Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
يحدث الآن

القطبة الخفية في "صفقة" بوتين مع ترمب تفضح مخططات موسكو

توصل الرئيس الروسي إلى طريقة لجذب انتباه نظيره الأميركي وإلهائه للحصول على ما يريده الكرملين

"حسب بوتين الطريقة الصحيحة كي يخدع ترمب في سبيل إقناعه بتحقيق مطالبه القصوى" (غيتي)

ملخص

أدرك بوتين هوس ترمب بصورته كملك فن الصفقة، ولذلك يعمل على خلق إيحاء بإمكان التوصل إلى كل أنواع الصفقات الممكنة كي يخدع البيت الأبيض بغرض اكتساب شيء أثمن بكثير منه، وتحديداً سطوة متجددة على أوكرانيا ورفع العقوبات ومستقبل تحظى فيه روسيا بمعاملة الدول العظمى من جديد.

يرى دونالد ترمب في المباحثات مع الكرملين سبيلاً لإنهاء الصراع في أوكرانيا بأسرع وقت ممكن. ولو أكسبه هذا الجهد جائزة نوبل للسلام، فعظيم. وسيكون من الأفضل بعدما يتمكن من تأمين صفقات جيدة للشركات الأميركية. أما فلاديمير بوتين، فيرى من ناحيته في هذه المباحثات سبيلاً للنصر، وللمنتصر تعود الغنائم. ومن أجل تحقيق هذه الغاية، درس العميل السابق في الاستخبارات السوفياتية "كي جي بي" ترمب، كمن يتمعن في كتاب.

وقدّر بوتين بشكل دقيق أن الطريقة الصحيحة في خداع ترمب ودفعه إلى قبول مطالبه القصوى هي تجميل أية اتفاقية محتملة عن طريق تضمينها عروضاً تجارية مغرية للأميركيين.

وجاء في النص الرسمي الذي نشره البيت الأبيض للمكالمة الهاتفية التي امتدت ساعتين بين بوتين وترمب في وقت سابق من الأسبوع الماضي، وورد فيه كلام يحمل خلطاً سافراً بين لغة الدبلوماسية الدولية ولغة قطاع العقارات "اتفق الزعيمان على أن تحسين العلاقات الثنائية المستقبلية بين الولايات المتحدة وروسيا ينطوي على فوائد جمة. وهي تشمل اتفاقات اقتصادية ضخمة واستقراراً جيوسياسياً بعد تحقيق السلام".

ما عسى هذه الاتفاقات الاقتصادية الضخمة أن تكون يا ترى؟ في تسعينيات القرن السابق، هرعت الشركات الأوروبية والأميركية المتعددة الجنسية إلى روسيا وهي تحلم بالأموال التي ستجنيها على أنقاض الإمبراطورية السوفياتية المنهارة. استفادت الشركات الأميركية العملاقة مثل "بروكتر أند غامبل" و"فورد" و"ماكدونالدز" و"فيليب موريس"، كما استفادت العلامات التجارية الأوروبية مثل "بيريللي" و"إيكيا" و"فولكسفاغن" و"دانون" و"سيمنز" وأنشأت متاجر ومصانع في كل أرجاء روسيا. بحلول عام 2020، بلغت أرباح ماكدونالدز في روسيا نحو 10 في المئة من عوائد الشركة عالمياً.

لكن حتى قبل غزو بوتين أوكرانيا، كان عدد كبير من هذه الصفقات قد تدهور كثيراً. فقد خسر عملاقا النفط "بي بي" و"شيل" امتيازات التنقيب المربحة من خلال عملية استيلاء عدائي دعمها جهاز الأمن الفدرالي "أف أس بي". وبعد الغزو، غادرت مئات الشركات الغربية البلاد إما بسبب العقوبات التي جعلت عملها فيها غير شرعي، أو لأن مساهميها رفضوا العدوان الروسي.

يجب أن تتحلى الشركات بصلابة وشجاعة كبيرتين للعودة إلى السوق الروسية. ويقول تشارلز هيكر، الذي قضى 40 عاماً في العمل مستشاراً في مجال الأخطار الجيوسياسية في روسيا وصدر له كتاب جديد بعنوان "رابح وخاسر: صعود وهبوط الشركات العالمية في روسيا"، "لا بد من أن مجتمع شركات الأعمال الأميركي يرغب في أن يعلم إن كانت توقعات ترمب الطموحة لتطبيع العلاقات مع روسيا ستتضمن أية مساندة. فالتأمين على الأخطار السياسية للشركات العائدة إلى روسيا سيكون باهظاً، هذا إن توفر في الأساس. فهل سيأخذ البيت الأبيض على عاتقه دور الضامن الأخير؟".

