يجب أن تفهم أن حل القضايا التاريخية يصب في المقام الأول في مصلحة أوكرانيا"، أنها "لن تنضم إلى الاتحاد الأوروبي من دون موافقة بولندا"، وذلك ما وصفه مراقبون كثر بأنه موافقة ضمنية على ما قاله فيكتور أوربان رئيس الحكومة المجرية الذي سبق وبادر بإعلان مثل هذه التهديدات، وقال توسك إنه ينظر إلى مثل هذه التصريحات "بشكل لا لبس فيه"، وإن عاد ليقول "إنه يحب كثيراً ألا تتحول اللحظات المثيرة للجدل في العلاقات البولندية - الأوكرانية إلى ما هو أقرب إلى ذريعة لأولئك الذين لديهم وجهات نظر مؤيدة لروسيا، على رغم أن هؤلاء الناس مهمشون في بولندا".

وكان فلاديسلاف كوسينياك كاميش وزير الدفاع البولندي سبق وقال أيضاً إن "وارسو ستمنع انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي حتى تحل مسألة استخراج جثث ضحايا مذبحة فولين لإعادة دفنهم وفق مراسم تليق بذكراهم"، وهو ما سبق وطرحه رئيس الحكومة البولندية دونالد توسك ووزير الخارجية رادوسلاف سيكورسكي خلال اجتماعهما الأخير مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي منتصف سبتمبر (أيلول) الجاري.

أسباب ضم غرب بولندا إلى أوكرانيا

وقد نشرت وكالة أنباء "تاس" الرسمية الروسية تقريراً قالت فيه إن الحركة القومية الأوكرانية في المهجر ظهرت خلال الفترة بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، وسط أجواء تغلب عليها مشاعر قوية مناهضة لبولندا، وشملت الحركة قدامى المحاربين في الحرب الأوكرانية البولندية التي لم تترك خلالها قوات جوزيف بيلسودسكي، وهو سياسي بولندي تزعم الدولة البولندية وأسس جيشها، أية فرصة لجمهورية أوكرانيا الشعبية الغربية سريعة الزوال.

وأعادت الوكالة الروسية للأذهان ما سبق وطالب به ياروسلاف كاتشينسكي، رئيس حزب القانون والعدالة، كييف عام 2017، حول ضرورة التخلي عن عبادة دولة ستيبان بانديرا (زعيم القوميين الأوكرانيين) مهدداً بعدم السماح للأوكرانيين بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بسبب رفض الاعتراف بـ "مذبحة فولين" باعتبارها إبادة جماعية (في أوكرانيا يستخدمون مصطلح مأساة)، ورفض الرئيس دودا المشاركة في مراسم تذكارية مشتركة مع الرئيس الأوكراني السابق بيترو بوروشينكو.

وفي الذكرى الـ 80 لوقوع تلك المأساة أو المذبحة أُقيم احتفال عام جمع ممثلي الجانبين الأوكراني والبولندي من دون أن يسمح أي من الجانبين بما يمكن أن ينال من جلال المناسبة أو شعبيه تلك الاحتفالات، وخلصت وكالة أنباء "تاس" إلى القول إن "واجهة الوحدة هشة، إذ لا يوجد بين بولندا وأوكرانيا أي تفاهم متبادل في شأن قضايا التاريخ".

وإن كان للساسة والسياسيين رأي آخر فيبدو أنه يجتمع حول ضرورة ترك النزاعات التاريخية جانباً إلى حين والعمل من أجل إلحاق الهزيمة بروسيا، في وقت يشهد ما يبدو وكأنه "رغبة مشتركة" تساور كثيرين من أبناء بولندا والمجر ورومانيا لاستعادة أراضيهم التي ضمها الزعيم السوفياتي ستالين إلى شرق أوكرانيا بموجب نتائج الحرب العالمية الثانية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير