Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
يحدث الآن

تجارة البنزين العالمية

احتلت الولايات المتحدة المركز الأول في تصديره تلتها هولندا ثم سنغافورة فالصين وكوريا الجنوبية بعدها الهند وبلجيكا

تجاوزت قيمة تجارة البنزين العالمية الـ400 مليون دولار يومياً (أ ف ب)

ملخص

السؤال الذي يطرح دائماً عما إذا كان من الأفضل بالنسبة إلى دول الخليج بيع النفط خاماً أم تكريره وبيعه على شكل منتجات نفطية؟

منذ أعوام، كتبت مقالاً بعنوان "لنحترم البنزين" جاء فيه:

"لو أدرك الشعراء دور البنزين في حياتنا لامتلأت جدران مضخات البنزين بالشعر. ولو أدرك الأدباء خصائص البنزين لأصبح بطل القصص والروايات. لو عرفنا أن عالمنا يدور في فلك البنزين لاحترمناه بالشكل الذي يستحقه، فالبنزين في النهاية من الشمس لأن أصل النفط هو طاقة خزنتها النباتات من تعرضها للشمس (عملية التمثيل الضوئي)، ثم تحولت بعد موتها واندثارها تحت ضغوط وحرارة معينة إلى نفط، وبعملية تحليل مبدأها تسخين النفط، حصلنا على البنزين، من هذا المنطلق يمكننا القول إن سياراتنا تسير على الطاقة الشمسية، ولكنها طاقة أرسلتها الشمس منذ ملايين السنين!

لو أدركنا ما يقوم به البنزين لأحببناه وأشفقنا عليه من الاحتراق، ولكنه مُنتَج ’شهم‘ و’نبيل‘ يأبى إلا أن يقوم بدوره حتى يختفي من الوجود، قطرة... قطرة! البنزين، على رغم ضعفه الظاهري فإنه قوي لدرجة رهيبة، فهو يحرك محركاً ضخماً حتى في أشد الأجواء برودة، ثم يُحَمّي ذلك المحرك، ثم يحركه بسهولة وليونة تحت ظروف مختلفة، من دون قرقعة في المحرك أو تخريب أو خدش أو انفجار. البنزين الحالي لا يُخلّف أي ترسبات في المحرك ولا يؤدي إلى تآكل المعادن ولا يلوث نظام الوقود، البنزين "يتأقلم" مع أي سيارة، مع أي محرك، والأعجب من ذلك كله أنه يتأقلم مع كل سائق مهما كان عرقه أو لونه أو دينه، لا فرق عنده بين رجل وامرأة، أو صبي أو شيخ كبير! لكنه ينسى من ينساه وينتقم منه بإيقافه بطريقة ’مهينة على قارعة الطريق‘".

ذكرت هذا كمقدمة لمقال اليوم عن التجارة العالمية في البنزين، التي تتجاوز قيمتها 400 مليون دولار يومياً. وهذا يقتصر فقط على المنتج النهائي، ولكن هناك منتجات غير مكتملة أو إضافات غير محسوبة في هذا الرقم، الدول المصدرة للبنزين لديها طاقة تكريرية كبيرة تفوق استهلاكها، والدول المستهلكة لديها طاقة تكريرية أقل من استهلاكها، ولكن هناك عوامل جغرافية تؤدي دوراً في هذه التجارة أيضاً.

ينتج البنزين أكثر من 90 دولة ويصدره أكثر من 70 دولة. تاريخياً احتلت الولايات المتحدة المركز الأول في تصدير البنزين تلتها هولندا ثم سنغافورة ثم الصين ثم كوريا الجنوبية ثم الهند ثم بلجيكا، وجاءت الإمارات في المركز الثامن والسعودية في المركز التاسع، ولكن هذا الترتيب بدأ يتغير أخيراً بسبب افتتاح مصافٍ جديدة أو توسعة المصافي الموجودة، ففي عام 2024 أصبحت سنغافورة في المركز الثاني وتقدمت الإمارات والسعودية إلى المركزين السابع والثامن على التوالي.

تستورد البنزين 170 دولة! أكبر الدول المصدرة للبنزين هي أيضاً أكبر الدول المستوردة له، ففي لائحة أكبر 10 مستوردين نجد الولايات المتحدة وسنغافورة والإمارات وهولندا، وذلك لأن هذه الدول لا تنتج البنزين فقط، وإنما هي مراكز دولية لتجارة المنتجات النفطية. تحتل الولايات المتحدة المركز الأول في استيراد البنزين تليها المكسيك وسنغافورة وإندونيسيا ونيجيريا وماليزيا والإمارات وأستراليا وهولندا.