دق الكلام عن "الفوائد الجمة" و"الصفقات الاقتصادية الضخمة" من قبل البيت الأبيض ناقوس الخطر في أوكرانيا وفي أوساط الجهات الداعمة لها. فما يعنيه ذلك في نهاية المطاف هو رفع العقوبات الحالية. وعلى رغم التوقعات الواثقة التي أطلقها المسؤولون الأميركيون في صيف 2022 بأن العقوبات الغربية سترهق كاهل آلة حرب بوتين وتستنفد مواردها بسرعة، سرعان ما تمكن الاقتصاد الروسي من الالتفاف عليها. بدأت روسيا بتصدير النفط إلى الهند لتكريره تمهيداً لتصديره مجدداً إلى الأسواق الأوروبية وباستيراد التكنولوجيا الممنوعة عليها من خلال دول الاتحاد السوفياتي السابقة المجاورة لها. لكن في ظل بلوغ معدلات الفائدة 22 في المئة، ووجود العقوبات المصرفية القاسية، لا يزال الكرملين مضغوطاً ولا شك في أن بوتين سيرحب برفع العقوبات مع أنه يمتلك القدرة على القتال أعواماً بعد.

تمتلك روسيا حتى يومنا هذا فرصاً كثيرة لجني أرباح مالية. فحقل شتوكمان للغاز الطبيعي الواقع تحت البحر الأبيض القطبي مقابل ساحل نوفايا زيمليا يعد أكبر احتياط غاز غير مُستغل في العالم. وتزخر روسيا بآبار النفط التي تعود إلى الحقبة السوفياتية وقد شارفت على النفاد لكن يمكن إعادة تنشيطها عن طريق استخدام تقنيات التصديع الهيدروليكي، لكن ذلك يتطلب استقدام خبرات الغرب وتوظيف استثمارات ضخمة.

نظرياً، يقطع ترمب وعداً ضمنياً برفع العقوبات عن روسيا كجزء من أية اتفاقية سلام وهذا يضعه على مسار تصادمي مع الاتحاد الأوروبي. ففي اجتماع القمة الذي عقده الاتحاد في بروكسل الخميس الماضي، تعهد بتشديد العقوبات وليس تخفيفها. ويصب كل توتر إضافي في العلاقات الأميركية -الأوروبية في مصلحة بوتين. ولو وقع أي شقاق في العلاقات بين الدول الأوروبية نفسها، لا تتبقى سوى جائزة واحدة كبيرة يمكنها أن تجعل ألمانيا تحيد عن الخط الأوروبي الحازم تجاه روسيا - وهي احتمال إعادة واردات الغاز الرخيصة عبر أنبوب نفط نورد ستريم الذي يمر تحت بحر البلطيق.

في سبتمبر (أيلول) 2022، فُجرت ثلاثة أنابيب من أصل أربعة في نورد ستريم على يد مخربين أوكرانيين- وفقاً لجهاز الشرطة الألماني والدنماركي. لكن لا يزال أنبوب واحد في نورد ستريم - 2 على حاله ومليء بالغاز المضغوط. وتشير التقديرات إلى أن كلفة تصليح الأنابيب الأخرى قد تبلغ 400 مليون يورو. وفقاً لصحيفة التابلويد الألمانية "بيلد"، ونقلاً عن مصادر مجهولة الهوية، قد يُسلم نورد ستريم-2 إلى الأميركيين كي يستأنفوا ضخ الغاز الروسي إلى ألمانيا. وتقول الصحيفة إن المعاملات المطلوبة في هذا الشأن "جارية".