من هذه الدول المستوردة سنركز على دولتين، المكسيك ونيجيريا. المكسيك من أقدم الدول النفطية في العالم وأول من أمّم النفط، ولكنها عانت تاريخياً أزمة خانقة في المحروقات، بخاصة إمدادات البنزين، قررت حكومة الرئيس السابق أندريه مانويل لوبيز لابرادور بناء مصفاة جديدة وتحديث المصافي القديمة ووقف تصدير النفط الخام وتكرير كل النفط داخل المكسيك، وذلك لوقف استيراد البنزين من الولايات المتحدة الذي بلغ نحو 400 ألف برميل يومياً. بُنيت المصفاة وحُدثت المصافي، وأُبلغت الشركات بوقف تصدير النفط الخام، وفجأة بدأت الحرائق تشب في المصافي المختلفة، التي نتج منها استمرار المكسيك في تصدير النفط الخام واستيراد البنزين من الولايات المتحدة، وهذا السبب الرئيس لكون المكسيك من أكبر مستوردي البنزين في العالم.

اقرأ المزيد

نيجيريا منتج كبير للنفط وعضو في "أوبك"، إلا أنها عانت تاريخياً نقصاً حاداً في إمدادات المنتجات النفطية بما في ذلك البنزين، الذي كانت تستورده بكميات كبيرة. التطورات التي حصلت منذ العام الماضي غيرت المشهد في نيجيريا، التي عرفت بأعلى نسب فساد إداري في العالم، فقد قررت الحكومة رفع الدعم عن البنزين، فارتفعت أسعاره بصورة كبيرة، وانخفض استهلاكه.

انخفاض الاستهلاك الكبير لم يكن بسبب ارتفاع الأسعار الكبير، وإنما بسبب وقف تهريب البنزين إلى الدول المجاورة، بعبارة أخرى استهلاك نيجيريا من البنزين أقل بكثير من المعروف، لأن جزءاً كبيراً منه كان يهرّب إلى الدول المجاورة لأن أسعار البنزين في نيجيريا منخفضة بسبب الدعم الحكومي له. التطور الآخر هو قيام ملياردير نيجيري ببناء مصفاة دانغوتي الجديدة بكلفة 20 مليار دولار أميركي، وهي أكبر مصفاة في أفريقيا وبطاقة إنتاجية قدرها 600 ألف برميل يومياً. رفع أسعار البنزين وانخفاض التهريب وافتتاح المصفاة، كلها خفضت واردات نيجيريا من البنزين بأكثر من النصف.

في العام الماضي كانت الإمارات أكبر مصدر للبنزين في العالم العربي تليها السعودية ثم عمان بعدها مصر فقطر ثم الجزائر.

وكانت الإمارات أكبر مستورد للبنزين تليها عمان ثم السعودية، وتأتي مصر في المركز الرابع والعراق في المركز الخامس ثم الكويت تليها البحرين ثم الجزائر، مرة أخرى أذكر أن سبب كون بعض الدول مصدرة ومستوردة في الوقت نفسه هو أنها مراكز تجارية أو لأسباب جغرافية.

السؤال الذي يطرح دائماً عما إذا كان من الأفضل بالنسبة إلى دول الخليج بيع النفط خاماً أم تكريره وبيعه على شكل منتجات نفطية؟ نظرياً تبدو الإجابة سهلة وهو أن التكرير يخلق طاقة مضافة ومن ثم فإن الدولة المنتجة للنفط أولى بها، عملياً الأمر مختلف تماماً لأن صناعة التكرير كثيفة رأس المال، وبناء المصافي يستغرق وقتاً طويلاً، وأرباح المصافي منخفضة مقارنة بغيرها من الأعمال، لهذا يتم اللجوء إلى بناء معامل بتروكيماويات ملاصقة لها في محاولة للاستفادة من التكامل الأفقي وتخفيض الكلف وتحقيق أرباح أعلى.

وتعاني المصافي الصينية والهندية انخفاضاً كبيراً في الأرباح وتحاول تخفيض نسبة التشغيل، هذا الانخفاض يعود إلى انخفاض معدلات النمو الاقتصادي من جهة، وافتتاح ثلاث مصافٍ في كل من الكويت والإمارات وعمان، هذه المصافي أثرت في المصافي الآسيوية من ناحيتين: الأولى أنها تستخدم النفط المتوسط الحامض المنتج في المنطقة، وهذا حرم المصافي الآسيوية منه، فارتفعت أسعاره ورفع كلف المصافي، من ناحية ثانية نافست هذه المصافي الخليجية المصافي الهندية والصينية فانخفضت أرباحها بشكل كبير، هذه التطورات أجبرت المصافي على استخدام المخزون الذي "أسترته" في وقت سابق بأسعار منخفضة، فانخفضت وارداتها، وهذا بدوره خفض من نمو الطلب العالمي على النفط فانخفضت الأسعار.

خلاصة القول إن تجارة البنزين العالمية في زيادة مستمرة خلال الأعوام الماضية على رغم تزايد مبيعات السيارات الكهربائية، وهناك تخوف من إغلاق عدد من المصافي في الغرب، مما يؤدي إلى تركزها في آسيا والشرق الأوسط، ويرفع أرباحها في الأعوام المقبلة، وهذا هو مسوغ بناء المصافي في دول الخليج.

المزيد من آراء