لا شك في أن استئناف استيراد الغاز الروسي مسألة كفيلة بإثارة جدل سياسي ضخم في ألمانيا وسائر الدول الأوروبية. لكن حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني، الذي حاز نحو 21 في المئة من أصوات الناخبين في الانتخابات الأخيرة مقابل 28 في المئة حصدها المستشار فريدريش ميرتس، أقام حملته الانتخابية على أساس وعود إعادة العمل بأنبوب نورد ستريم بعد تحقيق السلام مع روسيا. كذلك فإن دعم إعادة فتح خط نورد ستريم سيشكل انعطافة كبيرة لترمب نفسه الذي قرع الألمان والأوروبيين مراراً وتكراراً خلال ولايته الأولى بسبب اعتمادهم المفرط على روسيا. لكن أنبوب النفط يمثل مكسباً مادياً ضخماً للجهة التي تشغله أياً كانت.

حتى اللحظة، إن الصفقة الوحيدة الملموسة التي ناقشتها إدارة ترمب تحديداً في العلن منذ الاتصال بين بوتين وترمب هي مقترح غريب صراحة يدور حول تسلم الولايات المتحدة إدارة كل المحطات النووية الأوكرانية- بما فيها المحطة الأكبر في زابوريجيا التي تحتلها روسيا منذ عام 2022.

وقال وزير الطاقة الأميركي كريس رايت لقناة "فوكس نيوز" إن الأمر سيكون "مفيداً" لتحقيق السلام في أوكرانيا، مضيفاً "يمكن أن تدير الولايات المتحدة محطات للطاقة النووية في أوكرانيا. لا مشكلة لدينا، يمكننا أن نقوم بذلك". ورداً على سؤاله كيف سيتحقق ذلك، أجاب رايت بقوله "نمتلك خبرات تقنية ضخمة في الولايات المتحدة في إدارة محطات مماثلة. لا أعتقد أن ذلك يتطلب وجود قوات على الأرض".

إنما لا أحد شرح كيف ستسهم سيطرة واشنطن على 15 محطة نووية من الحقبة السوفياتية في أوكرانيا في إحلال السلام. والنقطة الأقل وضوحاً بعد هو كيف ستتمكن أية شركة أميركية من تحقيق ربح من هذه المنشآت النووية القديمة في بلد تُعد فيه أسعار الطاقة أقل بأضعاف تلك في أوروبا الغربية. وفي هذه الأثناء، قال زيلينسكي بشكل حازم إنه "قطعاً لم يناقش مسألة الملكية مع الرئيس ترمب"- وإنه على أية حال، فالمحطات النووية الأوكرانية "جميعها ملك دولتنا".

وفي نهاية المطاف، لدينا طبعاً صفقة "المعادن النادرة" التي كان من المزمع أن يوقعها فولوديمير زيلينسكي في فترة سابقة من الشهر الجاري في واشنطن- لكنها تعطلت بعد المشادة التي شهدها المكتب البيضاوي. وتماماً كالفرص التجارية "الضخمة" في روسيا، لا توفر صفقة المعادن مع أوكرانيا سوى فرص تجارية قليلة. في الواقع، وبحسب المسح الجيولوجي الأميركي، لا تمتلك أوكرانيا من المعادن الأرضية النادرة سوى كميات ضئيلة، والتي تُعرَّف بأنها 17 عنصراً تُستخدم بكميات ضئيلة في الإلكترونيات والبطاريات.

لكن حتى لو وُجدت هذه الموارد، لم تتخط قيمة السوق العالمية للمعادن النادرة 6.2 مليار دولار في عام 2024. وهذا ينطبق أيضاً على المعادن الأخرى التي تمتلكها أوكرانيا بالفعل مثل التيتانيوم- وبلغت قيمة سوقه العالمية 29 مليار دولار العام الماضي، كانت حصة أوكرانيا منه 0.5 في المئة فحسب- أو الليثيوم الذي تبلغ قيمته 37 مليار دولار سنوياً تقريباً فيما لم تنتج منه أوكرانيا أي شيء بعد. أما منجم الغرافيت الوحيد في أوكرانيا فقد أُغلق في ديسمبر (كانون الأول) بعد 80 عاماً من الإنتاج بسبب انهيار الأسعار العالمية.

لكن ترمب مهووس بصورته كملك فن الصفقة. وقد فهم بوتين ذلك ويسعده أن يمنح ترمب احتمالية التوصل إلى كل أنواع الصفقات الممكنة كي يخدع البيت الأبيض بغرض اكتساب شيء أثمن بكثير منه. سطوة متجددة على أوكرانيا ورفع العقوبات ومستقبل تحظى فيه روسيا بمعاملة الدول العظمى من جديد.

© The Independent

المزيد من آراء